بعد إن خسر حزب العدالة والتنمية الأغلبية في الانتخابات التي جرت في 7 حزيران 2015، والتي صدمت نتيجتها الرئيس " رجب طيب اوردوغان" والرأي العام التركي والإقليمي، وفشل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، ولأول مرّة منذ 2002، في الحصول على الأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية، وهذه الانتخابات البرلمانية، التي أجربت في يوم الأحد 7 حزيران 2015، والتي حصل فيها على 40.8% فقط من الأصوات، ولم يستطع تشكيل الحكومة منفردا او حتى الحصول على ائتلاف مع الأحزاب التركية الثلاث الأخرى، وهي ، الحزب الشعب الجمهوري الذي حصل على 25.16%، وحزب الحركة القومية الذي حصل على 16.5%، وحزب الشعوب الديمقراطي الذي حصل على 13%، وهي نتيجة اقل ما توصف به أنها ضربه قاتلة لجهود الرئيس لتغيير النظام الرئاسي بشكل يمنحه مزيدا من السلطات.
ونتيجة لعدم تمكن حزب العدالة والتنمية من حصوله على الأغلبية التي تمكنه من تشكيل حكومة في تركيا، ورفض الأحزاب الثلاث الدخول في حكومة ائتلافية معه، اتجه حزب العدالة إلى الإعلان عن إجراء انتخابات ثانية في تركيا، بدأت يوم 1/11/2015، وقد حقق فيها حزب العدالة والتنمية الأغلبية بحصوله على أغلبية مريحة تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا، فقد حصل على نسبة 49.4% من أصوات الناخبين، أي 316 مقعدا، وهي نتيجة ستمكن الحزب من تشكيل حكومة أغلبية في البرلمان، ولن يحتاج إلى الائتلاف مع حزب أخر، فيما حصل حزب الشعب الجمهوري على 25،4%، والحركة القومية على 12% ، ونال حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد كذلك 10،5%. ، في الوقت الذي حافظ فيه حزب الشعب الجمهوري تقريبا على نسبة الأصوات نفسها، فقد تراجع حزبا الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطية بنسبة 2.5%، و 3% على التوالي عن نتائج الانتخابات السابقة.
ومهما كانت نتيجة الانتخابات، فان اغلب التحليلات أشارة إلى إن فوز اوردوغان وحزبه في الانتخابات تعود لعدة أسباب منها: إن "اوردوغان" هاجم خصومه ومعارضيه، ومارس ضدهم كل أشكال الإرهاب وقمع الحريات وكم الأفواه، وأطلق بحق شعبه أوصافاً واتهامات، وصلت حد التخوين، وقال للأتراك ما معناه: إما أنا وإما الفوضى والإرهاب.
كما قام بالتعاون مع المجموعات التكفيرية وعلى رأسها تنظيم 'داعش'، التي يعود الفضل لها بفوز حزب إردوغان، عندما قامت بخلق حالة من الهلع والخوف بين الأتراك، من المستقبل، عبر التفجيرات الإرهابية والاغتيالات، وهي رسالة وصل مضمونها إلى الكثير من الأتراك الذين خافوا أن يواجهوا ذات المصير الذي يواجهه الآن جيرانهم في العراق وسوريا، إذا رفضوا منح أصواتهم لـ(اوردوغان) 'المنقذ.
حالة التخبط والانشقاقات التي تعتري الأحزاب المنافسة، فلم تكن لديهم رؤية واضحة للموقف في تركيا، ولم تكن بينهم وحدة صف للوقوف بوجه حزب العدالة والتنمية، إضافة إلى استغلال الحكومة التركية للخلاف الذي جرى بين قيادات بعض الأحزاب السياسية حول المشاركة مع حزب العدالة والتنمية من عدمه في تشكيل الحكومة في الانتخابات السابقة، إذ إن بعض أعضاء هذه الأحزاب كانت ناقمة على قياداتها لعدم تمكنها من المشاركة في حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية، خاصة أعضاء حزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطية التي كانت اقرب إلى التحالف، إذ ذكرت بعض التقارير من إن بعض أعضاء حزب الشعوب الديمقراطية الموالي للأكراد انتقدوا قيادات الحزب لإضاعتها فرصة كانت يمكن إن تجعل الحزب يوافق على الائتلاف مع حزب العدالة لتشكيل الحكومة التركية.
إضافة إلى الدعاية التي غلف حزب العدالة نفسه بها وهي انه الحزب الإسلامي الوحيد في تركيا وانه يمثل رغبات الأتراك المسلمين، وفي نفس الوقت اتهم منافسيه بأنهم "أحزاب المُلحدين"، " و مُعادية للدين" وهذا ما اثر على عمل بعض الأحزاب ومنها حزب الشعب الجمهوري.
بعد هذه المقدمة نطرح السؤال التالي: هل ان حصول حزب العدالة والتنمية على الاغلبية في الانتخابات التركية تعني فوزه الرئيس اوردوغان بالحصول على التأييد الشعبي داخليا واقليميا ودوليا؟ ام ان هذا الفوز سوف يضع الكثير من القيود والهموم على الحزب وعلى قياداته؟، خاصة بعد العدد الكبير من المتغيرات الداخلية والخارجية التي تجري في آن واحد، والتي يترك كل منها تأثيرها بطبيعة الحال على هذا الفوز.
تشير العديد من التوقعات إلى إن سرعة التطورات الداخلية والخارجية التي لا يمكن التحكم في مجرياتها بشكل دقيق، والتي قد تنقلّب بطبيعة الحال خلال الأيام القادمة ، وتجعل من فوز الحزب ورئيسه اوردوغان خسارة لهم داخليا وخارجيا، ومن هذه التوقعات هي
اولا: على مستوى الداخل التركي
1- ان حصول حزب العدالة والتنمية على الاغلبية في هذه الانتخابات لم يأتي نتيجة التأييد الشعبي الواسع له، لان خسارته في الانتخابات السابقة هي دليل على تراجع شعبيته في اوساط الشعب التركي، وحتى تراجع التأييد الإقليمي والدولي لتركيا، اذ ان قيام الحكومة التركية قبل الانتخابات بعدة إجراءات بوليسية واسعة، واعتقال عدد من المعارضين وغلق بعض القنوات الفضائية، من اجل الحد من شعبية الاحزاب السياسية المنافسة له في الانتخابات، لمنعها من الحصول على اصوات تنافسه وتحرمه الأغلبية التي يسعى لها، هذه الإجراءات سوف تجعل حزب العدالة وزعيمه يعيشون هاجس الخوف والترقب.
2- إعلان الحرب على تنظيم داعش: – حليفها السابق حسب اغلب التصريحات والاخبار من داخل تركيا-، فقد اعلنت تركيا ،ومن اجل تحسين صورتها الاقليمية والدولية؛ عن قيامها بعمليات ضد تنظيم داعش الإرهابي، وإنها قطعت كل الامدادات التي كان يحصل من داخل تركيا، فعلى الرغم من هذا الإعلان إلا إن المتابع للأحداث يرى داعش لازال يتلقى الدعم مت تركيا، من خلال مقراته داخل الاراضي التركية، كذلك استمر الدعم التركي للمجموعات الاخرى مثل " النصرة وجيش الشام" وغيرها، كذلك اتهام بالتنظيم بالعديد من التفجيرات داخل تركيا نفسها، لهذا إن دعم تركيا للمجموعات المسلحة في سوريا ثم الانقلاب عليها هي سياسة محفوفة بالمخاطر، واحتمال انتقال الإرهاب إلى داخل تركيا نفسها ليس ببعيد خاصة بعد حدوث عدة انفجار في تركيا، إذ كان تنظيم داعش وحزب العمال على رأس المتهمين بها.
3- حملات الاعتقال والملاحقة الواسعة ضد جماعة ( فتح الله كولن) الإسلامية المقيم في امريكا، فقد كان من المقربين من "رجب طيب اوردوغان" فقد استخدمه الأخير من اجل كسب اصوات الاسلامين المتشددين، ثم بدا الخلاف بينهما، لهذا قامت الشرطة باعتقال العديد من أنصار ( كولن) في اسطنبول والعديد من المدن التركية الأخرى، منهم ضباط شرطة وعسكريين وحكام مناطق سابقين، بتهمة التخطيط للقيام بانقلاب عسكري ضد الرئيس وحزبه، هذا سوف يرجع فرضية إن تشدد الرئيس " اوردوغان" في إجراءاته ومحاولته توسيع صلاحياته، سوف يؤدي إلى احتمال حدوث انقلاب عسكري في تركيا، كما حدث لرؤساء قبله حاولوا الانقلاب على المبادئ الاتاتوركية، وإقامة نظام رئاسي قوي يتخطى سيطرة العسكر، الحامية لهذه المبادئ والدستور، إذ إن عملية قيام العسكر بعزل زعيم حزب العدالة ورئيس الوزراء السابق " نجم الدين اربكان" لا زالت متداولة في الأوساط التركية.
4- قيام حكومة حزب العدالة والتنمية أيضا بإغلاق عدة محطات فضائية وإذاعات للمعارضة التركية، والتضييق على المعارضين قبل الانتخابات لمنع الحملات الانتخابية للمعارضة، واعتقال عدد من النشطاء الاكراد في مدن مختلفة، كما ذكرت العديد من التقارير عن توجيه الاتحاد الاوربي ومنظمة التعاون في اوروبا انتقادات للحكومة التركية لإجراءاتها ضد المعارضة قبل الانتخابات، هذه الأعمال سوف تجعل الأحزاب السياسية تتشدد في مواقفها من حزب العدالة والتنمية، وسوف لن يكون بإمكانه تمرير أي قرار يحتاج إلى أغلبية كبيرة من الأصوات، إضافة إلى إن هذه النتيجة الانتخابية في 7 حزيران وفي 1 تشرين الثاني، إن دلت تدل على شيء واحد وهو بداية تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية، لان إصرار اوردوغان على الفوز واعتماد مختلف الأساليب يدل على عدم إيمانه بالديمقراطية، وبتداول السلطة، كما هو حاصل في بلدان الغرب.
5- تراجع الحاصل في أداء العديد من القطاعات الاقتصاديّة في البلاد جراء حالة عدم الاستقرار السياسي الناجمة عن الوضع الذي برز بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 7 حزيران الماضي، كما يمكن ملاحظة وجود هبوط سريع لسعر الليرة التركية مقابلة اليورو والدولار إلى مستويات قياسيّة تحت ضغط الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في البلاد، هذا المُعطى أثّر ويؤثّر بشكل سلبي على وضع المواطن الاقتصادي والمعيشي.
وعلى الرغم من الحزب استغل هذه الأزمة الاقتصادية في كسب الناخبين، من خلال طرح فكرة أنّ هذا الوضع هو نتيجة للوضع الذي أفرزته الانتخابات السابقة وأنّه من الأفضل العودة إلى المعادلة التي كانت قائمة خلال السنوات الـ12 الماضية، والتي حقّقت الإنجازات والاستقرار للبلاد فقد يفيد هذا بالتأكيد حزب العدالة والتنمية، ويعزز من قدرته على الوصول إلى هدفه بشكل أكبر، ولكن تشير التحليلات الاقتصادية إلى إن الأزمة الاقتصادية سوف تستمر في تركيا لعدة أسباب: منها، الحرب على حزب العمال الكردستاني التي سوف تكلف الميزانية الكثير، إضافة إلى الأوضاع الإقليمية المتدهورة التي سوف تضع قيودا على الصادرات التركية، التوتر في علاقات تركيا مع بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر والسعودية والإمارات بسبب دعم تركيا لحركة الإخوان المسلمين في هذه الدول، والتي تعد حركة إرهابية بنظرها.
وعلى هذا إذا لم تتحسن الأوضاع الاقتصادية، وفهم الشارع التركي أنّ ما يجري اليوم هو نتيجة سياسات حزب العدالة والتنمية، وقام بتحميل المسؤولية لأفراد نافذين في السلطة بذاتهم فسيكون ذلك سيئا بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية، ولهذا السبب بالتحديد، فاغلب الظن إن الفترة المقبلة ستشهد صراعا على تركيز وجهات النظر، وعلى الكيفية التي يريد فيها كل طرف أن يشرح للناخبين سبب الأزمة الاقتصادية الحالية.
6- الاستقرار الأمني: بعد سنوات من الهدوء والاستقرار الأمني ولاسيما في مناطق شرق وجنوب تركيا، بعد الاتفاق بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، عادت العمليات العسكرية من جديد، وعادت الاشتباكات بين القوات الأمنية وعناصر حزب العمال الكردستاني، وهناك قتلى من الطرفين بشكل شبه يومي، وعلى الرغم من تبرير حزب العدالة والتنمية موقفه، بأنّ حزب العمال الكردستاني هو الذي كان أعلن انتهاء عملية السلام، وتبنى بشكل علني عمليات عسكرية أدت إلى مقتل عناصر من الأمن، إلا إن هذه التبريرات سوف لن يصدقها أي تركي أن يدافع عنها أو يبررها أي مواطن، لان انفجار سوروج الذي بدأت الحرب على الحزب بسببه حدث في مدينة ذات أغلبية كردية، كذلك، سيكون من الصعب على حزب العدالة استرجاع موقعه السابق في المناطق ذات التواجد الكردي شرق البلاد بسبب الضغوط الأمنية التي يمارسها مسلحو حزب العمال الكردستاني على الناس هناك، وبعد سنوات من الهدنة استطاع حزب العمال تجميع قوته بشكل كبير واستخدام شمال العراق كملجأ له، وحصوله على الدعم و التعبئة القومية التي يضخها حزب الشعوب الديمقراطية أيضا، وأخيرا أعلن الحزب من طرف واحد إلغاء الهدنة مع الحكومة التركية، إن اغلب التحليلات تؤكد إن استئناف الحرب ضد حزب العمال الكردستاني، وإلغاء الهدنة ستكون عواقبها ذات تأثير كبير على الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي التركي، خاصة وان هذه الحرب أدت لحد ألان إلى قتل أكثر من (300) عنصر امن تركي، وقيام الحزب بعمليات عسكرية مؤثرة لم يكن ممكنا القيام بها قبل الهدنة مع الحكومة التركية.
7- أن عدد المقاعد التي فاز بها الحزب تقل بـ 14 مقعدا عن العدد اللازم للقيام بالإصلاحات المهمة أو الدعوة إلى استفتاء التي يسعى لها " اوردوغان" ومنها تغيير الدستور وإقامة النظام الرئاسي، وزيادة صلاحيات الرئيس، ويحتاج الحزب إلى 60 مقعدا إضافيا كي تتمكن حكومته من إدخال التعديلات على الدستور في البرلمان دون إجراء استفتاء، وبهذا فان هذا الفوز سوف لن يحقق لـ(اوردوغان) أي من طموحاته، وهي فرصة للأحزاب المعارضة لحزب العدالة والتنمية لكبح جماح ما يعتبرونه اتجاهات سلطوية متزايدة لدى اوردوغان.
ثانيا: على المستوى الإقليمي والدولي
1- إن اعتماد حزب العدالة والتنمية وزعيمه " اوردوغان" على الأزمة السورية في تقوية موقعه في السلطة، ونفوذه الإقليمي هو حل مؤقت وليس دائمي، لان الأزمة السورية قد دخلت مرحلة جديدة بعد تدخل روسيا المباشر في سوريا، والذي غير مجريات الأحداث، واحتمال انفراج الأزمة السورية مستقبلا، كما إن اغلب العمليات العسكرية الروسية في سوريا تتم في شرق وشمال سوريا، أي في مناطق المجموعات المسلحة الموالية لتركيا، التي منيت بهزائم كبيرة وأدت إلى تقدم الجيش السوري وتحرير اغلب مناطقها وخاصة الطرق الاستراتيجية، كما إن مصير المجموعات المسلحة الموالية لتركيا مستقبلا، في حالة هزيمتها سوف يكون في الأراضي التركية، التي قد تخلق مشاكل لتركيا من ناحية الأمن، كذلك الانتقاد الشعبي والدولي.
2- انحسار الدور الإقليمي لتركيا بشكل لافت للنظر في عهد حزب العدالة والتنمية، لدوره السلبي في اغلب أحداث المنطقة، واعتماده على المد الديني والمذهبي، والذي قاد إلى توتر علاقاتها مع دول مهمة في المنطقة مثل العراق ومصر والسعودية، إذ إن عدم وقوف تركيا مع السعودية في حرب اليمن، وعلاقاتها القوية مع قطر المنافس للسعودية، ودعمها للإخوان المسلمين في مصر، ودورها السلبي في ليبيا، ودعمها لداعش في العراق، وعلاقاتها مع إقليم كردستان على حساب بغداد وخاصة في مجال النفط، جعلها شريك غير مناسب وغير موثوق فيه، لأغلب الدول العربية، وان هذا الدور السلبي لحزب العدالة والتنمية بقيادة اوردوغان خلق عداءً إقليميا لتركيا، ومن كل الجبهات، في الجنوب سوريا والعراق وفي الشرق إيران، وفي الشمال روسيا، والغرب العداء التاريخي مع اليونان، لذلك سوف يخلق هذا الوضع ضغوطا أمنية على تركيا مستقبلا، وسوف يجعل هذه الدول غير مترددة في التدخل في الشأن التركي كلما سنحت الفرصة لذلك.
3- إن تعويل حزب العدالة والتنمية على مساعدة أمريكا ودعمها لتركيا في تحقيق مصالحها في المنطقة، قد خف بريقه ألان، إذ إن أمريكا بدأت تطبيق إستراتيجية جديدة تقوم على التدخل المباشر في المنطقة أو من خلال المجموعات المسلحة وليس دول، كذلك تخفيف التوتر بين أمريكا وبين بعض الدول مثل إيران، لهذا نجد إن أمريكا قامت أخيرا بدعم ومساعدة أكراد سوريا بالسلاح والمستشارين رغم المعارضة التركية الشديدة، وهذا يدل على إن دور تركيا في الإستراتيجية الأمريكية لم يكن كما كان في السابق.
4- حصول إيران على حقوقها النووية في الاتفاق النووي بينها وبين مجموعة 5+1، قد جعل منها الدول الإقليمية رقم واحد في المنطقة، فقد استطاعت إن تحصل على حقوقها النووية، وإجبار الغرب على الاعتراف ببرنامجها النووي للأغراض السلمية، كما إن تدخل إيران في شؤون المنطقة كان عبر البوابة الرسمية لهذه الدول، ويتم بطرق سلمية، على عكس تركيا التي اعتمدت على أحزاب ومجموعات مسلحة، أغرقت المنطقة بالفوضى والدماء، لهذا فان تدخل حزب العدالة والتنمية في شؤون المنطقة قد يجعل من تركيا مستقبلا دولة منبوذة على صعيد الإقليم في مقابل إيران.
5- لقد دخل المتغير الروسي المباشر في الأزمة السورية ضيفا غير مرحب به من جانب تركيا، فإضافة إلى العداء التاريخي بين الأتراك والروس، فان وجود قوات روسية في جنوب تركيا وشمالها جعلها بين فكي كماشة، لقد كان لدور تركيا السلبي في سوريا سبب من أسباب تدخل روسا المباشر، لهذا فان العلاقات المستقبلية بين الدولتين سوف تنطوي على العديد من الأزمات، فمن جهة قد تقوم روسيا، ومن اجل إيقاف دعم تركيا للمجموعات المسلحة في سوريا، بدعم حزب العمال الكردستاني في تركيا، خاصة وان للحزب روابط تاريخية مع روسيا الشيوعية، ومن جهة أخرى إن أي حل للازمة السورية سوف يجعل لروسيا دورا مستقبليا فيها، ويخرج تركيا من اللعبة.
6- كما إن إلغاء الهدنة مع حزب العمال واستئناف العمليات العسكرية ضده، سوف تقود إلى تدخل عدد من دول الإقليم والعالم بالشأن التركي أكثر من قبل، لان حزب العمال سيكون مضطرا للتعامل مع تركيا بالقوة والاستعانة بأي مساعدة تقدم له من دول إقليمية مثل إيران وسوريا، ومن روسيا، خاصة وان كان لتركيا دورا سلبيا من الأزمة السورية وهذا ما أزعج هذه الدول وجعلها تبحث عن منفذ لإرباك الوضع الأمني في تركيا نفسها.
وأخيرا، إن السياسة الداخلية والخارجية لحزب العدالة والتنمية وزعيمه اوردوغان، منذ تسلمه للسلطة في تركيا تم بناءها على أساس سياسة انتهازية، وليس على أساس مصالح استراتيجية وعلاقات مصالح متبادلة، فقد ركب موجة التدين، وجعل من نفسه حامي لمبادئ الإسلام في تركيا، من اجل الوصول للسلطة وليس لقناعة شخصية بهذه المبادئ، كما انه خلق عداءا إقليميا لتركيا من خلال التدخل المباشر في دول الجوار ودعم المجموعات المسلحة، والتي صبت في مصلحة أمريكا وإسرائيل، ولم تجني تركيا منها سواء عداء دول وشعوب المنطقة لها، ودوليا اتبع اوردوغان سياسية التابع لأمريكا ودعم مشاريعها في المنطقة، وروج لسياسة الإسلام المعتدل، ولكنه لم يحصل منها إلا على المزيد من العزلة الدولية، وأخرها انتقاد المفوضية الأوربية لحقوق الإنسان لتدهور حالة حقوق الإنسان في تركيا.
اضافةتعليق