إسقاط الطائرة الروسية.. ضرب هدفين بحجر واحدة

شارك الموضوع :

في يوم السبت 31 تشرين الأول 2015، .أعلن تحطم طائرة ركاب روسية من نوع "إيرباص 321" تابعة لشركة "كوغاليم أفيا" في سيناء ، وعلى متنها 224 شخصا ، إذ إن الطائرة أقلعت من شرم الشيخ في طريقها إلى مدينة سان بطرسبرغ عند الساعة 6.21 دقيقة بتوقيت موسكو وفقد الاتصال بها بعد 23 دقيقة من إقلاعها، وأوضحت الهيئة أن الطائرة ذات الرحلة 9268 كانت تقل على متنها 217 راكبا و7 من طاقمها. وقد طرحت عدة احتمال لأسباب إسقاط الطائرة الروسية، بعضهم قال بان المرتبط بتنظيم داعش أسقطها بصاروخ أطلق من الأرض، إذ بعد سقوط الطائرة مباشرة، أعلن تنظيم ولاية سيناء ، الفرع المصري لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مسؤوليته عن إسقاط الطائرة الروسية التي تحطمت في سيناء، وقال التنظيم في بيان نشره على موقعة الرسمي إنه تمكن من "إسقاط طائرة روسية فوق ولاية سيناء، تُقلُ على متنها ما يزيد على 224 روسيا قُتلوا جميعا" ، وعلل ذلك بأنه جاء ردا على التدخل الروسي في سوريا، وهي فرضية لم يتم تصديقها أو التأكد منها لحد ألان، لأسباب عديدة، منها لايوجد للتنظيم تواجد واسع في الأرض التي سقطت فيها الطائرة في سيناء، كما إن التنظيم لا يملك صواريخ قادرة على إسقاط الطائرة وهي بارتفاع من 10 آلاف متر تقريبا، علما إن تنظيم داعش الإرهابي ومنذ انطلاقته في الشرق الأوسط عام 2006 لم يسقط أي طائرة ركاب مدنية، حتى في سوريا التي يسيطر فيها على مساحات واسعة جدا، وبهذا فان إعلان التنظيم عن إسقاط الطائرة هو من باب رفع المعنويات، واثبات الوجود في سيناء. ثم ذكرت بعض المصادر إن إسقاط الطائرة تم عن طريق تفجير قنبلة كانت موضوعة في صندوق الحقائب في الطائرة مما أدى إلى انشطار الطائرة في الجو قبل إن تصل الأرض، وقد تكون جهات تخريبية وراء الحادث، كما علل بعضهم سقوط الطائرة إلى احتمال وجود خلل في الطائرة نفسها. وعلى الرغم من الاحتمالات التي طرحت لتفسير إسقاط الطائرة الروسية في سيناء، سواء كان بصاروخ من تنظيم مسلح في سيناء أو وجود قنبلة على متن الطائرة، أو خلل فني فيها، إلا إن حادث اسقاط طائرة روسية تنقل سواح داخل الاراضي المصرية، يحمل في طياته اكثر من سيناريوا وهدف، وهو يسعى لتحقيق عدة وأهداف بعضها يخص الشأن المصري وبعضها يخص روسيا نفسها، وهي بمجملها لن تخرج عن وجود مؤامرة تحاك ضد مصر أولا وضد التدخل الروسي في سوريا ثانيا، وهي تصب في مصلحة بعض الدول التي تخطط منذ أمد بعيد من اجل تفتيت المنطقة، كذلك يصب في مصلحة المجموعات المسلحة وعدة دول أخرى في المنطقة وخارجها، ومن هذه الأهداف هي: أولا: فيما يخص الشأن المصري: 1- الهدف السياسي: منذ إن أعلنت أمريكا حربها على الإرهاب بعد إحداث أيلول 2001، وهي ترفع شعار الشرق الأوسط الجديد، وهو المشروع الذي يهدف في طياته تقسيم المنطقة الممتدة من المغرب العربي إلى باكستان، وحماية امن إسرائيل، ولهذا فان مصر داخلة ضمن هذا المخطط. لذلك بدأت الأحداث من تونس عام 2011، ثم امتدت إلى مصر، فتم إسقاط نظام الرئيس ( حسني مبارك)، الذي حكم مصر لأكثر من ثلاثين سنة، وكان صديقا حميما وأمريكا والغرب، ثم جيء بنظام إسلامي وهو الرئيس (محمد مرسي)، من الإخوان المسلمين، وكان الهدف من هذه الأحداث – حسب اغلب المحللين- إدخال مصر في الفوضى ومن ثم تقسيمها، إلا إن قوة الجيش المصري الذي تنبه للأمر قد افشل الأمر، وتدخل بانقلاب عسكري أطاح بحكم مرسي وشكل حكومة جديدة بقيادة وزير الدفاع (عبد الفتاح السيسي)، الذي فاز في انتخابات الرئاسة فيما بعد، لهذا انتقدت اغلب الدول الغربية- وعلى رأسها أمريكا- هذا الانقلاب واعتبروا انتهاكا للديمقراطية، لهذا بعد مدة وجيزة من استلام (السيسي) الحكم ظهر تنظيم عسكري مسلح في مصر وهو تنظيم بيت المقدس الذي أعلن ارتباطه بتنظيم داعش الإرهابي، وقد قام بعدة عمليات إرهابية ضد الجيش المصري والمنشات المدنية والأمنية أدت إلى قتل المئات من الجنود والشرطة والمدنيين المصريين، لذا جاءت إسقاط الطائرة الروسية في مصر، وتبني التنظيم عملية إسقاطها، من اجل إحداث خلل في استراتيجية الامن المصري، واظهاره على انه امن ضعيف وخترق، ومن ثم ينعكس ذلك الضعف على الحكومة المصرية الحالية، تمهيدا لاحداث فوضى امنية في مصر قد تساعد مخططي مشروع الشرق الاوسط الجديد تحقيق ما عجز الاخوان من تحقيقه في مصر. 2- اقتصاديا: من المعلوم ان الاقتصاد المصري اقتصاد ضعيف يعتمد بشكل رئيسي على المساعدات الدولية، وعلى واردات السياحة التي تشكل المركز الاول للدخل القومي في مصر تاتي بعدها تحويلات المصرييين في الخارج، ثم الصناعة والزراعة تباعا، وعلى الرغم من عدم الاستقرار السياسي وهجمات الجهاديين، ما زالت المنتجعات الواقعة على البحر الاحمر في جنوب شبه الجزيرة من الوجهات السياحية الرئيسية للبلاد ويرتادها السياح الروس او الاوروبيون الشرقيون الذين يصلون يوميا في عدد من رحلات الجوية، لهذا اراد مخططوا ومنفذوا اسقاط الطائرة الروسية وهي تنقل سياح من مدينة شرم الشيخ الى روسيا، ضرب الامن الاقتصاد المصري في الصميم، من خلال توجيه ضربة مؤلمة الى قطاع مهم وهو قطاع السياحة، وهو سيقود بالنتيجة الى ضرب الاقتصاد المصري المتهالك، ومن ثم ادخال مصر في نفق الفوضى الاقتصادية، لان اعتماد مصر على المساعدة الامريكية والخليجية ( السعودية والاماراتية) او اعتماد مشروط وقصير الاجل، فهو من جهة مشروط بوقوف مصر مع هذه الدول ضد الدول الحركات المعادية لها، ومع تحقيق سياساتها في المنطقة، وقصير لان أي اوامر تصدر من امريكا بوقف المساعدات لمصر فان هذه الدول سوف توقف مساعداتها لمصر، وبهذا جاء ضرب السياحة المصرية من اجل تنفيذ غايات عجز الارهاب والفوضى عن تحقيقها في مصر. اذ انه وبعد مدة قصيرة على سقوط الطائرة الروسية في سيناء اعلنت بريطانيا بان من اسباب سقوط الطائرة هو احتمال وجود عمل ارهابي، كما اعلنت بريطانيا وعدد من الدول ،حتى الخليجية منها، بايقاف كل الرحلات الجوية فوق سيناء، بدون انتظار نتائج التحقيق، وكانه هناك علم مسبق بوجود عمل متعمد ادى الى اسقاط الطائرة. 3- اذ ان اغلب التحليلات تؤكد ان هناك حرب غير معلنة حاليا على السياحة العربية من بعض الدول في العالم، وذلك من خلال عمليات ارهابية ضد الاماكن السياحية او التي يمكن ان تكون لها مستقبل سياحي، فقد تم ازارلة مدينتي الحضر والنمرود العراقيتين ( اقدم المدن الاثرية في العالم) من الوجود من قبل تنظيم داعغش الارهابي، ثم احتلال مدينة تدمر الاثرية في سورية، وقد قام التنظيم داعش الارهابي بتدمير اجزاء واسعة منها وسرقة محتوياتها، ثم العمليات الارهابية ضد السياح في تونس، في مدينة سوسة التونسية راح ضحيته 38 سائحا اجنبيا، ومغادرة الالاف السياح الاجانب لتونس، والهجون على معبد ( الكرنك) في مصر، هذه العمليات هي عمليات منظمة ضد السياحة العربية، وان المستفيد دول في الشرق الاوسط مثل تركيا واسرائيل ودول البحر المتوسط الاوربية، اذ ان أي اضرار بالسياحة العربية سيصب في صالح هذه الدول بالدرجة الاولى. 4- اعطاء انذار لمصر من ان تاييدها للتدخل الروسي في سوريا، ووقوفها الى جانب روسيا سيكون ثمنه باهضا، اذ ان مصر وحسب العديد من التصريحات للمسؤولين المصريين، ايدت شن ضربات ضد تنظيم داعش من قبل روسيا، وانها تساند التدخل الروسي المباشر، هذا التدخل الذي عارضته اغلب دول الغرب، وبعض دول المنطقة وعلى راسها تركيا والسعودية. فعلى الرغم من ان اغلب التحليلات استبعدت فرضية اسقاط الطائرة من قبل تنظيم ولاية سيناء ، الفرع المصري لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الا ان اعلان التنظيم الارهابي عن اسقاط الطائرة الروسية، هو اعطاء انصاره في مصر دعما معنويا -بعد الضربات القوية التي تلقاها التنظيم من قبل الجيش المصري في سيناء بالتحديد- وانه لا زال يعمل بقوة، وإذا ثبتت صحة فرضية وجود عمل مسلح سبب اسقاط الطائرة، فإنها تدلل على وجود خلل أمني خطير في مطار شرم الشيخ، أو تعاون بين ما يسمى الإرهابيين وبعض العاملين في المطار، وبالنتيجة ارباك قوى الامن المصري، ومن ثم مزيد من الفوضى الامنية في مصر. ثانيا: فيما يخص روسيا: اذا كان هدف التنظيم من اسقاط الروسية -كما صرح به- هو بسبب تدخلها في سوريا ضد التنظيم والمعارضة السورية، الا ان المتتبع للأحداث يرى ان تدخل امريكا والغرب ضد التنظيم كان قبل التدخل الروسي لأكثر من سنة، كما ان عدد السياح الغرب في مصر اكثر من الروس، مع وجود الطائرات الامريكية والغربية التي تنقل السياح، لذلك فان حجة التنظيم بان أسقاط الطائرة الروسية لتدخلها في سوريا سبب واحد من عدة اسباب، وهي: 1- تقول اغلب التقارير ان خطاب رئيس الوزراء البريطاني (ديفد كاميرون) بترجيح أن يكون إسقاط الطائرة تم بعبوة ناسفة بناء على معلومات المخابرات البريطانية، هي معلومات يمكن أن تكون ذات مصداقية عالية، لأنها جاءت عن طريق المخابرات البريطانية، وهي التي لها نفوذ واذرع واسعة في المنطقة، كذلك اعلان بريطانيا وقف رحلاتها الجوية الى شرم الشيخ رغم وجود اعداد كبيرة من السياح البريطانيين هناك، ان هذه صحة فرضية اسقاط الطائرة بعمل مدبر هي التي عجلت بزيارة الرئيس المصري ( عبد الفتاح السيسي) الى بريطانيا بعد الحادثة ، من اجل ثني بريطانيا عن قرارها بوقف الرحلات الجوية مع مطار شرم الشيخ. 2- بعد تدخل روسيا المباشر في سوريا، ودعمها للنظام السوري، واستهدافها المجموعات المسلحة التي تتبع هذا الطرف او ذاك، انبرت عدد من الدول وعلى راسها امريكا بالتنديد بهذا التدخل، وتهديد روسيا مباشرة، او من خلال دعم المعارضة السورية بالأسلحة المتطورة، ومنها صواريخ مقاومة للطائرات، والتي قد يكون بعضها وصل بصورة مباشرة او غير مباشرة الى المجموعات المسلحة في سيناء، وما تسبب في اسقاط الطائرة الروسية، للانتقام من روسيا وردعها من جهة، ولإثارة الراي العام الروسي ضد حكومته من جهة اخرى. 3- على الرغم من التعاون الوثيق بين دول الخليج ( السعودية والامارات) ومصر في العديد من القضايا، وعلى راسها الامنية، والمساعدات المالية الخليجية لمصر التي وصلت الى مليارات الدولارات، الا انه لا يمكن – وحسب بعض التحليلات- ان يستبعد ان يكون للسعودية دورا في اسقاط الطائرة، وذلك من اجل الانتقام من روسيا لتدخلها المباشر في سوريا الذي سبب اكبر ضربة لها ولحلفائها من المجموعات المسلحة، والذي يدعم هذه الفرضية، اولا ان العلاقات القوية بين السعودية ومصر وعلى مختلف الصعد، جعلت من الاخيرة الحليف الاول لمصر، وان احتمال ان تكون المخابرات السعودية قد خرقت الامن المصري ، من خلال التعاون مع اجهزة حماية المطار في شرم الشيخ لأسقاط الطائرة الروسية، ثانيا التهديدات التي اطلقتها السعودية في اكثر من مناسبة ضد روسيا ومصالحها في المنطقة. 4- على الرغم من زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي ( بنيامين نتنياهو) الى روسيا بعد انطلاق العمليات العسكرية للأخيرة في سوريا، والتطمينات التي اعطاها الرئيس الروسي لضيفه الاسرائيلي، بان الضربات لن تؤثر على امن اسرائيل، الا ان المتابعين للأحداث في سوريا يرون ان التدخل الروسي المباشر في سوريا قد وضع عراقيل على تحرك اسرائيل في المنطقة، خاصة وان لإسرائيل دور في دعم بعض المجموعات المسلحة في سوريا وعلى راسها "جبهة النصرة" التي تعمل في شمال وجنوب سوريا، من خلال معالجة جرحاهم ومدهم بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية. لقد كانت اسرائيل تراقب بكل دقة أي تحركات للجيش السوري وفصائل المقاومة بالقرب من حدودها الشمالية مع سوريا، او عمليات نقل للأسلحة او بالقرب من حدود لبنان مع سوريا، وقد وجهة عدة ضربات عسكرية جوية ومدفعية ضد مقرات للجيش السوري في عدة محافظات، منها في شمال سوريا وخاصة في اللاذقية، كما استهدفت اسرائيل عدة مواقع واليات للمقاومة الاسلامية " حزب الله" في سوريا، وذلك لمنع عبور السلاح الى جنوب لبنان او لمنع اقتراب فصائل المقاومة من حدودها الشمالية مع سوريا، الا ان الضربات الجوية الروسية المباشرة في سوريا، قد حدت من التحركات الاسرائيلية في سوريا وجعلتها مستحيلة التنفيذ، خاصة في المناطق التي تتواجد فيها القوات الروسية، مما ولد عنصر الريبة والشك لدى الاسرائيليين، من ان التدخل الروسي في سوريا قد يسهل عمليات انتقال المقاتلين والسلاح من سوريا الى لبنان وبالعكس، كذلك ان اغلب واعنف ضربات الطيران الروسي تتم في شمال سوريا، المعقل الرئيس لجبهة النصرة، التي تعد حليف اسرائيل الرئيسي. ولعدم تمكن الطائرات الاسرائيلية من مراقبة المنطقة، او حتى عدم تمكنها من منع انتقال السلاح والمقاتلين بين سوريا ولبنان، خشية للتصادم مع الطائرات الروسية في سوريا، ومن اجل ايقاف تدهور قوة المجموعات المسلحة الموالية لها في سوريا، فان احتمال ان يكون لإسرائيل يد بعملية اسقاط الطائرة غير مستبعدة، وذلك لأرسال رسائل الى روسيا بإيقاف استهداف مناصريها في سوريا، وكذلك ضرب السياحة في مصر لتتحول اليها، ولإعطاء دعم معنوي لأنصارها سواء كانوا في سوريا او مصر. ختاما، يمكن القول ان تشابك الاحداث في منطقة الشرق الاوسط، الذي قاد الى تعدد الدول التي لها مصالح واهداف تريد تحقيقها، فان أي حدث يقع في المنطقة لا يخرج عن كونه اما دفاعا عن هدف معين لدولة ما، او انتقاما من دولة ما لمنعها من تحقيق اهدافها، او ردعها من التقرب من مصالح الدول الاخرى، لهذا فان اسقاط الطائرة الروسية في مصر وكما يقول المثل " ضرب عصفورين بحجر واحد"، ولكن في هذه الحادثة فان اسقاط الطائرة كان الهدف منه ضرب حجر واحد ضد عدة عصافير وليس اثنان.
شارك الموضوع :

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية