بعد مضي قرابة الخمس سنوات على الحرب المستعرة في سوريا، قررت روسيا التدخل بقوة في تلك الأزمة، بعد إعلان الكرملين منح الرئيس (فلاديمير بوتين) تفويضا بنشر قوات عسكرية في سوريا، بناءً على طلب الرئيس السوري (بشار الأسد) المساعدة العاجلة من موسكو، فأرسلت الاخيرة عدة الالف من الجنود والطائرات المقاتلة والاسلحة الاخرى واشتركت فعليا في القتال الدائر ضد المجموعات المتشددة في سوريا، اذ اعلن الرئيس الروسي عن رغبة بلاده في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا، داعيا لتشكيل تحالف حقيقي (سوري، عراقي، إيراني، روسي)، وموجها الاتهام للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب وبعض الدول العربية "بتغذية الإرهاب".
ان التحالف الروسي السوري هو تحالف قديم منذ سبعينات القرن الماضي، اذ عقدت سوريا في عهد الرئيس الراحل (حافظ الاسد) تحالفا مع الاتحاد السوفيتي السابق، وهو يعتبر تحالف استراتيجي يشمل كل الجوانب العسكرية والاقتصادية والسياسية، ومنها اقامة قاعدة عسكرية بحرية على ساحل مدينة طرطوس السورية، ان تفكك الاتحاد السوفيتي لم يؤثر على هذا التحالف، اذ اخذت روسيا الاتحادية زمام المبادرة.
ويشبه الانتشار العسكري في سوريا السيناريو الذي اعتمدته روسيا لضم شبه جزيرة القرم عام 2014، ففي البداية، تتّخذ روسيا خطوات استباقية غامضة ومكتسية بتصريحات قيادية غير واضحة الأهداف، مقرونة ببناء تدريجي للقوات، ومستفيدة من الغطاء الذي تؤمنه لها النشاطات والمنشآت الروسية الموجودة سابقاً في سوريا، وقد استعانت موسكو بسفنها (بما فيها سفن الإنزال البحرية) إلى جانب (15) طائرة نقل (من طراز "أي إن- 124" /"الكندور" و "آي إل-62") من أجل إرسال أسلحة جديدة وقوات عسكرية إضافية إلى البلاد، وطائرات مقاتلة مختلفة الانواع، وقد استخدمت تلك الطائرات مسارات جوية متعددة من روسيا إلى اللاذقية، وتواصل موسكو نشاطاتها الجوية بحجج مختلفة.
يبدو للوهلة الأولى أن التدخل الروسي المباشر في سوريا هو بمثابة جهود إستراتيجية مدروسة لدعم النظام السوري من خلال قوات عسكرية مباشرة، محفَّزاً على الأرجح بتقييم مفاده أن قوات النظام السوري قد فشلت وأن الدعم الذي يقدمه "حزب الله" وإيران غير كاف، ومن المرجّح أن تكون روسيا قد اتّخذت قرار التدخل بالتعاون مع طهران التي، وفقاً لبعض المصادر الإخبارية، تعزّز دعمها العسكري لصالح النظام السوري، ويتضمن القرار الروسي أهدافاً محتملة أخرى، من بينها الحفاظ على المنطقة الغربية الحيوية للنظام، وحماية المنافذ البحرية والجوية التي تعتمد عليها روسيا للوصول إلى سوريا والعمل على توسيعها، وبسط سيطرة موسكو على الوضع بشكل عام، وعلى نطاق أوسع، يبدو أن روسيا ملتزمة بممارسة نفوذها في الشرق الأوسط، حيث توفر لها سوريا فرصة لتحقيق هدفها.
إن الأحداث في سوريا والمنطقة عموما اظهرت ان الغرب وعلى راسه امريكا لم يكن يتوقع يوما من الايام عودة قوية لروسيا الاتحادية في المنطقة، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، اذ ان احتلال امريكا لأفغانستان العراق ، واحداث يوغسلافيا وفصل كوسوفو، هذه كانت مؤشرات لدى امريكا بان روسيا سوف لن تتدخل في شؤون المنطقة، إلا ان سير الاحداث في سوريا اثبت خطأ التوقع الامريكي، وان روسيا تدخلت بقوة في المنطقة وخاصة سوريا، وجاء هذا التدخل لعدة اسباب، منها:
1- تعد منطقة الشرق الأوسط منطقة مهمة للمصالح الروسية، حسب تصريحات القادة الروس، خاصة وان حلم الوصول للمياه الدافئة لا زال يراود القادة الروس، وذلك لما تحويه هذه المنطقة من موارد طبيعية ( النفط والغاز)، اضافة الى الموقع الجغرافي والذي يعد استراتيجي للتواجد الروسي في المنطقة.
2- قرب المنطقة من الحدود الروسية، لذلك تحاول روسيا الحصول على عمق استراتيجي لحماية امنها القومي من التهديدات ، سواء كان التهديد من دول او من منظمات متطرفة، ونظرا لقرب سوريا والمنطقة من الحدود الجنوبية الروسية، لذا تحاول روسيا عدم التخلي عن نفوذها في سوريا، اذ اعلن القادة الروس اخيرا وبصراحة ان تدخلهم في سوريا هو ليس لحماية الرئيس بشار الاسد، وانما لحماية الاراضي السورية والمصالح القومية الروسية في سوريا.
3- تعد سوريا المنطقة الوحيدة المتبقية للنفوذ الروسي في المنطقة، خاصة بعد انسحابها من اليمن الجنوبي في تسعينات القرن الماضي، والاحتلال الامريكي للعراق عام 2003، وانهاء النفوذ الروسي في العراق، لذا تعد سوريا اخر معاقل الروس في منطقة الشرق الاوسط، وان اي خسارة لروسيا في سوريا يعني انهاء اي نفوذ لها في المنطقة نهائيا، وانكفاءها داخل اراضيها، مما يحرمها من مناطق مهمة للدعم اللوجستي، وقواعد عسكرية لقواتها عند الضرورة، اضافة الى وجود تهديدات من بعض الدول مثل بلغاريا بمنع مرور الطائرات الروسية عبر اجوائها، لذلك ادركت روسيا خطورة الموقف والمؤامرة التي تحاك ضدها.
4- اعادة الهيبة للنفوذ الروسي في العالم، إذ إن روسيا تريد إن تثبت لأمريكا والغرب – حسب اغلب التحليلات- انها لا زالت قوة عظمى وانها لن تتخلى عن مصالحا ونفوذها في العالم، كما انها في تدخها هذا اثبتت عجز وضعف وعدم جدية الغرب عن مواجهة الارهاب، بل انها اتهمت امريكا وبعض الأطراف بانهم كانوا اداة مساعدة للإرهاب بدلا من محاربته، اذ في فترة قياسية لا تتعدى الاسابيع استطاع الجيش الروسي تدمير اغلب مقرات التنظيمات الارهابية، والحاق الهزيمة بها، مما ساعد الجيش السوري على التقدم في مختلف الجبهات، وهذا ما عجزت عن تحقيقه امريكا خلال سنوات من التحالف الدولي ضد داعش.
5- كذلك، من شأن العمليات العسكرية الروسية في سوريا عرقلة الخطط الأمريكية الرامية إلى دعم العمليات البرية في سوريا، او اقامة منطقة عازلة في شمالها، وبالرغم من أن تنظيم " داعش" يشكل الهدف الأساسي لأي حملة عسكرية تدعمها الولايات المتحدة، إلا ان سير العمليات في سوريا يوضح ان هدف الغرب الاساسي هو اسقاط النظام على غرار ما حدث في ليبيا، بدون النظر إلى الوضع القائم وخطورته،خاصة وان الجهات التي تدعم الارهاب في سوريا معروفة ومعلومة، واغلبها من دول المنطقة.
وقد أشار العديد من الخبراء ان هذا التدخل قد اربك الموقف الامريكي في المنطقة، واظهر ضعف التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا ضد تنظيم داعش، إذ إن في مدة اسبوع استطاعت روسيا ان تحقق انجازا في سوريا ما عجز عن تحقيقه التحالف لأكثر من عام، كذلك ان تنظيمات مسلحة ( مثل جبهة النصرة وجند الشام) وغيرها قد وضعتها امريكا في لائحة المنظمات الإرهابية إلا أنها كانت بمنأى عن ضربات التحالف الدولي، ولكن بعد التدخل الروسي واستهدافه هذه التنظيمات المسلحة بدأت الأصوات تتعالى من التحالف الدولي والسعودية وقطر ضد روسيا واتهامها بانها تستهدف ما يسمونهم بالثوار والمدنيين، لهذا فان هذا التدخل الروسي اظهر الموقف المزدوج من الغرب امام العالم، وان روسيا الدولة الوحيدة الجادة في محاربة الإرهاب، وان دول أخرى مثل العراق بدأت بالتفكير بالاستعانة بالقوات الجوية الروسية لضرب داعش في العراق، ما وضع الغرب وامريكا في موقف المدافع عن خططهم لضرب الارهاب في المنطقة، اذ بدأت مثلا الطائرات الفرنسية بضربات محدودة في سوريا لإظهار نفسها لأنها تحارب الإرهاب، كذلك ان بريطانيا اعتبرت ان من حق قواتها في المنطقة الرد على اي تجاوز او مضايقة من قبل القوات الروسية، كل هذه المؤشرات عززت الموقف الروسي وجعلت منه اكثر مقبولية في المنطقة.
على الرغم من ان التدخل الروسي المباشر في سوريا له جوانب كثيرة من الايجابيات، خاصة وان اغلب دول المنطقة المتضررة من الارهاب قد رحبت به، وجعلت منه نموذج وطريقة مهمة لمكافحة الإرهاب، إلا إن المتابع للأحداث في المنطقة قد يضع عدة مؤشرات قد تكون سلبية على مستقبل المنطقة، ومنها:
1- أن ميادين القتال المتشابكة في سوريا غالباً ما تجمع المعارضة السورية متمثلة " بالجيش الحر" وعناصر المجموعات المسلحة الأخرى مثل "داعش" وقوات النظام السوري في ساحة واحدة، بحيث يقومون بتنفيذ عملياتهم بالقرب من بعضهم البعض أو ينخرطون فعلياً مع بعضهم البعض، وفي ظل الظروف الراهنة، قد تسبب العمليات الروسية الداعمة لقوات النظام بشن هجوم على القوات التي تدعمها الولايات المتحدة، سواء عن قصد أو دون قصد. وقد تشكل محافظتا درعا وحلب منطقتين رئيسيتين لمثل هذه الاشتباكات، مما يقود الى صدام مباشر بين القوتين قد تكون له عواقب اليمة على سوريا والمنطقة، وفي احسن الحلات قد تقود العمليات الروسية في سوريا الى زيادة التعاون الامريكي الغربي مع المعارضة السورية من خلال التسليح والدعم المباشر مما يعقد الحل في سوريا، ويزيد من اشتعال النار فيها.
2- سابقا كانت موسكو قد نادت بضرورة القيام بعمليات عسكرية دولية ضد تنظيم "داعش"، ونظرياً، قد تزيد القوات الروسية من قوة الهجوم الذي يشنه التحالف ضد التنظيم الإرهابي، وقد تساهم في استنزاف قوة تنظيم "داعش" وتدمر للبنى التحتية التابعة للتنظيم، إلا أنّ نيّة موسكو الأساسية من التدخل في سوريا تكمن، على أغلب الظن، في دعم مصالحها الإستراتيجية من خلال دعم النظام السوري وليس في محاربة تنظيم "داعش"، فالتهديد الرئيسي الذي يواجه النظام غير مرتبط بمعاقل "داعش" في شرق سوريا ووسطها، بل بالمجموعات المسلحة الاخرى التي تشكل خطراً متزايداً في المناطق الغربية الحيوية لاستمرارية النظام، لاسيما شمال اللاذقية وإدلب وشمال حماة وجنوب دمشق، لهذا ان هذا الدعم قد يؤدي الى زيادة الحرب الطائفي ضد النظام السوري وتحويل سوريا الى مستنقع للحرب الاهلية بعيدة المدى، وقد يقود الى زيادة الانشقاق داخل النظام السوري نفسه، بين الطوائف المشكلة لهذا النظام .
3- انطلاقا من بحث روسيا عن مصالحها الإستراتيجية في المنطقة وخاصة سوريا، والكل يعرف إن الدول العظمى تحاول دائما تعظيم الأرباح بأقل الخسائر من خلال إتباع اقصر الطرق واقل الخسائر في تحقيقها، لهذا فان من غير المستبعد لجوء روسيا إلى إتباع أسلوب التفاوض مع أمريكا من اجل تقاسم النفوذ وتحقيق مصالحهم، بدلا من التصادم غير محسوب العواقب، وقد ذكرت العديد من التقارير إن هناك لقاءات ومشاورات تجري بين القوتين العظميين، من اجل إنهاء الصراع في سوريا بحيث تكون هذه النهاية في مصلحة القوتين، وما زيارة وفد من الجمعية الوطنية الفرنسية أخيرا إلى سوريا إلا دليل وجود اتفاق روسي أمريكي على قريب للازمة السورية، لهذا نرى إن فرنسا لا تريد إن تخرج من هذه المنطقة التي تعد منطقة نفوذ تقليدية لها، لهذا أرسلت وفد نوابها إلى سوريا، كذلك تصريحات الروس وعلى رأسهم وزير الخارجية لافروف من إن هدف الحملة الروسية في سوريا ليس الدفاع عن نظام الأسد وإنما حماية المصالح الروسية، لهذا فان اغلب التحليلات ترى إن تسوية قريبة قادمة في سوريا تحقق مصالح الكل من خلال تحديد فترة زمنية لرحيل الرئيس بشار الأسد، وتشكيل حكومة سورية جديدة.
4- هناك من يقول إن في السياسة لاتوجد عداوة دائمة أو صداقة دائمة وإنما مصالحة دائمة، وهنا إن إي اتفاق روسي أمريكي في سوريا سيقود بالنهاية إلى التضحية بمواقف الإطراف الإقليمية وعلى رأسها إيران والسعودية التي دخلت الساحة السورية منذ أكثر من خمس سنوات، وقدمت هذه الدول الدعم المباشر وغير المباشر من أموال وسلاح ورجال للإطراف التابعة لها، وهنا يقول البعض إن التدخل الروسي لا يعني بالضرورة إن يكون متوافقا مع إيران، فلكل دولة مصالحها في المنطقة، إذ إن إي تغيير في شكل النظام السوري القادم بالتوافق الروسي والأمريكي سيكون في مصلحتهم هم فقط، ولن يكون هناك متسع لكل الإطراف، لهذا الاعتقاد السائد إن إيران والسعودية ستكون الخاسر الأول في اتفاق أمريكي روسي قادم.
5- أن التعاون ألاستخباراتي بين روسيا وإيران والعراق وسوريا ومشاركة البيانات العسكرية يمكن أن يؤدي إلى إكساب موسكو المزيد من المعلومات حول القدرات العسكرية لحزب الله، وبالنظر إلى زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" إلى موسكو مع انطلاق الضربات الروسية في سوريا، وموافقته الضمنية بخصوص التدخل الروسي في سوريا، كذلك العلاقات بين البلدين ووجود لوبي يهودي فاعل في روسيا، فمن الممكن مستقبلا أن (إسرائيل) سوف تحظى بميزة الحصول على معلومات سرية بشأن إيران وقدرات حزب الله العسكرية عبر روسيا، خاصة بعد إن طمأنة روسيا إسرائيل بشأن التطورات الجديدة في ساحات القتال في العراق وسوريا يجعل الوضع أكثر تعقيدا.
6- أن كلا من إيران وحزب الله قد قدما الكثير من الدعم" العسكري والمدني" إلى سوريا، إذ قامت إيران بالفعل بتقديم الدعم ألاستخباراتي لكل من العراق وسوريا، وقد تم تقديم الاستخبارات البشرية وإشارات الاستخبارات لهذه البلدان باستخدام طائرات بدون طيار وفرق استخباراتية، لذلك إن تدخل روسيا بقوة في البلاد يمكن أن يقوض بسهولة المواقف القوية لإيران وحزب الله ، فعلا الرغم من ترحيب ودعم طهران لرغبة روسيا في محاربة الإرهاب في المنطقة، إلا انه، واستنادا إلى العديد من البيانات ، يبدو أن إيران بطبيعة الحال لا ترغب في التنازل عن المناصب العليا في العراق وسوريا إلى بلد آخر، لأنه يعد إضعاف لموقف طهران في أي مفاوضات سياسية مقبلة حول مستقبل سوريا.
7- ووفقا للعديد من التقارير، يبدو أن إيران تعتقد أن العيوب والعقبات المحتملة للتدخل الروسي أكبر بكثير من مزاياه. وبناء على هذه الخفية فقد أشارت تقارير أن "المئات من القوات العسكرية الإيرانية دخلوا سوريا من أجل تنفيذ عمليات برية داخل هذا البلد" وان التدخل الروسي سوف يعيق أي عمليات برية من أي طرف كان في سوريا.
8- إن اغلب التحليلات تؤكد إن عدم موافقة الحكومة العراقية على الطلب الروسي بتوجيه ضربات لتنظيم داعش في العراق هو نابع من رفض أمريكا لهذا الطلب، والنابع من إبعاد النفوذ الروسي عن العراق، خاصة وان اغلب فصائل المقاومة وبعض السياسيين قد أيدوا هذا الطلب، مع رفض بعض الجهات له، إلا إن المتابع للأحداث يرى إن توجيه أي ضربة روسية لداعش في العراق، وان كان يصب في صالح الجهد العسكري العراقي آنيا، إلا انه سوف تكون له عواقب مستقبلية على العراق، لان موافقة بعض الأطراف ورفض أخرى، سوف يقود إلى زيادة الشحن الطائفي في العراق، خاصة وان أمريكا وحلفائها في المنطقة هي من كان يغذي هذا الشحن الطائفي، وبتدخل روسيا سيخلق لهم مبرر لزيادة دعمها لبعض الجهات بشكل مباشر على حساب حكومة بغداد، وهنا سوف تكون النتيجة عكسية وذات تأثير سيء على الوضع الأمني العراقي.
9- لقد كان الدخل الروسي في سوريا – وحسب العديد من التحليلات- ضربة قاصمة إلى دول الخليج العربية وعلى رأسهم السعودية وقطر، فقد دفعت الدولتان المليارات من الدولارات والأسلحة والجهاديين، على أمل تغير الوضع في سوريا من اجل أجنداتهم الطائفية، إذ إن هذه الدول ليس لها هدف إستراتيجية أو مصالح مستقبلية في سوريا على قرار روسيا وأمريكا وإيران، لان أهدافهم مرتبطة بالأهداف الأمريكية ومدافعة عنها، وهي تغيير النظام السوري – العلوي على حد قولهم- وإنهاء النفوذ الإيراني وهي مطالب أمريكية قبل إن تكون مطالبهم، لذلك إن تدخل روسيا قد خلط الأوراق عليها وجعلها تتجه إلى حليفتها أمريكا، فقد حرمهم التدخل الروسي من تنفيذ تدخل بري في سوريا مدعوم من تركيا، من جهة، وجعلهم تحت رحمة أمريكا من جهة أخرى، لان المصالح هي من يحرك اللعبة، لهذا فان التوافق الروسي الأمريكي سيكون هو سيد الموقف، وعلى كل الأطراف القبول به، لذلك اتجهت السعودية إلى حضور مؤتمر فيينا حول سوريا عسى إن تجد ضالتها فيه.
10- التدخل الروسي سوف يقوّض إلى حد كبير من العمليات الجوية الإسرائيلية فوق سوريا ولبنان. وعلى وجه الخصوص، مع وجود طائرات حربية وأنظمة دفاع جوي روسية مأهولة، فقد تضطر إسرائيل إلى إعادة النظر في عمليات القصف الجوية على المناطق التي تنتشر فيها القوات الروسية، وقد تُمكِّن بالتالي إيران أو حتى موسكو من تزويد نظام الأسد و"حزب الله" بترسانة أكثر تطوّراً. وقد أفادت بعض التقارير أن إسرائيل نجحت في استهداف شحنات الأسلحة إلى منطقة اللاذقية، إلا أن اتخاذ تلك الخطوة اليوم في ظل انتشار القوات الروسية قد يكون خطيراً، وإذا وسّعت القوات الجوية وقوّات الدفاع الجوي الروسية وجودها خارج النطاق الساحلي، وهي خطوة محتملة، قد يتضاعف خطر الانخراط في اشتباكات مع أي طائرة إسرائيلية دخيلة.
11- إن التدخل العسكري الروسي المتزايد في سوريا سوف يعزّز التحالف الأمريكي- التركي ، وبدفع تركيا إلى التعاون مع الغرب بصورة أكثر فأكثر، فتاريخيا، تشكل روسيا عدوّا تاريخيا لتركيا، فقد خاض الأتراك العثمانيين العديد من المعارك مع الروس لم يحققوا فيها أي فوز بل خسروا اغلب مناطقهم الشرقية والشمالية، خاصة وان البحر الأسود كان في الماضي بحرية عثمانية لسيطرتها على كل الأراضي حوله، كذلك خوف تركيا من إن التدخل الروسي في سوريا قد يقود إلى تقوية الأكراد في شمال سوريا على حساب أنصارها من جبهة النصرة وداعش، كذلك خوف تركيا من إن تقوم روسيا بتقديم دعم إلى حزب العمال الكردستاني في جنوب وشرق تركيا، والمجموعات المسلحة الأخرى مثل – اليساريين، والأرمن- ردا على دعم تركيا للمجموعات المسلحة في سوريا، مما يقوض الأمن في تركيا نفسها وبالتالي، قد تضطر تركيا إلى إعادة النظر في سياستها في سوريا، والاصطفاف بشكل وثيق، إلى جانب سياسة الولايات المتحدة في سوريا بهدف تجنّب أي احتكاك عسكري ضد روسيا على أرض المعركة خوفا على أمنها القومي، خاصة وان تصريحات الزعماء الأتراك الأخيرة حول سوريا – وحسب وسائل الإعلام المختلفة- قد تغيرت بشك لافت للنظر بعد التدخل الروسي المباشر، وخاصة فيما يتعلق بمصير الرئيس السوري بشار الأسد، فبعد إن كانت أنقرة تصر على رحيله من السلطة فإنها اليوم تدعوا إلى انتقال سلمي للسلطة لمرحلة انتقالية يكون للرئيس دور فيه.
خلاصة القول، إن أي تدخل في المنطقة من أي دولة ، وخاصة من طرف الدول الكبرى؛ فانه لن يحل المشكلة، لان هذه الدول تبحث عن مصالحها ونفوذها في المنطقة، وهي قد تضطر في بعض الأحيان وتحت ظروف مختلفة إلى عقد تسويات فيما بينها من اجل تقاسم النفوذ، وهنا سيكون المتضرر الوحيد هم أبناء المنطقة ودولها.
اضافةتعليق