يبدو أن طرح إقامة "الدولة الكردية المستقلة" لم يعد مجرد مادة إعلامية تثيرها أربيل بين الفينة والأخرى، بل بات يُطرح بكل علانية، فخلال الزيارة الرسمية لـ"مسعود بارزاني" رئيس اقليم كردستان إلى الولايات المتحدة الأمريكية يوم الاحد 3/5/2015، التي استغرقت ثلاث ايام، طرح هذا الموضوع أمام الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، وكبار المسئولين في واشنطن، وبحث رئيس إقليم كردستان "مسعود بارزاني" خلالها ملفات هامة عدة ولكن أبرزها طرح إقامة الدولة الكردية المستقلة.
لقد كانت زيارة "بارزاني" الأخيرة إلى أمريكا هي الأكثر أهمية، بالإضافة الى طرح إقامة "الدولة الكردية المستقلة" الذي لم يعد خافيا على احد ويطرح بشكل علني، تأتي هذه الزيارة كذلك في خضم حرب ضروس بين الإقليم والتنظيمات الإرهابية التي انتشرت في سوريا والعراق وأصبحت تشكل خطرًا على الأمن والسلام العالمي، اذ طرح ايضا كيف سيكون مستقبل الكرد بعد الانتهاء من عصابات داعش الإرهابية وتحرير الموصل وبلداتها، ومسالة استقبال الاقليم ما يزيد على مليون ونصف المليون من النازحين العراقيين من الموصل والأنبار وتكريت وديالى، إضافة إلى ما يزيد عن نصف مليون من اليزيدين والمسيحيين والكرد السوريين، وتسليح قوات البيشمركة، وعملية تحرير الموصل ومواضيع أخرى تتعلق بالعراق والمنطقة، وأن "بارزاني" حاول أن يحصل على دعم أمريكي في سعيه للتجديد للمرة الثالثة في رئاسة الإقليم، والتي تم رفضها من قبل اغلب الاحزاب الكردية في الاقليم، كما كان هدفه الأول الحصول على دعم أمريكي يسمح له بقطع الطريق أمام محاولات خصومه الساعية لانفصال السليمانية عن الإقليم وتكوين إقليم جديد تحت هيمنة الاتحاد الوطني الذي يقوده غريمه التاريخي "جلال طالباني".
ان الكرد ليس لديهم موقف ثابت، او كلمة يلتزمون بها طوال تاريخهم السياسي، فخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الوزراء "حيدر العبادي" مع " بارزاني" في أربيل يوم الأثنين 6 / 4 / 2015 ، قال مسعود "إنّ زيارة العبادي تأتي في وقت مهم وحسّاس جدا ، وكانت فرصة مهمة للتباحث حول المواضيع التي تهم مستقبلنا، وأنّ الآراء كانت متطابقة ووصلنا إلى تفاهم مشترك من شأنه أن يصبّ في مصلحة العراق، وتحدّثنا عن التنسيق فيما بيننا وإنهاء المشاكل، فالإقليم جزء من العراق، واتفقنا على حل جميع المشاكل، كما اتفقنا على تشكيل لجنة مشتركة لدراسة مشاركتنا في عملية الموصل، وسيتم اتخاذ القرار بناء على الدراسة " ، أنّ القول بان الإقليم جزء من العراق لم يمض عليه شهرا واحدا، ثم غادر " بارزاني" إلى الولايات المتحدّة الأمريكية للاتفاق معها على تحديد حدود الدولة الكردية، واعلانها بشكلها النهائي، وطلب المساعدة من امريكا في هذا الشأن.
ان طرح رئيس الاقليم اقامة الدولة الكردية وسعيه الحثيث لإنجاز هذا الامر في هذا الوقت بالذات تقف وراءه عدة اسباب منها:
1- ان الدولة العراقية بشكل عام والحكومة الاتحادية بشكل خاصة بدأت تستعيد بعض عافيتها بعد هجوم داعش واحتلاله عدة مدن عراقية، اذ ان زمام المبادرة اصبح الان بيد الحكومة العراقية عسكريا وامنيا، خاصة بعد تامين العاصمة بغداد بشكل كامل ومن سقوطها بيد داعش وهو ما كان يراهن علية الاكراد، كذلك ان حكومة السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي اصبحت تحظى بالقبول محليا ودوليا واقليميا، خاصة بعد الزيارات التي قام بها العبادي الى امريكا واوروبا ودول اجنبية وعربية اخرى، هذا ما جعل بارزاني يشعر بالخطر، واذ ن اي قوة للحكومة الاتحادية تعني ضعفا للإقليم، وفرض الامر الواقع عليه، لان رهانه على داعش واسقاط العراق قد فشل، لذلك يحاول استباق الاحداث واعلان الاستقلال.
2- وجود قوة كامنة لدى الحكومة الاتحادية لم يكن يتوقعها "البارزاني" وهي قوة الحشد الشعبي وفصائل المقاومة الاسلامية التي انطلقت بناء على فتوى المرجعية الرشيدة، والتي استطاعت بفترة وجيزة جدا من تحرير كامل محافظة ديالى ومناطق واسعة من صلاح الدين وخاصة تكريت، ودورها الان في الانبار، وان ما تملكه من تنظيم وتسليح وشجاعة في القتال، وقدم الحشد الشعبي الى بعض مناطق كركوك وتحرير مناطق للتركمان " آمرلي، وبشير"، هذه الاحداث قد ارعبت مسعود بارزاني، وجعلت الكرد يخشون من ان القضاء على داعش وتحرير نينوى سيكون الكرد الهدف القادم، خاصة ان بعض فصائل المقاومة الاسلامية قد هددت قوات البيشمركة برد قاسي ان لم ينسحبوا من المناطق المختلف عليها، بعد تصريح الكرد بانهم لن يسمحوا للحشد بدخول كركوك، وهذه الاحداث جعلته يستعجل اعلان الدولة الكردية بغض النظر عن النتائج السلبية التي قد تولد من هذا الانفصال.
3- ان موضوع رئاسة الاقليم لم يحسم لصالح "البارزاني"، بعد معارضة اغلب القيادات الكردية على ترشيحه لدورة ثالثة، لذلك يعتقد ان فشله في الحصول على دورة رئاسية ثالثة، سوف يؤدي الى افول نجمه السياسي، وفقدانه اغلب المناصب السياسية والامنية التي تقلدها اقاربه واتباعه ، ومن ثم وزوال حلم الدولة الكردية، اذ انه يعد القيادي الوحيد في كردستان الذي يطالب بإقامة الدولة الكردية بهذه الطريقة منذ عام 2003 الى الان، كما وانه اصبح غير مرغوب فيه لقيادة الاقليم من اغلب الاحزاب الرئيسة في الاقليم، وسعي قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني المرتبطة بإيران قامة اقليم السليمانية هو ضغط في هذا الاتجاه، لذلك جاءت دعوته المتسرعة لا قامة الدولة الكردية، ومحاولة كسب الراي العام العالمي هو من اجل تحسين صورته امام الكرد، والاستمرار بقيادة الاقليم لأطول مدة ممكنة.
4- يحاول البارزاني استغلال صمت المكون العربي السني في العراق والخلافات بين العرب السنة والشيعة،، خاصة بعد احداث داعش ولجوء اغلب قادة ساحات الاعتصام والمطلوبين للقضاء الى اربيل، اذ انه يعتبرها فرصة مناسبة لإعلان الدولة الكردية، فهو يعد المحرض الاساس على استمرار الخلافات بين بغداد وقادة السنة في العراق من خلال ايواءه المطلوبين للقضاء، كذلك السماح بعقد المؤتمرات في اربيل والتي تنادي بأسقاط العملية السياسية في العراق التي هم جزءا منها، وبهذا يحاول استغلال المعارضين والمطلوبين للقضاء ويعتبرهم الممثلون للسنة، وذلك لخشيته من انتهاء الاحداث في العراق ومن ثم سحب هذه الورقة منه، خاصة بعد تعالي الاصوات في المناطق الغربية والتي تنادي باستبعاد هؤلاء الذين يسمونهم " شيوخ قادة الفنادق" وظهور جيل جديد من القادة في المناطق السنية ووقوفها الى جاني حكومة بغداد.
5- وقوف بعض الدول العربية وخاصة الخليجية منها مع دعوات "بارزاني" للانفصال عن العراق، فعلى الرغم من هذه الدول كانت من اشد الداعين لوحدة العراق قبل عان 2003، اصبحوا اليوم من اشد المتحمسين لتقسيمه، خاصة بعد وصول حكومة شيعية الى سدة الحكم بعد 2003، كذلك الانفراج في الملف النووي الايراني من خلال الاتفاق مع الدول 5+1، لهذا تحاول بعض الدول العربية ومنها الخليجية والاردن والتي فشلت في ايقاف الاتفاق النووي الايراني الامريكي، تقسيم العراق لضرب المصالح الايرانية في العراق خاصة وان ايران ليس من مصلحتها تقسيم العراق، كذلك لأهداف سياسية واقتصادية وطائفية، ومنها دعمهم لسعي الاكراد للانفصال عن العراق، من خلال زياد التمثيل الدبلوماسي مع الاقليم والاستثمارات الاقتصادية والسياحية، والدعم المالي المتواصل.
ورغم كل المبررات والامكانات التي قد تساق بشأن اقامة الدولة الكردية، الا انه يوجد من المعوقات الكثير لمنع اقامة هذه الدولة ومنها:
1- ان تشكيل اقليم السليمانية، خاصة بعد استحداث محافظة حلبجة والتي سوف تضم بعض النواحي والاقضية من ديالى، وان اقليم السليمانية قد يضم ايضا كركوك الغنية بالنفط، خاصة وان اغلب سكان واعضاء مجلس محافظة كركوك الكرد انتماءهم هو للاتحاد الوطني الكردستاني المدعوم من قبل ايران الرافضة لأي عملية تقسيم للعراق، فخلال زيارة الرئيس العراقي فوائد معصوم وهو عضو بارز في الاتحاد الوطني الكردستاني لإيران ولقاءه الرئيس الايراني حسن روحاني، صرح الاخير "بان ايران ستواصل دعم العراقيين ولن تسمح بتقسيم العراق"، هذه المحاولات تعطل جهود “بارزاني” الرامية إلى إعلان استقلال إقليم كردستان، وفك الارتباط مع الحكومة المركزية في بغداد، حيث باتت قضية انفصال السليمانية الشغل الشاغل للكثير من السياسيين والإعلاميين والمثقفين في الإقليم بين داعم لها ورافض، وما يؤكد هذه الرؤية هي زيارة "بارزاني" إلى السليمانية قبل زيارته إلى واشنطن، حيث التقى بـ" جلال طالباني"، وأن اللقاء تركز حول نقطتين أساسيتين، الأولى تتعلق بفكرة التجديد لـ"بارزاني" لولاية ثالثة في رئاسة الإقليم، والثانية تخص الدعوات المثيرة للقلق حول انفصال السليمانية وإنشاء إقليم كردي جديد.
2- معارضة بعض الاحزاب السياسة في الاقليم لمقترح " بارزاني" بالانفصال عن العراق، وذلك خوفا لما قد يجره من مساوئ للإقليم، اذ ذكر رئيس حركة التغيير الكردية أن "الحركة تساند قرار بارزاني في حال لم يتسبب باي مشاكل وضرر على الشعب الكردي، لكنها تقف ضده خلاف ذلك"، كذلك ان بعض القيادات الكردية يعتقد ان اصراره على اعلان الانفصال والاستقلال نهائيا في السنوات القادمة عن العراق، هو لإتاحة التصرف له لينفرد باستغلال ثروات الاقليم النفطية والاقتصادية من دون الرجوع والخضوع لشروط اي احد، كذلك ان اغلب المراكز السياسية والعسكرية والاقتصادية المهمة في الاقليم يتولاها اشخاص مقربون او من عائلة " البارزاني" وهذا ما تخشاه بعض الاحزاب واكدت عليه، هو احد اسباب رفضهم لحصول "بارزاني" على دورة ثالثة لرئاسة الإقليم.
3- سوء العلاقات بين مسعود وواشنطن، فقد تم تأجيل زيارته الى واشنطن، وذلك بعد اتصال هاتفي من "جو بايدن" الذي طلب تأجيل الزيارة الى اشعار اخر، الا ان الاسباب الحقيقية للتأجيل كانت وجود مشاكل بين الطرفين ، منها تصدير النفط الكردي عبر تركيا وفق اتفاق بين انقرة وأربيل، وهذا الأمر يزعج واشنطن كثيرا، كذلك تحذير أميركي لحكومة الإقليم بتجنب إثارة المشاكل مع الحكومة الاتحادية، كي لا يحدث تضاربا مع المصالح والتوجهات الأميركية، وحتى عندما تمت زيارته لم تحقق ما كان يصبوا اليه، فقد عاد البارزاني خائبا وخاويا من زيارته لأمريكا، ولم يستقبل استقبالا كبير، بل من قبل موظف صغير في الخارجية الامريكية، ولقائه مع الرئيس اوباما وطاقمه لم يتعدى سوى دقائق، ولا ننسى تأكيد اوباما بالالتزام الدائم للولايات المتحدة وبموجب اتفاق الإطار الاستراتيجي، بعراق موحد وفيدرالي وديمقراطي، على النحو المحدد في الدستور العراقي، ولم يصدر اي تصريح باسم الخارجية والبيت الابيض حول موضوع الدولة الكردية، بل التأكيد على وحدة العراق في كل القاءات الصحفية للمسؤولين الامريكيين .
4- حتى تصريحات " البارزاني" بهذا الشأن كانت تؤكد على الانفصال عن طريق الاتفاق وليس بالقوة، فقد اكد في لقاءه الصحفي في واشنطن بان اقامة الدولة الكردية يجب ان يتم على اساس الاتفاق وبشكل سلمي، وليس عن طريق القوة العسكرية، وبهذا لا نعتقد بان اتفاقا سوف يحصل بهذا الامر، خاصة وان الحكومة العراقية قد اكدت اكثر من مرة بان على كل الاطراف الالتزام بالدستور، الذي اقر بوجود دولة اتحادية واحدة، والذي لا يسمح بانفصال اي جزء من العراق، وبهذا فان اقامة الدولة الكردية بهذه الظروف هو غير وارد اطلاقا.
ان ادارة الاقليم لا تنوي الانفصال بشكل تام عن المركز، بل تسعى على بقاء روابط مصالح فقط، والحصول على اموال وحصص سياسية ومناصب وموازنة من الحكومة المركزية، وهم لا يفكرون بترك هذه الامتيازات الممنوحة لهم في الوقت الحاضر، الا ان الاقليم يسعى لتقوية نفسه على حساب المركز، ويريد فرض اراداته وشروطه على الحكومة الاتحادية، وان الهدف الاساس من الزيارة الى واشنطن هو لتسليح قوات البيشمركة وتقوية كوردستان على حساب الحكومة الاتحادية، ولكن الاعتقاد ان امريكا سوف لن توافق على تسليح الاكراد بالأسلحة النوعية، بل بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة فقط، حتى الكرد لن يطلبوا منها سلاحا ثقيلا لأنها تقوم بحمايتهم من خطر الارهاب، لذلك فلا حاجة لديهم للأسلحة الثقيلة.