إن زيارة رئيس مجلس الوزراء حيدر ألعبادي إلى واشنطن، في 14/4/2015، بدعوة من الرئيس الأمريكي باراك اوباما، ستضع النقاط على الكثير من الحروف، ولاسيما في ما يتعلق بالشأن العراقي 'المتدهور'، وتحديد, محاربة داعش في العراق وتحرير المدن العراقية, ومسار العلاقات بين العراق والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وخارطة الطريق المرسومة و'المتلكئة' في هذا المجال.
لقد بدأت منذ عام 2003 صفحة جديدة من العلاقات بين العراق والولايات المتحدة ، وذلك بعد عقود مرت بها تلك العلاقات وشهدت تقلبات كبيرة ، حيث بدأت بعلاقات دبلوماسيه اعتيادية بعد سنوات من تأسيس الدولة العراقية ألحديثه عام 1921 في حين شهدت بعد إطاحة النظام الملكي في 14 تموز – يوليو 1958 توترا شديدا اقترب من ألقطيعه ، ثم عادت إلى التحسن والتطور خلال أعوام الثمانينيات ، بعدها عادت في التسعينيات إلى التوتر والقطيعة النهائية بعد احتلال نظام صدام للكويت عام 1990 وإدخال العراق في ) الفصل السابع ) الذي فرضه عليه مجلس الأمن كعقاب على احتلاله الكويت ، وهو الوضع الذي استمر حتى الاحتلال الأمريكي للعراق في 9 نيسان – ابريل 2003 حيث بدأت صفحة جديدة متطورة ومتميزة من العلاقات بين العراق والولايات المتحدة .
إن قيادة أميركا التحالف الدولي لاحتلال العراق , وضعه أمام مفترق طرق, وادي إلى تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية غير مألوفة لدى العراقيين, فقد تم تأسيس للمرحلة الانتقالية والسلطة الجديدة في العراق التي تمثلت ابتداء بمجلس الحكم, على أساس قومي وطائفي, وهو ما عد تقليدا سياسيا جديدا اعتمد في تشكيل كل الحكومات العراقية ألاحقة ابتداء من انتخابات عام 2005 والى ألان, إذ إن الحكومة تشكل على أساس نسبة أصوات كل كتلة سياسية ممثلة لقومية معينة أو طائفة حصلت عليها في الانتخابات, ويتم توزيع المقاعد الحكومية على هذا الأساس, أما من الناحية الاقتصادية فان حملات الأعمار التي قامت بها الولايات المتحدة في العراق وصرف مئات المليارات من الدولارات على مشاريع لم يستفاد منها الشعب بل أصبحت طريقا لأكبر عمليات فساد مالي وأداري في تاريخ العراق والعالم, إما اجتماعيا فقط ساعد الاحتلال الأمريكي على بروز الصراعات الطائفية والقومية في العراق, إذ إن حل الجيش العراقي والقوات الأمنية الأخرى لم يعوضه وجودها العسكري بالعراق الذي بلغ تعداد قواته بنحو 180 إلف جندي بكامل المعدات والتجهيزات لحفظ الأمن والاستقرار, إذ إن الفراغ الأمني بعد حل الجيش ساعد على تشكيل مجموعات مسلحة على أساس طائفي, بعضها كانت موالية للحكومة وساندة لها, وأخرى معارضة لها ومنها القاعدة وداعش والتي تعمل لأجندات وأهداف إقليمية ودولية, وخلال السنوات التالية واصلت الولايات المتحدة دعمها ومساندتها للعراقيين لتحقيق الأمن وبناء مؤسسات الدولة على أنقاض المؤسسات التي انهارت ، وتوقيع اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي وقعت بينهما في 17/11/2008 التي تضمنت أحد عشر قسماً ثبت فيها شكل العلاقات والتعاون بين البلدين وكذلك إشكال الدعم والمساندة للعراق في شتى المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية والعملية والتكنولوجية ، مما يوفر للعراق – إذا ما طبقت بنود الاتفاقية – فرصة كبيرة لان ينتقل العراق إلى مصاف الدول المتقدمة والمزدهرة , ولقد التزمت الولايات المتحدة بسحب قواتها في الوقت المحدد باتفاقية الإطار الاستراتيجي واتفاقية سحب القوات الأجنبية من العراق الذي تم في 31/12/2011, وعلى الرغم من قناعات الكثيرين من العراقيين بأن قرار سحب القوات كان صائبا, الا انه كان يمكن تمديده لسنوات لتجنيب العراق والعراقيين هزات أمنيه هدمت ما تم بناؤه خلال السنوات التي سبقت الانسحاب , وهنا ثمة من يعتقد بأنه ما كان لداعش إن يقوم بغزوته للعراق واحتلال قسم من أراضيه في حزيران – يونيو 2014 لو كانت القوات الأمريكية ما تزال في العراق.
ورغم طلب الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي المساعدة العسكري من القوات الأمريكية وحسب اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الموقعة عام 2008 , الا إن الولايات المتحدة لم تستجب للطلب العراقي بالسرعة التي دخل فيها داعش المدن العراقية. وبدأت تماطل في تقديم المساعدة العسكرية, حتى التجأ العراق إلى إيران التي قدمت الأسلحة والخبراء العسكريين, والى وروسيا الاتحادية التي قدمت أيضا أسلحة وطائرات عسكرية, ثم جاءت فتوى المرجعية الدينية سريعا بالجهاد الكفائي وهي الفتوى التي أنقذت البلد من الانهيار بشكل كامل, وتم تشكيل قوات الحشد الشعبي والتي كان لها دور في تحرير محافظة ديالى بالكامل, ومناطق في صلاح الدين ومنها تكريت, ولكن نلاحظ إن الدعم الأمريكي جاء سريعا لإنقاذ اربيل من السقوط على يد داعش وهو ما يضع عدة علامات استفهام حول دور أمريكا في إحداث العراق, خاصة وان أمريكا بعد ذلك شكلت تحالفا دوليا لمحارة داعش مكون من أكثر من 50 دولة, الا إن الوقائع على الأرض تظهر إن الضربات الجوية للتحالف الدولي ضد داعش لم تؤدي غرضها الأساس وهو هزيمة التنظيم بل هناك تقدم للتنظيم في محافظة الأنبار, رغم قيام القوات العراقية والحشد الشعبي بتحرير أجزاء من صلاح الدين ومنها تكريت معقل التنظيم.
بعد كل هذه الأحداث جاءت زيارة رئيس الوزراء حيدر ألعبادي يوم الثلاثاء المصادف 14 نيسان 2015, وهذه هي أول زيارة له إلى أمريكا منذ تسلمه منصبه في أغسطس/ آب ٢٠١٤ , وتأتي هذه الزيارة في وقت تحقق فيه القوات العراقية والحشد الشعبي عدة انتصارات على الجماعات الإرهابية وتنظيم "داعش" الإرهابي في ديالى وصلاح الدين وكركوك, ويضم الوفد الذي يرافق ألعبادي في هذه الزيارة , وزراء الدفاع والمالية والنفط والتعليم العالي ومستشار الأمن الوطني العراقي , ومن أسباب الزيارة هي الطلب من واشنطن تسليم الأسلحة التي اشترتها بغداد من واشنطن وامتنعت الأخيرة من تسليمها حتى الآن رغم الاتفاق الأمني الموقع بين البلدين وقيام العراق بدفع ثمن هذه الأسلحة , والطلب من الجانب الأمريكي باتخاذ إجراءات حازمة لوقف تدفق الإرهابيين المسلحين الأجانب إلى العراق, ودعم دولي لوقف تهريب النفط والآثار من العراق إلى الخارج من قبل الجماعات الإرهابية , وكذلك دعم إجراءات الحكومة العراقية في معالجة احتياجات الشعب العراقي، خاصة وان أمريكا أعلنت أنها سوف تساعد العراق بمبلغ 200 مليون دولار للنازحين, وتعزيز التعاون بين جميع مكونات المجتمع العراقي، وتطوير الشراكة الأمريكية العراقية الشاملة من خلال توسيع العلاقات السياسية والتجارية والثقافية من خلال اتفاقية الإطار الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق, وقدم رئيس مجلس الوزراء حيدر ألعبادي في محاضرة ألقاها في مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية في واشنطن، الخميس 16/4/2015، موجزا عن تطورات تحرير الأرض ورؤيته لبناء الدولة والإصلاحات المتخذة في جميع القطاعات, وبناء قدرات القوات الأمنية والتسليح والتدريب وإعادة أعمار المناطق التي تم تحريرها وعلاقة العراق بدول الجوار والمنطقة والعالم, ورغم ترحيب رئيس الوزراء العراقي حيدر ألعبادي بالمساعدة الإيرانية في القتال ضد تنظيم الدولية الإسلامية المتطرف، الا انه قال إن على إيران احترام سيادة بغداد,
ويجب إن يمر كل شيء من خلال الحكومة العراقية, وهذا تصريح غير مسبوق في السياسة العراقية.
وعلى الرغم من مماطلة واشنطن تسليم العراق ٣٤ مقاتلة من طراز أف ١٦ إضافة إلى طائرات عمودية من نوع أباتشي ورادارات وأسلحة متطورة أخرى، إضافة إلى إن أمريكا متهمة بدعم الجماعات الإرهابية في العراق من خلال إنزال طائراتها أسلحة ومعدات وذخيرة وأغذية إلى هذه الجماعات وهذا ما أكده عدد من المسؤولين العراقيين وأشاروا إلى وجود صور وأشرطة فيديو توثق ذلك, الا إن زيارة ألعبادي إلى واشنطن تشكل منعطفاً جديداً في تاريخ العلاقات بين العراق وأمريكا والتي تسعى الأخيرة من خلالها إلى تحقيق مصالحها التي فشلت في تحقيقها منذ غزوها العراق في نيسان عام ٢٠٠٣ ولحد الآن , وان المكانة الشعبية التي يتمتع بها ألعبادي والتأييد الإقليمي والدولي الذي حظي ويحظى به منذ تسلمه منصبه وحتى الآن والظرف الاستثنائي الذي يمر به العراق يحتم على واشنطن التعامل بمصداقية مع هذا البلد والوفاء بالتزاماتها وعهودها التي تضمنتها الاتفاقية الأمنية بين الجانبين، وتسليمه الأسلحة التي سدد ثمنها منذ فترة طويلة والتي تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات والعراق الآن بأمس الحاجة إليها في التصدي للعصابات الإرهابية من أجل تحرير أراضيه وإنقاذ شعبه من شر هذه العصابات وخصوصا تنظيم "داعش" الإرهابي.
خلاصة القول، تعتبر هذه الزيارة مهمة للعراق والمنطقة وعلى صانع القرار العراقي أن يأخذ مصلحة العراق في الاعتبار عند أي اتفاق مع الجانب الأمريكي, وان لا يضع كل الثقة بهم, وان يأخذ بنظر الاعتبار مصالح دول الجوار, لان العراق مهم لمحيطه الإقليمي, كما إن دول الجوار مؤثرة على العراق, وعلى العراقيين إن يستفيدوا من المساعدات الأمريكية, وان لا تكون على حساب مصالح العراق المهمة, كما إن الوضع على الأرض هو خطر جدا لان داعش يتمدد بشكل كبير, وان الغرب هو من دعم هذه العصابات, لذلك فان إي مواجهة لهذه العصابات يجب إن تكون بجهود عراقية خالصة, لكي لاتكون هناك شروط من قبل دول العالم لأجل المساعدة, وعلى صانع القرار السياسي إن يفتح أفاق التعاون مع دول العالم الأخرى في مجال التسليح ولايعتمد على جهة واحدة, خاصة وان هناك العديد من دول العالم رحبت بالتعاون العسكري مع العراق وهي مستعدة لتزويد العراق بمختلف الأسلحة.