ماذا تخفي روسيا من وراء تسليح إيران بصواريخ أس - 300 ؟

أعلنت روسيا الاتحادية في بيان إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقع في يوم الاثنين 13/4/2015 مرسوما يلغي حظر تسليم إيران صواريخ أس-300, إذ إن الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف قد اصدر مرسوما في عام 2010 يحظر فيه تسليم صواريخ اس - 300, وذلك لالتزام روسيا بالعقوبات الدولية على إيران, وعلى هذا فان صفقة الصواريخ (اس اس 300) مشمولة بهذه العقوبات التي فرضت على إيران بموجب القرار (1929) في 9 حزيران 2010 الذي فرض على إيران عقوبات بسبب برنامجها النووي المثير للجدل, ولم توضح الرئاسة الروسية ما إذا كانت ستبيع أو تسلم فورا صواريخ اس-300 لإيران, لكن المرسوم الرئاسي يمهد الطريق لتسليم شحنات بحرا وبرا وجوا. تميزت العلاقات الروسية الإيرانية خلال تاريخها الطويل بنوع من الصراع والتعاون على حد سواء, إذ إن مجاورة روسيا لإيران فرض عليهما إتباع أنماط محدد من السلوك أحداهما إزاء الأخر, فإيران تتملكها خشية من وجود دولة نووية قريبة من حدودها الشمالية مما دفعها إلى إتباع سياسات لا تثير غضب الروس, وطالما ناورت في إظهار التودد إزائها كلما شعرت بوجود خطر خارجي عليها, وروسيا لا تريد دولة نووية على حدودها الجنوبية , ويرجع اهتمام روسيا بإيران إلى العهد القيصري في زمن ( بطرس الأكبر 1675-1725 ) الذي كان يرغب في الوصول إلى الهند والمياه الدافئة في الخليج العربي, ثم تطورت العلاقات الروسية الإيرانية عبر الزمن من صراع على النفوذ والسيطرة على الأراضي, إلى تعاون فيما بعد, فقد أنتهج الاتحاد السوفيتي السابق سياسة جديدة مع إيران وتم عقد معاهدة 1921, وتُعد أهم معاهدة لتوطيد العلاقات بين البلدين, وتطورت العلاقات بين البلدين خلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين , وخاصة في المجالات الاقتصادية وبناء المصانع في إيران وتصدير الغاز عن طريق روسيا إلى أوربا , وبعد قيام الثورة الإيرانية وإعلان الجمهورية الإسلامية عام 1979 ولتأكيد إيران الاستقلالية في توجهاتها السياسية ,تميزت العلاقات بين الدولتين بالتوازن والانفتاح المحدود خاصة بعد الحظر الاقتصادي الغربي على إيران, رغم ذلك ظهرت بعض المخاوف من جانب إيران متعلقة بوجود القوات السوفيتية في أفغانستان في نهاية السبعينات من القرن العشرين كذلك تمسك الاتحاد السوفيتي بالمادتين (5-6) في معاهدة 1921 التي تجيز للقوات السوفيتية الدخول إلى إيران, واتهام إيران الاتحاد السوفيتي بإثارة الاضطرابات القومية في إيران وخاصة في أذربيجان والاهواز, كذلك حدوث بعض التطورات التي أدت إلى توتر العلاقات بين. بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1992, بدأت مرحلة جديدة من العلاقات بين الدولتين, إذ إن إيران وجدت نفسها أمام جملة من التطورات السياسية والإستراتيجية والاقتصادية, فقد فتح ذلك الهدف لفرصة أمام الهيمنة الدولية للغرب وخاصة الولايات المتحدة ونشوء نظام أحادي القطبية , وسمحت للغرب بالعمل الانفرادي من خلال فرض عقوبات على الدول التي لا تتوافق سياستها مع الغرب , ولم يعد ممكنا مواجهة الغرب بعد زوال الاتحاد السوفيتي , كذلك أصبح الغرب ينظر إلى إيران كمنافس له في الخليج العربي وبحر قزوين بعد إن كانت النظرة لإيران داعما للغرب للوقوف بوجه الاتحاد السوفيتي, وبذلك أصبح موقع إيران الجغرافي عائقا بدلا من إن يكون مزية خاصة بعد منع الولايات المتحدة من قيام اتفاق إيراني مع آسيا الوسطى لتصدير النفط عبر إيران, وأسهم تفكك الاتحاد السوفيتي في تحويل موازين القوى لصالح الدول الإقليمية المؤيدة للغرب وضد الدول التي لها عداء مع الغرب , وزاد من الانتشار العسكري الغربي في دول الخليج العربي , وبهذا كانت إيران من المتضررين من تفكك الاتحاد السوفيتي رغم زواله كقوة عالمية كانت تهدد شمالها , وأدى تفكك الاتحاد السوفيتي كذلك إلى نشوء عدد من الجمهوريات في شمال إيران وهي (جمهوريات أسيا الوسطى والقوقاز) , وهذا جعل احتمالات التهديد على حدودها الشمالية أكثر تنوعا , قابله فقدان الدعم السوفيتي المالي والتقني بعد إن أصبحت روسيا متلقية للمساعدات الغربية , وأصبحت الجمهوريات الناشئة الجديدة في أسيا الوسطى والقوقاز منافسا اقتصاديا لإيران نظرا لتوافر الطاقة فيها ومنافستها لإيران في مجال الاستثمارات. الا إن العلاقات بدأت بالتطور بعد إن تغيرت الزعامة في روسيا الاتحادية ومجيء (فلاديمير بوتين) للحكم, فخلال زيارة الرئيس الإيراني السابق ( محمد خاتمي ) إلى روسيا عام 2001 , وقعت الدولتان العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية , وقد ألغى الرئيس الروسي ( فلاديمير بوتين ) خلال هذه الزيارة اتفاق عام 1995 بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة حول عدم بيع الأسلحة إلى إيران , واتفق الطرفان على قيام روسيا الاتحادية ببناء خمس محطات للطاقة النووية في إيران التي تم الانتهاء منها عام 2012 , وتوسعت الاتفاقيات لتشمل الغاز والنفط وصناعة الطائرات . ومن ضمن ما شمله التعاون العسكري بين الطرفين هو عقد صفقة تزويد إيران بصواريخ (اس-300) وأسلحة دفاعية عام 2007, ووقعت روسيا وإيران اتفاقا لتسليم هذه المعدات القادرة على اعتراض الطائرات والصواريخ في الجو، تبلغ قيمته 800 مليون دولار. وصرح وزير خارجية روسيا الاتحادية (سيرجى لافروف) في 14 شباط 2010 بالقول : "إن روسيا الاتحادية ستنفذ العقد الموقع مع إيران حول توريد منظومات الصواريخ من طراز (s-300) لطهران وان التأخير هو بسبب معالجة بعض الخلل الفني الذي تم اكتشافه في منظومة الرادار ", كذلك جرى الاتفاق على تزويد إيران بغواصات نوع (كيلو) روسية الصنع . إلا انه ومع صدور قرار مجلس الأمن رقم 1929 في 9 حزيران 2010 أعلنت روسيا الاتحادية تجميد تزويد إيران بهذه الصواريخ التزاما منها بالعقوبات الدولية, وكان التعاون الروسي الإيراني في مجال الأسلحة ناجم عن رغبة الطرفين بالحصول على الفوائد من هذا التعاون , إذ إن إيران كانت ترى إن روسيا الاتحادية هي المصدر الرئيسي للأسلحة بسبب الحصار على الموارد المالية التي هي بحاجة إليها. فعلى الرغم من اعتراض إسرائيل على قرار روسيا رفع حظر تسليم إيران صواريخ اس-300, وان المحادثات تتواصل بين طهران والقوى الكبرى بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي حول الملف النووي الإيراني بحلول الثلاثين من حزيران/يونيو المقبل ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بعد, الا إن روسيا أعلنت إنها ستنهي الحظر على إيران, وان الصفقة معلقة بين الطرفين منذ عام 2007 إلى ألان, والسؤال المهم ما الذي تغير في الظروف الدولية والإقليمية, لكي تتغير روسيا وتسلم منظومة الصواريخ إلى إيران؟ المعلن إن هذا القرار الروسي جاء بعد التوصل إلى انفراج في المحادثات بين القوى العالمية الست وإيران حول برنامجها النووي, حيث تم التوصل إلى اتفاق إطار في الثاني من نيسان/ابريل. ويتوقع إن ينص الاتفاق النهائي على خفض إيران نشاطاتها النووية, من خلال تقليل أجهزة الطرد المركزي, والقبول بالتفتيش على منشاتها النووية, مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ عشرات السنوات, وبالتالي يعني إن العقوبات بكل أنواعها ومنها الخاصة بالتسلح سوف ترفع عن إيران, وبهذا لم يبقى مبرر بعد ألان للامتناع عن إتمام صفة الصواريخ مع إيران. كما إن التعاون العسكري بين البلدين بدا بالتطور في بداية السنة، إذ وقعت موسكو وطهران بروتوكول اتفاق لتعزيز "التعاون العسكري الثنائي بسبب المصالح المشتركة"، بمناسبة زيارة وزير الدفاع الروسي (سيرغي شويغو) إلى العاصمة الإيرانية, واقترحت روسيا حينذاك على طهران تسليمها صواريخ انتي-2500 النسخة الجديدة من صواريخ اس-300 المحدثة، ومنظومة الصواريخ هذه المعروفة قادرة على اعتراض طائرات في مدى يصل إلى أكثر من 200 كيلومتر, الا إن إيران أصرت على إن تتسلم صفقة الصواريخ المتعاقد عليها منذ عام 2007, وهي منظومة اس-300. كما إن أحداث اليمن عجلت في تسليم صفقة الصواريخ إلى إيران, إذ إن اندلاع حرب اليمن بقيادة السعودية وتكوين حلف عربي هو جاء بموافقة ومباركة وحتى مشاركة أمريكية مباشرة, كان له اثر مباشر وتهديد للمصالح الروسية في المنطقة, حيث إن منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة واليمن وباب المندب بصورة خاصة ذات أهمية إستراتيجية لروسيا الاتحادية, وان لها تاريخ من التواجد في اليمن وخاصة القاعدة العسكرية في عدن في اليمن الجنوبي سابقا, كما إن دعم أمريكا للسعودية في حربها المباشرة ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن يعد سابقة خطيرة في حرب التنافس والمصالح على النفوذ في المنطقة, لذلك أرادت روسيا من إطلاق هذه الصفقة وتسليمها إلى إيران بان روسيا متواجدة في المنطقة, وبهذا فهي عملية ضغط على الولايات الأمريكية لغرض إيقاف الهجوم السعودي على اليمن, وهو إنذار للغرب بان روسيا سوف تدافع عن مصالحها, وهي مستعدة لتسليح حلفاءها بكل أنواع الأسلحة, مثلما سلحت أمريكا السعودية بالأسلحة والطائرات المتطورة, خاصة إذا علمنا إن هذه الصواريخ ذات مواصفات عالية الدقة في التصويب, لذلك فان مع إعلان تسليم الصواريخ صدرت الاعتراضات من إسرائيل وأمريكا, وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية العقيد (ستيف وارن) للصحافيين "إن معارضتنا لبيع هذه الصواريخ قديمة وعلنية. ونحن نعتقد إن (بيع الصواريخ) لا يساعد على حل المشكلة", وبهذا فهي رسالة للغرب بان سلاح روسيا المتطور سيصل إلى الأسواق العالمية, وقد يصل إلى الحركات الإسلامية المدعومة من إيران مثل حزب الله الحوثيين, وبهذا سوف تضطر الدول لإعطاء روسيا دور في الحل لمشاكل الشرق الأوسط, وخاصة الأزمة اليمنية. إن روسيا أصبحت تتصرف كقوة عظمى في العالم, وخاصة بعد إن وصل التهديد الغربي إلى أبوابها – في أوكرانيا- ومحاولة ضم بعض بلدان الاتحاد السوفيتي السابق مثل جورجيا إلى حلف الناتو وما قد يشكله ذلك من تهديد مباشر لها, وبهذا فهي ستقوم بمد الدول المعادية للغرب بالسلاح المتطور, في محاولة منها لإيقاف أي تمدد لحلف الناتو أو الولايات المتحدة للدول المجاورة لها, كذلك روسيا استبقت إعلان الاتفاق النهائي بين الغرب وإيران حول البرنامج النووي, وما قد يؤدي من جر إيران إلى التحالف الغربي مرة أخرى كما كان في زمن الشاه, لذا فهي سوف تقدم كل ماهو ممكن لإيران لتبقى في الصف الروسي, ومنع أي محاولة غربية لكسب إيران, خاصة وان الغرب رغم إعلان اتفاق المبادئ مع إيران لازال يكن العداء لها, ويماطل في رفع الحصار عنها, بحجج وتفسيرات للقرارات الدولية, لهذا جاء هذا القرار الروسي ليسبق أي محاولة غربية للتقارب مع إيران على حساب المصالح الروسية في المنطقة, كذلك تحاول روسيا إن تحافظ على المناطق الجنوبية للاتحاد السوفيتي السابق بصفتها مناطق نفوذ خاصة بها ولا تريد من حيث المبدأ لأي دولة إن تمتلك نفوذا اقتصاديا وثقافيا وسياسيا في هذه المنطقة , وترى روسيا في خطط إيران لمد مشروع أنابيب نقل الغاز عبر إيران قد يصب في مصلحة روسيا أيضا, لان تعاون روسيا مع إيران في هذا الوقت ومدها بالسلاح المتطور سوف يجعل لروسيا نصيب كبير في استثمارات مد أنابيب الغاز والنفط, خاصة وان إيران تحتاج إلى أموال واستثمارات كبيرة في هذا المجال . ولا ننسى إن هبوط أسعار النفط بشكل سريع ومفاجئ, قد اثر على الميزانية الروسية, والتي تعتمد في اغلبها على تصدير النفط والغاز, لذلك لجأت روسيا إلى الطريقة التقليدية في إثراء ميزانيتها, وذلك من خلال فتح تصدير السلاح للدول التي هي بحاجة إلى التسلح, وخاصة السلاح المتطور, خاصة وان الصفقة متفق عليها منذ عام 2007, وبهذا فان روسيا من جهة تحصل على الأموال اللازمة لتعويض خسائر هبوط أسعار النفط, ومن جهة أخرى تعطي مؤشر بأنها سوف لن تتخلى عن حلفائها في المنطقة, وإنها مستعدة لتزويدهم بأحدث الأسلحة. خلاصة القول, ِوعلى المدى المنظور فان التعاون الروسي الإيراني سوف يزداد, وذلك لوجود مصالح اقتصادية وإستراتيجية لروسيا في إيران ومحاولتها إضفاء نوع من الهالة والمشروعية على دورها العالمي والخشية من توسيع حلف الناتو شرقا بما قد يشجع روسيا إلى العمل على منع إي عمل ضد إيران باعتباره الضمان للحدود الجنوبية الروسية , وان وجود نظام سياسي في إيران مهدد من الغرب ويعمل تحت الأجندة الروسية خير من وجود نظام صديق وموالي للغرب أو حتى من وجود نظام سياسي مستقر ومستقل , لذلك وأن كانت روسيا الاتحادية توافق على القرارات الدولية ضد إيران إلا أنها لا تقبل القرارات إلا ضمن حدود عقوبات غير مؤثرة على الدولة الإيرانية.
التعليقات