بعد يوم من توقيع اتفاق الإطار حول البرنامج النووي الإيراني بين طهران والدول الكبرى , فعلى الرغم من إن الاتفاق النووي الإيراني لم يوقع في صورته النهائية, وان هناك اتفاق مبدئي على أمل إن يتم اتفاق نهائي خلال 3 شهور، كما إن حيثيات الاتفاق غير واضحة, الا إن الوقائع تؤشر إلى إن الاتفاق النووي جاء برغبة عارمة من كل الأطراف, حتى وصفه الرئيس الأمريكي ( اوباما) بالاتفاق التاريخي, كما إن خروج الشعب الإيراني في مظاهر احتفالية ابتهاجا بهذا الاحتفال لهو دليل أخر على أهميته لدى الإيرانيين للفوائد التي سوف تجنيها كلا الطرفين من الاتفاق, يطرح مراقبون أسئلة تتعلق بمصير حركات المقاومة الإسلامية في الشرق الأوسط كحماس والجهاد الإسلامي وحزب الله إضافة إلى الحوثيين في اليمن ؟ وهل تكون تلك الفصائل جزءا من الاتفاق؟ وما هي إستراتيجية إيران وتلك الحركات في المرحلة المقبلة؟.
الاتفاق النووي بين إيران والدول الخمس + 1 في سويسرا, والذي قد يرى البعض بأنه سوف يحد من سياساتها الإقليمية ومن دعمها لحركات المقاومة الإسلامية في العراق ولبنان وسوريا واليمن والبحرين وغيرها, الا إن ذلك لن يؤثر على علاقاتها بتلك الحركات, وان إيران التي تضطلع بدور مهم في عدة مواقع في الشرق الأوسط، لن تتخلى عن نفوذها الإقليمي لقاء تنازلات للدول العظمى في الملف النووي, وخاصة في البحرين إلى العراق ولبنان وسوريا واليمن وشمال أفريقيا, إذ دعمت طهران العراق في مواجهة تنظيم “داعش” من خلال تقديم الأسلحة والعتاد والمستشارين العسكريين, وان لإيران والمقاومة دور في الهجوم الحالي لاستعادة مدينة تكريت من تنظيم داعش الإرهابي , وان الاتفاق يمنح إيران بمجرد إلغاء العقوبات مزيدا من الموارد، التي تساعدها في الاستمرار في إستراتيجية الدولة العظمى، ولطالما كان من المهم أن يكون لدى الولايات المتحدة وحلفائنا سياسة لمقاومة هذه الإستراتيجية واحتواء إيران، والآن هو أكثر وقت نحتاج فيه إلى القيام بذلك.
إن الحركات ستستفيد من هذا الاتفاق و من الغير وارد إن تتخلى إيران عن هذه الحركات و إن يتم دمجها ضمن الاتفاق تحت أملاءات أمريكية, وهذا الاتفاق سيريح إيران ماليا وسيرفع الحصار الاقتصادي عنها و سيعزز من إمكانيات إيران المالية و هذا ما سيفتح المجال أمام دعم حركات المقاومة، هذا من جانب أما من جانب معارضة إسرائيل هذا الاتفاق لأنها معنية بالتوتر بين الغرب وإيران, وان ما يريح إسرائيل يغضبنا و إن ما يغضب إسرائيل يريحنا، و إن إسرائيل على قناعة كاملة إن إيران غير مقيدة تجاه هذه الحركات قطعيا, ,إن إيران غير معنية منذ البداية بامتلاك السلاح النووي و إنما تستخدمه _الاتفاق النووي_ كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة لرفع الحصار المفروض عليها و ابتزاز الغرب بطريقة أو أخرى، بالإضافة إلى امتلاك المعرفة في الجوانب النووية و الأمور العلمية و الزراعية و الطبية، على حد تعبيره.
فعلى الرغم من إن هناك بعض الأصوات في حركة حماس انزعجت من الاتفاق, وهذا ماكتبه نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق "المباحثات الإيرانيّة مع مجموعة الستة ستنتهي إلى اتفاق، تكون بموجبه قد تعهّدت إيران بالتخصيب المقنّن، وينهى الغرب عقوباته على إيران، ويعيد علاقاته معها، ويفرج عن أموالها المجمّدة".أضاف أنه بانعكاس ذلك على المنطقة "سيكون الكيان الصهيوني أكثر أمناً بعد اطمئنانه أن لا تهديد نووي إيراني قادم، ولا سلاح كيماوي عاد موجوداً، وانفردت هي بكل ذلك", الا إن هذا التصريح عد نتيجة العلاقة المتوتّرة بين "حماس" وإيران. فـ"حماس" تستغلّ العلاقة المتوتّرة لتسجّل نقطة على إيران، معتبرة أنها تنازلت أمام الولايات المتّحدة.
ولكن في المقابل، نجد في داخل "حماس" من يرى الوجه الإيجابي لهذا الاتفاق, فقد أشار القيادي أحمد يوسف لـ"المونيتور" في خلال لقاء في دار الحكمة، إلى أن ذلك يُعتبَر "ذكاءً من قبل إيران التي تريد أن تحلّ مشاكلها مع العالم بعد سنوات من توصيفها بالإرهاب وتأليب دول الخليج عليها، لتعود وتأخذ مكانتها بين الأمم عبر التخفيف من موجة العداء التي تعوّقها اقتصادياً", وتابع أنها خطوة ذكيّة من روحاني بأن يحلّ الأزمة مع الغرب ويفتح آفاقاً مع أوروبا، فهو لن يتقدّم إذا كانت الولايات المتّحدة تحظر التعامل مع الاقتصاد الإيراني والنفط, وان الاتفاق النووي الإيراني سيعود بالإيجاب على حركة حماس في مواجهة إسرائيل من حيث الدعم المالي، وان ذلك سيكون اقل عرضة للضغوط الغربية و خاصة أمريكا في حال إن انفتاح البرنامج النووي الإيراني على حركة حماس و حركات التحرر الأخرى.
وفي الاتجاه ذاته كان للجهاد الإسلامي كفصيل إسلامي قوي مدعوم من إيران موقفه من هذا الاتفاق، فقد قال عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد نافذ عزام لموقع "فلسطين اليوم" المقرّب من "الجهاد" "نحن شعرنا بارتياح عند الإعلان عن هذا الاتفاق، إذ إنه يجنّب المنطقة أخطاراً كثيرة أهمّها قيام أميركا بشنّ حرب على المنطقة", وأن إقامة هذا النوع من العلاقات والابتعاد عن دائرة العداء يخدم "حماس" ويعيد لإيران تأثيرها على السياسة الدوليّة، مضيفاً أن "الحلول لا تأتي كلها عبر الصواريخ. وللسياسة دائماً نشاطها كي تتفوّق الدبلوماسيّة على الحروب, ومن هنا يرجع الدفاع عن القضيّة الفلسطينيّة ليأخذ مكانته، لتكون القضيّة الجوهريّة".
من جهته قال القيادي في الجهاد الإسلامي أحمد المدلل في اتصال هاتفي مع "المونيتور"، "نعتبر الاتفاق نصراً لإيران, وهو أمر لن يؤثّر على المقاومة التي لن تقدّم تنازلات, أضاف مكرراً "الاتفاق لن يؤثّر على المقاومة ومقدراتها, فالجهاد الإسلامي والمقاومة ليسا في جيب أحد".
أما حزب الله , فكان أول المؤيدين لهذا الاتفاق والداعمين له, فقد قال نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني الشيخ نعيم قاسم "إن الاتفاق النووي الإيراني هو انتصار لمشروع المقاومة الذي تقوده إيران, وأن الاتفاق النووي الإيراني هو انتصار للحق والثبات وإرادة الشعوب الحرة ومشروع المقاومة الذي تقوده إيران الإسلام، ورفض التبعية للغرب", إن إيران اليوم هي البلد الأكثر إضاءة في منطقتنا لأنها أحيت العزة والاستقلال ودعمت خيارات شعوب المنطقة، وهي رمز وعنوان المقاومة ضد العدوان الإسرائيلي والإرهاب التكفيري, ونحن نعرف إن علاقات إيران مع حزب الله هي ليست علاقات حديثة أو وقتية, ولم تظهر نتيجة الخلافات الإيرانية الأمريكية, بل هي علاقات تمتد إلى بدايات الثورة الإسلامية الإيرانية, وابعد من ذلك, وكان لحزب الله في لبنان في بداية تأسيسه علاقات متطورة مع إيران, من خلال الدعم العسكري والمادي, ثم إن قادة حزب الله في لبنان يؤمنون بولاية الفقيه, ويعد آية الله (علي الخامنئي) المرجع الديني الأعلى لهم, كذلك تأتي المصالح الإستراتيجية المهمة, على اعتبار حزب الله اليد الضاربة ضد الكيان الصهيوني, وان هزيمة إسرائيل وخروجها من جنوب لبنان, وفي حروبها الأخرى, لهي انتصار لكل محور المقاومة المدعومة من إيران, وبهذا فان الاتفاق النووي لايؤثر على الدعم الإيراني لحزب الله, وفي اعتقادنا إن إيران لن تتنازل بهذه السهولة عن حلفاءها وخاصة حزب الله, لان إسرائيل تبقى العدو الأول لإيران, كذلك إسرائيل لا زالت توجه التهديدات لإيران, وبهذا فمن غير المنطقي والمعقول إن تنتهي هذه العلاقة بين إيران وحزب الله, وبهذه الطريقة, إذا علمنا إن إيران لم تكسب شيئا لحد ألان, وان إيران قرأت وتقرا الساحة الإقليمية جيدا, فقد سقطت دول كثيرة في فخ أمريكا من خلال التنازل لها بدون مقابل, كما حدث مع مصر في كامب ديفيد, وتخلي ألقذافي عن أسلحته الكيماوية والبايلوجية, وما حدث في العراق ليس ببعيد عن صانع القرار الإيراني.
كذلك حركة الحوثيين في اليمن, فاليمن دولة مهمة وذات موقع استراتيجي مهم, فهي تسيطر على الملاحة في خليج عدن وباب المندب, وتواجد شيعي قوي ومؤثر في اليمن, وقربها من أعداء إيران من دول المنطقة وعلى رأسهم السعودية, خاصة وان الزيدية كانوا قبل الثورة اليمنية عام 1969, هم حكام اليمن, وبعدها بقيت لديهم قوة الإرادة والعقيدة, وإيران بعد الثورة الإسلامية بدأت استخدام الشعارات الدينية من اجل دعم إستراتيجيتها في المنطقة, ومنها اليمن, لذلك لن يكون لهذا الاتفاق تأثير سلبي على الموقف العسكري للحوثيين الذين يخوضون معارك في عدة جبهات جنوبية، كما تتعرض معسكراتهم لغارات طائرات التحالف العربي بعد أن كانوا قد سيطروا على أجزاء كبيرة ومهمة من اليمن, ووضعوا الرئيس (عبد ربه منصور هادي) ورئيس الحكومة والوزراء تحت الإقامة الجبرية قبل أن يتمكن هادي من الفرار إلى عدن, ويطلب الدعم الإقليمي والدولي لشرعية نظامه المنهار, فالحوثيين كجماعة دينية تحمل أفكار إيديولوجية خرجت عن إطار المذهب الزيدي المعتدل, وحصلوا منذ وقت مبكر على دعم طهران , وإن كان قد جرى ذلك بصورة متدرجة, خاصة وان خطاب مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية آية الله ( علي خامنئي) في خطبته الأخيرة, قد ندد بالعدوان السعودي على اليمن ودعا إلى إيقافه, وأكد بان السعودية ستخسر الحرب وسوف يمرغ انفها بالتراب, وهذه تعبير يستخدمه لأول مرة المرشد الأعلى, وهو يعد تهديدا قويا, وذلك لان منصب المرشد الأعلى يعد اعلي منصب سياسي في إيران, وما يصدر عنه ملزم لكل السلطات الإيرانية, وهذا الخطاب في هذا التوقيت يفسر على إن إيران تعد نفسها قوة إقليمية عظمى, لايمكن إن تتنازل عن مصالحها الإستراتيجية في المنطقة مهما بلغت التضحيات.
وان طهران لن تقبل بأي حال من الأحوال التفاوض في شأن نفوذها, وتعتبر إيران بنظر شعوب المنطقة وخاصة في لبنان والعراق, هي الدولة الوحيدة التي تحارب اليوم تنظيم الدولة الإسلامية على الأرض, وليس الائتلاف الدولي بقيادة أميركية, كما إن إي مسؤولا يراني مفاوض غير مخول ولن يتم تخويله التفاوض حول نفوذ إيران, لان ذلك مرتبط بالسياسة العليا الإيرانية الغير قابلة للنقاش, وعلى هذا من المؤكد أن ذلك الدعم سيستمر في خلال المستقبل المنظور طالما بقية قواعد اللعبة ثابتة, خصوصا من جانب الحوزة والمرجعيات الشيعية في قُم وغيرها، لكن على النطاق الرسمي فإن النظام الإيراني يتعامل معهم من منطلق مصالح طهران العليا، ويرى في الحوثيين وفي حزب الله، وفي حركات شيعية عديدة في المنطقة هي أنصار لإيران في المنطقة, وهم ذراعها الذي يمكن إن يصل إلى الأعداء بأقل الخسائر, فقد أكد المرشد أيضا في خطابه الأخير, بان على التفاوض الإيراني إن يكون حذرا, وان لا يسمح بان يخرج التفاوض عن مساره الأصلي, ولا يشمل التفتيش المنشاة العسكرية والأمنية, وان يكون التفتيش حسب السياقات المعمول بها دوليا, وان لاتكون إيران استثناءا من ذلك, كما أكد إن الحصار يجب إن يرفع فور إتمام الاتفاق النهائي, وليس بصورة تدريجية, لأنه رفع العقوبات الاقتصادية هي التي دفعتهم إلى التفاوض – على حد قوله- لذلك لا يجب أن يسمحوا بان يتم التسويف معها, وبهذا فان إيران ذهبت للمفاوضات من اجل تقليل الخسائر, والحفاظ على المكاسب التي حققتها الثورة الإيرانية, والحفاظ على الدور الإقليمي لها, وسوف تبقى على اتصال وتعاون مع حركات المقاومة الإسلامية في المنطقة, لان أي تراجع عن أي حركة يعتبرانتصار للخصم, وهو ما لن ترضاه إيران لنفسها.