الحكومة العراقية ومواجهة الإرهاب من خلال الحرب الناعمة

يقصد بالحرب الناعمة هي تلك الحرب التي تتمثل في استعمال كافة الموارد والطاقات عدا التي تدخل في مجال القوة العسكرية المباشرة لتحقيق أهداف الدولة ، ولا يقصد هنا تحييد القوة العسكرية ، ولكن زيادة قابليتهـا على الحسم الميداني بالتناغـــم مع أدوات الحرب الناعمــة ، ولتفعيل هذه الأدوات في العراق تحتاج الحكومــة العراقية إلى أن تبــادر إلى ما يلــي : 1- تنظيم وتهذيب عمل المنظومة الأمنية من خلال: - اغلب المنظومات الأمنية العالمية سواء كانت عسكرية أو استخباراتية أو ما يعرف بالدرك الوطني في العالم تضم في هياكلها وبنيتها الإدارية والفنية مراكز أبحاث أمنية متخصصة ، وهذا ما يفتقر إليه العراق فهو بحاجة إلى تفعيل هذا الجانب لتطوير عمل هذه المؤسسة، بل إن الحاجة ملحة وفق ما يعيشه العراق من تدهور امني للشروع بتأسيس هكذا مراكز تدخل ضمن العمل الأمني وتحت إدارة متخصصين من كفاءات أكاديمية علمية وعسكرية معنية في هذا الأمر، لتحليل المتغيرات السياسية والأمنية الداخلية والخارجية واستنتاج الحلول والمعالجات للتحديات التي تواجهها . - أعادة بناء التشكيلات الأمنية المختلفة ، وإعادة النظر في الآليات والطرق التي شكلت سابقا ، حيث أن اغلبها تم تأسيسها وتدريبها على أيدي قوات التحالف وخاصة القوات الأمريكية قبل خروجها من العراق ، لذلك فان فلسفة نظامها الإداري والعملياتي العسكري اثبت فشله ، والذي اتضح للجميع عندما انهارت أربع فرق عسكرية في شمال العراق بعد أحداث الموصل وهذا ما يدعو إلى تبنى الفلسفة العسكرية العراقية التي تتلائم والطبيعة الجغرافية والاجتماعية للعراق. - تنويع مصادر استيراد الأسلحة وخاصة الأسلحة الذكية التي تتلاءم وطبيعة الردع اللازم للجماعات والحركات التكفيرية ، والتحرر من رهان القيود الأمريكية في هذا الجانب وذلك بالتوجه نحو عدد من الدول المصنعة والمصدرة للأسلحة وخاصة الدول الشرقية - حاجة المؤسسة الأمنية إلى تشريعات دستورية وقانونية صارمة تحدد عملها خاصة ما يتعلق بالقيادات ومهامها وواجباتها والتسلسل الهرمي فيما بينها وطبيعة العلاقة التي تحكم وتربط أجزاء هذه المنظومة ،وحقوق أفرادها وواجباتهم. - إدخال التقنية الالكترونية الحديثة في حفظ الحدود ومراقبتها بصورة دائمة والمتمثلة في الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة والتي تعكف على استخدامها الكثير من الدول الإقليمية والعالمية وتمتاز بقلة المجهود البشري والاقتصادي قياسا بما تكلفه القطعات والمنظومات الأمنية التقليدية في هذا الجانب. - وجود تشكيلات أمنية وأخرى شبه أمنية يستنزف الكثير من موارد الدولة ولا تشكل حاجة ضرورية في المهام المناطة بها، بل تربك في كثير من الأحيان العمل الأمني منها ( العدد الكبير من منتسبي الشرطة المحلية ، أفواج حماية المنشآت النفطية ، أفواج حماية المنشأة الحكومية ، العدد الهائل من حمايات المسؤولين في المحافظات الآمنة (لذا يتطلب الأمر من الحكومة العراقية أعادة النظر بدراسة الجدوى الأمنية والاقتصادية وغيرها من وجود هذه التشكيلات. - إتباع إستراتيجية أمنية محكمة لسحب ونزع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة من المناطق التي تشكل حواضن ومواطئ قدم خصبة للعنف والجماعات التكفيرية المنحرفة ، وهذه الإستراتيجية قد تكون بإغراءات مالية عن طريق الشراء وكذلك عن طريق المسح الأمني الميداني . - إبعاد المؤسسة الأمنية عن التجاذبات والمزايدات السياسية وإعطائها خصوصية في هذا الجانب ، وإدخال تشريعات دستورية لتحقيق هذا الغرض. - إحاطة الكثير من المعلومات الأمنية والخطط العسكرية بالسرية وحصرها بيد النخب المتخصصة من القيادات العسكرية وبما يتناسب والظرف العراقي الحرج. 2- الانسجام الحكومي وابتعاد النخبة الحاكمة عن حمى الفساد الإداري وذلك من خــلال ما يلي : - تفعيل دور القضاء وإبعاده عن التسييس والمحاصصة ، وتفعيل دور الادعاء العام لكي يقوم بتمثيل الحق العام ، والمرافعة والتحقيق في القضايا التي تمس هيبة وامن واستقرار الدولة وخاصة ما يخص الهياكل السياسية العليا. - توحيد عمل المؤسسات الرقابية في الدولة التي تناط بها متابعة ومحاسبة كبار المسؤولين في الدولة كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية وهيئة المسألة والعدالة . - تشريع قانون الخدمة المدني الوطني الذي يحدد شروط ومؤهلات شغل المناصب العليا والوسطى والدنيا في مؤسسات الدولة حسب الكفاءة والتخصص والتأهيل والمنافسة التي تحكمها المعاير العالمية المتبعة في إدارة المؤسسات الحكومية والغير حكومية ، كذلك تفعيل قانون الخدمة المدني في توظيف وشغل مرافق الدول والذي يتبع أسس مهنية وقانونية بعيدة عن الحزبية والطائفية والعرقية . - إتباع سياسة خارجية موحدة وحصر رسمها وتمثيلها بيد وزارة الخارجية وعدم إرباك وتعكير أنشطتها وإستراتيجيتها والتقاطع معها من خلال نشاطات خارجية لبرلمانيين أو وزراء أو غيرهم - أعادة النظر بقانون الانتخابات الحالي وتشريع قانون جديد يحل محله تحدد من خلاله ضوابط دستورية وقانونية تمنع وصل شخصيات إلى التمثيل البرلماني أو العمل الحكومي ذات كفاءة علمية ومهنية متدنية وذات توجهات طائفية وتحمل في سيرتها الذاتية مؤشرات فساد إداري ومالي. 3- استثمار العامل الاقتصادي وتوجيهــه بما يحد من نشاط الحركات التكفيرية من خـــــلال ما يلي : - التخطيط العلمي المدروس والسليم للتنمية الاقتصادية التي يمكن من خلالها استثمار الموارد الاقتصادية الضخمة التي يتمتع بها العراق في تطوير وتأهيل القطاعات الاقتصادية المختلفة . - الشروع بإنشاء المشاريع الصناعية الحكومية الكبرى تلك التي تحرر العراق من الاعتمادية الاقتصادية الخارجية والتي يمكن أن تغطي حاجة السوق في منتجاتها المختلفة وتقضي على البطالة المتفشية في البلاد. - إعطاء مساحة واسعة للاستثمار المحلي والعالمي ، وتذليل العقبات القانونية والإجراءات الروتينية التي تعترض طريقه في نشاطاته الاقتصادية والعمرانية وغيرها. - رسم خطة لتطوير وإعادة إحياء القطاع الزراعي لما له من أهمية ودور في القضاء على جانب واسع من البطالة ، خاصة لدى سكان القرى والأرياف ، وكذلك تغطية حاجة البلاد من المنتجات الزراعية التي أصبح تستورد من الخارج . - حماية ودعم المنتج الوطني بقوانين تحدد الاستيراد والحد من سياسة إغراق السوق بالمنتجات الأجنبية على حساب المنتجات الوطنية ، حيث تهاوت واندثرت الكثير من القطاعات والمشاريع الاقتصادية الأهلية والحكومية وتعرض ممولوها والأيدي العاملة فيها إلى البطالة بسبب إغراق السوق بالمنتجات الأجنبية . -يمثل العراق بلدا زاخرا في توفر وانتشار المرافق السياحية في ربوعه دينية كانت أم تاريخية ، لكنه يعاني من التأخر والتخلف والإهمال في استثمارها وتوظيفها ، فهو بحاجة إلى إستراتيجية متكاملة للنهوض بهذه السياحة من شبكة مواصلات جوية وبرية وحديدية وغيرها من الوسائل اللازمة ، ليكون محل جذب لمختلف شعوب العالم ، وبإمكان هذا القطاع أن يوفر فرص عمل كثيرة ، فضلا عن العملات الأجنبية الصعبة والتبادل الثقافي والفكري بين العراق وغيره . - إعادة النظر في مخصصات وامتيازات شرائح واسعة من موظفي المؤسسات الحكومية ، وخاصة الدرجات الخاصة أثناء وبعد الوظيفة ، والتي أصبحت تشكل عبئا كبيرا على موارد خزينة الدولة ، وخلقت تمايزا طبقيا لدى المجتمع والتي بالإمكان تقليصها ، بما يخدم إقامة المشاريع العمرانية والخدمية في مجال الاستثمار. 4- الأدوات الناعمة فيما يخص الإعلام تعد من أخطر وأهم الأدوات ، وبإمكان العراق تفعيل عملها من خلال : - التأطير الدستوري ، والقانوني للإعلام بما ينسجم مع حرية الرأي والتعبير، ونقل الأحداث وبيان الحقائق بحرية وموضوعية من جانب والتجريم والمحاسبة الشديدة لكل ما من شأنه أن يثير التشويه للحقائق والتلفيق وإثارة الحرب النفسية والطائفية. - إعادة النظر بعمل شبكة الإعلام العراقي بمختلف وسائلها الإعلامية من فظائيات (سياسية، تربوية ، دينية) وصحف ووكالات أنباء ، ومحطات بث مسموعة ومجلات وتقييم أدائها وحجم تأثيرها محليا وإقليميا ودوليا ، وقياس ذلك بحجم الميزانية الهائلة التي تستنزفها من خزينة الدولة ، فهي تفتقر إلى تغطية إخبارية وتحليلية نوعية في طرحها ومؤثرة في صداها، والتحرر من ذلك الانطواء على الشخصيات الحزبية التي تعرضها يوميا شاشتها ، والانفتاح على خبرات وكفاءات علمية وأدبية وتاريخية في تحليل وعرض الأحداث بصورة علمية احترافية بعيدا عن التشنج والمغالطات . - توظيف الإعلام الالكتروني بما يخدم المرحلة التي يمر بها البلد ومنها مواقع التواصل ( الفيسبوك ، وتوتير، وغيرها من التقنيات الحديثة التي دخلت في هذا الجانب ) وإدارتــــــــــه والسيطـــرة عليـــه مـــن قبــــل الجهـــات الحكـــومية . - الإسراع في إعادة النظر بهيئة أمناء الإعلام والاتصالات وإخراجها من دائرة المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية السياسية ، لتحل محلها هيئة وطنية ذات خبرات وكفاءات إعلامية وصحفية محترفة ، لإدارة وتوجيه الإعلام الوطني وخصوصا في أوقات الأزمات . - تفعيل الجانب الثقافي والفني في ما يخص إعادة إحياء الدراما وتجسيدها للتعايش والتآخي السلمي العراقي في التأريخ العراقي الحافل بتلك الوقائع التي تعزز الوحدة والتماسك الوطني ، وتحييد وإبعاد الفكر التكفيري والطائفي ، الذي تنتهجه الجماعات والحركات التكفيرية المعاصرة من خلالها وهذا تتحمل جزء كبير منه وزارة الثقافة العراقية. أخيرا لابد من الإشارة إلى إن الجماعات والحركات التكفيرية لم تدخل للعراق بأفكارها ومشاريعها وبرامجها وعناصرها وحصولها على تلك المواقع والحواضن الاجتماعية بالوسائل العسكرية فقط ، بل استخدمت وسائل الحرب الناعمة إلى جانبها ، فعززت من وجودها وسطوتها في تلك المناطق، وهذا ما يستدعي بذل جهد حكومي حقيقي ومتكامل ومدروس يفوق ذلك الجهد المبذول من قوى الإرهاب ، لذا نضع أمام الحكومة العراقية الجديدة هذه المعالجات ، التي يمكن أن تساعدها في ميدان الحسم العسكري بفاعلية وبأقل التكاليف .
التعليقات