غدت مشكلة الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي هما أزليا يضرب إطنابه الثقيلة في مزاج المواطن العراقي ويصيبه بنوبات اليأس والقنوط بعد ان حلق عاليا في سقف الوعود المستمرة والتي تطل عليه عند جلوسه حائرا في قيض الحر اللاهب في شهري تموز وآب من كل عام فقد قطعت له وعودا في عامي 2007 و2008 على ان التيار الكهربائي سيحل ضيفا كريما مستقرا في الأعوام 2010 و 2011 و 2012 وهلم جرة
وبعيدا عن الجانب الفني المتعلق بتوليد الطاقة الكهربائية والذي شهد تطورا نوعيا كبيرا لا يجعله صعب المنال ترتبط المشكلة بالعراق بعاملين
الأول : العامل السياسي
فقد استخدم انقطاع التيار الكهربائي كأداة من النظام الشمولي السابق للانتقام الطائفي و السياسي كما استخدمت بعد عام 2003 سلاحا ً للتسقيط السياسي يسله الساسة الخصوم بوجه بعضهم بين الفينة و الأخرى .
الثاني : العامل الإداري :فبعد أن احتل العراق مراكز متقدمة في ترتيب الدول الفاسدة إداريا ً ، شكلت نسبة انقطاع الكهرباء السواد الأعظم لنسمع عن شركات وهمية لتوليد الطاقة و أدوات مستوردة أكلها الصدأ و زيارات و ايفادات لتوقيع عقود لا يرجع منها ذاهبيها إلا بمتعة السفر !!!
وبعد لن يتابع مواطنو البلدان الأخرى النشرة الاقتصادية و أسواق البورصة و النشرة الفضائية و آخر أخبار وكالة ناسا للفضاء رضي المواطن العراقي أن يستمع صاغرا ً إلى النشرة الكهربائية ليرتب وضعه مع ساعات القطع المبرمج !!
إن هذه المشكلة العملاقة تستدعي أن ننزل إلى ثنايا نصوص الدستور و القوانين لنشخص من صاحب الصلاحيات المخول بحل المشكلة الحكومة المركزية أم الحكومات المحلية وسط تقاذف الخصمان لكرة الاتهام بينهم .
حددت المادة 110 من دستور جمهورية العراق لعام 2005 الاختصاصات الحصرية للسلطة المركزية و لم يكن من بينها توليد الطاقة الكهربائية في حين تصل موازنة وزارة الكهرباء إلى 1578 مليار و 8 ملايين دينار . و هذا ما يدعونا للتساؤل هل لوزارة الكهرباء الاتحادية سند دستوري ؟!
كما جاء في المادة 114 من الدستور بأنه ( تكون الاختصاصات الآتية مشتركة بين السلطات الاتحادية و سلطات الأقاليم ثانيا ً تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية و توزيعها )
و المعنى المنتزع من النص ان هنالك مصدران للطاقة :
الأول : المصادر الرئيسية و التي تشمل مصادر الطاقة لإنارة و خدمة الطرق البرية و المنافذ الحدودية و القواعد العسكرية التي تكون من الاختصاصات المشتركة علما ً إن الغلبة فيها للقوانين الصادرة من المحافظات غير المنتظمة بإقليم وفقا ً للمادة 115 من الدستور .
و الثاني : المصادر غير الرئيسية التي تشمل مصادر التوليد المغذية للمواطنين في المحافظات أي السكان و تكون من اختصاص المحافظات إذ لها صلاحية التعاقد المباشر لبناء المحطات و طرحها للاستثمار استنادا ً إلى المادة 29 من قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل و على هذا الأساس تقع المسؤولية في تلبية حاجات السكان في المحافظات غير المنتظمة بإقليم على عاتق الحكومات المحلية ممثلة بمجالس المحافظات و المحافظ و لا تتحملها وزارة الكهرباء وحدها كما يتصور البعض بالرغم من إصرار الوزارة على إقحام نفسها و عرقلتها بعض العقود المبرمة من المحافظات كما حصل في تأخيرها للمصادقة على العقد المبرم بين محافظة البصرة و الشركة المتعاقدة معها لبناء النجيبية و الغريب إن الوزارة توقع العقد و التمويل يكون من موازنة المحافظة ؟!
و لمواجهة هذه المشكلة نقترح مجموعة من الحلول على صعيد السلطة المركزية و على صعيد الحكومات المحلية .
الحلول على صعيد السلطة المركزية :
1 ) حل وزارة الكهرباء الاتحادية لعدم وجود سند قانوني لاختصاصها و تحويل تخصيصاتها إلى موازنة المحافظات ضمن موازنة تنمية الأقاليم .
2 ) إعادة تبويب الموازنة و تحويل الجزء الأكبر منها إلى موازنة المحافظات و التي خصها الدستور باختصاصات توليد الطاقة و الزراعة و الصحة و التربية و البيئة و البلديات .
3 ) إجراء الترشيق الوزاري بحل الوزارات الخدمية و التي تهدر قدرا ً كبيرا ً من تخصيصات الموازنة العامة كموازنة تشغيلية .
الحلول العاجلة على صعيد الحكومات المحلية :
1 ) طرح قطاع الكهرباء ضمن الخطة الاستثمارية للمحافظة استنادا ً للمادة 29 من قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل التي أجازت الاستثمار ضمن قطاع الكهرباء .
2 ) إصدار مجلس المحافظة بوصفه سلطة تشريعية و استنادا ً إلى المادة 110 و 115 من الدستور و المادة 2 من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008 المعدل قانونا ً يقضي بتأميم مشروعات توليد الطاقة في المحافظات و القيام بادارتها علما ً إن هذا الإجراء يتطلب مجالس تشريعية مهنية و كادر إداري متطور لإنجاحه
3 ) خلق مصادر للإيرادات داخل المحافظات بمعزل عن الموازنة الاتحادية استنادا ً إلى المادة 28 من الدستور و المادة 44 من قانون المحافظات لعام 2008 كالضرائب المباشرة على أصحاب الدخول المرتفعة و الرسوم و الغرامات المحلية و بدلات الإيجار لأموال الدولة المنقولة و غير المنقولة
و أقول أخيرا ً تؤخذ و لاتعطى و لم ينشا مجالس المحافظات و يخصص لها الأموال الطائلة من رواتب و مكافآت و مصاريف كي تكون ساحات للصراع السياسي غير المجدي و اذا كان حالها هكذا غدونا كالتي نكثت غزلها من بعد قوة أنكاثا و الله الموفق .
اضافةتعليق