أن مخرجات المؤتمر تعكس في كثير من جوانبها اجندة الإدارة الأمريكية "الرؤية الترامبية" بعيداً عن رؤية مؤسسات صنع القرار الأمريكي فيما يتعلق بالقضايا الخارجية بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص
اختتم عصر الخميس وقائع مؤتمر وارسو للشرق الأوسط أو ما يسمى بمؤتمر الأمن والسلام في الشرق الأوسط الذي عقد في العاصمة البولندية وارسو واستمر ليومي الأربعاء والخميس، وشاركت فيه أكثر من (60) دولة من مختلف قارات العالم من بينها دول عربية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن والأردن والكويت والمغرب وعُمان)، وهو عبارة عن اجتماع وزاري يضم وزراء خارجية الدول المشاركة لوضع حلول حول استقرار الشرق الأوسط. ويتزامن انعقاد المؤتمر مع الذكرى الأربعين على نجاح الثورة الإيرانية التي اطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي، وفي ظل انقسام التكهنات حول المؤتمر، هناك من يراه بأنه ولد ميتاً وهناك من يعقد عليه آمال سياسية في تقليم اظافر إيران في المنطقة، وبين هذا وذاك هناك من يتسائل عن مستقبل هذا المؤتمر والمحاور التي سيركز عليها وعن مخرجاته السياسية، وهل سيخرج المؤتمر برؤية موحدة حول مشكلة الأمن والسلام في الشرق الأوسط ويساهم في حل الصراع وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة أم سيكون مجرد عرض لنشاط إيران في المنطقة؟
يأتي هذا الاجتماع أو المؤتمر بمساعي أمريكية حثيثة من أجل تشكيل تحالف دولي لمواجهة انشطة إيران النووية وتمددها الإقليمي في الشرق الأوسط، إذ تسعى الولايات المتحدة من خلال هذا الاجتماع الوزاري إلى بحث قضايا الشرق الأوسط؛ وذلك من اجل تأسيس تحالف عربي إقليمي عسكري يعرف باسم "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" أو اختصارا بكلمة "ميسا" (MESA)، ويطلق عليه رمزيا "الناتو العربي". وتسعى الولايات المتحدة من خلال هذا المؤتمر إلى حشد العالم وكسب تأييد أطراف جديدة حول رؤيتها للشرق الأوسط، تتلخص بممارسة أقصى درجات الضغط على إيران وتعزيز الدعم لإسرائيل بما يضمن مصالحها الشرق أوسطية ويتماشى مع رؤيتها في المنطقة على الرغم من مقاطعة بعض الدول الفاعلة لهذا المؤتمر على الصعيد الدولي مثل (فرنسا والمانيا). فحلفاء واشنطن يرون بأن المؤتمر مناسبة مهمة لحشد الجهود الدولية ضد نشاط إيران في المنطقة عبر تشكيل جبهة أقليمية – دولية لمواجهة إيران ومحاصرتها، فيما قوى دولية أخرى تقلل من شأنه، وتتوقع خروجه بنتائج هزيلة ربطاً بعدم الحماسة الاوروبية لهذا المؤتمر، والتي ترجمت بتخفيض مستوى مشاركة فرنسا والمانيا والاتحاد الاوروبي الى الحد الأدنى، بالتوازي مع أصوات من داخل الاتحاد الاوروبي تدعو لحوار مع إيران حول دورها في المنطقة.
محاور المؤتمر
بحث المؤتمرون في وارشو مجموعة من الأزمات والمحاور التي تقوض عملية الاستقرار في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من اغلب المحاور تعكس في طابعها العام الرؤية الأمريكية، إلا أن هناك توافق على بعض محاور المؤتمر، وتتمثل تلك المحاور بشكل عام بالآتي:
• الازمات الإقليمية وأثرها على المدنيين في الشرق الأوسط: وهنا تكمن الإشارة إلى الأزمة السورية واليمينة بشكل خاص وازمة عدم الاستقرار السياسي في المنطقة بشكل عام كالأزمة اللبنانية والعراقية، فضلاً عن الأزمة الفلسطينية.
• تطوير الصواريخ وانتشارها: وتكمن الإشارة هنا إلى تطوير إيران الصواريخ الباليستية.
• الأمن السيبراني والتهديدات الناشئة لقطاع الطاقة
• مكافحة التطرف والتمويل غير المشروع له
رؤى منقسمة
يبدو ان المؤتمر ينعقد في ظل انقسام غربي حول بعض القضايا بما في ذلك النظرة الى العلاقة مع ايران، وعلى الرغم من أن الشرق الأوسط يأتي في مقدمة أولويات الدول المجتمعة في العاصمة البولندية "وارسو"، إلا أن هناك انقسام كبير في رؤيتها للشرق الأوسط والتحديات التي يواجهها على كافة المستويات. فالولايات المتحدة وحلفائها لها رؤية خاصة لأمن الشرق الأوسط واستقراره، وهي رؤية شاملة على المستوى (السياسي والأمني والاقتصادي) تتوافق معها بعض الدول الخليجية متمثلة بـ (السعودية والامارات والبحرين) وإسرائيل. بالمقابل هناك رؤى أخرى تختلف عن الرؤية الأمريكية، وتنظر إلى الشرق الأوسط بمنظار أخر، لاسيما فيما يتعلق بدور إيران في المنطقة والموقف من الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية، ويمثل هذه الرؤية طيف واسع من الدول الأوروبية الفاعلة في الاتحاد الأوروبي مثل (فرنسا والمانيا وبلجيكا) وحتى الدولة المنظمة للمؤتمر لا تخرج عن الرؤية الأوروبية فيما يتعلق بالموقف من الاتفاق النووي الإيراني، فضلاً عن ذلك، فأن رؤية المملكة المتحدة لهذا المؤتمر مختلفة عن الرؤية الأمريكية والأوروبية، فقد ارسلت المملكة وزير خارجيتها جيريمي هانت، الذي أشار إلى أن أولوياته تتمثل بالتطرق إلى الأزمة الإنسانية التي تسببت بها الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن. بموازاة ذلك، يشدد الخبراء على عدم رفع سقف التوقعات فيما يخص التصعيد مع إيران. أما عربيا فقد تتزايد المخاوف من محاولات تمرير "صفقة القرن"، الذي يحضر لها صهر ترامب فيما يتعلق بالتسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
مخاوف إيرانية
على الرغم من أن طهران علقت على المؤتمر بانه "ولد ميتاً"؛ وذلك على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، إلا أن هناك كثير من المخاوف التي تدور في العقل السياسي الإيراني فيما يتعلق بمخرجات هذا المؤتمر، وإن أكثر ما تخشاه إيران هو أن يتمكن المؤتمرون من عزلها وتشديد العقوبات المفروضة عليها، وزيادة الخناق على الاقتصاد الإيراني، وتكرار سيناريو مؤتمر غوادلوب 1979 في أمريكا، فضلاً عن ذلك، فهناك خشية إيرانية من حدوث مواجهة مباشرة بين الجنود الأمريكان واذرع طهران في المنطقة أو توجيه ضربة عسكرية إلى إيران في حال اقتضت الضرورة.
وعلى الرغم من أن البيان الختامي للمؤتمر تناول المحاور المعلن عنها بشكل عام فيما يتعلق بالأزمات الأقليمية وتطوير الصواريخ الباليستية والامن السيبراني والقرصنة الالكترونية وامن الطاقة، إلا أن إيران كانت محور مخرجات البيان الختامي الذي أعلنه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مع نظيرة البولندي ياسيك تشابوتوفيتش. وهذا ما يعكس رؤية الإدارة الأمريكية وحلفائها في المنطقة فيما يتعلق بأزمات الشرق الأوسط وصراعها ضد إيران، في الوقت الذي تحتاج فيه المنطقة إلى رؤية موحدة وشاملة تجتمع من خلالها دول المنطقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من أجل الوقوف على المشاكل الحقيقة التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، ووضع حلول سريعة وأنية لأزمات المنطقة، لاسيما فيما يتعلق بالأزمة السورية واليمنية والحد من نشاطات إيران الأقليمية. ولهذا يرى بعض المختصين بأن مخرجات المؤتمر تعكس في كثير من جوانبها اجندة الإدارة الأمريكية "الرؤية الترامبية" بعيداً عن رؤية مؤسسات صنع القرار الأمريكي فيما يتعلق بالقضايا الخارجية بشكل عام والشرق الأوسط على بشكل خاص، في الوقت الذي تحتاج فيه المنطقة إلى رؤية شاملة، تتوافق فيها الرؤى المحلية للدول المعنية بالصراع في المنطقة مع الدول الكبرى كالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من أجل وضع استراتيجية حقيقة وشاملة لمنطقة الشرق الأوسط تعالج فيها التحديات الاساسية التي تقف بوجه عوامل الاستقرار في المنطقة.
اضافةتعليق