قضية كركوك: رؤية في الأبعاد الإستراتيجية والحلول المقترحة

المقدمة حضيت قضية كركوك منذ سقوط النظام السابق في العراق سنة 2003 بأهمية اتسعت ابعادها لتستوعب تداعيات الاحتقان التاريخي والتنوع العرقي والمصالح السياسية والإستراتيجية الوطنية والاقليمية المتقاطعة في هذه المنطقة الغنية باحتياطاتها النفطية ،والحيوية بدلالة موقعها الجيو استراتيجي . مثلما تستحضر هذه القضية أهميتها من واقع التحديات التي تفرضها على مستقبل الدولة العراقية وقدرة النظام السياسي فيها على ترسيخ ثوابت الوحدة الوطنية وتشييد ثقافتها على ارضية رصينة من التوافقات السياسية ضمن الأطر الدستورية والديمقراطية البعيدة عن نهج العنف وثقافة الاقصاء والاستحواذ. وتتاتى إشكالية البحث من ولوج قضية كركوك منعرجا صعبا من التجاذبات والتقاطعات الإستراتيجية التي رسمت حدودها المصالح الاستراتيجة المتقاطعة لاطراف وقوى محلية وإقليمية ولم يكن السقف القانوني والدستوري قادرا على كبح جماح تلك التجاذبات او لجم مطامعها حتى غدت قضية كركوك أعقد مسائل العراق السياسية منذ الاستقلال، بل يمكن اعتبار الجدل والصراع حول هوية هذه المحافظة، أو الإقليم كما يرغب البعض اعتباره، قضية أثنية كلاسيكية لا يضاهيها إلا الصراع حول مدينة القدس بين الفلسطينيين والإسرائيليين. اليوم يقف المهتمون في تحد كبير أمام سؤال تقرير المصير لهذه المنطقة، والذي ضمنه الدستور العراقي الجديد، ورغم محاولات الحكومة العراقية تأجيل هذا الملف منذ استحقاقه نهاية العام الماضي، إلا أنه أطل برأسه خلال الأسبوعين الماضيين حاملاً معه شتى الكوابيس ليس فقط للحكومة المركزية التي تجاهد لاستبقاء الوضع كما هو، بل لدول الجوار التي أحست بتهديد كبير لهذا السيناريو الذي لطالما جاهدوه في الأربعين عاما الماضية. وقد استعان الباحث بادوات المنهج التحليلي النظمي و المنهج الافتراضي سبيلا للوصول الى غاية البحث وهدفه. وفي هذا السياق جرى تقسيم البحث على ثلاثة مباحث رئيسة: تصدى المبحث الاول لمدخلات التازم لقضية كركوك ضمن ابعاده التاريخية، والجيواستراتيجية، والعرقية. وتقصى المبحث الثاني خارطة التقاطعات في المصالح الاستراتيجية ودائرة الصراع حولها تحت سقف الدستور وفوق ارض الواقع السياسي . في حين انصرف المبحث الثالث الى تحري سبل المعالجة الممكنة لهذه المشكلة مع تحري التبعات المتوقعة لكل حل ضمن اطار المشاهد الافتراضية مستقبلية. المبحث الاول: مدخلات التأزم لا يخطئ الراي الذي يقول بان قضية كركوك تعد نزاعا اثنيا من الطراز الاول، وذلك لكونها نتاج تفاعل متغيرات عدة اسهمت في بلورتها وتعقيدها ،بعضها ينبثق من حق تاريخي، وبعضها الاخر كان وليد الاهمية الجيواستراتيجية للمنطقة، والبعض الاخر تاتى من واقع الفسيفسائية العرقية التي يتشكل منها مجتمع كركوك. المطلب الاول: الحق التاريخي وجذور المشكلة تأسست مدينة كركوك الحالية ،وهى مركز محافظة كركوك،على أطلال المدينة الآشورية القديمة أرابخا (عرفة) التي يقدر عمرها بحوالي 5000 سنة. وتعد كركوك من أقدم مدن العالم؛ ونظرا لخصوبة تربتها وأهمية موقعها الجغرافي بين امبراطوريات البابليين والأشوريين ،شهدت كركوك معارك عديدة بين تلك الأمبراطوريات التي بسطت سيطرتها على المدينة في فترات تاريخية متباينة(1). اصبحت آرابخا " كركوك " جزءاً من الامبرطورية الاكدية في الالف الثالث ق.م وبعد ان تحطمت وحدة البلاد السياسية، تم الاستلاء على اقسام كبيرة منها من قبل الكوتيين. والكوتيون هم من الاقوام الجبلية التي كانت تستوطن اواسط جبال زاكروس في منطقة همدان؛ وكانت اربيل وكركوك من قواعدهم الرئيسية حينما أختاروا منطقة كركوك " آرابخا " مركزاً لحكمهم سنة " 2211 – 2120 ق. م. وتولى منهم اثنا عشر ملكاً. وهنا يتشبث الاكراد بحق تاريخي في مدينة كركوك استخلصوه من (الكوتيين)، حيث يذهب الباحث الكردي عوني الداودي إلى أن الدلائل التاريخية تشير أن الكوتيين على الأرجح هم الذين وضعوا اللبنات الأولى لبناء هذه المدينة وهم الذين يمثلون- وفقا لبعض المصادر التاريخية- الأصول الأولى للشعب الكردي والذين حكموا هذه المنطقة طوال 91 سنة)) (2). ووقعت "ارابخا" كركوك بعد ذلك بيد الملك العيلامي "ابن شوتاك" "1165 – 1151ق.م." حتى استعادها الملك الاشوري ادد نيراري الثاني عام 1156-1025ق.م." وفي نهاية عام 615ق.م. ثم امست خاضعة للامبراطورية الميدية سنة 546ق.م . ومن بعدها خضعت للسيطرة الاخمينية بزعامة الملك كورش الذي يعد المؤسس الحقيقي لسلالة الاخمينية الحاكمة للفترة ما بين 539 - 331 ق.م. وبقيت مدينة ارابخا تحت حكم الاخميني حوالي 208سنة حيث تحولت الى انقاض. ثم خضعت المنطقة إلى نفوذ المقدونيين والساسانيين حتى سنة 636 م، وبقيت كركوك تحت رحمة آل ساسان "الفرس" وملوكهم كسرى حتى انقرضت دولتهم على يد العرب المسلمين في واقعة القادسية الشهيرة عام 636م.(3) ويجمع الباحثون أن الوجود المسيحي هو أقدم من الوجود العربي وهو الحق التاريخي الذي تتشبث به الاقلية الكلدو اشورية في مدينة كركوك, وذلك عندما امست المدينة مركزاً للنساطرة المسيحيين محتضنةً لأقدم كنيسة في العالم, بنيت في النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي, وكانت تعرف ببيعة الشهداء, تخليداً لذكرى شهداء الملك الساساني يزدكرد الثاني (438- 457). وعندما اصبحت البلاد العراقية كلها بلاداً اسلامية، وعم الاسلام جميع جهاته، ودخل فيه الناس افواجاً ، صارت كركوك منذ ذلك التاريخ احدى المدن الاسلامية فوجه سعد بن ابي وقاص وهاشم بن عتبة ومعه الاشعف بن قيس الكندي ففتحوا داقوق . ثم توجهوا نحو كورة باجرمي ومن ثم زحفوا نحو شهرزور. وفي هذه الحقبة يسجل التركمان حضورهم الحضاري على ارض كركوك مع طلائع الفتح الاسلامي القادم من الجزيرة العربية ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ (ﻋﺒﻴﺪ ﺍﷲ ﺑﻦ ﺯﻳﺎﺩ )ﻋﺎﻡ (54)الذين ﺍﺳﺘﻘﺮوا ﻫﻨﺎﻙ ﻭﺗﺰﺍﻭﺟﻮﺍ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﺮﻛﺴﺘﺎﻥ .ﻭﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﻮﻥ ﺑﺎﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﻭﺍﻟﺘﺰﺍﻭﺝ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﺮﻙ ﺑﻞ ﺍﻧﻬﻢ ﺑﻌﺜﻮﺍ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺗﻠﻴﻦ ﺍﻟﺘﺮﻙ ﻟﻴﺴﺘﻘﺮﻭﺍ ﺑﺪﻭﺭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ . ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻄﺒﺮﻱ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮ (ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻷﻣﻢ ﻭﺍﻟﻤﻠﻮﻙ ): ((ﺇﻥ ﻋﺒﻴﺪﺍﷲ ﺑﻦ ﺯﻳﺎﺩ ﻗﺎﻡ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﺑﻴﻊ ﺍﻷﻭﻝ ﺳﻨﺔ 54 ﻫـ (673) ﻡﺑﻬﺠﻤﺎﺗﻪ ﻋﺒﺮ (ﺟﻴﺤﻮﻥ)ﻋﻠﻰ (ﺑﺨﺎﺭﻯ )ﺛﻢ ﻋﻠﻰ (ﺑﻴﻜﻨﺪ)ﻓﻘﺎﻭﻣﻪ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻟﺘﺮﻛﻲ ﺗﺤﺖ ﺇﻣﺮﺓ ﺍﻟﻤﻠﻜﺔ (ﻗﺒﺞ ﺧﺎﺗﻮﻥ)ﻣﻘﺎﻭﻣ ﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﺟﺪﺍ، ﺟﻠﺒﺖ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻪ ﻭﺇﻋﺠﺎﺑ ﻪ ﻟﻤﺎ ﻟﻤﺴ ﻪ ﻓﻴﻬ ﻢ ﻣﻦ ﺷﺠﺎﻋﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﻭﺣﺴ ﻦ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻷﺳﻠﺤﺔ، ﻓﺎﺧﺘﺎﺭ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﻟﻔﻲ ﻣﻘﺎﺗﻞ ﻳﺤﺴﻨﻮﻥ ﺍﻟﺮﻣﺎﻳ ﺔ ﺑﺎﻟﻨﺸ ﺎﺏ ﻓﺒﻌﺜﻬﻢ ﻓ ﻲ ﺍﻟﻌ ﺮﺍﻕ ﻭﺃﺳ ﻜﻨﻬﻢ ﺍﻟﺒﺼ ﺮﺓ )). 4 ﻭﻃﺒﻌﺎ ﻓﺎﻥ ﻫﺆﻻء ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺮﻛﻤﺎﻥ ﻗﺪ ﺍﻧﺼﻬﺮﻭﺍ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﻴﻦ ﻭﺍﺳﺘﻌﺮﺑﻮﺍ ﻣﺜﻞ ﺍﻵﻻﻑ ﺍﻟﻤﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ. ﻭﺧﻼﻝ ﺍﻗﻞ ﻣﻦ ﻗﺮﻥ ﺗﻨﺎﻣﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﺮﻛﻤﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﺑﺤﻴﺚ ﺍﻧﻬﻢ ﺍﺻﺒﺤﻮﺍ ﺟﺰءﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻻﻣﻮﻱ ﺍﻟﻤﻘﻴﻢ.ﻭﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﺍﻟﺘﺮﻛﻤﺎﻧﻲ ﺫﺭﻭﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ حينما ﻗﺎﻡ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ (ﺍﻟﻤﻌﺘﺼﻢ)ﺑﺎﺳﺘﻘﺪﺍﻡ ﺍﻛﺜﺮ ﻣﻦ (50)ﺍﻟﻒ ﻣﺤﺎﺭﺏ ﺗﺮﻛﺴﺘﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﺧﻮﺍﻟﻪ ﻭﺑﻨﻰ ﻟﻬﻢ ﻣﺪﻳﻨﺔ (ﺳﺎﻣﺮﺍء) (4). واسس كثير من الامراء السلجوقيين امارات تركمانية في العراق كامارة اتابكية الموصل وامارة بن زين الدين ﮔـوجوك باربيل وامارة قفجاق في كركوك والتي بقيت لفترة طويلة على مسرح التاريخ السلجوقي واحتلت مركزاً استراتيجياً مهماً بحكم موقعها ، واصبحت لها مكانة بارزة في الاحداث التي شهدهاغ شمالي العراق (5) . وحينما سيطر العثمانيون على العراق. تم تقسيمه إلى (17) سنجق (لواء) وكان سنجق كركوك وسنجق السليمانية ضمن ولاية شهرزور. وفي سنة 1879 كانت كركوك جزء من ولاية الموصل كما يتضح من الجدول التالي: التشكيلات الإدارية لولاية الموصل ـ السنجق: القضاء الموصل: وتشمل دهوك، زاخو، العمادية، سنجار، عقرة. شهرزور: وتشمل كركوك، أربيل، رانية، راوندوز، كويه، كفري. السليمانية: وتشمل بازيان، حلبجة، شهرزور، ميركه سوور. كانت اللغة التركية هي اللغة السائدة في الأسواق والدوائر الرسمية والمدارس لمدينة كركوك حتى الاربعينييات من القرن الماضي وذلك كنتيجة طبيعية لسيادة الحكم العثماني لأكثر من خمسة قرون في المنطقة (6) بعد انهيار الامبراطورية العثمانية تم توقيع المعاهدة بين تركيا وبريطانيا العظمى سنة 1926 وتوقيع معاهدة 1946 مع الحكومة العراقية وبموجبهما بقيت ولاية الموصل ومن ضمن هذه الولاية مدينة كركوك تركمانية مرتبطة بالسلطة المركزية في بغداد وفي حالة اي تغيير ديمغرافي لمدينة كركوك لتركيا حق التدخل. إن إصرار بريطانيا على التمسك بولاية الموصل في المفاوضات التقسيمية لأرث الدولة العثمانية ,بينها وبين فرنسا خلال مفاوضات (سايكس_ بيكو)كان بسبب معرفة بريطانيا الشبه المؤكدة بوجود الاحتياطي الهائل للثروة الجديدة المكتشفة في العالم آنذاك (البترول) وتصاعد أهميتها الاقتصادية والسياسية, ابان ما سمي بمشكلة الموصل في أواسط العشرينيات من القرن الماضي,بل وحتى تشكيلة الدولة العراقية الحديثة التكوين وجلب الملك الحجازي (فيصل الاول) إلى حكمها كانت أصلا لتأمين جريان النفط ونقله عبر الانبوب النفطي الوحيد آنذاك عبر الأراضي السورية والاردنية ( حيفا ونابلس )وصولا إلى موانئ المتوسط, ويمكن القول إن أول تغير ديموغرافي في المدينة كان بسبب اضطرار المحتل الانجليزي الى استقدام العرب وغير العرب(الارمن النازحين من تركيا بعد المذابح التركية الشهيرة) ممن كانوا مستعدين للعمل( في شركة نفط العراق) الى مدينة كركوك وضواحيها لتامين الأيادي العاملة الرخيصة الغير الماهرة لاستخدامها في مجال العمل والخدمات, ومن ثم تلتها قيام حكومة (ياسين الهاشمي) باستقدام (عرب الحويجة) الى غربي كركوك بأعداد كبيرة. خلال العهد الملكي كانت للأكراد مطالبهم المتمثلة بالاعتراف بهويتهم القومية ومنحهم إدارة لا مركزية لمحافظاتهم الكردية، ومن بينها كركوك . واثر فشل ثورته هرب مصطفى البارزاني قائد التمرد الكردي الى الاتحاد السوفييتي . وبعد انقلاب 14تموز1958م دعاه الزعيم عبد الكريم قاسم للعودة إلى العراق الامر الذي شجع الاكراد على ارتكاب مجزرة مروعة في كركوك ضد التركمان وذلك عام 1959 تحت ذريعة التصدي للنزعات الطورانية الشوفينية (7). لكن شهر العسل لم يدم طويلاً بين الاثنين فسرعان ما أعلن البارزاني ثورته الكردية الثانية عام 1961م بعد ما فشل في إقناع عبد الكريم قاسم بإعطاء الأكراد حكماً لا مركزياً في المحافظات الشمالية، واندلعت المواجهات المسلحة مرة أخرى بين الجيش العراقي والمتمردين الأكراد ، وقد ظل التمرد الكردي مشتعلاً في شمال العراق تارة يتقد وتارة يخبو حتى مجيء حكومة عبد الرحمن البزاز عام 1966م، حيث اتفق مع زعيم التمرد البارزاني على منح الاكراد جزءاً مما طالبوا به فتوقف القتال ، لكنه كان اتفاقاً لالتقاط أنفاس أقرب منه إلى حل يرضي به الأكراد التي كانت مطالبهم باعتبار كركوك محافظة كردية، وكان ذلك المطلب يتقدم على مطالبهم الأخرى. وبعودة النظام البعثي سنة 1968 الى سدة الحكم حاول البعثيون تهدئة المخاوف القومية للاكراد من خلال الدخول في المفاوضات التي دارت في عام 1970م بين صدام حسين و(الزعيم الكردي) مصطفى البارزاني للتوصل إلى حل سلمي للمشكلة الكردية ، لكن صدام حسين قدم للزعيم الكردي بذكاء ملعقة دسمة تمثلت بقانون الحكم الذاتي الذي اعترف بالحقوق القومية والثقافية للأكراد لأول مرة في تاريخهم، وسمح بقيام مجالس برلمانية وإدارة محلية لإقليمهم الذي سمي بإقليم كردستان، وضم ثلاث محافظات هي أربيل ودهوك والسليمانية، والذي مثل انتصاراً كبيراً للقضية الكردية في العراق قياساً إلى وضع أكراد دول الجوار؛وهو الأمر الذي دفع بمصطفى البارزاني إلى أن يضع (قضية كركوك) على الرف مؤقتاً بانتظار ظرف أفضل لكي لا ينسف ما حصل عليه من حقوق عظيمة في بيان 11 آذار 1970م وعلى الرغم من ذلك لم يتم التوصل إلى حل حاسم بشأن قضية كركوك التي ظلت عالقة بانتظار معرفة الاحصائيات الرسمية عن نسب القوميات المختلفة في مدينة كركوك.وتم التخطيط لاجراء تلك الاحصائيات المهمة عام 1977 م الا أن اتفاقية مارس /آذار ظلت ظلت حبرا على الورق قبل ذلك التاريخ حيث توترت علاقات الحكومة العراقية مع الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني وخاصة عندما أعلن "البارزاني" رسميا حق الأكراد في نفط كركوك. ونظراً لاصرار الأكراد على كردية كركوك، أعلنت الحكومة العراقية في مارس /اذار 1974 الحكم الذاتي للاكراد من جانب واحد فقط دون موافقة الأكراد الذين اعتبروا الاتفاقية الجديدة بعيدة تماما عن اتفاقية 1970 م حيث لم يعتبر اعلان 1974 مدينة كركوك و خانقين و جبل سنجار من المناطق الواقعة ضمن مناطق الحكم الذاتي للاكراد وقامت الحكومة العراقية بالاضافة إلى ذلك باجراءات ادارية شاملة في مدينة كركوك كتغيير الحدود الادارية للمدينة بشكل يضمن الغالبية العددية للعرب في كركوك، ففي أعقاب خرق الأكراد لتحالفهم مع نظام صدام حسين عام 1974م وصعودهم للجبال حاملين معهم أسلحتهم معلنين البدء بانتفاضة مسلحة جديدة، تدخل شاه إيران فأمد الأكراد بالأسلحة والمساعدات المالية وبالدعم اللوجستي والعسكري، لكن بعد اتفاق صدام حسين مع شاه إيران على حل خلافاتهما السياسية والحدودية برعاية (الرئيس الجزائري) هواري بومدين في الجزائر عام 1975م نفض شاه إيران يده من أكراد العراق فانهار التمرد الكردي خلال أسابيع قليلة ومنذ ذلك الحين خضعت كركوك لسياسات النظام البعثي التي تمثلت بالاتي (8): 1- ترحيل الاف العوائل الكردية والتركمانية من مدينة كركوك وأطرافها ومنع عودة الاكراد الملتحقين بالثورة الكردية حيث تم ترحيلهم الى مدن العراق الوسطى والجنوبية. وبدأت حملة عشوائية لترحيل الكرد من المناطق القريبة من مناطق تدفق البترول ورفعوا شعار ( طرد الكرد أينما وجد النفط وتعريب المناطق النفطية). وبعد ازدياد تدفق النفط من ابار بابا كركر تم تسريح العمال والمستخدمين الكرد من شركات النفط واحلال العمال العرب القادمين من الوسط والجنوب محلهم . 2- فصل المدن الكردية التابعة لمحافظة كركوك ذات القومية الكردية بعد تغيير أسمها الى التأميم ، ومنها كفري التي اضيفت اداريا الى ديالى وكلار وجمجمال الى محافظة السليمانية واضافة ناحية الزاب ذات الغالبية العربية التابعة لمحافظة الموصل الى كركوك والابقاء فقط على قضاء الحويجة وبعض المناطق التابعة في الأصل الى قضاء الشرقاط.. وفك ارتباط طوزخورماتو من كركوك و اضافتها الى محافظة صلاح الدين. وهذا يعني أن عدد الوحدات الإدارية في محافظة كركوك قد انخفضت خلال عقد السبعينات من (23) إلى (11) وحدة فقط كما لم يتبق من مساحتها سوى اقل من النصف (9). • انشاء الحزام الأمني في زمن النظام البعثي بتعريب المناطق المحيطة بمدينة كركوك منها دبس وشوان وقه ره حسن وئالتون كوبري .. و اشتدت تلك الحملات التعريبية بعد حملة الانفال السيئة الصيت وبعد ابادة أكثر من ( 182,000 ) انسان كردي ، جلهم من مناطق كركوك و كرميان، • تغيير الهويتين الكردية والتركمانية بأسم تغيير القومية والإمتناع عن شراء الدور أو ترميم دورهم أو انشائها وعكس ذلك اعطاء المنح المالية للعرب الوافدين والارض وغير ذلك من الامتيازات أزاء صور التعريب المذكورة ظهر تباين واضح وتأثر نمو السكان في المحافظة من قومية لأخرى، حيث أرتفعت نسب النمو بين العرب ، فيما أخذت تميل الى الانخفاض بين السكان الكرد والتركمان .. الامر الذي نتج عنه أنخفاض في نسب الكرد لصالح العرب ، فمن مقارنة نتائج إحصاء 1957 و1977 بخصوص التوزيع القومي للسكان، يلاحظ ارتفاع نسبة السكان العرب من (2،28 %) إلى (44,4 %) على حساب السكان الكورد الذين انخفضت نسبتهم من (48,3 %) إلى(37,6 %) خلال نفس الفترة. وفي أعقاب حرب الخليج الثانية عام 1991م بأشهر قليلة دارت مباحثات سرية بين نظام صدام حسين والحزبين الكرديين الرئيسين اللذين يتزعمها جلال الطالباني ومسعود البارزاني، وكان من جملة العقبات الرئيسة التي حالت دون التوصل إلى اتفاق بين الجانبين هو مطالبة الطرف الكردي بضم كركوك إلى منطقة الحكم الذاتي الكردية (10). بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق على يد التحالف الدولي جرت أول انتخابات بلدية في مدينة كركوك تحت إشراف الحاكم المدني الامريكي بول بريمر في 24/5/2003 لاختيار مجلس بلدية المحافظة حيث اختارت القوات الأمريكية 300 مندوب عن الكورد والعرب والتركمان والآشوريين كمجمع انتخابي قام بانتخاب مجلس المدينة المكون من 30 عضوا. وجاءت هذه الخطوة في ظل مساع ترمي إلى تخفيف حدة التوتر العرقي السائد في المدينة، وتنظيم أمور المحافظة وسد الفراغ الإداري و التشريعي فيها. وقد أكمل المجلس دورته الاولى مع اتمام العملية الانتخابية التي جرت في 30 يناير/كانون الثاني 2005. والتى أسفرت عن أول مجلس منتخب للمحافظة عن طريق الاقتراع السري المباشر،وبدأ المجلس الجديد دورته الثانية فى 6مارس اذار2005 .وشغل الأكراد فيه 26 مقعدا من أصل 42 ، بينما شغل العرب ستة مقاعد والتركمان تسعة والمسيحيون مقعدا واحدا. ثم برزت قضية كركوك عندما أعلن الأكراد في كركوك رغبتهم في وضع نظام فيدرالي في العراق يضمن استقلال كركوك عن العراق وضمه لاحقا إلى إقليم كردستان . وقد تبنى البرلمان الكردي هذا المشروع الذى قضي بأن تتألف محافظة كردستان من المناطق ذات الغالبية الكردية حسب إحصاء أجري عام 1957م أي قبل تطبيق سياسة "التعريب" في منطقة كركوك.وتشمل المناطق الكردية محافظات دهوك وأربيل والسليمانية التي يسيطر عليها الأكراد منذ عام 1991 إضافة إلى كركوك وأنحاء كردية في محافظة ديالى (66 كلم شمالي بغداد) والموصل (400 كلم شمالي بغداد) (11). المطلب الثاني: الاهميةالجيو استراتيجي للمدينة تقع کرکوك التي تبلغ مساحتها الإجمالية 9426 كم2 شمال شرق محافظة بغداد عاصمة العراق بين خطي الطول 42,23 وخطي العرض 34,42 . وسط هضبة قليلة الارتفاع انتشرت في سهل منحدر نحو الجنوب يبلغ ارتفاعها 1160 قدم عن مستوى سطح البحر؛ تحدها من الشمال والشرق جبال زاكروس ومحافظتا السليمانية والموصل بالتعاقب، ومن الغرب نهر الزاب الصغيرو محافظة صلاح الدين، ومن الجنوب سلسلة هضاب حمرين ومحافظة ديالى، ومن الجنوب الغربي نهر ديالى. وتتضمن حدودها الإدارية خمسة أقضية (كركوك، جمجمال، داقوق، كفري، الحويجة) (12). ومع اعادة تفحص موقع مدينة كركوك من المنظور الاستراتيجي تبرز اهميتها بأعتبارها نقطة وصل وربط بين الأناضول والعراق وايران ، فضلا عن وقوعها في مركز التقاطع والتداخل الاستراتيجي لما يعرف بالمثلث السني داخل العراق، ومثلث التوتر الاقليمي ( الايراني التركي السوري)، ما يجعلها ساحة مفتوحة لاستقبال تداعيات التصعيد في هذين الثالوثين المتازمين. من جانب اخر فان هذه المنطقة تمثل خط التماس الجيو حضاري بين ثقافات ومناطق متباينة، ما يعني أن من يسيطر عليها سيتمكن من التحكم بمصير العراق حاضره ومستقبله (13). من جانب اخر، تتميز هذه المدينة بخصوبة اراضيهاوتوافر المياه فيها ، ولذلك فانها تساهم في انتاج الحبوب كالحنطة و الشعير و القطن بالدرجة الأولى اضافة الى أنواع عديدة من الخضر على مدار السنة (14). لقد ساعد التكوين الجيولوجي للمنطقة شمال مرتفعات حمرين على ظهور المعادن وتجمع النفط في هذه المنطقة(15) حيث أكدت البحوث الجيوفيزيائية منذ سنة 1927 م ، وجود مخزونات هائلة من النفط في كركوك كركوك تقدر كمية المخزون الإحتياطي لحقول النفط في بأكثر من 10 مليار برميل(16) أي ما نسبته (7.5%) من إجمالي الأحتياطي العالمي(17) بقدرة إنتاجية تتراوح بين 750 ألف ومليون برميل يوميا(18). وتتميز حقول كركوك النفطية بغزارة إنتاجها وجودة نفطها الذى يعتبر من النفوط الخفيفة القياسية(19). ومع اكتشاف اليورانيوم، ازدادت اهمية المنطقة وتغذت كوامن الصراع حولها واكتسبت ابعادا اجتازت محيطها المحلي والوطني لتجتذب الى بؤرتها اهتمامات القوى الاقليمية والعالمية الباحثة عن لان الطرف الذي يسيطر على المدينة يكون في حقيقة الأمر قد سيطر على مخزونات النفط واليورانيوم(20) ، وبالتالي امتلك مفاتيح القدرة والتاثير ليس في العراق او في اقليم الشرق الاوسط فحسب بل وحتى العالم ، ليس في الوقت الحاضر فحسب بل في المستقبل ايضا . المطلب الثالث: التنوع العرقي يسكن كركوك مزيج من قوميات مختلفة من الاكراد والعرب، والتركمان ،والآشوريين، والكلدان والارمن، الإضافة الى الصابئة المندائيين وأتباع الديانة الإيزيدية أيضا. ولعل هذا ما دفع الباحثين الى تشبيه مدينة كركوك بعراق مصغر. وينقسم العرب والتركمان والاكراد عرضياً ما بين سنة وشيعة، وينقسم السنة بدورهم ما بين تيارات ومذاهب أيضاً وكذلك الشيعة، ولا أحد يعرف إلى أين يصل هذا التجزء الفسيفسائي (21) . وتشير دائرة المعارف البريطانية في طبعاتهِا القديمة الى أن أغلبية سكان المدينة من التركمان ويتركز وجودهم في مدينة كركوك بأحياء (التسعين، بريادي، المصلى) ،وتبلغ نسبتهم حوالي 80 %، فيما يشكلون الاغلبية في أحياء (ساحة الطيران، قورية، امام عباس، طريق بغداد). ويتقاسمون الاكراد في حيي (شاطرلو، وحمام علي بك).. أما في بقية احياء المدينة، فيتواجدون بنسبة أقل. أما العرب في المدينة، فينقسمون على قسمين: الاول، يشمل العرب الأصلاء الذين يمتد وجودهم السكاني بحدود محافظتهم الى مئات السنين، وعاشوا بين التركمان والأكراد فى سلام والقسم الثاني وهو الاعظم من الوافدين الى المدينة وأطرافها في اطار سياسة التطهير العرقي والتي يرجع بعض القادة الاكراد تاريخها الى عام 1963 م ، والتي تسارعت وتائرها منذ بداية سبعينيات القرن الماضى بعد استقرارالامور للنظام البعثي.ويتركز وجود العرب في كركوك بعدة مناطق ، يشكلون فيها أغلبية هى : (العروبة، الممدودة، واحد حزيران، النصر، الواسطي، القادسية، العسكري، النداء، عرفة، العمل الشعبي، الحديدية). و لتسليط الضوء اكثر على هذه الفسيفسائية العرقية المتداخلة من المناسب استقراء ماكتب عن التوزيع القومي لسكان محافظة كركوك خلال النصف الاول من القرن الماضي وقبل أن تتبلور سياسة التعريب وتأثيراتها السلبية على التكوين القومي لسكان المحافظة ؛ فبالعودة إلى الإحصاء الذي قدمته الحكومة العراقية حول التوزيع القومي لسكان محافظة (لواء) كركوك الى ( لجنة عصبة الامم ) سنة 1924، يتضح الاتي : - نسبة سكان الكرد 42,5% - نسبة سكان التركمان 23,4% - نسبة سكان العرب 31,9% ويظهر الاحصاء السكاني الذي اجرته الحكومة العراقية سنة 1957 أن سكان المدينة من الأكراد يمثلون الثلث فقط بواقع 187593 نسمة وهي النسبة الأعلى في الأطراف والعرب 37 بالمائة بواقع 109620 نسمة والتركمان 28 بالمائة بواقع 83371 نسمة يمثلون النسبة الأعلى بالمركز والسوريان– الكلدان 1605 نسمة، فيما أظهرت نتائجه على مستوى لواء كركوك أن الأكراد أقل من النصف ، وبالتالي فالأغلبية للعرب والتركمان، إلا أن الأكراد بعد الاحتلال الأميركي للعراق قاموا بجلب 600 ألف كردي إليها تحت شعار التكريد وعلى مدى خمس سنوات من الاحتلال لم تكن هناك أي بوادر لاحتمال ظهور الصراع في كركوك (22) المبحث الثاني: خارطة المصالح الاستراتيجية ودائرة الصراع حول كركوك :- تشكلت خارطة الصراع حول عائدية مدينة كركوك من تقاطع المصالح بين قوى عدة بعضها داخلية والاخرى دولية ، مثلما اتخذ الصراع في هذه المنطقة اطوارا وابعادا لم تتقيد بمرجعية النص الدستوري بل تعدته الى لعبة المساومات والترجيحات السياسية التي انسابت منها ادوار مهمة لقوى فعلت فعلها المؤثر على مسار هذا النزاع العرقي. ولهذا سيجري تقسيم هذا المبحث على مطلبين المطلب الاول: خارطة المصالح الاستراتيجية المطلب الثاني: دائرة الصراع بين حلبة الدستور والواقع السياسي المطلب الاول: خارطة المصالح الاستراتيجية:- الفرع الاول: خارطة المصالح الاستراتيجية الداخلية:- تتوزع مصالح الاطراف والقوى المتنازعة في كركوك على مساحات تتقاطع في احيان ، وتتعاضد في احيان اخرى مسبغة على النزاع ابعادا اكثر تعيدا . واهم هذه الاطراف ( الاكراد ، التركمان ، وعرب كركوك ) اولا: الرؤى والمصالح الكردية:- لدى الكرد اكثر السرديات تماسكا بشان تاريخ كركوك ومستقبلها ؛ فمن منظور الكرد ان كركوك وما تمثله من رمزية يتسمان باهمية حاسمة، وان مستقبل كركوك بوصفها مركزا اقتصاديا والاهم من ذلك رمزا للسيادة الكردية في المنطقة من بعد الحيف والاضطهاد الذي لحق بهم فيها على مر العصور، يمثل تتويجا للمشروع القومي الكردي الذي يسعى الى وجود كردستان واقعا سياسيا وتعبيرا جغرافيا (23) ويتمثل الموقف الرسمي المعلن للاكراد باعتبار كركوك مدينة كردستانية مع الحفاظ وإحترام حقوق وهوية جيرانهم العرب والتركمان ؛ فالشعب الكردي لا يقبل التنازل عن كركوك؛ معتبرين قضية كركوك من الخطوط الحمراء. ولا تعني كردستانية كركوك وضمها لأقليم كردستان تقسيماٌ للعراق إنما هو إعادة هوية المدينة إليها، وتثبيت الحق التاريخي للاكرادفيها . هذا الموقف أكده البرزاني في الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى أنقرة قائلا: ((إن كركوك بالنسبة لنا هي أشبه بالقلب في الجسم ...ثم خاطب سكان المدينة من التركمان والعرب قائلاً: ((انتم اخواننا ولا نحب أن يتاجر بكم الاشخاص الذين لديهم اجندات خارجية نحن اخوتكم ونعد الشعب الكردستاني بأننا لن نسمح بانتصار اي اجندة خارجية في كركوك)). ويرى محللون أن مطالبة الأكراد بانفصال كركوك أمر مبالغ فيه ويتسم بطابع سياسي أكثر من كونه مرتبطا بحقوق جيوسياسية تاريخية في هذا الإقليم،ويشيرون الى دوافع عديدة تقف وراء مطالب الانفصال الكردية تتجاوز مجرد المطالبة بالحق التاريخي في كركوك، في مقدمتها: الأستحواذ على الثروة النفطية الهائلة التي تغري كل متطلع للقيام بدور في مستقبل الخريطة النفطية العالمية وليس في العراق فقط. ويتمثل الدافع الثانى فى أن كركوك ذات موقع إستراتيجي هام يمكنهم من لعب دور إقليمي مؤثر في سياسات القوى الإقليمية الكبرى مثل سوريا وتركيا وإيران. وثالثا تعد كركوك ورقة ضغط مهمة في أيدي الأكراد للضغط على الحكومتين الامريكية والعراقية لتحقيق مكاسب سياسية-تنهض من القيام بدور الوسيط او صمام الامان للعملية السياسية والمصالح الاستراتيجية للفرقاءوهو الامر الذي يتجاوزحلم الوحدة الكردية الوطنية(24). ثانيا: الرؤى والمصالح التركمانية يمكن تفكيك دعوى التركمان بشان كركوك الى اربعة عناصر؛ الاول يتاتى من سعي التركمان الى ربط تركمان العصر الحديث بماض مجيد يمتد الى قرون خلت ، تبوأوا خلالها موقع الزعامة في لحظات حاسمة من تاريخ العراق، اما العنصر الثاني الذي يستند اليه التركمان فيقوم على اساس ما قاسوه من معاناة لا على ايد الحكومات العراقية المتعاقبة فحسب وانما على ايد الكرد ايضا الذين سعوا الى فرض انفسهم على سياسة كركوك وطابعها باستغلال حقائق اليوم السياسية. ومن منظورهم يبدو ان اهتمام المجتمع الدولي موجها بشكل ساحق نحو الكرد كانهم الوحيدون الذين عانوا على يد نظام البعث. وما يفاقم هذا الشعور بالحيف، احساس بالاحباط ناجم عما يسمونه ( تكريد ) كركوك بعد عودة ميليشيات الاحزاب الكردية منذ عام 2003 أن القلق التركماني يتأتى من الخوف من تهميشهم من الحياة السياسية أو محاولة طمس هويتهم الثقافية وتسلط الأكراد وانفرادهم في حكم الإقليم وفق نظرة اقصائية عنصرية (25). وعلى الرغم من ذلك فان التركمان ما زالوا منقسمين؛ اذ يقف البعض ضد فكرة ضم كركوك الى اقليم كردستان وهذا الطرف يسعى الى زج تركيا مباشرة في النزاع ، ويبدي الطرف الاخر استعدادا للقبول بل وحتى الترحيب بضم كركوك الى كردستان طالما تكون حقوق التركمان مصونة دستوريا. ومع اندماج رؤية الطرف الاخير بقناة المصالح الكردية ، كانت مخرجات الموقف التركماني الاول حول قضية كركوك قد اوجزتها وثيقة اصدرتها مجموعة من الاحزاب والمثقفين التركمان تحمل عنوان (ميثاق كركوك) لتكون دليل عمل ومرشد للتحرك التركماني في هذه المرحلة ، وقد تضمنت الوثيقة الرؤى والاهداف الاتية (26): 1ـ إن كركوك عنوان قضية وحقوق التركمان وأي تنازل عنها أو مساومة بخصوصها يعد تفريطا وتجاوزاً على حقوقهم المشروعة. 2ـ العمل بكل الوسائل السلمية لإيجاد حل عادل ومنصف لقضية كركوك يحفظ هويتها وتعدديتها ويعزز التعايش السلمي فيها. 3ـ الحرص على صيانة مجتمع كركوك من بذور التفرقة والعنصرية والتكفير وتحصين نسيجها الاجتماعي المتماسك والمتوارث. 4ـ كركوك لجميع أبنائها من كل القوميات والمكونات وتقع عليهم مسؤولية الدفاع عن وحدتها وتركيبتها وتعدديتها. 5ـ كركوك عنصر اتحاد وعامل موحِِد بين القوى والأحزاب والشخصيات التركمانية مثلما هي عامل وحدة الشعب التركماني وتماسكهم. 6ـ إن أي حل في كركوك لابد أن يتم عبر التوافق بين ممثلي المكونات الرئيسية فيها. 7ـ إن المشاركة في أية مفاوضات لمعالجة أزمة كركوك وإيجاد حل عادل لها لا بد أن تتم بإرادة تركمانية مشتركة وبموقف تركماني موحد لا ينفرد بها طرف دون آخر. 8ـ التعهد على حماية خصوصية كركوك اداريا وتعدد هويتها إجتماعياً وتنوع ثقافتها تراثياً. 9ـ تبني مشروع كركوك إقليما قائما بذاته والدفاع عنه في المحافل السياسية والدولية. 10ـ أن تحتل كركوك الصدارة والمركز في جميع النشاطات السياسية والإعلامية للقوى التركمانية بمختلف اتجاهاتها. 11ـ العمل على إزالة كافة الأضرار والمظالم التي ألحقت بالتركمان في كركوك. 12ـ التحرك بكل الاتجاهات للحد من المحاولات الهادفة لتغيير تركيبة كركوك وواقعها الديمغرافي. 13ـ الاصرار على أن تعكس إدارة كركوك النسب المتوازنة والعادلة للقوميات الى حين اجراء انتخابات محلية نزيهة وتحت إشراف الأمم المتحدة وحضور مراقبين محايدين. 14ـ العمل على أن يكون للتركمان دور محوري وأساسي في إدارة كركوك على جميع الأصعدة وأن تناط لهم مناصب سيادية فيها ولا تقل نسبة تمثيلهم في هذه الإدارة عن 32%. 15ـ توحيد الخطاب الإعلامي للتركمان تجاه قضية كركوك وتوجيه كافة الوسائل الإعلامية لتحريكها وتكثيف الاضواء عليها في هذه المرحلة. 16ـ التأكيد على أن كركوك مدينة عراقية تهم كل العراقيين وأن ثرواتها ومواردها الطبيعية هي ملك الشعب العراقي، وأن مشكلتها وطنية تمس سلامة ووحدة أراضي العراق، وضرورة التفاعل مع حكومة الوحدة الوطنية في مواقفها العادلة من قضية كركوك وحرصها على تسوية منصفة لجميع الأطراف. 17ـ العمل على ضرورة مشاركة التركمان بممثليهم في أية حوارات ومفاوضات حكومية أو غيرها في رسم الحدود الإدارية لكركوك. 18ـ إعطاء كركوك صفة (وضع خاص) في الدستور كما ورد في قانون إدارة الدولة في مادتها الـ (53). ثالثا: رؤى ومصالح عرب كركوك اعتاد العرب في العراق على أن يكونوا هم أصحاب القرار والسلطة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام1921م، التي تضم المحافظات الكردية في شمال العراق وتنصيب ملك عربي لحكم العراق من شماله إلى جنوبه باعتبارهم الأغلبية في البلاد ولهم امتدادهم الواسع مع العالم العربي الأمر الذي يجعل من عرب كركوك يرفضون التبعية لحكومة الأكراد في الإقليم في حال انضمام كركوك إلى إقليم كردستان، وهذا متاتي من اعتبارات اولها وجودهم المشروع في كركوك وتشبثهم بالحق التاريخي والخصوصية الثقافية المتاتية من عراقة وجودهم فوق هذه الارض منذ الفتح الاسلامي لها وحتى يومنا هذا ودورهم في شؤون المدينة عبر التاريخ، فضلا عن صعوبة التخلي عن مناطق سكناهم وموارد رزقهم ومن جهة أخرى.وثانيها اعتقادهم بان الاكراد قد بالغوا في تصوير معاناتهم على ايدي الحكومات العراقية وبالتالي فهم يضخمون اعداد المهجرين من كرد كركوك الذين يتعين اعادة توطينهم. واخرها الحرص على سلامة العراق ووحدة اراضيه من منطلق وطني يرفض التطلعات الانفصالية التقسيمية للاكراد(27). الفرع الثاني: خارطة المصالح الاستراتيجية الدولية تسود دول الجوار مخاوف مثلما تقودها الى الولوغ في امر كركوك مصالح شتى ورؤى متضاربة . ويمكن في هذ1 السياق التحري عن هذه القوى بين (تركيا وايران وسوريا والولايات المتحدة الامريكية ) اولا: المصالح التركية:- ترى تركيا أن لها الحق في التدخل في الشأن العراقي حسب اتفاقيتي 1926و1946، فبنود اتفاقية 1926الموقعة بينها وبين انكلترا، تنص على أنه "في حال تخريب وحدة الأراضي العراقية يحق لتركيا التدخل في ولاية الموصل والأراضي المحيطة بها بمساحة 90كم مربع، كحماية لحياة أبناء عرقهم من خطر وتهديد الآخرين". كما أن الاتفاقية الموقعة بين تركيا والدولة العراقية في عام 1946تؤكد على نص البنود الواردة اتفاقية 1926 ويرى الأتراك أنهم تركوا ولاية الموصل وفق اتفاقية 1926لعراق واحد موحد، ولهذا يجب أن يبقى العراق موحدا. و"أن حدوث شيء من قبيل التقسيم يجعل الاتفاقية ملغاة". ويرى الأتراك أن تداعيات تقسيم العراق لن تكون مثل تداعيات تفكك الاتحاد السوفييتي أو تشيكوسلوفاكيا، إذ أن رسم حدود جديدة في العراق سوف يؤثر على أوضاع المنطقة بأكملها.ويشدد الأتراك على أن إلغاء اتفاقية 1926سوف يخلق لكل طرف حقوقا جديدة كما كان في الماضي، أي قبل التوقيع على الاتفاقية. ويرى الأتراك اليوم أن إجراء استفتاء على مستقبل كركوك في هذه الظروف الصعبة والملتبسة التي يعيشها العراق من شأنه تعقيد الأوضاع وزيادة توتيرها، بل إن ذلك قد يقود إلى حرب أهلية في المدينة وما حولها (28). وفيما تحتار تركيا في أمرها وتقضها مسائل تخص مستقبلها الأوروبي ووضعها في الشرق الأوسط فالمزيادات الوطنية بين أقطاب العسكر والساسة قد القت بظلالها على الموقف التركي من قضية الصراع حول كركوك الذي شهد انتقالات مختلفة بين التشدد والتساهل، فتارة تغض الطرف عن هذه القضية الشائكة ، وتارة اخرى تظهر حرصها الشديد على مصير الأقلية التركمانية وعلى وحدة أراضي العراق، ومرة أخرى تطالب بحقوق تركية «مغتصبة» في اراضي كردستان(29).. وبكل الاحوال فان تركيا لاتفارق مدار هدفها الاستراتيجي المتمثل في الحيلولة دون انضمام كركوك لإقليم كردستان، لاسباب عدة منها، أهمية المنطقة وعوائدها النفطية من الناحية الإستراتيجية كأول منفذ يتم من خلاله تصدير النفط العراقي إلى ميناء جيهان التركي، ومنها ايضا ان الانفصال يصب في زيادة المساحة الممنوحة لأكراد كردستان، حيث ستقع ﺍﻟﺜﺭﻭﺓﺍﻟﻨﻔﻁﻴﺔ ﻓﻲ ﻜﺭﻜﻭﻙ ﺒﻴﺩ ﺍﻟﻜﺭﺩ مما يعني ﺍﻋﻁﺎﺌﻬﻡ ﺩﻓﻌﺔ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻜﺒﻴﺭﺓ ﺘﻤﻜﻨﻬﻡ ﻤﻥ ﺍﻗﺎﻤﺔ ﺩﻭﻟﺔ ﻜﻭﺭﺩﻴﺔ ﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﻟﻬﻡ ويزيد احتمالات مطالبة أكراد تركيا بوضع مماثل, ﻭﻫﺫﺍ ﻤﺎ ﻴﺸﻜل ﺨﻁﺭﺍ ﻤﺤﺩﻗﺎ ﺒﺄﻤﻨهم ﺍﻟﻘﻭﻤﻲ اذ قد يؤدي الى تحرّك شعوب الأناضول غير التركية، التي هي اضافة الى الشعب الكوردي ، اللاز، اليونانيين، البلغار، اقوام شمال وشرق تركيا من ارمن وآثوريين وايزيدية اضافة الى العلويين والأقليات العربية، والقومية والدينية والمذهبية المتنوعة الأخرى (30) وهكذا اكتسب الصراع حول كركوك بعدا اقليميا تجلى فيه حرص تركيا على تامين مصالحها في هذه المدينة وهذا يتضح حينما أعرب وزير الخارجية التركي (عبد الله غول) بأن بلاده مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى للتدخل من أجل حماية التركمان في كركوك أو تغيير هوية المدينة، وهذا ما أكدة كافة السياسيين الأتراك على اختلاف انتماءاتهم السياسية بأن كركوك تأتي في مقدمة اهتمامات تركيا، وأنها خط أحمر لا يمكن تجاوزه (31). ثانيا: المصالح الايرانية:- تُعتبر ايران طرفاً قوياً ومتأثراً بالحالة الكردية وبقضية كركوك التي تحوي على 63% من عائدات النفط العراقي لن تحتمل تحول الاكراد بعد سيطرتهم على كركوك الى قوة سياسية وأقتصادية تمهد لطريق اسهل امام ضغط اميركي مباشر عليها سبيلا لتفتيت قواها واجهاض تطلعاتها الاقليمية. ومع ذلك فان النظام الايراني قد مارس دورا متفاوتا ومخاتلا الى حد ما (32) فقد اغرى الاكراد بقوة على التحرك بكل السبل لضم كركوك الى كردستان بهدف تحطيم الكيان الكردي القائم اليوم حتى لايضرب مثلا وقدوة لاكراد ايران؛ فالايرانيون يعلمون استحالة ضم كركوك واقعا الى اقليم الاكراد وان قضية كركوك هي الريشة التي ستقصم ظهر البعير الكردي والعراقي في ان واحد وان اصطدام الاكراد بصخرة كركوك يعني فقدان الاكراد في النهاية ما حصلوا عليه بشق الانفس خلال العقدين الاخيرين من الزمن من الاستقرار والنمو الاقتصادي والسياسي كرقعة جغرافية يحكم ابناؤها انفسهم بانفسهم، واغرائهم بالمزيد وتصوير الامر بالسهولة التي يمكن من خلالها ان يحقق الاكراد ما لم يكونوا يحلمون به طوال تاريخ وجودهم في العراق. كما حرضتهم ايران على التمسك بالمادة 140 من الدستور العراقي، التي شارك اصدقاؤها في ادخالها في اللحظة الاخيرة بين دفتي الدستور، كزر تفجير لقنبلة موقوتة في قلب العراق، يمكن ان تمزق جسده وكيانه كاملا في اية لحظة. وفي الوقت الذي تعضد فيه ايران مساعي الاكراد تلك، فانها تقوم بين حين واخر بقصف القرى الكردية وحظ الاطراف الاخرى (وتحديدا التركمان والعرب) في المدينة وتركيا اقليميا، وسوريا وبقية الدول المجاورة واميركا، على رفض هذه الفكرة والتدخل لمنع تنفيذ هذه المادة بالصورة التي يريدها ويراها الاكراد، في مسعى منها الايرانيون لاستدراج الاكراد وتوريطهم في مصيدة الضغوط الداخلية والدولية من جانب والامساك بزر التفجير المرعب في كركوك سبيلا لاحراج الامريكان من خلال ثلم فرص الاستقرار الموعود في المشهد العراقي مع الضغط على الحكومة العراقية وضمان انصياعها للرؤى الايرانية . وعلى الجملة أن الصراع على كركوك هو صراع قومي وسياسي وجغرافي وأن كلاً من الحكومة العراقية + تركيا + ايران + سوريا يرون أن كردستانية كركوك هي التمهيد لقيام دولة كردية مستقلة وهذا خط احمر في قواميسهم السياسية.. وهذا يعني امكانية تحول قضية كركوك الى الحقل الدولى في المستقبل (33). ثالثا: المصالح السورية :- بالنسبة لسوريا، فرغم ضعف الأقلية الكردية فيها، سواء من حيث العدد أو التأثير السياسي، فإن إنشاء وطن خاص بالأكراد في المنطقة الواقعة علي الحدود العراقية السورية التركية شكل قلقاً للحكومات السورية المتعاقبة، وينبع القلق السوري حسب رأى مراقبين من أن يؤدى تكوين دولة كردية إلى قلق كردي داخلي في سوريا، هي في غنى عنه الآن في ظل البيئة الإقليمية والدولية غير المواتية (34). رابعاً: المصالح الامريكية:- اما بالنسبة الى الجانب الامريكي فالمسألة تسير على اطارين. الاول، ينطلق من النقطة الاساس وهي تواجدها في العراق، وهذا الوجود يفرض عليها المداراة كونها تعتمد على الكردستانيين لانهاء مهمتها في العراق بسلام، والثاني، ان امريكا لاتود في الوقت الحالي على الاقل اعلان موقفها المتوافق مع الجانب التركي، وهي تلجأ الى العمل وفق سياسة المهادنة، واللعب على كل الحبال، لأطول فترة ممكنة، فان نال الاكراد استقلالهم وانفصلوا فهي تظل مكتسبة لقوة صديقة على المدى البعيد، والمقصود بالصداقة انما صداقة المصالح والستراتيجيات القريبة منها والبعيدة. وليس من قبيل المبالغة القول ان الولايات المتحدة قد أبقت فتيل قضية كركوك مشتعلا وقابلا للإنفجار في أي وقت، لاستبقاء فيتل وتوقيت انفجار الازمة معقود بمصالحها ؛ فكلما زاد الضغط على تلك الإدارة، حركت ذراع الازمة لابتزاز الفرقاء وهي السياسة التي ورثتها من حليفتها بريطانيا عندما استغلت الظرف ذاته لتمرير معاهدة التحالف الامني مع الحكومة العراقية سنة 1932. ومع ذلك لايمكن مساندة الراي القائل بان امريكا تسعى الى تسهيل مهمة الاكراد في ضم مدينة كركوك واعلان انفصالهم ؛ على الاقل في الوقت الراهن (35) لعدة أسباب منها : رفض التضحية بكركوك وما تحويه من مخزون نفطي هائل شكل أحد مبررات الحرب علي العراق.كما أن انفصال الإقليم ليس في مصلحة التوازن الإستراتيجي في المنطقة، لاسيما ي ظل حاجتها لاسترضاء تركيا – في الوقت الراهن – في اطار المواجهة مع المحور الايراني – السوري. وفي ضوء ما تقدم لا يصعب تفسير الموقف الامريكي الاخير في رفض المطالب الكردية الرامية الى استعجال تطبيق المادة 140 من الدستور داعيةً الى القيام بتسويات في اطار مقترحات الامم المتحدة وصولا الى تفاهم حول المادة المذكورة المتعلقة بمستقبل مدينة كركوك حيث انها لن تبت في مسألة كردستان حتى يتم تسوية الخلاف بشأنها في إطار حكومة عراقية تتسلم السيادة والسلطة من إدارة الاحتلال (36). المطلب الثاني: دائرة الصراع بين حلبة الدستور والوقع السياسي الهش مع تشكيل مجلس الحكم صدرقانون ادارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية الذي نص في المادة 58 - وهي المادة الرئيسية التي تبحث اشكالية مدينة كركوك وضرورة اتخاذ التدابير اللازمة بصددها - على الزام الحكومة العراقية الأنتقالية (وعلى وجه السرعة)، بأتخاذ التدابير من أجل رفع الظلم الذي سببته ممارسات النظام البائد والمتمثلة في تغيير الوضع السكاني لمناطق معينــة، بضمنها أن لم تكن من أهمها (مدينة كركوك)، من خلال ترحيل ونفي الأفراد من اماكن سكناهم، ومن خلال الهجرة القسرية من داخل المنطقة وخارجها، وتوطين الأفراد الغرباء عن المنطقة، وحرمان السكان العمل فيها ومن خلال تصحيح القومية ولمعالجة هذا الظلم فقد اوجب النص على الحكومة الأنتقالية أن تتخذ خطوات عديدة من أهمها: 1- أعادة الافراد الذين تم نفيهم ونقلهم الى مناطق اخرى، وعلى الحكومة استنادا للمادة 10 من قانون الهيئة العليا لحل نزاعات الملكية العراقية لضمان توطينهم او لضمان تلقيهم التعويضات من الدولة او امكانية تسليمهم اراض جديدة قرب مقر اقامتهم في المحافظة التي قدموا منها او امكانية تعويضهم عن تكاليف انتقالهم الى تلك المناطق. 2- اعادة المقيمين الى منازلهم وممتلكاتهم، وأذا تعذر ذلك تعويضهم تعويضاً عادلاً. 3- اعادة تشجيع وتوفير فرص عمل جديدة لمن تم حرمانه من التوظيف او من وسائل المعيشة الاخرى لاجبارهم على الهجرة من مدنهم، وضمان رواتب مالية لمن بلغ السن القانوني في فترة التهجير. 4- الغاء جميع القرارات ذات الصلة بقرارات تصحيح القومية سيئة الصيت والحق للمواطن باستعادة هويته الوطنية وانتماءه القومي دون ضغط او اكراه. بالأضافة الى ضرورة أعادة النظر في التلاعب الحاصل في الحدود الادارية، واوجب القانون ان تتم التسوية النهائية التي تم تاجيلها وخصوصا في كركوك ضمن حالات ثلاث حددها حصراً وهي الى حين استكمال الاجراءات المذكورة والى حين اجراء احصاء سكاني والى حين المصادقة على الدستور بشكل يتفق مع مباديء العدالة وأرادة سكان تلك المناطق. والملاحظ على هذه المادة انها تتسم بالابهام حول مصير الافراد الوافدين حديثا الى المدينة . كما ارجأت الفقرتان (ب،ج) عددا من القرارات المهمة الى ما بعد التوقيع على الدستور الدائم ومنها التغييرات الادارية في حدود المحافظة ووضع كركوك النهائي . و لاعمال نص هذه المادة عمدت الحكومة المؤقتة برئاسة الدكتور ابراهيم الجعفري خلال المرحلة الأنتقالية التي استمرت للفترة من 30 حزيران 2004 وحتى 31/كانون الأول / 2005 وأنتهت بأقرار الدستورالعراقي الدائم ،الى تشكيل لجنة وزارية تختص بأيجاد الحلول الأنسانية والقانونية لقضية كركوك. غير ان هذه اللجنة بقيت دون تفاعل مع القضية ودون فاعلية ومقيدة لاسباب عديدة اوجزها رئيس هذه اللجنة السيد حميد مجيد موسى بالقول ان ((لجنته مازالت عاجزة عن اداء مهمتها لانها لاتضم سواه؛ فلا كادر ولا مخصصات تمكنها من اداء مهمتها؛ موضحا ان تنفيذ المادة الـ(58) هو التزام سياسي واخلاقي ومعنوي)). على الصعيد الميداني تصاعدت حدة الموقف بين الاطراف المتنازعة على المدينة حيث يحاول كل منهم تقوية وجوده عن طريق تعزيز وزنه الديموغرافي واستمالة الأقليات التركمانية والآشورية، وصولاً إلى زج المئات من البشمركة الكردية إلى المدينة في الأشهر الثلاثة الأخيرة، معززةً بتوجيهات من الطالباني والبارزاني للتهيؤ للاستيلاء عليها وقمع أي مقاومة تعترضها وإعلان الأكراد أن كركوك خط أحمر كخطوة أولى لضمها إلى إقليم كردستان بعد النجاح في وضع إطار دستوري يدعم الجهود الميدانية الكردية لضم الإقليم إلى كردستان، كما جاء في المادة 140 من الدستور العراقي الدائم التي تمنحهم الحق في ضمها بموجب نتائج الاستفتاء الذي تضمنته لاسيما بعد إحكامهم القبضة على مجلس المدينة. التحرك الكردي يأتي بالتناغم مع مشروع قانون كان قد تبناه برلمان كردستان في السابق تضمن تألف محافظة كردستان من المناطق ذات الغالبية الكردية حسب إحصاء عام 1957 أي محافظات (دهوك وأربيل والسليمانية وكركوك والتأميم وأنحاء كردية في محافظتي ديالي والموصل )، علماً أن مطالبهم قبل الحرب العالمية الأولى كانت مقتصرة على مدينة السليمانية فقط إلا أن نجاحهم في ضمها عام 1991 فتح شهيتهم نحو كركوك رغم أن نصفها تقريباً اليوم تقع خارج منطقة السيطرة الكردية (37) . ولما اقر دستور العراق الدائم سنة 2005 جاءت المادة (140 ) لتبت في قضية كركوك ولتؤكد مضامين المادة 58 من قانون ادارة الدولة للفترة الانتقالية وتستكمل تنفيذ متطلباتها التي اوكلتها الى السلطة التنفيذية العراقية ، حيث اكدت على الاتي: أولا: تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) بكل فقراتها من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها. ثانيا: المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تمتد وتستمر الى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور على ان تنجز كاملة (التطبيع، الاحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة اقصاها 31/ 12/ 2007. والملاحظ على هذه المادة انها جاءت بنفس اللغة التي صيغت بها المادة 58 من قانون ادارة الدولة الانتقالي مع اضافة ثلاثة ايضاحات اولها تحديد موعد لتسوية الوضع النهائي ، وثانيها استعاضت عن عبارة " ارادة الشعب " بعبارة " الاستفتاء " وثالثها انها اناطت بالسلطة التنفيذية المنتخبة مسؤولية تنفيذ العملية خلال الفترة المحددة . بعد تولي السيد نوري المالكي الحكومة الجديدة، أدلى بتصريحات مشجعة باحترام بنود الدستور العراقي، ولا سيما المادة 140 المعتمدة على المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية. ولهذا جاءت حكومته ببرنامج مهم، حدد في الفقرة 22 المتعلقة بمدينة كركوك، وهذا نصها: "تلتزم الحكومة بتنفيذ المادة 140 من الدستور، والمعتمدة على المادة 58 من قانون إدارة الدولة والمتمثلة بتحديد مراحل ثلاث: التطبيع والإحصاء والإستفتاء في كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها. وتبدأ الحكومة إثر تشكيلها في إتخاذ الخطوات اللازمة لإجراءات التطبيع بما فيها إعادة الأقضية والنواحي التابعة لكركوك في الأصل وتنتهي هذه المرحلة في 29/3/2007 حيث تبدأ مرحلة الإحصاء فيها من 31/3/2007 وتتم المرحلة الأخيرة وهي الإستفتاء في 15/11/2007". كان السيد المالكي رئيس الوزراء متحمسا من الناحية النظرية في برنامجه المطروح المتعلق بكركوك حسب ماجاء في الفقرة 22 أعلاه. واستمر في حماسه النظري إلى درجة أنه شكّلَ لجنة خاصة سميت بـ "لجنة تنفيذ المادة 140" برئاسة السيد هاشم الشبلي وزير العدل السابق. وقامت اللجنة بمهامها وأنجزت بعض المراحل النظرية في تحقيقاتها، وأصدرت سلسلة من القرارات المهمة بهذا الصدد في 5/4/2007 ورفعتها إلى السيد المالكي رئيس الوزراء للموافقة عليها طبقا للدستور حيث احالها إلى مجلس الوزراء، الذي اصدر قرارا ينص على رفع موضوع التصديق على قرارات لجنة تنفيذ المادة 140 المصادق عليها من مجلس الوزراء لعرضها على مجلس رئاسة الجمهورية ومن ثم عرضها على مجلس النواب. وهنا برزت المشكلة اذ أصيبت عملية تطبيق المادة 140 بنوع من الشلل النصفي، اذ لا يمكن تنفيذ أي قرار من السلطة التنفيذية إلاّ بعد مرورها بسلسلة طويلة ومعقدة من المراحل، تتطلب موافقة مجلس رئاسة الجمهورية ومجلس النواب. وهنا يمكن القول بان هذه المادة قد استنفذت رصيدها من ارض الواقع والتطبيق بعد ان تجاوزت السقف الزمني المقرر لتنفيذ بنودها حتى 31/12/2007(38) بعد نهاية السقف الزمني لتنفيذ المادة (140) بمراحلها الثلاثة. وبسبب عوامل تتعلق بقرارات الهيئة الرئاسية و مرورا بالوضع الأمني وترابطها بمحافظات العراق الأخرى ومنازعات الملكية والصراع الطائفي، لم يتم الأحصاء لمدن العراق وعلى الاخص كركوك والمناطق المشمولة بتنفيذ تلك المادة المذكورة ، مما دعا المجتمع الدولي المتمثل بالأمم المتحدة للتدخل وارسال ممثل الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا الذي أقترح تاجيل الحل مدة ستة اشهر (39). وحتى قبل ان تفعل هذه المادة من الدستور العراقي الدائم المتعقلة بمصير محافظة كركوك فانها تثير احدى اكثر المشكلات تعقيدا، ليس لاتصالها بقضايا خلافية عدة أخرى كالفدرالية والاقاليم والثروات الطبيعية وحسب، بل لأن حلها يتطلب توافقا وطنيا واسعا من شأنه تجاوز عقدة ما يسمى بـ«الصراع حول كركوك»، وحلحلة باقي القضايا الخلافية في الدستور الذي عطلت عملية تعديله منذ نحو عامين، وكانت المادة 140 أحد اسباب التعطيل. يزيد الامور تعقيدا نفاذ المدة الزمنية الدستورية المحددة لتنفيذ المادة 140 مع نهاية العام 2007 ما ادى الى تعدد التفسيرات والرؤى حول مصير هذه المادة الذي بدا وكأنه يتجه نحو المجهول. يمكن حصر المواقف بثلاثة اتجاهات: الاول يتمثل في الموقف الكردي الذي يؤكد على ان المواد الدستورية لا تموت، ويشدد على ضرورة تطبيقها ويحذر من المساس بها، وهذا ما تبدى من تصريح النائب عن كتلة التحالف الكردستاني محمود عثمان أكد لـ«الاسبوعية » أن الاكراد لن يقفوا مكتوفي الايدي حيال الصمت الذي تمارسه باقي الاطراف حيال المادة 140 من الدستور وكأنها تريد كسب مزيد من الوقت. وقال: سنتقدم حلولاً واقتراحات من شأنها تسريع تطبيق الفقرات المتعلقة بتطبيع اوضاع كركوك واجراء الاستفتاء حول مصيرها. ورفض عثمان بشدة الرأي القائل بفقدان المادة دستوريتها مشيرا الى ان المواد الدستورية لا يمكن الغاؤها ومدة تطبيق اي مادة ينظم بملحق قانوني يمكن تغييره. والثاني الموقف التركماني والذي تسانده بعض الجهات العربية الذي يقول ان «مادة كركوك» فقدت دستوريتها وبالتالي يفترض البحث عن الحلول البديلة، وفي هذا السياق طالب النائب التركماني عن الكتلة الصدرية فوزي أكرم ترزي، لجنة التعديلات الدستورية في البرلمان العراقي بـ«إلغاء المادة 140 من الدستور العراقي». وفي اشار في مقابلة له مع مجلة«الاسبوعية»: ان المادة 140 أدت إلى تأزيم الموقف في جميع مناطق كركوك، فضلا عن أنها تمثل المشكلة الأساسية التي تعرقل إقرار قانون انتخابات مجالس المحافظات منذ اشهر عدة. ولأن المدة التي نص عليها الدستور العراقي انتهت في 31/12/2007، فقد أصبح تطبيق هذه المادة أمراً غير قانوني في مدينة كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها (40). وقد سجلت أزمة مدينة كركوك تصعيداً جديداً وربما قياسياً بعد تصويت البرلمان العراقي يوم 22/7/2008 على مشروع قانون انتخابات مجالس المحافظات ،الذي تضمن مادة تتأجل بمقتضاها انتخابات مدينة كركوك إلى أجل غير مسمى (41) وذلك بموافقة 127نائبا من أصل 140 حضروا الجلسة. وفي مواجهة هذا انسحب من الجلسة نواب التحالف الكردستاني، محتجين على قرار رئيس مجلس النواب محمود المشهداني بجعل التصويت "سريا" على المادة 24من القانون والخاصة بالوضع في كركوك، رغم أنه تم التصويت "علنيا" على كافة فقرات القانون الأخرى ،الذي راى فيه المراقبون انه لا يقدم معالجات لقضية كركوك ولا الى الحل النهائي للمدينة، ما خلا الحل الذي تضمنته المادة 24 من القانون، والتي نصت على تقسيم السلطة بواقع 32 في المائة لكل فئة و4 في المائة للمسيحيين كونها تشكل سابقة لشكل الحل النهائي الذي تفكر به الأطراف العربية؛ مع النص على نقل الملف الامني في المدينة الى وحدات عسكرية مستقدمة من جنوب ووسط العراق بدلا من الوحدات العسكري العاملة حاليا في كركوك مع تأكيد خروج القوى الامنية المرتبطة بالاحزاب السياسية (42). وبعد صدوره بيوم واحد، سارع مجلس الرئاسة الى استخدام حق النقض (فيتو) وفق الدستور، كما أصدر بياناً أعلن فيه رفضه التام لقرار البرلمان. وبالمثل أعربت حكومة إقليم كردستان عن رفضها لمسودة القانون واصفة الطريقة التي تم بها تمرير القانون في البرلمان بمثابة "انقلاب على الدستور" وتصعيداً للأزمة، خرجت مظاهرات جماهيرية صاخبة في مدينة كركوك من هذا الطرف، لتقابلها مظاهرات مضادة من الأطراف الأخرى، إضافة إلى التصريحات النارية من ممثلي مكونات سكان المحافظة (43). وفي مواجهة هذه التداعيات قرر مجلس النواب، تشكيل لجنة قانونية لدراسة الاعتراضات المقدمة من رئاسة الجمهورية على قانون انتخابات مجالس المحافظات، للتوصل إلى صيغة مقبولة من قبل جميع الأطراف السياسية في البلاد. وبعد فترة من التجاذبات انقطع حبل الاتفاق حول مخرج لهذا الازمة، فخرج رئيس لجنة الأقاليم في البرلمان العراقي هاشم الطائي ليؤكد في حديث لــ"نيوزماتيك" أن الخلافات بين الكتل السياسية حول تنظيم الانتخابات في مدينة كركوك أصبحت كبيرة جدا، ولا يوجد أي أمل للتوصل إلى حل بشان هذه القضية خلال الفترة القصيرة القادمة المتبقية لانتهاء الفصل التشريعي الحالي للبرلمان ولهذا فإن على الكتل السياسية تأجيل النظر في هذه القضية حاليا، والعمل على إقرار قانون الانتخابات بصيغته الحالية". وكان اجتماعا موسعاً قد عقد ضم لجنة خلية كركوك وممثلين عن الكتل السياسية وممثل الامين العام للأمم المتحدة والسفيرين الاميركي والبريطاني في العراق في محاولة لايجاد حل للأزمة الا أنه فشل في تحقيق هدفه المنشود. وابلغ احد المجتمعين بأن: لجنة خلية ازمة كركوك توصلت الى خطوات متقدمة بشأن القانون ولكنها تعثرت عندما اصر التحالف الكردستاني على اقحام المادة 140 من الدستور. (44). ومع تشدد الاطراف وتعقد الازمة لم يبق امام مجلس النواب الا خيار القانون الخاص وخلال الأيام اللاحقة سيقدم البرلمان على مناقشة خيارات القانون الخاص. (45). المبحث الثالث :الحلول المقترحة لمشكلة كركوك كلما استحكمت حلقات نزاع ما، انفتحت ابوابه امام مبادرات متنوع بتنوع الاطراف التي لها مصالح فيه بصورة مباشرة او غير مباشرة. وهكذا تعددت المبادرات المحلية والدولية الرامية الى الخروج من ازمة كركوك وقبلها فقد ادلت الامم المتحدة بدلوها في المسالة بعد تاخر الاذن الامريكي لها بالتصرف . وعلى هذا الاساس سيتم تقسيم المبحث على مطلبين المطلب الاول: دور الامم المتحدة في معالجة مشكلة كركوك المطلب الثاني: الحلول المقترحة المطلب الاول: دور الامم المتحدة في معالجة مشكلة كركوك:- عندما أعطت القوات الأمريكية للأمم المتحدة دوراً أكبر للتعامل مع قضية كركوك، لم تجد الأمم المتحدة الأدوات أو السياسات القادرة على تحقيق أو تفعيل ما اتفق عليه "عراقياً" (المادة 140 من الدستور)، اذ سرعان ما تغيرت طريقة التعامل على أساس ما هو موجود وبما يحقق الأمن لجميع الأطراف؛ عندها وجدت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) وهي تقع تحت ضغوط اقتراب نهاية التزام العراق بقرارات الأمم المتحدة وخروجه من إطار الفصل السابع، أهمية الإسراع بإيجاد حل عملي يقترب بصورة أو بأخرى من الأمر الواقع مع تسمر الأطراف، ورفض إيجاد تسوية لمصير هذه المحافظة، مما يبقي الباب مشرعا تجاه تقسيم المحافظة بحيث ينتهي كونها محافظة، وتوزيعها إلى أقضية ونواح ترتبط بمحافظات أخرى، وتوزيع هذه المناطق على الإثنيات والقوميات المختلفة بناء على ما اقترحه "ممثل الأمين العام الخاص للعراق" (استيفان ذي مستورا) ( 46) الذي تعامل مع الازمة بصورة فردية وانتقائية . ففي الوقت الذي كانت فيه أغلب لقاءاته مع الأطراف الكردية واسعة ومدروسة ومعدة جيداً، لم يعط لنفسه أو الأطراف الأخرى الفرصة المناسبة والمساوية لبيان وجهة نظرهم بتطور الأوضاع ومستقبل المدينة (كركوك)، وعندما أعلن عن مبادرته بتقسيم المناطق المتنازع عليها إلى أربع مناطق ، حدد سقفها الزمني عبر ثلاث مراحل: تركز المرحلة الأولى على المناطق التي لا خلاف عليها وذات صبغة محددة بحيث يعطي الأهالي حرية الانضمام إلى المنطقة التي يرغبون بها، أما المرحلة الثانية فتتضمن المناطق التي فيها بعض الصعوبات بحيث يتم حل هذه المشاكل عبر التوزيع الديموغرافي للسكان وحسب الأكثرية والأقلية، فيما تعد المرحلة الثالثة هي الأصعب، إذ تتعلق بحل قضية كركوك من خلال مقترح معين . والواقع ان قضية تقسيم الأراضي وتوزيعها على أساس أغلبية وأقلية ستفاقم حدة الانقسامات على المدى البعيد وقد تفجر الأوضاع في أكثر من اتجاه لأسباب منها ان استبدال الأراضي عبر تغيير ديمغرافيتها السكانية يعد أمراً محظوراً، قد يفجر النزاع بين الأقليات التي ترفض التخلي عن مواطن سكناها الأصلية وخصوصا لدى الأقليات المسيحية والعرب والتركمان.كما ان ديمستورا قد تجاوز صلاحيات المهمة الموكولة له من قبل المنظمة الدولية أوحتى صلاحيات منطوق (المادة 140) وكان يتوجب عليه الالتزام بالموضوعية من خلال توزيع لقاءاته بصورة مناسبة مع أطراف الصراع وليس حصرا للقيادات على الجانب الكردي؛ وكان التقرير الذي قدمه مثارا لانتقادات عدة منها: 1- ليس من صلاحيات (ديمستورا) إعلان مبادرات تتجاوز (المادة 140) التي نصت على دوره بصفته مراقباً دولياً على التجهيز والإعداد لتنفيذ الخطوات نحو الاستفتاء أي مساعدة العراقيين بتنفيذ المادة الدستورية، لا طرح مبادرات وآراء. 2- ان الأمم المتحدة ذاتها تجاوزت صلاحياتها عندما أعلنت تمديد المادة 140 إلى ستة أشهر (تنتهي في حزيران)، بحيث تجاوزت الدستور العراقي الذي حدد نهاية يوم كانون أول 2007 نهاية التوقيت المعد للاستفتاء على كركوك، بحيث كان عليه أن يرجع العمل به أو التعامل مع المادة بالجهة التي حددتها أي البرلمان العراقي، والقول أن هذا الأمر جاء بالتوافق وقبول اللجنة الدستورية التي أنشأها البرلمان لتنفيذ (المادة 140) هو غير قانوني لأن عمل اللجنة هو الآخر توقف مع انتهاء المدة الزمنية التي حددها (قرار الإحالة من البرلمان والدستور). 3- لعل أخطر ما جاء بقرار (ذي مستورا) القاضي بتقسيم الأراضي المتنازع عليها واستبدالها بحسب التوزيعات السكانية والاثنية هو إدراج مناطق تدخل خارج حدود محافظة كركوك، بحيث دشن (ذي مستورا) مرحلة جديدة من الصراع ووسع إطار الصراع ليشمل مناطق ونواحي تتداخل في محافظات أخرى. صفوة القول أن مشروع (ذي مستورا) أو الأمم المتحدة الذي خرج به للأطراف العراقية ، لا يقدم شيئا باستثناء إعطاء الأكراد الحق القانوني في ملكية الأراضي التي يسيطرون عليها منذ العام 2003، أي أنها تعبير لسياسة الأمر الواقع وأنه من غير المتوقع أن ينسحب الأكراد من المناطق التي سيطروا عليها خارج حدود كردستان المعترف بها (اللون الأخضر)؛ أي بكلمة أخرى إن المشروع يعمل بذات النظرية السابقة وهي "أينما يوجد كردي فإن حدود كردستان تمتد للمنطقة التي يعيش فيها"(47) المطلب الثاني : الحلول المقترحة لمعالجة المشكلة:- ان مجمل الحلول والمبادرات المطروحة في هذا السياق تدور ضمن اطار بعض المشتركات؛ فهي من جانب لاتبتعد عن الحل الذي تبناه الدستور العراقي الدائم لسنة 2005 ، ومن جانب ثاني تحرص على ضمان التوافق الوطني والحوار كسبيل لتسوية النزاعات بين الفرقاء، ومن جانب ثالث تجعل وحدة العراق وامنه غاية ينبغي ان ينصاع لها أي حل لهذه المشكلة . ولعل اكثر الفرقاء حرصا على الاحتكام الى مرجعية الدستور وحلوله المودعة في المادة140 كسبيل وحيد لحل مشكلة كركوك هم (الاكراد) بعد ان كانت لهم اليد الطولى في صياغة هذه المادة، وضمان استثمارها لصالحهم من خلال ضمان تفوقهم العددي في المدينة بفضل سياسة (التكريد) التي اتبعوها بعد عام 2003. غير ان الدستور العراقي الذي ارسيت دعائمه على ارضية التوافقات الهشة، قد سارت اغلب مواده في طريق وعر ومليء بالالغام بفعل الغاية المبيتة او الاختلاف في التفسير من هذا الطرف او ذاك. وفي هذه اللجة الضحلة كان من المتوقع ان يتعرض العراق واستقراره لكثير من المطبات،والاهتزازات الناجمة عن الاختلاف في تفسير النصوص الدستورية والمصالح التي ترتبها، ولعل المادة الخاصة بكركوك احدى تلك المطبات التي ستهز الاستقرار في العراق اذا فعلت نصوصها فالعرب والتركمان لن يسلموا بالسيطرة الكردية ومع تصاعد وتيرة الرفض ستتصاعد احتمالات العنف، ومع تفجر العنف في كركوك فليس من ضامن في مواجهة اتساع دائرته واستقطابه لقوى اخرى . وبذلك سيكون الشان العراقي عرضة لتدخل دول الجوار وحتى القوى الدولية التي سيكون لها مصلحة في تحقيق السيطرة على الاحتياطي النفطي في ارض كركوك، وبذلك سيدخ العراق في دوامة من الصراعات والتجاذبات التي ستفتت ركائز العملية الديمقراطية ، ولن تكون دول الجوار بمنأى عن احتمالات التصعيد في المطالب الانفصالية لاسيما اذا استمكن الاكراد ووضعوا ايديهم على الثروة النفطية في كركوك والطريق الى الانفصال في دولة مستقلة . ولتلك الاسباب وغيرها يرى السيد على مهدي، عضو مجلس كركوك : (( ان قضية كركوك قضية دستورية، وان الاحتكام الى الدستور لمعالجة هذه القضية يستوجب التريث الى حين اتمام اعادة النظر فيه لكي يتسنى للشعب العراقي معرفة التعديلات والتغيرات التي سوف تخضع للاستفتاء العام ومن ضمنها مشكلة كركوك . ونظرا لوجود خيارات افضل من الاستفتاء لتقرير مصير كركوك، فأن الاصرار على التمسك بالاستفتاء لا يعني سوى استخدامه كورقة ضغط على الشعب وتمرير ما يرفضه من تنازل واعتراف . كما ان اجراء الاستفتاء لا يترك مجالا للمناورة او التسوية حول نتائجه المتوقعة، وعليه فأن الخاسر في هذه العملية ينتهي تماما والمنتصر يحصل على كل شيء، فهل من الحكمة التنازل عن كل شيء وبالمجان ومقابل لا شيء؟ وبالمقابل دعا السيد علي مهدي الى ادراج قضية كركوك في جدول العمل الدبلوماسي للمجموعة الدولية لدعم العراق، حيث من المؤكد ان قضية كركوك سوف تعيش في مرحلة انتقالية بعد تأخير الاستفتاء، ولذلك يتعين ايجاد الية توافقية شاملة لادارة هذه المدينة قبل احالتها الى التحكيم الدولي . وعلى ضوء ماتقدم .. يطالب (المجموعة الدولية لدعم العراق) العمل بصورة جدية وفعالة لتهيئة المستلزمات المحلية والاقليمية والدولية والتوسط بطرح مشروع انتقالي يكون مقدمة لفتح باب الحوار بين الاطراف المعنية بمستقبل كركوك . وراى السيد مهدي ضرورة التحكيم الدولي لتسوية قضية كركوك لتسوية قضية كركوك وتجنب وقوع العنف القومي فيها. وكل ذلك يعني انه في حالة عدم احالة اواخضاع مسألة كركوك للتحكيم الدولي فأن نشوب العنف القومي يصبح امرا حتميا (48) وبالمقابل سلكت بعض الشخصيات التركمانية طريقا اخر بعيدا عن الدستور والتدويل، وهذا ما يلاحظ على مقترح السيد عباس البياتي النائب التركماني في مجلس النواب العراقي الذي وجد ان مشكلة كركوك تحتاج الى توافق وطني وسياسي يتقيد بثلاثة ثوابت الاول: الحفاظ على هوية مدينة كركوك التعددية وتنوعها ثانيا: حفظ أدوار الجميع وحقوقهم بشكل متساو ثالثا: رعاية المصلحة الوطنية العليا لعموم الشعب في هذه المدينة ولادراك غاية المسعى اقترح النائب عباس البياتي المبادرة الاتية (49) : 1 ـ إعلان كركوك إقليما قائما بذاته 2 ـ إعادة رسم حدود كركوك إلى ما قبل عام 1976. 3 ـ إن يكون توزيع السلطات فيها على الشكل التالي: 32% للتركمان و32% للكرد و32% للعرب و4% للمسيحيين. 4 ـ ان تشكل لها هيئة رئاسية عليا من رئيس الإقليم ورئيس وزرائه ونائبه ورئيس السلطة يديرون هذا الاقليم بالتوافق بينهم وحسب التسلسل. وفي الطريق ذاته يسير مع اضافة عنصر الضمانات الدولية الأستاذ حسين سنجاري، وزير كردي سابق، ورئيس معهد العراق للديمقراطية، في مقاله القيم الموسوم (كركوك إقليماً مستقلاً بذاته) المنشور في صحيفة الأهالي وعلى مواقع الإنترنت،حلا اخر ينبني على الاسس الاتية: " ان التعايش بين المكونات المختلفة المشَكَّلة لنسيج كركوك كان سائداً لقرون طويلة، واستمرار ذلك التعايش مرهون بتجاوز الأزمات عبر اعتماد الحوار ولغة التوافق والمساومات وروح المبادرة والاستعداد لتقديم التنازلات المتقابلة بين الأطراف المختلفة. ماذا سيخسر الأكراد اذا صارت كركوك اقليماً مستقلاً بحد ذاته في مرحلة تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وبضمانات دولية على مراجعة وضعها بعد فترة معينة. مع ضمان حقوق مختلف مكونات المدينة وتطلعاتهم المشروعة عبر إجراءات قانونية تحفظ وجودهم القومي والاثني والديني؟ ومن وجهة نظره إن اختيار كركوك إقليماً مستقلاً بذاته، ليس الحل الأفضل فحسب، بل هو الحل الوحيد أمام جميع الفرقاء وذلك للأسباب التالية: 1- إن سكان مدينة كركوك من غير الأكراد هم أكثر عدداً من سكانها الأكراد، وبذلك لا يمكن فرض إلحاقها بإقليم كردستان رغم إرادتهم. والأصح هو إجراء إحصاء سكاني لها تحت إشراف مراقبين دوليين، لمعرفة عدد السكان ونسبة كل أثنية فيها، ومن ثم إجراء إستفتاء لسكانها لمعرفة موقفهم فيما إذا كانوا يريدون البقاء كمحافظة مستقلة بذاتها تابعة للعراق أم ربطها بإقليم كردستان. 2- رغم أن قضية كركوك هي قضية عراقية بالدرجة الأولى، ولكن يجب أن لا ننسى أن القضية العراقية ككل هي الآن قضية دولية، إضافة إلى تدخل دول الجوار. ففي ظل الظروف الراهنة من المستحيل أن تبقى تركيا ساكتة إزاء ضم كركوك إلى إقليم كردستان وفيها نسبة كبيرة من التركمان، وفي هذه الحالة يمكن لتركيا أن تخلق الكثير من المشاكل للعراق عموماً وللأكراد بصورة خاصة. 3- وكما قال الأستاذ حسين سنجاري، ماذا سيخسر إقليم كردستان بجعل كركوك إقليماً مستقلاً بذاته؟ لا شيء. 4- كان لجوء قيادة الشعب الكردي إلى السلاح في عهود الحكومات السابقة مشروعاً وذلك لعدم توافر الوسائل السلمية الديمقراطية لحل المشاكل وخاصة الحرمان من الحقوق القومية. أما في العراق الجديد فإن الديمقراطية توفر الوسائل السلمية لحل المنازعات وفقاً للدستور. لذا نقترح أن تبقى كركوك إقليماً مستقلاً بذاته، لأنه الحل العملي والصحيح والوحيد الممكن، وفي جميع الأحوال لا يصح إلا الصحيح (50). غير ان هذا الحل ينطوي على محاذير اهمها - تشجيع القوى والاقليات الاخرى ولاسيما في المناطق المتنازع عليها على المطالبة بمثل هذا الحل ما يعني الدخول في متاهة المطالب المماثلة واتساع نطاق المطالب الانفصالية وحالة عدم الاستقرار في العراق . - لايستبعد ضمن هذا المدى اندفاع القوى المتنفذة في كركوك والمنتفعة من خيراتها الى سبيل التطاول على وحدة العراق والاتجاه الى هاوية الانفصال. - واخير ستكون ابواب هذا الاقليم مفتوحة لتدخلات القوى الاقليمية والمحلية في شؤونها بحثا عن النفوذ واستحصال المغانم ، ومن ثم الانزلاق الى منعرج التأزم والتجاذب بين القوى ذات المصالح المتقاطعة في كركوك مما يعني اتساع نطاق انعدام الاستقرار. وبالافادة من تجربة بلجيكا، يقدم احد المهتمين بالنزاعات الاثنية مقترحا لايخلو من الوجاهة والموضوعية في الطرح ويجري هذا المقترح في مسارالتغاضي عن نتيجة الاستفتاء حول مصير كركوكفي مقابل تحول المدينة الى إدارة عامة (حكومة محلية) يشارك كل سكان المحافظة بانتخابها، تتولى إدارة الشؤون الاقتصادية والخدمات العامة والمهمات الأخرى التي تخص المحافظة ككل، بصرف النظر عن الانتماءات القومية. والى جانب هذه الإدارة العامة يجري تشكيل إدارات خاصة لكل قومية من القوميات التي تسكن المحافظة، تنتخب من قبل أبناء القومية المعينة، تُعنى بالقضايا الثقافية والتعليم بالأساس الى جانب بعض المهمات الخاصة بالقومية المعينة. فتكون للأكراد إدارتهم والى جانبها إدارات للتركمان والعرب والكلدوآشوريين. الأمر الذي يؤمن مصالح كل قومية من هذه القوميات، وأن تمنح هذه الإدارات صلاحية التعاون والتنسيق مع الإدارات المماثلة لها من حيث الانتماء القومي داخل المحافظة وخارجها في ما يخص القضايا الثقافية والتعليم وغير ذلك من الشؤون الخاصة بالقومية المعينة التي لا تشملها صلاحيات الإدارة العامة. وما يؤخذ على هذا المقترح تغافله للمطالب والتطلعات الكردية التي من الوارد ان تدفع الطرف الكردي الى وضع العصا في دولاب الحركة باتجاه تبني هذا الخيار، وهو الامر الذي التفت اليه التقرير الذي (51) اصدرته منظمة«مجموعة الأزمات الدولية»الذي نختتم به بحثنا في الحلول المطروحة -وهي منظمة دولية متخصصة في التحاليل الميدانية الموجهة للمستويات القيادية لمنع وحل النزاعات الدولية - في 28 تشرين الأول (اكتوبر) من العام 2008 والذي اقترح صفقة شاملة تتمحور حول «النفط مقابل الأرض»، مقرونة بأن يؤجل الاكراد مطالبتهم بكركوك عشر سنوات على أن يحصلوا في المقابل على ضمانات أمنية لحدود اقليمهم الداخلية بالاضافة الى حق ادارة ثروتهم المعدنية والافادة منها. ويرى التقرير ان «صفقة كهذه ستوضح المكسب المهم الذي حققه الأكراد من خلال حكمهم الذاتي المحدود الناجم عن حرب الخليج في العام 1991 خصوصاً بعد نيسان (ابريل) 2003, وفي الوقت نفسه احترام الخط الأحمر العربي- العراقي وكذلك الدول المجاورة بخصوص كركوك». ويمضي الى إن «هذه الصفقة تشمل تنازلات مؤلمة لكل الجوانب والتي من المحتمل أن لا تتم بدون تدخل دولي قوي». ويحض التقرير بعثة الامم المتحدة في العراق على «توفير الدعم للأطراف الأساسية المساهمة في المفاوضات من أجل الحصول على المبادلة العظمى» و«رسم الحدود الداخلية بين إقليم كردستان وباقي أجزاء العراق» و«مساعدة اللجنة المقترح إنشاؤها بموجب المادة 23 من قانون انتخابات المحافظات للعام 2008». في الوقت نفسه يقترح على الحكومة العراقية الطلب رسميا من مجلس الأمن الدولي إعطاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (UNAMI) السلطة لتوجيه مفاوضات المبادلة العظمى وتسريع المفاوضات حول القوانين الفدرالية المتعلقة بالنفط وتجنب التحركات من جانب واحد والتوصل وبالاتفاق مع المساعدة الفنية لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق إلى تعريف «الأراضي المتنازع عليها».ومن بين مقترحات التقرير إلى الحكومة العراقية تبني وتطبيق توصيات بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بشأن الحدود الداخلية بين إقليم كردستان وباقي أجزاء العراق و«تأسيس محافظة كركوك كمحافظة قائمة بذاتها أو إقليم خاص لمدة انتقالية مدتها عشر سنوات»، بالاضافة الى «إيجاد نظام لتقاسم السلطة في كركوك بما يتماشى مع المادة 23 من قانون انتخابات المحافظات» وايضا الاعتراف علنا بجرائم حقوق الإنسان التي ارتكبها النظام السابق في سياسة التعريب. في المقابل يوجه التقرير نصائح الى حكومة اقليم كردستان بينها «التعامل مع اهتمامات تركيا بخصوص حزب العمال الكردستاني وقدرته على استخدام أراضي إقليم كردستان كمسرح لشن هجمات» في مقابل تأسيس تركيا روابط نظامية مع حكومة إقليم كردستان‌» و«العمل مع الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان للسماح بنقل النفط والغاز من الإقليم عبر تركيا و«السعي لسياسة حدودية اقتصادية مفتوحة مع العراق, من ضمنها إقليمها الكردستاني». ولا يخلو التقرير من مقترحات للحكومة الاميركية تتضمن تعزيز مفهوم المبادلة العظمى «الارض مقابل النفط»، ودعم جهود بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، والحكومة العراقية, وحكومة إقليم كردستان، وكل الأطراف الأخرى المساهمة من أجل التوصل إليها (52). الخاتمة اذا كانت كركوك عراقا مصغرا او برميل بارود او حتى قنبلة موقوتة – على حد تعبير بعض الباحثين – فان ذلك متاتي من واقع مفعم بالتنوع الاثني المرتبط باصول تاريخية عميقة وتطلعات لم تكن حتى وقت قريب تصل الى درجة التقاطع لولا نزوع الروح العنصرية وما رافقها من مظالم تصدعت من جرائها اواصر التعايش المشترك بين المكونات المختلفة، وسرت بينهم روح الشك والريبة حول مقاصد شركاءهم في الوطن والمصير واتسعت الهوة بينهم مع اتساع رقعة الاهداف والمصالح لاسيما بعد ظهور النفط بكثرة في هذه المنطقة، ولم تكن التوافقات السياسية والنصوص الدستورية قادرة على ازالة الاحتقان بين المكونات الاثنية المختلفة او كبح جماح التدهور في الاوضاع الامنية؛ الامر الذي استدعى انخراط اطراف دولية واقليمية في دوامة النزاع الاثتي المستتراما طمعا بالمكاسب الاستراتيجية او خوفا من تداعيات تطور النزاع على مصالحهم . وبكل الاحوال لم يكن غير العراقيين ساحة واداة للنزاع، ولن يكون غيرهم خاسرا اذا ما تطور النزاع متخذا سبيل العنف المسلح ولغة الدم . ومن تحليل عناصر الازمة وابعادها والخيارات المطروحة للخروج منها يمكن التوصية بالاتي : 1- ينبغي على العراقيين تنحية المصالح الضيقة لصالح وحدة الوطن ومستقبله، وهذا لن يكون الا بالحوار السلمي والتوافق والتفاعل البناء مع مخاوف ومصالح الاخر. ومن ثم التوقيع على وثيقة للمصالحة والاتفاق حول التسوية النهائية لوضع كركوك تلحق بالدستور. 2- تعديل المادة 140 من الدستور باسقاط السقف الزمني لتطبيق الحل النهائي لمشكلة كركوك لانتفاء مبررات بقاءه من جانب ولاعطاء الوقت الكافي لتجاوز المعوقات الخاصة لتطبيق مضمون المادة المذكورة. 3- تاجيل التسوية النهائية لوضع كركوك مدة كافية من الزمن مع العمل من خلال لجان مشتركة على تسوية وتطبيع الاوضاع فيها باعتماد معايير موضوعية وعملية بعيدة تمهيدا لاجراء الاحصاء السكاني في المدينة بالتزامن مع الاحصاء السكاني للعراق ككل. على ان توزع خلال الفترة الانتقالية عوائد النفط على سكان المدينة بحسب نسبتهم ،وتتولى الحكومة المركزية التصرف بحصة عرب كركوك من نفطها ، وكذا الحال مع حصة الاكراد من النفط لصالح اقليم كردستان من خلال لجان تنسيق مشتركة مع مجلس ادارة المحافظة مع احتفاظ التركمان بحصتهم من النفط ؛ على ان يحدد الغرض من انفاق هذه الاموال لاعادة ترتيب اوضاع المدينة واعادة اعمارها وتطويرها. 4- تنظيم قانونين يخصان كركوك ، الاول حول الانتخابات في المحافظة يراعي التمثيل المتوازن للمكونات الاثنية في مجلس المحافظة بحسب الصيغة التي تبناها مجلس النواب العراقي، مع الافادة من التجربة البلجيكية في اصدار قانون ثاني للادارة المشتركة لمجلس المحافظة بما يكفل احترام الهوية الثقافية لكل قومية في المدينة. 5- سحب القوات العراقية وكل الميليشيات التابعة لاي حزب من المدينة ونزع سلاح الاهالي، مع الاستعانة بقوات دولية لحفظ الامن فيها طوال تلك الفترة الانتقالية. 6- وفي المرحلة الاخيرة يجري الاستفتاء على مصير كركوك من خلال السؤال الاتي: ما الحل الذي تفضله لمستقبل كركوك: أ‌- بقاء الوضع على ماهو عليه باعتبار كركوك محافظة تابعة للحكومة المركزية. ب‌- اعلان كركوك اقليما فدراليا مستقلا. ت‌- التحاق كركوك باقليم كردستان . .......والله ولي التوفيق.... الهوامش 1) د. هند بداري ، كركوك على خارطة العراق، مقال منشور بتاريخ 13/8 /2008على الموقع: http://www.egynews.net/wps/portal/!ut/p/c1/04 2) محمد أمين زكي خلاصة تاريخ الكرد وكردستان، ترجمة محمد على عوني مطبعة ،صلاح الدين بغداد ـ 1961. ص 61. 3) خالد عزيز الجاف ، الحقائق التاريخية والادلة الدامغة على عدم كردية كركوك ، بحث منشور على شبكة البصرة بتاريخ 8/2/2008، http://www.albasrah.net/ar_articles_2008/0208/aljaf_230208.htm 4) حقوق التركمان التاريخية في كركوك ، مقال منشور على الموقع: http://www.salim-matar.com/PDF/turkman.pdf 5) د.مصطفى جواد، كركوك في التاريخ ، مجلة ميزوبوتاميا، مركز دراسات الامة العراقية، بغداد، العدد5-6 ،2005، ص ص 366-367. 6) كركوك: هل ستكون البوابة لتقسيم العراق؟، مقال منشور بتاريخ 2/3/ 2007 على الموقع: http://almoslim.net/node/85549 7- ارشد الهرمزي ، التركمان والوطن العراقي ، ط3، الدار العربية للموسوعات بيروت ، 2005، ص ص 73-75. 8- اسامة كامل ، كركوك هل ستكون البوابة لتقسيم العراق ، على الموقع : http://almoslim.net/node/85549 http://www.kurdtimes.com/kt-arab/pages/page.dr01.htm-9 10- اسامة كامل ، مصدر سابق . 11- خالد يونس خالد ، اشكالية كركوك في سيمنار مفتوح، ورشة عمل منشورة بتاريخ 5/5/ 2007 على الموقع : http://www.gilgamish.org/viewarticle.php?id=articles-20070505-1694 http://www.egynews.net/wps/portal/!ut/p/c1/04- 12 13- جهاد صالح، كركوك: صراع القوميات، مقال منشور بتاريخ 24/ 8/ 2005، على الموقع: http://www.rojava.net/24.08.2005cihadsalih-kerkuk.htm http://www.egynews.net/wps/portal/!ut/p/c1/04 -14 http://www.kurdtimes.com/kt-arab/pages/page.dr01.htm -15 http://www.aljaml.com/node/27639/prin t-16 http://www.aljaml.com/node/27639/print - 17 18- زيد يحيى المحبشي، كركوك برمودا العراق الجديد، مقال منشور على الموقع http://www.arabvoice.com/modules. http://www.rojava.net/24.08.2005cihadsalih-kerkuk.htm -19 http://www.kerkuk.net -20 مصدر سابق 21- د. خليل اسماعيل محمد، كردية كركوك في ظل الحقائق التاريخية الجغرافية، بحث منشور بتاريخ 11/4/ 2009 على الموقع: http://www.kurdtimes.com/kt-arab/pages/page.dr01.htm http://www.arabvoice.com/modules .-22 23- ليام اندرسن وغاريت ستانسفلد، ازمة كركوك: السياسة الاثنية في النزاع والحلول التوافقية ، ترجمة عبد الاله النعيمي، مركز دراسات عراقية ، بيروت ، ط1، 2009 ، ص121. 24- ارشد الهرمزي، حقيقة الوجود التركماني في العراق، ط، الدار العربية للمخطوطات، بيروت ،2005 ،ص ص 229-23. 25- احمد جويد، كركوك والنوايا الكاملة ، مقال منشور بتاريخ 24 / 4/ 2009،على الموقع : http://www.annabaa.org/nbanews/2009/04/249.htm 26- نص ميثاق كركوك المنشور بتاريخ 5/2/ 2008على الموقع : http://www.egyptiangreens.com/docs/general/index http://www.annabaa.org/nbanews/2009/04/249.htm -27 28- عبد الجليل زيد المرهون ، تركيا وقضية كركوك ، مقال منشور على الموقع : http://www.alriyadh.com/2007/04/13/article241356.html http://www.alhurriatv.com/print.php?page=/articles/13 -29 30- قضية كركوك من الحرب الكلامية الى التهديدات المعلنة ، مقال منشور على موقع شبكة النبا الالكترونية : http://www.annabaa.org/nbanews/62/291.htm http://www.aljaml.com/node/27639/print - 31 http://www.rojava.net/24.08.2005cihadsalih-kerkuk.htm- 32 33- عبد الكريم عبد الله ،الاصابع الايرانية في كركوك ، مقال منشور بتاريخ 1-1-2008 ،على الموقع : http://www.iraq4allnews.dk/index.php http://www.annabaa.org/nbanews/62/291.htm - 34 http://www.yek-dem.com/moxtarat=3-10-2-2007.htm- 35 http://www.annabaa.org/nbanews/62/291.htm -36 http://www.arabvoice.com/modules.php- 37 38- جمال يوسف بوتاني ، كركوك رمز مدن كردستان العراق، بحث منشور على الموقع: http://www.gilgamish.org/viewarticle.php?id=articles-20070505-1694 39- زهير كاظم عبود ، تاجيل قضية كركوك الى متى؟، مقال منشور عل الموقع الالكتروني لجريدة الاتحاد ، بتاريخ 26حزيران 2009، http://www.alitthad.com/paper.php?name=News&file=print&sid=34452 40- صراع الذئاب على بقرة كركوك الحلوب، مقال منشور على موقع الجمل الالكتروني بتاريخ 17/1/2008، http://www.aljaml.com/node/27639/print http://marafea.org/paper.php -41 42- د. عبد الخالق حسين ، حل مشكلة كركوك بين الممكن والمستحيل ، مقال منشور بتاريخ 3/8/2008،على الموقع : http://www.inciraq.com/pages/view_page.php?id=13279 43- قضية كركوك هي العائق الاكبر ، مقال منشور على الموقع : http://iraqalaan.com/bm/Politics/4035.shtml http://marafea.org/paper.php -44 http://www.turkmenadalet.com/preview.php?id=2454 - 45 46- اسعد العزوني ، الاكراد والحخاجة الى مسوغ قانوني للسيطرة على اراضي كركوك ، مقال منشور في صحيفة العرب اليوم بتاريخ 3/7 / 2008، الموقع http://www.al-moharer.net/moh269/azzouni269.htm 47- عادل بن زيد الطرفي ، كركوك لمن ؟مقال منشور في صحيفة "الرياض" السعودية ،بتاريخ 6 /5 / 2008 : http://www.alarabiya.net/views/2008/08/06/54329.html 48- علي مهدي ، الحلول البديلة لقضية كركوك ، مقال منشور على الموقع : http://www.turkmen.nl/1A_soitm/kc-sadeqa.doc 49- قيصر باقر ، خارطة الطريق البياتي لحل قضية كركوك ، مقال منشور بتاريخ 25/11/ 2007، على الموقع : http://www.albadeal.com/modules.php http://www.inciraq.com/pages/view_page.php?id=13279 - 50 51- عبد الرزاق الصافي، كركوك : لغم ام مدينة للتاخي القومي ، مقال منشور على موقع صحيفة الحياة الالكتروني بتاريخ 13/7/ 2005، http://www.yek-dem.com/moxtarat=6-15-7-2005.htm 52- عمار المالكي، صراع الارادات الثلاث، مقال منشور بتاريخ 22/2/ 2009 على الموقع : http://www.theiraqweekly.com/inp/view.asp?ID=2350
التعليقات