مصير الاتفاق النووي بعد قرار ترامب؟

شارك الموضوع :

إن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي لا يمكن أن يحدد مصير الاتفاق أو يلغيه بشكل نهائي؛ لأن الاتفاق اتفاق جماعي بين عدة أطراف دولية ومصادق عليه في مجلس الأمن، لكن على الرغم من ذلك يمكن أن يتوقف مصير الاتفاق على الرؤيتين (الإيرانية والاوروبية)

يعد الاتفاق النووي بين إيران ودول (5+1) الذي تم ابرامه في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما في العام 2015 من أكثر الاتفاقات الدولية أثارةً سواء كان ذلك في مفاوضاته الدبلوماسية قبل الاتفاق أو في سجالاته السياسية التي احدثها على مستوى العالم والمنطقة بعد الاتفاق. إذ مَّثل الاتفاق واحد من النقاط الاساسية التي ركز عليها الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب في دعايته الانتخابية ووصفه بالخطأ التاريخي، متوعداً ناخبيه بالرفض المطلق له في حال تمكن من الوصول إلى البيت الأبيض. وهذا ما تم بالفعل بعد أكثر من عام على إدارة ترامب، إذ أعلن الرئيس الأمريكي يوم الثلاثاء 8ايار/ مايو عن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، ضارباً كل الاتفاقات والاعراف الدولية وأطراف الاتفاق والأمم المتحدة ومجلس الأمن عرض الحائط، ومتسلحاً برؤية فردية حزبية في قراره. ولهذا قد يتسائل البعض عن مصير الاتفاق النووي بعد هذا الانسحاب؟

على الرغم من أن قرار الانسحاب كان متوقعاً، إلا أنه احدث صدمة للمجتمع الدولي وللأطراف الدولية المشاركة فيه، لاسيما للاتحاد الأوروبي ولطهران، فليس من السهل أن تتنصل دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية عن اتفاقاتها مع الدول الاخرى والمنظمات الدولية بهذا الشكل، لاسيما إذا ما عرفنا بأن طهران ملتزمة ببنود الاتفاق (حسب تقديرات وكالة الطاقة الذرية) لكن مع ذلك، فأن هذا الانسحاب لم يبنى على اساس رؤية أمريكية صحيحة ولا على مصلحة أمريكية منفردة، على الرغم من أن الاتفاق كان يمثل رؤية عالمية مشتركة بين أمريكا واوروبا وروسيا، بأن السيطرة على برنامج إيران النووي واحتواءه افضل من الاستمرار بسياسة المناكفات وفرض العقوبات السياسية والاقتصادية، إلا أن قرار ترامب كان يمثل حالة من الارضاء لإسرائيل وللحزب الجمهوري والاطراف المعارضة للاتفاق داخل الإدارة الأمريكية، فضلاً عن ارضاء حلفاء واشنطن التقليدين في الشرق الأوسط؛ ولهذا كانت السعودية والامارات أول المرحبين الدوليين بقرار ترامب. هذا القرار سيعطي واشنطن الذريعة بفرض عقوبات جديدة على طهران، كذلك ستعيد الإدارة الأمريكية العقوبات التي رفعت بموجب الاتفاق او بعض العقوبات التي تم ايقافها على خلفية ابرام الاتفاق، فضلاً عن ذلك، ربما يكون هناك قرار أكثر من فرض العقوبات في حال فكرت طهران باستئناف برنامجها النووي. 

إن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي لا يمكن أن يحدد مصير الاتفاق أو يلغيه بشكل نهائي؛ لأن الاتفاق اتفاق جماعي بين عدة أطراف دولية ومصادق عليه في مجلس الأمن، لكن على الرغم من ذلك يمكن أن يتوقف مصير الاتفاق على الرؤيتين (الإيرانية والاوروبية). فقرار ترامب يمكن أن يلقي بظلاله على العلاقات الأمريكية الأوروبية من خلال مقاطعة الشركات التي تتعاون مع طهران في مجال التسليح وغيرها من المجالات. أوروبا ما تزال متمسكة ببنود الاتفاق، إلا أن هذا التمسك يمكن ان تحدده الرؤية الإيرانية، فإيران سوف تأخذ بنظر الاعتبار الردود الأوروبية بشأن الاتفاق ومدى جديتها في المحافظة على بنوده من خلال دعم التوجهات الإيرانية، بغض النظر عن مشروعها الصاروخي ودورها الإقليمي في المنطقة. وهذا ما جاء في خطاب الرئيس الإيراني حسن روحاني عقب القرار التي اتخذه ترامب، فخطاب روحاني اعطى المرونة اللازمة في المحافظة على الاتفاق في حال اعطى الاوروبيين المساعدة اللازمة في تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية مع إيران بالضد من سياسة الولايات المتحدة والقرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي، لكن هل تكون أوروبا على استعداد في مناهضة أمريكا وسياستها لصالح كسب الاتفاق النووي، لاسيما وأن ترامب اعطى اشارات واضحة بأن هناك عقوبات ستفرض على الشركات التي تتعاون مع إيران؟  

لحد الآن يبدو بان أوروبا تسير في اتجاه المحافظة على الاتفاق النووي، لكن إلى متى يمكن أن يستمر هذا التوافق بين الدول الأوروبية في المحافظة على الاتفاق النووي، لاسيما مع تنامي دور إيران في المنطقة واستمرارها بالمشروع الصاروخي؟ وهل يمكن للولايات المتحدة أن تقنع الدول الأوروبية برفض الاتفاق والسير خلف قرار ترامب؟ كل تلك التكهنات يمكن أن تتحدد من خلال السياسة الإيرانية ومدى التزامها ببنود الاتفاق من عدمها، فإيران ربما تعطي مساحة من الزمن لرؤية تداعيات نقض الاتفاق على الداخل الإيراني ومن ثم النظر في مصير الاتفاق من جانبها؛ لأن التزام أوروبا ببنود الاتفاق ربما لا يرتقي إلى الطموح الإيراني ولا يلبي الرغبة الإيرانية، لاسيما مع تشديد العقوبات على طهران من الجانب الأمريكي أو في حال امتد هذا القرار ليشمل الشركات الأوروبية التي تتعاون مع إيران. 

إذاً هناك رؤية شاملة للاتفاق لا يمكن أن تتحدد خلال الفترة الحالية، ولا يمكن أن تتوقف على طرف دون غيره، وربما أوروبا تريد أن تحافظ على الاتفاق لسنوات عدة ومن ثم النظر في مستقبل الاتفاق بعد انتهى ولاية ترامب في الرئاسة الأمريكية، لاسيما مع الاعتراضات الداخلية التي اعترضت على قرار ترامب على الصعيد الرسمي مثل وزارة الدفاع الأمريكية التي حاولت اقناع الرئيس الامريكي بالمحافظة على الاتفاق، فضلاً عن الاصوات الداخلية في الحزب الديمقراطي التي ارادت المحافظة على الاتفاق النووي أيضاً. ولهذا فأن مصير الاتفاق النووي لا يمكن أن يتحدد خلال الفترة الحالية، وإنما سيتحدد مع مرور الوقت.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية