سوريا: تساؤلات مهمة

شارك الموضوع :

هل تسعى واشنطن حقاً إلى إنهاء الحرب في سوريا -حرب لا يمكن أن تفوز بها- أم أنها ستواصل القتال واحداث خسارة ودمار في بلد لم تدعى الى القتال فيه، والبحث عن تغيير النظام واحداث الفوضى، وعدم الاستقرار، وانتشار القوات الجهادية المتطرفة في المنطقة؟

الكاتب: غراهام فولر

الناشر: مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، نقلا عن لوبي لوغ

ترجمة: هبه عباس محمد علي

 

نفذت إدارة ترامب عشرات الضربات العسكرية ضد سوريا ويزعم أنها تستهدف أماكن إنتاج المواد الكيميائية وتخزينها، وكان المجتمع الدولي يخشى ان تؤدي هذه الضربات الى حدوث حرب علنية في سوريا بين الولايات المتحدة وإيران وروسيا، لكن لم يحدث هذا الامر، اذ كانت الضربات مركزة وحذرة لتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين، لكن على الرغم من هذا لم تؤدي الى تغيير الحقائق.

وهنا يتسائل الكاتب عن المشهد الذي ترسمه هذه الاحداث الاستراتيجية في سوريا؟ اذ تواجه الولايات المتحدة مجموعة ليست بالهينة من اللاعبين كالقوات السورية والمتمردين السوريين والجهاديين من ايديولوجيات مختلفة، فضلا على الإيرانيين والروس والإسرائيليين والأتراك والسعوديين والقطريين والإماراتيين والفصائل الشيعية والأكراد وحزب الله، ولا يزال هذا الصراع الدموي الذي دام سبعة سنوات يطرح الأسئلة المتعلقة بسياسة الولايات المتحدة في سوريا والمنطقة ومن هذه الأسئلة التي يلزم الإجابة عليها: - 

هل تريد الولايات المتحدة حقا انهاء الحرب في سوريا؟  من حيث المبدأ نعم، ولكن بموجب شروط صارمة خاصة بها تدعو إلى إنهاء حكم الأسد والقضاء على السلطة الروسية والإيرانية في سوريا.

وقد تأجج الصراع على السلطة بين نظام الأسد ومجموعة من المتمردين على مدى سبع سنوات عندما واجه نظام الأسد أول اندلاع للتمرد الداخلي عام 2011، لكن لم تؤثر ثورات الربيع العربي على وجوده في السلطة، وكان على استعداد للرد بقسوة في الانتفاضات المبكرة.

في الواقع، لم يرغب السوريين في شن حرب أهلية لأن التكاليف البشرية والمادية ستكون مدمرة، وكان لدى السكان خوف كبير مما قد يحدث بعد هذه الحرب، اذ يوجد عدد من القوى الجهادية المتطرفة ومن المرجح أن يدخل الجهاديين المنتصرين في خضم صراع قوى داخلي فيما بينهم، كالحرب الأهلية التي حدثت بين المجاهدين الأفغان بعد انسحاب القوات السوفيتية عام 1988؛ لم تحقق شيء سوى تدمير البلاد.

ومن خلال الفائدة التي تحققت من عزلة الولايات المتحدة تشبه هذه القضايا لعبة الحرب الالكترونية الى حد كبير، اما الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الحرب فانهم معرضون لمخاطر كبيرة، قد تكون واشنطن مستعدة لخوض حرب في سوريا لكن معظم السوريين غير مستعدين لهذه الحرب وخاصة انها لن تخلف سوى الموت والدمار. 

لقد انتهى الوقت المسموح للتكهنات بشأن مصير الأسد، اذ أوشك الأسد على استعادة سيطرته على جميع انحاء البلاد، وكان للتناقض من جانب العديد من السوريين والانقسامات بين القوات المناوئة للأسد، فضلا على المساعدة الروسية والإيرانية لدمشق نقطة التحول الأخيرة.

ولكن هل يمكن ان تقبل واشنطن امر استعادة سيطرة الأسد على بلاده؟ مهما كانت القضايا المطروحة في سوريا، فقد طلبت الحكومة السورية من روسيا وإيران تقديم المساعدة العسكرية بشكل قانوني لكنها لم تطلب هذا الامر من الولايات المتحدة، ويبدو ان هدف واشنطن منذ وقت طويل هو تغيير الأنظمة في أفغانستان والعراق وليبيا واليمن وربما الصومال.

وهل هناك مبرر أخلاقي لاستمرار القتال في سوريا؟ ام ان الولايات المتحدة ستقبل على مضض انهاء الحرب التي تحتاجها بشكل كبير وتسمح بإعادة الامن وتوفير الغذاء والدواء، ومنح البلاد فرصة إعادة بناء نفسها، يبدو ان الامر واضحا من المنظور الإنساني.

وهذا يطرح التساؤل الثاني، ماهي الحقيقة التي تقاتل من اجلها الولايات المتحدة؟ سعت واشنطن منذ أربعين عام الى إسقاط الأسد "الاب والأبن" باعتبارهم أصحاب قومية علمانية مناهضة للاستعمار القومي ومعارضة لأهداف الولايات المتحدة ورافضة للانضمام الى حدود إسرائيل المتوسعة باستمرار وقمعها للفلسطينيين، وقد تعلمت دول العالم اجمع بان أي دولة لاتقبل بالنظام الذي صممته الولايات المتحدة تصبح "نظام مارق" وبالتالي تفقد أي حقوق سيادية على الساحة الدولية.

وكانت سياسات واشنطن مدفوعة إلى حد كبير بالأجندة الإقليمية الإسرائيلية نفسها، اذ فرضت عليها قبول بقاء الأسد في السلطة لحين تمكن النظام الدولي في نهاية المطاف من صياغة عملية سياسية جديدة توفر حكومة أكثر تمثيلاً هناك.

وعلى الرغم من حديث الولايات المتحدة وسياستها الخارجية عن حقوق الانسان وتحقيق الرفاهية لكن ليس من مصلحتها انهاء الحرب الا بشروطها الخاصة. سوريا ملزمة بان تبقى ساحة للمصالح الاستراتيجية الأمريكية، وسيدفع السوريين ثمن التدخل الروسي والايراني في الشرق الوسط لكن السوريون لا يعيرون اهتماما بهذا الامر.

لكن الحقيقة هي أن واشنطن لم تعد قادرة على تحديد شكل إستراتيجي للشرق الأوسط. لقد انتهت جميع الجهود المبذولة للقيام بذلك على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية بكارثة في كل بلد بما في ذلك الولايات المتحدة.

والحقيقة الأخرى هي ظهور روسيا  كقوة دبلوماسية واستراتيجية في الشرق الأوسط، ولديها تاريخ من الوجود هناك قبل وجود الولايات المتحدة أو حتى بريطانيا،  وحتى في ظل حكم القيصر الروسي كانت روسيا هي الحامي الرسمي للمسيحيين الأرثوذكس الشرقيين في المشرق، وبعد توقف دام قرابة عقدين من سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار النظام الاقتصادي الروسي، عادت روسيا مرة أخرى كلاعب مهم، لن تتغير هذه الحقيقة، كما أن الوجود الروسي في الشرق الأوسط لا يمثل إهانة للمصالح الأمريكية، اذ تتشارك روسيا والولايات المتحدة في العديد من الأهداف المتمثلة بالحاجة إلى الاستقرار الإقليمي، والتدفّق السلمي للطاقة، وقمع الحركات الجهادية العنيفة مثل "داعش" أو تنظيم القاعدة.

واذا اتبع الإيديولوجيون الجدد والمتطرفون "الليبراليون المتعصبون" في واشنطن نهج خاص بهم وتزايدت قوتهم سينصب اهتمام أميركا في الشرق الأوسط على مراقبة روسيا، وهذه ستكون لعبة خاسرة للجانبين، وتم تحقيق هذا الامر من قبل الولايات المتحدة من اجل ادامة الوجود العسكري الأمريكي في سوريا لفترة طويلة، وسوف تستأنف أيران مكانها كلاعب رئيس في الشرق الأوسط لكن ستبقى واشنطن تعتبرها دولة مارقة، وبهذا تعكس تصميم إسرائيل على السيطرة الاستراتيجية على الشرق الأوسط.

ويعود الكاتب ليتسائل هل تشكل إيران" تهديدا طائفيا" كالسعودية؟ ترد إيران على هذا السؤال من خلال القول بانها دولة شيعية تم اتهامها بانها غير شرعية، لا تنظر الى نفسها بالمقام الأول بانها دولة شيعية بل دولة مسلمة هدفها مواصلة منع التدخل الغربي في الشرق الأوسط، ولا يعتقد أن الأنظمة الملكية تمثل موجة المستقبل في الشرق الأوسط.

لذا يبقى السؤال: هل تسعى واشنطن حقاً إلى إنهاء الحرب في سوريا -حرب لا يمكن أن تفوز بها- أم أنها ستواصل القتال واحداث خسارة ودمار في بلد لم تدعى الى القتال فيه، والبحث عن تغيير النظام واحداث الفوضى، وعدم الاستقرار، وانتشار القوات الجهادية المتطرفة في المنطقة؟

وهل سيتم التلاعب بالولايات المتحدة كأداة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية والسعودية المحلية في المنطقة؟

رابط المقال الاصلي:

https://lobelog.com/syria-bottom-line-questions/

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية