إن القضاء الإداري يراقب مدى صحة الأوامر والقرارات الصادرة من السلطة التنفيذية بوصفها الإدارة فيتأكد من إن القرار أو الأمر الإداري قد صدر موافقاً للقانون.
والقضاء الإداري بذلك يعد قضاء مشروعية فهو يضمن بذلك عدم مخالفة الإدارة للقانون عند إصدار قراراتها وهو ما يحقق مبدأ سيادة القانون على كل من الحاكم والمحكوم، غير إن القضاء الإداري وكأي جهة قضائية عليه أن يتقيد بالقانون في عمله أيضاً كما إنه ملزم بإتباع تدرج القواعد القانونية عند قيامه بوظيفته القضائية فإذا تزاحمت أمام القاضي الإداري مجموعة من القواعد القانونية طبق أقواها مرتبة فإذا خالف القانون العادي الدستور وجب عليه إهمال نص القانون العادي وإعمال النص الدستوري وهكذا. غير إن بعض أحكام قضاءنا الإداري تناست أو تجاهلت مبدأ تدرج القواعد القانونية ومن أمثلة ذلك:
أولاً: قضت محكمة القضاء الإداري في الدعوى المرقمة 84/ قضاء إداري/ 2007 بتاريخ 9/12/2007 برد دعوى المدعية (س.ع.ف) لعدم الاختصاص وذلك لأن المادة (38) من قانون وزارة التربية رقم (34) لسنة 1998 المعدل منعت المحاكم من سماع الدعاوى التي تقام على الوزارة أو الدوائر التابعة لها في كل ما يتعلق بالقبول أوالانتقال أو الامتحانات أو العقوبات الانضباطية التي تفرض على التلاميذ والطلاب بسبب الرسوب أو غيره وأعطت للوزارة والدوائر التابعة لها كل حسب اختصاصه حق البت في الشكاوى التي تنشأ عن هذه الأمور، وبما إن المدعية قد اعتبرت راسبة في الدروس جميعها للعام الدراسي 2006 – 2007
بسبب وجود قصاصة ورق في دفترها الامتحاني في مادة الأحياء، لذا كان قرار المحكمة رد الدعوى لعدم الاختصاص وقد لاقى هذا القرار تصديقاً من قبل المحكمة الاتحادية العليا بصفتها محكمة تمييز لأحكام وقرارات محكمة القضاء الإداري.
ثانياً: قضى مجلس الانضباط العام بقراره المرقم 87/2006 المؤرخ في 28/5/2006 برد دعوى المدعي (ع.ع) وذلك لأن الفقرة (2) من المادة (38) من قانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم 40 لسنة 1988 المعدل منعت المحاكم من النظر في دعاوي منح الألقاب والشهادات العلمية والفخرية، وتكون الوزارة والجامعة هي المختصة وحدها بالبت في ذلك، وبما إن المدعي طالب دكتوراه وفي الوقت ذاته قدم طلباً لترويج معاملته للترقية وقد صدر من وزارة التعليم العالي قراراً بالرقم (2820) بتاريخ 7/11/2005 منعت فيه ترويج معاملات الترقية العلمية لطلبة الدكتوراه خلال فترة دراستهم لذا فقد رفع (ع.ع) الدعوى أمام مجلس الانضباط العام مطالباً إلزام المدعى عليهما إضافة لوظيفتهما إكمال إجراءات ترقيته إلى مدرس، فقرر مجلس الانضباط العام رد الدعوى لعدم الاختصاص استناداً إلى نص الفقرة (2) من المادة (38) أعلاه، كما إن القانون رقم 17 لسنة 2005 (قانون إلغاء النصوص القانونية التي تمنع المحاكم من سماع الدعاوى) قد استثنى في المادة (3) منه قوانين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التربية..، من الخضوع لأحكامه.
إن الحكمين أعلاه غير صحيحين بل وغير متفقان وأحكام الدستور وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: لقد نصت المادة (13) من الدستور العراقي لعام 2005 على إن "أولاً – يعد هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق ويكون ملزماً في انحائه كافة وبدون استثناء". ومفهوم النص الدستوري المتقدم إن على سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية التقيد بأحكام هذا الدستور وأن لا تخالفها وإلا كان عملها غير دستوري.
ثانياً: نص الدستور العراقي في المادة (100) على أن "يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من الطعن".
وعلى ذلك فإن جميع النصوص القانونية الموجودة في النظام القانوني العراقي التي تحصن أعمال وقرارات الإدارة من الطعن القضائي ستكون باطلة مستوجبة الإلغاء لتعارضها مع نصوص الدستور فإن لم تلغ توجب على القاضي الامتناع عن تطبيقها وفقاً لقاعدة تدرج النصوص القانونية التي توجب تطبيق النص القانوني الأقوى عند حصول التعارض بين النصوص، ودليلنا في ذلك نص المادة (13/ ثانياً) من دستور العراق لعام 2005 التي قضت بأن "لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ويعد باطلاً كل نص... أخر يتعارض معه" فكل نص قانوني يخالف الدستور يكون باطلاً سواء شرع قبل نفاذ الدستور أم بعده – وهو ما يتفق عليه فقهاء القانون الدستوري ويترتب على ذلك إن نص المادة (38) من قانون وزارة التربية والفقرة (2) من المادة (38) من قانون وزارة التعليم العالي تكونان غير دستوريتين لتعارضهما صراحة مع نص المادة (100) من الدستور، وبالتالي تكون محكمة القضاء الإداري ومجلس الانضباط العام هما المختصتان بالدعاوى السابقة والقول بخلاف ذلك يهدر نص المادة (13) من الدستور.
بل نجد إن نص المادة (3) من القانون رقم 17 لسنة 2005 تعد غير دستورية لعدم اتفاقها ونص المادة (100) من الدستور ولا يمكن القول بأنهما قد أوجدتا باباً للتظلم الإداري وبذلك فهما صحيحتان دستورياً فهذا القول غير صحيح لأن المادة (100) من الدستور جاءت تتحدث عن الطعن القضائي لا التظلم الإداري، والدليل إن المادة (100) جاءت في الفصل الخاص بالسلطة القضائية وهو الفصل الثالث من الباب الثالث المعنون بالسلطات الاتحادية وهذا له دلالة واضحة جداً في بيان إن المقصود بالطعن هو القضائي دون التظلم الإداري.
لذا فلا يجوز للهيئة العامة لمجلس شورى الدولة تصديق قرار مجلس الانضباط بل كان من الأجدر بالهيئة العامة أن تعمل مبدأ تدرج القاعدة القانونية وتنقض قرار مجلس الانضباط العام بعدم اختصاصه بنظر الدعوى، أو إن توقف النظر في الدعوى وتحيل الأمر إلى المحكمة الاتحادية العليا بصفتها محكمة دستورية للبت في مدى دستورية النصوص الواردة في قانون وزارة التعليم العالي ولاسيما المادة (38) والمادة (3) من القانون رقم 17 لسنة 2005. وفقاً للمادة (3) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا كما لا يجوز للمحكمة الاتحادية العليا أن تقع في المأزق ذاته وتصدق قرار محكمة القضاء الإداري المستند إلى نص غير دستوري، لأن المحكمة الاتحادية العليا مهمتها الأساسية صيانة الدستور وإعلاء مبادئه وأحكامه.
اضافةتعليق