العمالة غير المنظمة في العراق

شارك الموضوع :

العمالة غير النظامية أحد أبرز اوجه الاقتصاد غير المنظم، والعراق يعاني كثيرا من عدم وجود قاعدة بيانات متكاملة يمكن تتبع العاملين من خلالها وتوفير الضمانات القانونية والاجتماعية لهم لعدة اسباب اولها التقصير الحكومي واسباب اخرى اقتصادية وثقافية تتعلق بعدم توفر المعرفة الكافية بالاطر القانونية والتنظيمية لسوق العمل في البلاد وعدم إدراك مزاياها، وبالتالي التهرب من الالتزام بها، وهذا له تكاليفه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى الامنية

يعمل معظم العمال في البلدان النامية والبلدان الاقل نموا في وظائف غير رسمية (غير نظامية)، أي في وظائف لا توفر مزايا الاستدامة المالية والضمان الاجتماعي، ولا توفر لهم القدرة والامكانية الكافية لمواجهة المخاطر التي يتعرضون لها مع اسرهم، واهمها توفر الدخل اللازم لتلبية الطلب. وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية لعام 2018 الى ان العمالة غير الرسمية في هذه البلدان تبلغ 63% للرجال و58.1% للنساء. 

وبالنسبة لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا،  يعمل ما يقرب من اثنين من كل ثلاثة عمال، في وظائف غير رسمية. ويعد فهم مسألة "الطابع غير الرسمي" للعمالة ومعالجتها أمرًا بالغ الأهمية مع ابتعاد حكومات المنطقة عن تقديم الدعم الشامل وتوفير الانظمة والقوانين التنظيمية للعمل في القطاع الخاص. وتثير زيادة معدلات الوظائف غير الرسمية العديد من التحديات، منها ما يرتبط بمحدودية الحماية الاجتماعية بسبب عدم حصول قطاع كبير من العمال والأسر على التأمين الاجتماعي، والذي يحد من كفاءة أنظمة الحماية الاجتماعية، وقدرتها على تحقيق المساواة. كما تتركز العمالة غير الرسمية بشكل كبير في الشركات الصغيرة، مما قد يعيق وفورات الحجم والإنتاجية والنمو الاقتصادي. فضلا عن ان الطابع غير الرسمي يعكس تحديات هيكلية أعمق في الاقتصاد، مما يؤدي الى تباطؤ النمو وجعله أقل عدالةً.

في العراق ليس الحال أحسن بل يتجه الى الأسوء في هذا الجانب. فما مر به البلد من حروب وصراعات داخلية طائفية واثنية، وهشاشة الوضع الامني والفساد الذي ابعد مؤسسات الدولة عن تنظيم النشاط الاقتصادي ورسخ الاهتمام الحزبي بالمصالح الفئوية والحزبية والشخصية، وبات الشغل الشاغل للأحزاب والقوى السياسية المتحكمة هو كيفية توظيف السياسات الاقتصادية بما يخدم نهجها التحاصصي والتغانمي للموارد الاقتصادية. 

لازالت اهم مخاطر الاقتصاد العراقي، والذي لا يتم التركيز عليها، هو عدم تنظيم النشاط الاقتصادي في إطار الحياة الاقتصادية ككل. فبيئة الاعمال، زيادة على محدودية جاذبيتها للإعمال والاستثمار من الداخل والخارج، لازالت فوضوية الى حد كبير وتفتقر الى التنظيم رغم وجود توفر نسبي للاطر القانونية الداعمة لتنظيمه. وهذا باب واحد فقط من ابواب الاقتصاد غير المنظم. 

واكد تقرير " تشخيص الاقتصاد غير المنظم في العراق" الصادر عن منظمة العمل الدولية في تشرين الثاني 2021 ان المنشآت الاقتصادية والعمال غير المنظمين ضمن الاقتصاد غير المنظم لم تحظى بالاهتمام الكافي على مستوى وضع السياسات وصناعة القرار. وأبرز العوامل الى ساهمت في ابراز خطورة الاقتصاد غير المنظم هو تذبذب اسعار النفط وتداعيات الاغلاق خلال جائحة كورونا، حيث اظهرت الازمات والمشاكل الاقتصادية الحاجة الى انظمة واجراءات حماية اجتماعية أكثر قوة وفعالية يشمل ذلك التوسع في شمول التأمين الاجتماعي المرتبط بالتشغيل للعمال الذين لم يحصلوا عليه.

بات الانتقال من الاقتصاد غير المنظم الى الاقتصاد المنظم من اهم اهتمامات المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية الدولية، ومنها منظمة العمل الدولية التي وضعت توصيات في هذا الخصوص وطلبت من الدول الاعضاء العمل عليها واخذها بنظر الاهمام في رسم وصنع السياسات الاقتصادية في البلاد.

العمالة غير النظامية أحد أبرز اوجه الاقتصاد غير المنظم، والعراق يعاني كثيرا من عدم وجود قاعدة بيانات متكاملة يمكن تتبع العاملين من خلالها وتوفير الضمانات القانونية والاجتماعية لهم لعدة اسباب اولها التقصير الحكومي واسباب اخرى اقتصادية وثقافية تتعلق بعدم توفر المعرفة الكافية بالاطر القانونية والتنظيمية لسوق العمل في البلاد وعدم إدراك مزاياها، وبالتالي التهرب من الالتزام بها، وهذا له تكاليفه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى الامنية. 

عدم تنظيم القطاع الخاص هو أبرز التحديات التي تواجه عملية الانتقال الى الاقتصاد المنظم، إن جل القطاع الخاص في العراق، والذي يعمل فيه زهاء 40 إلى 50% تقريباً من اليد العاملة، غير منظم. ومتوسط أجور عمال القطاع الخاص وأمنهم الوظيفي ومزاياهم أدنى بالمقارنة مع نظرائهم في القطاع العام، كما أنهم غالباً ما يفتقرون إلى عقود رسمية.

ومن العوائق التي ذكرها التقرير المشار اليه انفا، ثغرات في الإطار القانوني للعمال والمنشآت على صعيد العمل ونطاق تغطية الضمان الاجتماعي وحمايته، والعوائق المتصلة بهيكلية سوق العمل وظروف الاقتصاد الكلي، وقلة وعي العمال والمنشآت بحقوقهم وواجباتهم، وعدم وجود حوافز لدى العمال وأصحاب العمل كي يصبحوا منظمين. ويشير التقرير أيضاً إلى وجود فجوة في البيانات الحديثة والتمثيلية عن سوق العمل واللازمة لإثراء عمليات صنع القرار.

معالجة الأسباب العميقة لهذه التحديات وإيجاد حلول عملية لها تمهد الطريق لمزيد من التنظيم، ما يفضي في نهاية المطاف الى تحسين ظروف عمل ومعيشة العمال وأسرهم. وهذا يعني بالنسبة للعمال توفير فرص عمل وحماية اجتماعية كافية لهم، ما ينطوي على توسيع نطاق التغطية القانونية لتشمل المستبعدين أو غير المشمولين بتغطية كافية وتوفير مستوى كاف من الحماية القانونية لهم. أما بالنسبة لأصحاب العمل فهو يتضمن توسيع نطاق أنظمة العمل والضمان الاجتماعي، فضلاً عن القوانين المتعلقة بالوحدات الاقتصادية وتسجيل المنشآت وامتثالها للشروط القانونية. 

والتقرير المشار اليه انفا، يضع خارطة طريق استراتيجية للانتفال الى الاقتصاد المنظم في العراق ونرى انه من المفيد اعتماده من قبل الحكومة العراقية لتجاوز هذا التحدي الكبير في الاقتصاد العراقي.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية