في الحقيقة لا تزال الضغوطات على اسواق النفط مستمرة وتكبح فرص تحليق الاسعار بشكل مستدام، خصوصا حساسية النفط الصخري لارتفاع الاسعار وانتهاء موسم العواصف الثلجية. وايضا امكانية عودة النفط الايراني الى الاسواق اذا ما تم تفعيل الاتفاق النووي مع طهران. كما ان الهجمات على البنية التحتية النفطية في السعودية لم تعيق معدلات الانتاج النفطي السعودي كما صرحت بذلك المملكة رسميا، مما يرجح انفجار الفقاعة وهبوط الاسعار الى 65 دولار في الايام المقبلة
شهدت اسواق النفط العالمية سلسلة من الارتفاعات بعد عام من الانهيار الكبير الذي خلفه تفشي فايروس كورنا في اذار من العام الماضي حيث وصلت اسعار خام برنت الى دون 20 دولار للبرميل. وقد تجاوز سعر العقود الآجلة لخام برنت، مستوى71 دولاراً للمرة الأولى منذ كانون الثاني 2020، مدفوعا بجملة من العوامل المباشرة وغير المباشرة، والتي يمكن ايجازها بالاتي:
1- استهداف منشآت حيوية لصادرات النفط السعودية في رأس تنورة، وهو الهجوم الثاني عقب هجوم استهدف جدة في الرابع من آذار الجاري، مما ينذر بمزيد من الارتفاع، على المدى القصير، خصوصا مع اضافة علاوة مخاطر على الاسعار اذا ما تزايدت وتيرة الهجمات في المستقبل.
2- قرار مجموعة (أوبك+) تثبيت مستوى الإنتاج، بعد أن اتفقت أوبك وحلفاؤها على إبقاء الإنتاج دون تغيير حتى نهاية نيسان، بسبب هشاشة الطلب العالمي، مع استمرار التخفيض السعودي الطوعي البالغ مليون برميل يوميا حتى نهاية نيسان المقبل.
3- افصاح التقرير الشهري الذي أعدته اللجنة الفنية المشتركة لمجموعة (أوبك+) عن الأداء الإيجابي لمستويات الانتاج، فقد بلغ معدل الامتثال العام لحصص الانتاج (103%) ما يعزز اتجاه الامتثال الكلي ويزيد من مصداقية دول اوبك وحلفائها في ضبط الانتاج بما يحقق التوازن في اسواق النفط العالمية، خصوصا مع نجاح مجموعة (أوبك+) في حجب (2.3) مليار برميل من النفط منذ شهر نيسان 2020 وحتى نهاية كانون الثاني 2021 الامر الذي ساهم في تسريع إعادة توازن اسواق النفط العالمية.
4- اعتماد (أوبك+) استراتيجية شح الانتاج النفطي رغبة في استنزاف فائض المخزونات العالمية المتراكم منذ العام الماضي من النفط الرخيص، عبر الزام العديد من الاقتصادات المتقدمة والصاعدة من السحب من المخزون تحت ضغوط ارتفاع معدلات الاسعار في اسواق النفط العالمية. وقد لوح وزير النفط السعودي صراحة بتلك الاستراتيجية في تعقيبه على مخاوف الهند من ارتفاع الاسعار وتداعياتها على النمو الاقتصادي، داعيا الاخيرة الى السحب من المخزون النفطي الرخيص المتراكم منذ العام 2020.
5-اعتماد مجموعة (أوبك+) آلية الاجتماع بشكل شهري لتؤكد لأسواق النفط أن سياسات الإنتاج قابلة للتعديل وللاستجابة لأساسيات السوق بسرعة ومرونة تامة، مما يزيد من مصداقية المجموعة في ضبط الانتاج النفطي بما يلائم معدلات الطلب المتأرجحة بسبب تداعيات فايروس كورونا.
6- إعلان أرقام التوظيف في الاقتصاد الأميركي لشهر شباط الماضي، والتي جاءت أعلى من توقعات الخبراء. فقد أضاف قطاع الأعمال والشركات الأميركية قرابة (379) ألف فرصة عمل، وهو رقم يفوق بنحو (160) ألف وظيفة عن المتوقع. اضافة الى موافقة مجلس الشيوخ الامريكي على حزمة التحفيز المالي لمواجهة أزمة وباء كورونا بقرابة (1.9) مليار دولار، والتي ستوفر قرابة ستة ملايين فرصة عمل اضافية للأميركيين. وتعتبر هذه الحزمة واحدة من أكبر مشاريع قوانين التحفيز في تاريخ الولايات المتحدة.
7- تغير اتجاه السياسة الامريكية في التعامل مع منظمة اوبك، فقد كانت سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الضغط على (أوبك+) لضخ المزيد من النفط تحاشيا لطفرات سعرية أو خفض المعروض لمنع الأسعار من الانهيار. لكن مع رئاسة جو بايدن، يرى المحللون إن واشنطن ستكون أقل دأبا في مساعيها للتأثير على سياسات أوبك النفطية، كما بينت الوقائع حتى الان.
8- يرى بنك غولدمان ساكس ان استراتيجية إمدادات أوبك ناجعة بسبب عدم توقعها وفجائيتها. فقد كانت السوق تتوقع أن تسمح (أوبك+) بزيادة الإنتاج نظرا لتحسن الاسعار، الا ان الرسالة التي بعثت بها أوبك إلى السوق هي سماح المجموعة بارتفاع الاسعار بشدة، رغم مناشدات عديدة من الصين والهند لتهدئة الاسعار حفاظا على النمو الاقتصادي الهش ودعما لجهود انعاش الاقتصاد العالمي، مما يوحي باستعادة منظمة اوبك لدورها كمنتج مرجح لأسواق النفط.
9- واجه المعروض النفطي، خلال الاسابيع الماضية، ضغوطا انكماشية إضافية تصب في مصلحة اسعار النفط ومنها تعثر عودة الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري إلى مستوياته القياسية التي سجلها سابقا على الرغم من المكاسب السعرية التي حققتها اسواق النفط مؤخرا، فقد افاد تقرير حديث لوكالة الطاقة الأميركية عن انخفاض إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام بأكثر من مليون برميل يوميًا، قرابة (10%) من الانتاج الامريكي، خلال الأسبوع الماضي بسبب عواصف ثلجية اجتاحت الولايات المتحدة. كما تراجعت عمليات التكرير إلى مستويات لم تشهدها الولايات المتحدة منذ العام 2008، مما يساعد على تقليص الإمدادات العالمية مع ارتفاع أسعار النفط.
10-تعافي اسعار النفط بفضل انتعاش توقعات الطلب مع التقدم في توزيع وتطعيم اللقاحات المضادة لفيروس كورونا عالميا، فقد تأثرت الأسعار مع إحراز تقدم في توزيع لقاحات كوفيد-19 في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك في العالم.
هل تستمر الاسعار بالارتفاع؟
يدرك خبراء الطاقة جيدا ان تجاوز اسعار النفط عتبة 70 دولار في الوقت الراهن لا يعبر تماما عن اساسيات اسواق النفط العالمية، خصوصا مع عدم يقين الاسواق تجاه مسار تعافي الاقتصاد العالمي وعودة معدلات الطلب الى مستوياتها السابقة. وفي الحقيقة لا تزال الضغوطات على اسواق النفط مستمرة وتكبح فرص تحليق الاسعار بشكل مستدام، خصوصا حساسية النفط الصخري لارتفاع الاسعار وانتهاء موسم العواصف الثلجية. وايضا امكانية عودة النفط الايراني الى الاسواق اذا ما تم تفعيل الاتفاق النووي مع طهران. كما ان الهجمات على البنية التحتية النفطية في السعودية لم تعيق معدلات الانتاج النفطي السعودي كما صرحت بذلك المملكة رسميا، مما يرجح انفجار الفقاعة وهبوط الاسعار الى 65 دولار في الايام المقبلة، مع تركيز اسواق النفط بشكل مستمر على اتجاهات الاقتصاد العالمي ومعدلات التعافي والتحرر من قيود الاغلاق والحجر الصحي المفروضة بسبب السلالات الجديدة من فيروس كورونا.
اضافةتعليق