فإن مجتمعات البلدان ذات الاقتصادات الضعيفة لا تستطيع تحمُل المزيد من الوقت مما يضطرها لكسر الاجراءات الاحترازية والمجازفة بحياتها من أجل البحث عن العمل وتوفير قوت يومها، وهنا ستدخل هذه المجتمعات في مأزق خطير، لا مثيل له في التأريخ البشري
بصرف النظر عن مدى حقيقة فيروس كورونا، من حيث أسباب ظهوره وهل كان صنيعة صانع لأغراض اقتصادية دولية كما يُشاع أم لم يكُن الأمر كذلك، إن أهميته تكمُن في الآثار السريعة التي أخذت تنتشر كالنار في الهشيم، والتي أصبحت مُهددة للوجود البشري على هذه الأرض.
تفاقم الآثار وترقُب الأزمة
والمُحزن إن هذه الآثار لم تتوقف بعد، لغموض أسباب حدوثه من جانب وعدم إيجاد علاج مُناسب له لحد الآن من جانب آخر، وغياب التكاتف الدولي لتطويقه من جانب ثالث، مما جعل التوقعات متشائمة بشأن مستقبل الاقتصاد ولو على الأمد القصير، فكانت الآثار أكثر تفاقماً في الوقت الحاضر، ورُبما تستمر حتى الأمد المتوسط.
أدى ظهور فيروس كورونا في الصين وانتقاله السريع لإثارة الذعر والهلع لدى الجميع، من حكومات وشعوب، مما دفع بأغلب الحكومات لمنع الحركة داخلياً وخارجياً لتجنب هذا الفيروس وآثاره، خصوصاً وإن علاجه لم يُكتشف بعد، وكانت النتيجة شل الاقتصاد العالمي والإقليمي والوطني وتوقف الأعمال، مما يُنذر بانفجار أزمة تُعاني منها الإنسانية إضافة للأزمات التي كانت تعاني منها مُسبقاً، مما يستلزم اتخاذ ما يُلزم للحيلولة دون وقوع هذه الأزمة.
حل احترازي وليس جذري
إن ما يميز أزمة فيروس كورونا عن الأزمات الأخرى، إنه يؤدي بشكل سريع، إلى تصفية الأرض من الوجود البشري إذا لم يتم العثور على العلاج المناسب في الأمد القصير للقضاء على الفيروس، لأنه في ظل غياب العلاج المناسب سيظل الحل في الحد من التفشي السريع لهذا الفيروس، هو حل احترازي وقائي يتمثل في حظر التجول ومنع الحركة داخلياً وخارجياً، وهذا لم يُعد حلاً جذرياً.
بالنسبة للبلدان ذات الاقتصادات القوية، ستكون أكثر قدرة على تحمُل هذا الحل، الاحترازي الوقائي، وتخطي مدته بسهولة، على اعتبار إن اقتصاداتها كانت أكثر نشاطاً وقوةً قبل حظر التجوال مما يجعلها تملك ما يكفي لمواجهة هذا الحظر. ولم يكُن الأمر كذلك بالنسبة للبلدان ذات الاقتصادات الضعيفة لأنها كانت تعاني بالأساس من ضعف كبير لا بل اقتصاداتها تعتمد على البلدان ذات الاقتصادات القوية في تمويل نفسها مالياً وسلعياً صناعياً وزراعياً.
مأزق خطير
وعلى افتراض إن العلاج المناسب لفيروس كورنا يتطلب المزيد من الوقت، فإن مجتمعات البلدان ذات الاقتصادات الضعيفة لا تستطيع تحمُل المزيد من الوقت مما يضطرها لكسر الاجراءات الاحترازية والمجازفة بحياتها من أجل البحث عن العمل وتوفير قوت يومها، وهنا ستدخل هذه المجتمعات في مأزق خطير، لا مثيل له في التأريخ البشري، مُتمثل في البقاء في المنزل مع الجوع واحتمالية الموت مُقابل الخروج والبحث عن العمل مع احتمالية الإصابة والموت أيضاَ.
وبالتأكيد، إن مجتمعات البلدان ذات الاقتصادات القوية لا تخلو من هذا المأزق الذي تتعرض له مجتمعات الاقتصادات الضعيفة، ولكن هناك فرق شاسع من حيث النسبة والتناسب، أي إن الأغلب من المجتمعات الأولى تستطيع تحمل الإجراءات الاحترازية وتجاوزها مقارنة بالأغلب من المجتمعات الثانية حيث لا تستطيع تجاوزها.
وعند إضافة الأقلية التي ستعاني من هذا المأزق-البقاء في المنزل مع الجوع مُقابل الخروج مع الإصابة-من المجتمعات ذات الاقتصاد القوية إلى ألأغلبية التي تُعاني من ذات المأزق في المجتمعات ذات الاقتصادات الضعيفة، عندها سيكون أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم، ورُبما أكثر، مُهدد بالانقراض بسبب كورنا وغياب الاقتصاد التكافلي.
انتهاك إنساني وأخلاقي صارخ
إن تهديد الوجود البشري، بفعل الأزمات بشكل عام والأزمات الصحية-كأزمة فيروس كورونا-بشكل خاص، بالانقراض يُدلل على غياب التفكير الإنساني الذي يدفع للحفاظ على الإنسان من أي تهديد يعترض وجوده وغياب التفكير الأخلاقي الذي يدفع للالتزام بالقيم والمبادئ ويجعل المال وسيلة لإسعاد الإنسان لا العكس.
إن غياب التفكير الإنساني والأخلاقي، دفع لإزاحة أولوية الإنسان وإحلال المادة محله مما نجم عن هذه الإزاحة والإحلال، تفوق المال على الإنسان والقيم والمبادئ وغياب العدالة الاقتصادية وانعدام الشعور بالآخر، وتوظيف كل ما متاح من موارد لأجل المادة وليس لأجل الإنسان، وهذا بحد ذاته انتهاك إنساني وأخلاقي صارخ.
الاقتصاد التكافلي ضرورة إنسانية وأخلاقية
في ظل وقوع الأزمات وبالخصوص الصحية التي تهدد الوجود البشري بشكل سريع، لا بُد من تجميد العمل وفقاً لمبادئ اقتصاد السوق البحتة القائمة على تعظيم الأرباح والكلفة مُقابل العائد وحياد الدولة ولو ولمدة زمنية معنية، وإحلال محلها الاقتصاد التكافلي بين الاقتصادات والحكومات والأفراد، أي إن الاقتصادات القوية تسهم في انتشال الاقتصادات الضعيفة وكذا الحال بالنسبة للحكومات والأفراد، من الأزمة التي تهدد وجودهم.
وبما إن الاقتصاد التكافلي يسهم في تجاوز الأزمات بشكل عام والأزمة الحالية، انتشار فيروس كورونا، بشكل خاص إذا ما تم تطبيقه بشكل حقيقي من قبل الجميع، سينجم عنه الحفاظ على الوجود الإنساني من أي تهديد يعترض وجوده وتحقيق سعادته بحكم أخلاقي يعتبر المال وسيلة لإسعاد الانسان لا العكس، وبهذا يُعد الاقتصاد التكافلي ضرورة إنسانية وأخلاقية ماسة في الوقت الحاضر.
اضافةتعليق