ان الارقام اعلاه تدفعنا الى سؤال مهم وجوهري عن مصير هذه الاموال لا من حيث أبواب صرفها وتفاصيل انفاقها بل من حيث جدوى هذا الانفاق وانعكاساته على الواقع المعاشي الملموس للمواطن العراقي
اصدر البنك المركزي العراقي يوم الاثنين ٣٠/٧/٢٠١٨ بيان اوضح فيه الايرادات المالية من العملة الاجنبية (الدولار الأمريكي) والتي تسلمها العراق عن طريق بيع النفط في الاسوق العالمية وابواب انفاقها للمدة (2005-2017) حيث شهدت الساحة العراقية نقاشات وتخمينات متواصلة في الفترات الماضية تخص حجم الايرادات الاجنبية وابواب انفاقها وقد اشار البيان ان اجمالي مقبوضات وزارة المالية للاثنا عشر سنة الاخيرة بلغ ٧٠٦،٢٣ مليار دولار انفق منها ٧٠٣،١١ مليار اي مانسبته 99.5٪ من المجموع الكلي.
ان الارقام اعلاه تدفعنا الى سؤال مهم وجوهري عن مصير هذه الاموال لا من حيث أبواب صرفها وتفاصيل انفاقها بل من حيث جدوى هذا الانفاق وانعكاساته على الواقع المعاشي الملموس للمواطن العراقي.
ان مصادر تمويل الخزينة العامة للدولة لا تقتصر على الواردات المتأتية من الريع النفطي بل يضاف اليها عدة مصادر غير نفطية مثل الرسوم والضرائب وايرادات جباية الكهرباء والايرادات المحصلة من ايجار المواقع والبنايات المملوكة للدولة بالإضافة الى العديد من دوائر التمويل الذاتي وغيرها ، مع ملاحظة شحة هذا الجانب من الإيرادات (الغير نفطية) بسبب الطبيعية الريعية للاقتصاد العراقي، ويضاف الى هذه المصادر القيمة الاجمالية للدين العام الخارجي والداخلي و الذي اختلفت الرؤى حول الرقم الحقيقي ولكن سنأخذ تقديرات صندوق النقد الدولي والذي قدره ١٢٢ مليار دولار حتى نهاية عام ٢٠١٧، وللقارئ الكريم تخيل حجم المبلغ المتحقق من جمع الايرادات النفطية وغير النفطية والدين العام كمصادر رئيسية لتمويل الانفاق الحكومي .
ولجعل القراءة اكثر موضوعية فسأستبعد مصادر التمويل غير النفطية واكتفي بالواردات النفطية والدين العام ومن خلال معادلة بسيطة نجمع بها ٧٠٣ مع ١٢٢(يمثلان مجموع ما انفق خلال ١٢ سنة الأخيرة) يكون مجموع الانفاق العام لهذه السنوات 825 مليار دولار، وبقسمة هذا الانفاق على 18 محافظة عراقية يكون الناتج ٤٥،٨ مليار دولار حصة المحافظة العراقية الواحدة خلال 12 سنة (دون حساب عائدات الدوائر والوزارات غير النفطية) مع التذكير ان تكلفة بناء برج خليفة وهو اعلى برج في العالم 1،5 مليار دولار وتكلفة بناء الملعب الوطني في اليابان 2 مليار دولار وهو من اكبر الملاعب في العالم.
الحقيقة انني قد اجد نفسي عاجزاً عن الاجابة عن سؤال ملح وهو ان 45،٨ مليار دولار وهي حصة محافظة واحدة فقط يمكن ان تشكل موازنات لسنوات عديدة لدول كاملة مثل سوريا و الاردن و لبنان وغيرها من الدول كيف عجزت عن بناء محافظة واحدة من محافظاتنا المحطمة ؟؟؟
قد لاتكون هذه الورقة كافية للدخول في تفاصيل الانفاق الحكومي والذي كشفه البنك المركزي ومدى جدية وفاعلية السياسات الاقتصادية والمالية للدولة العراقية وجدوى هذه السياسات وسأترك الخوض فيها بورقة أخرى اكثر بحثاً وعمقاً وسأكتفي برقم 45،٨ مليار لكل محافظة مثلت الانفاق الحكومي على التشغيل والبناء والخدمات في وقت تشهد شوارع المحافظات الجنوبية موجة تظاهرات واحتجاجات تطالب بالعمل وتشكوا تردي الخدمات التي نسمع بها ولا نراها
اضافةتعليق