السيناريوهات المتوقعة لتحقيق الوعود الإصلاحية في العراق

أدت الضغوط الجماهيرية أخيرا إلى تبني النخب السياسية الماسكة للسلطة في العراق خيار الإصلاحات هذا ما فهمة العامة من الناس من تلك الجلسة البرلمانية ليوم الخميس 31مارس / آذار والتي سبقها حراك سياسي محموم بين الكتل السياسية ، وما إن انتهت تلك الجلسة البرلمانية وعاد المعتصمين أدراجها استجابتا إلى تلك الوعود حتى خرجت الكتل البرلمانية في اليوم الثاني رافضة لذلك التغير وان كان يمثل ذلك اليسير من الإصلاحات التي يأملها المواطن ، تلك الخطوة الجماهيرية وكذلك السياسية في مقابلها التي اتخذها مجلس النواب تكشف لنا عدد من الحقائق والوقائع المريرة في واقع العراق السياسي وحتى الشعبي ، الشعبي يكشف لنا إن الجماهير منقسمة على ذاته بين اغلبيه رافضة للفساد في المنظومة السياسية وبين أقلية شأنها وشأن ما تستقر عليه الإحداث من نتائج ما دامت مصالحها الخاصة من وظائف وامتيازات ومواقع أخرى في مأمن بكل الأحوال ، الكتل السياسية من جانبها يبدوا أنها تجيد سيناريوهات التعامل مع غضب الجماهير في الشوارع ، لكنها في المقابل تغفل عن سيناريوهات نهايات الحكومات والمنظومات السياسية التي تعاقبه على حكم العراق منذ بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة وحتى سقوط أخرها في عام 2003 ، تلك النهايات التي كانت دموية لكل من حكم العراق بدون غطاء جماهيري ، لذلك العراقيين تعايشوا مع عقود من الأزمنة في ضل أنظمة حكم لا تمثلهم ، اليوم يبدوا إن الجماهير العراقية هذه تبحث عن ذلك الدور الذي غيبة عنه ذاتيا أو من قبل حكامها في صنع شكل النظام السياسي والشخصيات التي تديره ، هذه الخطوة يبدوا شعلة حراكها اليوم من قبل الجماهير ، لكن كل العادة تقبلها من قبل شخصيات السلطة بصورة سلمية ليس بالأمر اليسير ، ومن المحتمل إن عدم تقبل هذا الامر حتما سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى خطوات تصعيديه أخرى خصوصا وان الجماهير استنفذت كل الخطوات السلمية من اجل تحقيق مطالبها ، لذلك القادم يترقبه الكثير بحذر وخشية ،مطالب الجماهير عند النظر إليها نجد أنها تعبر عن حقوق ومطالب تمثل أسس ومقومات لتعضيد مؤسسة الدولة وإصلاح الانحراف الذي حدث في مسيرتها. الكتل السياسية المكونة للنظام السياسي في العراقي منذ سقوط النظام السابق 2003 والى يومنا هذا رسخت أسس وقواعد دستورية يؤشر على كثير منها في الخلل كذلك اوجد اعرف سياسية لإدارة البلد تكاد تكون قوتها وتطبيقها على ارض الواقع أقوى من تلك القواعد الدستورية ، أيضا يؤشر على تلك الكتل السياسية غيبة بصورة أو أخرى إي بديل عنها للممارسة السياسية بطريقة أو أخرى ، استفادت الكتل السياسية من تأييد الشعب لها وكانت كل كتلة حسب جمهورها وعمقها الجماهيري والديني والقومي والطائفي في ترسيخ تلك القواعد والأعراف واستفادت أيضا من مباركة القوى الدينية لها في بداية ممارستها للسلطة ، كل هذه الوقائع كانت في بادئ الامر إي بعد عام 2003 والى حد تقريبا عام 2008 ، اليوم هي إما مواجه مباشرة مع الشعب ، الشعب اليوم خرج وبعد إن بدأ يلمس عمليا إن تلك القواعد والأعراف لم تحقق ما كان يصبوا إليه خلال هذه المسيرة ، خروج الشعب وضع الكتل السياسية في حرج وأزمة وارتباك حقيقي لان خروج الشعب للشوارع يعني خرج صاحب السلطة الحقيقي ، هنا الكتل السياسي أصبحت لا تجيد الاتهام والمماطلة مع صاحب الشرعية ، القوى الدينية إلى جانب الشعب والمجتمع الدولي والإقليمي لا يستطيع أيضا مؤازرة حكومة وكتل سياسية على حساب جماهير شعب تطالب بحقوق مشروعة ، جماهير الشعب في الشوارع يمكن حصر مطالبها بالاتي : - تعديل بعض مواد الدستور خصوصا تلك التي أسست للتخندق الطائفي والقومي واستبدالها بأخرى تؤسس للتخندق الوطني فقط . - تعديل آليات العمل والقوانين كثير من المؤسسات التي هي في شكلها العام تؤسس للنظام الديمقراطي من حرية وعدالة ومساواة وتداول للسلطة إلا أنها في واقع الحال أثبتت عكس ذلك مثل مؤسسة القضاء والمفوضية المستقلة للانتخابات وقوانين الانتخابات وكذلك المؤسسات الرقابية المالية وغيرها . هذه ابرز مطالب الجماهير فيما يخص الإصلاحات الدستورية والقانونية، أما ما يخص مطالب إصلاح الأعراف والتقاليد السياسية وتقديم الخدمات فهي :- - إلغاء المحاصصة في المناصب السياسية والإدارية التي وصلت إلى ابسط القضايا في إدارة مؤسسات الدولة . - تغير الوجوه السياسية والإدارية المحتكرة لإدارة الدولة منذ 13 عشر عام . - الإصلاح الاقتصادي ومعالجة البطالة وتوجيه موارد الدولة في خدمة الشعب بعيدا عن خدمة الكتل السياسية . - المساواة في الحقوق والواجبات والقضاء على التمايز الطبقي الذي نتج بسب الامتيازات المالية العالية من مخصصات ورواتب لفئة قليلة على حساب كبيرة من موظفي الدولة. هذه المطالب وغيرها كانت هي صوت الجماهير في الشوارع والساحات والتي أسست إلى مشروع شعبي غير ممكن المماطلة من قبل الكتل السياسية في تبديده وبعثرته. سيناريوهات الكتل السياسية في مواجهة هذه المطالب سواء في الاستجابة لها أو في المماطلة بتحقيقها هي: - - سيناريو الاستجابة الإعلامية يتمثل هذا في الاستجابة والتعضيد من قبل الكتل السياسية والحكومية لمطالب الإصلاح وهي جزء من سيناريو امتصاص الغضب الشعبي والمتمثل باللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات والخطابات لكن المواطن بات يعرف نتائجها مسبقا وهي بعيده عن الإصلاح والترجمة على ارض الواقع . - سيناريو تحريك المشاعر الطائفية والتخندقات الحزبية والقومية وغيرها من قبل الكتل السياسية ، هذه الوسيلة أتت أكلها في الكسب الانتخابي سابقا وغير متوقع إن تؤدي دورها في هذه المرحلة ، حيث تقوم كتله أو حزب سياسي معين معينة بتحريك وأثارت الاتهامات لكتلة أخرى أو شخصيات أخرى بدعم الإرهاب أو تمويله أو الارتباط بمشاريع إقليمية أو دولية وبالتالي تستميل الجمهور في الشوارع وتبعده عن مطالب الإصلاح إلى مطالب الدفاع والحشد والدفاع عن النفس كما تقول . - سيناريو استخدام الجمهور المضاد الأموال وامتيازات السلطة في مواجهة الجماهير المطالبة في الإصلاح ، في السابق خرج الجماهير للإصلاح وهذا كان قبل عامين واستخدم في مواجهته وخاصة في ساحة التحرير واستخدم في مواجهته هذا السيناريو حيث عبئ جمهور موازي له واستخدمت الأموال وامتيازات السلطة وقتها في تبديده ، اليوم في مواجهه هذا الجمهور الغفير غير ممكن استخدام جمهور مضاد ولو كان ممكن هناك جمهور مضاد لاستخدم ، يبقي استخدام الأموال وأدوات السلطة وهو غير متوقع إن يؤدي الهدف المرجو منه. - سيناريو التلويح بخطورة الأمني المتمثل في التفجيرات ووجود داعش والحرب عليها ، لوحت الكتل السياسية بخطورة هذا الملف وسوقت المظاهرات والاعتصامات بأنها يمكن إن تؤدي إلى خلل امني تستفيد منه تلك الجماعات هذا السيناريو لم يستجاب له ولم يكن مبرر مقبول للتهدئة لعدد من الأسباب منها : الجمهور المتظاهر والمعتصم هو ذاته المغذي والمزود للمنظومة الأمنية بالعنصر البشري الذي تقاتل الإرهاب ، أيضا هذا الجمهور يعي التحديات ومنظم ومنسق في حراكه إلى حدا ما وغيرها من الأسباب . - سيناريو تغير بعض الوجوه في العملية السياسية والإبقاء على الأسس التي يمكن إن تعيدها وتعيد أمثالها في المستقبل ، أقدمت الحكومة قبل سنه تقريبا إلى تغير ووجوه عدت في وقتها أقطاب مهمة في العملية السياسية مثل نواب رئيس الجمهورية والوزراء إلا إن تلك الخطوة لم تكن كافيه لوقف الغضب الشعبي والمطالب بالإصلاحات الشاملة ، اليوم الكتل السياسي مرتبكة في تطبيق خطوة مماثله لها لان تعلم إن الخطوة طبق في السابق إلا إن المحتمل تطبقها لكنها ربما بصورة أوسع . - سيناريو المماطلة بتغير الأسس والقواعد التي من شئنها تعيد نفس الوجوه أو وجوه مشابه لها ، هذا السيناريو من المحتمل إن يبقى محل صراع وجدل بين الجماهير والكتل السياسية ، مطالب الجماهير في هذا الجانب أكثر وعيا وإصرار والكتل في المقابل تعلم إن تطبيق هذا المطلب سوف يحرمها من قيادة المشهد في إي استحقاق انتخابي قادم . - سيناريو التدخل الخارجي في الإصلاحات، يمكن إن يؤشر في هذا الجانب الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية الامريكي وعلاقتها بالإصلاحات ، بعض التقارير تشير إلى إن رسالة الوزير تصب في إن رؤية الولايات المتحدة تتجسد في الوقت الراهن على توحيد الجهود العراقية من اجل مكافحة الإرهاب وكذلك دعم الولايات المتحدة لبقاء رئيس الوزراء الدكتور حيدر ألعبادي ، وهنا يمكن إن الموقف الامريكي يتماشي مع موقف الكتل السياسية في رؤيتها للإصلاح بعيدا عن رغبة الشعب الهادفة للإصلاح الكلي . إما الموقف الإيراني والمواقف الإقليمي الأخرى فيبدوا إنها إلى اليوم لم يصدر منها ما يدل دعمها لطرف على حساب طرف أخر . في النهاية يمكن إن يؤشر إن مطلب الإصلاح أصبح هدف ومشروع شعبي تقف خلفه الكثير من الشرائح المجتمعية ومن خلفها القوى الدينية، إما على المستوى الحكومي والكتل السياسية فأنها أصبحت واثقة بان إي مماطلة وتسويف في الاستجابة لتلك المطالب لن تدم طويلا في عرقلة تلك المطالب الشعبية، كذلك على المستوى الخارجية نجد إن الكثير من الدول اتخذت جانب الصمت اتجاه ما يحدث في العراق وبعضها ربما استخدم أداة النصح والإرشاد للكتل السياسية في الرضوخ لإرادة الجماهير في الشوارع.
التعليقات