في ظل تفوق الردع الاسرائيلي والذي اثبتته في ضد إيران ولبنان وغزة وسوريا وحاليا في اليمن وانعدام الردع العربي، ينبغي ان يفهم صناع القرار في المنطقة ان المعادلة الاقليمية وتوازنات القوى ليست كالسابق. ولابد من خلق بيئة سياسية ذات قرار اقليمي يكون موحدا نوعا ما تجاه التفوق الاسرائيلي
ظهرت بيانات وتصريحات مختلفة حول تطبيع العلاقات بين اسرائيل والمملكة العربية السعودية كجزء من مجموعة اتفاقيات اوسع بين العربية السعودية والولايات المتحدة الاميركية. وقد اثير مؤخراً الحديث عن اتفاقية امنية بينهما وهي احد المطالب التي تطالب بها السعودية اضافة الى مطالب اخرى تتعلق بالمسألة الفلسطينية. وهذا بدوره يدفع الى الواجهة مرة أخرى مسألة معاهدة دفاع بين إسرائيل والولايات المتحدة، على افتراض أنه سيكون من الصعب على الولايات المتحدة تقديم مثل هذا الضمان الأمني للمملكة العربية السعودية وحدها.
ان معاهدة الدفاع تعبر عن التزام متبادل بأمن دولتين أو أكثر. وقد وقعت اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا والفلبين و31 دولة عضو في حلف شمال الأطلسي معاهدات دفاعية مع الولايات المتحدة، على الرغم من وجود اختلافات كبيرة بينها. وكانت آخر معاهدة ثنائية وقعتها الولايات المتحدة (على النقيض من توسع حلف شمال الأطلسي) مع اليابان في عام 1960. ومنذ ذلك الحين، امتنعت الولايات المتحدة عن تحمل هذا الالتزام الاستراتيجي الأعلى ولم تقدم سوى ضمانات أمنية أكثر محدودية.
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن جوريون يسعى إلى توقيع معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة منذ خمسينيات القرن الماضي. ومنذ ذلك الحين، اعتبر رؤساء الوزراء رابين وبيريز وباراك هذا بمثابة شكل من أشكال التعويض الأمني والسياسي لإسرائيل، في مقابل التنازلات التي قد تنطوي عليها اتفاقيات السلام مع الفلسطينيين أو مع سوريا. كما أثار رئيس الوزراء نتنياهو الفكرة في الانتخابات الإسرائيلية في سبتمبر/أيلول 2019. ومع ذلك، اعترضت المؤسسة الأمنية تقليديا على معاهدة الدفاع.
إن معاهدة الدفاع بين إسرائيل والولايات المتحدة ستقود الى ترسيخ العلاقة رسميا كجزء من استراتيجياتهما الوطنية وضمان طول عمرها. كما إن معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تعزز قدرة الردع لدى إسرائيل ضد منافسيها وتعميق وعيها بالالتزام الأمريكي الطويل الأجل بوجود إسرائيل، وهي الضمانات الضرورية المحتملة في حالة تحول إيران الى دولة نووية وحتى أكثر من ذلك في حالة ظهور الشرق الأوسط مع العديد من الجهات الفاعلة النووية.
يرتكز الرفض الاسرائيلي لعقد معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة في المقام الأول على الخوف من أن تفقد إسرائيل حريتها في العمل، وأن تصبح ملزَمة بالتزام متبادل بمساعدة الولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم ودعم سياستها العالمية، على سبيل المثال، تجاه الصين وروسيا وأوكرانيا. ولكن في الممارسة العملية، فان التعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة عميق بالفعل الى الحد الذي يجعل إسرائيل نادراً ما تتخذ أي إجراءات عسكرية أو سياسية ذات أهمية دون التشاور أولاً مع الولايات المتحدة، والحصول على موافقتها. واليوم تدعم إسرائيل بالفعل السياسة العالمية للولايات المتحدة. وباعتبارها حليفاً رسمياً، فأن وصول إسرائيل الى الأسلحة الأميركية المتقدمة والتقنيات الفريدة من نوعها سوف يكون مضموناً في الأمد البعيد، وبالتالي الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل بمرور الوقت.
عليه، فان المطالب السعودية بإبرام معاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة تصطدم بإشكالية اسرائيل في موضوع الدفاع المشترك والعلاقات القوية بين اسرائيل والولايات المتحدة، ولكنها في الوقت نفسه، ينبغي ان تخلق حافزاً لإسرائيل أيضاً لأن تسعى الى إبرام معاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة كجزء من استراتيجية متماسكة مصممة لمعالجة تحديات المستقبل، وخاصة إيران النووية او ظهور جهات فاعلة نووية اخرى في الشرق الاوسط.
تعاني العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة من ضغوط شديدة، والتي برزت في هذه المرحلة بسبب التأثير المتزايد التآكل الذي تخلفه سياسة إسرائيل تجاه القضية الفلسطينية وحزب الله بعد هجوم 7 تشرين الاول 2023، وبالتالي أن معاهدة الدفاع من شأنها أن تعزز "العلاقة الخاصة" طويلة الأمد بين إسرائيل والولايات المتحدة، والتي تشكل ركيزة أساسية للأمن القومي الإسرائيلي ، وتسهل ضمان الدعم الحزبي لإسرائيل والتزام الإدارات المستقبلية بأمنها بعيدا عن الشروط الآنية او المرحلية وبغض النظر عن التطورات والمتغيرات السياسية والامنية والعسكرية سواء المحيطة بإسرائيل (في الشرق الاوسط) او في الداخل الاميركي. وبعد الظروف الامنية والمتغيرات الاستراتيجية التي عاشتها اسرائيل، بدت مجموعة مبادي تحرص اسرائيل على تضمينها في اية اتفاق امني مع الولايات المتحدة الاميركية، وهي:
1/ خلق بيئة امنية اقليمية استراتيجية في المنطقة – والتي تقودها الولايات المتحدة - تضمن لاسرائيل اندماج اكبر مع دول المنطقة، وطمأنة حلفاء واشنطن الاخرين في المنطقة بعدم تعرض امنهم القومي للخطر اذا ما تراجع التدخل او النفوذ الاميركي في المنطقة، او اذا ما زاد تفوق اسرائيل عسكريا في المستقبل.
2/ إسرائيل لا تحتاج الى معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة للتعامل مع حزب الله وحماس والتهديدات الإرهابية، والولايات المتحدة لا تريد أن تتحمل على عاتقها التزاماً بالتعامل مع هذه التهديدات أيضاً. ولذلك، وللحفاظ على حرية إسرائيل في التصرف في مواجهة هذه التهديدات، وبحيث لا يضطرها ذلك الى الانخراط بشكل مباشر في الحروب العالمية التي تخوضها الولايات المتحدة، فأن محتوى المعاهدة ينبغي أن يقتصر على التهديدات المتطرفة والوجودية في منطقة الشرق الأوسط، تماماً كما تقتصر المعاهدات التي أبرمتها الولايات المتحدة مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا على ساحاتها.
3/ ان المعاهدة لابد وأن ترسخ التزام الولايات المتحدة بالميزة العسكرية النوعية التي تتمتع بها إسرائيل، وأن تعالج قضية المساعدات العسكرية المستقبلية. وتهدف إسرائيل الى أن تضمن الحفاظ على حقوق أطراف المعاهدة في التصرف دفاعاً عن النفس ووفقاً للإجراءات القانونية، كما هو معتاد في هذه المعاهدات، وان تترك المجال أمام بعض الإجراءات المستقلة في حالات استثنائية وفق ما تراه.
4/ مثلها مثل الحلفاء الآخرين، فأن إسرائيل تريد ان تكون حرة في تقرير طبيعة مساهمتها العسكرية في جهود الولايات المتحدة في العالم، إذا لزم الأمر. وسوف تكون المساعدة في مجالات مثل المساعدات الطبية، والدفاع المدني، والدفاع الجوي مناسبة.
5/ تهدف اسرائيل الى تعزيز صناعاتها العسكرية التي تضمن تفوقها في المنطقة، لذلك ينبغي ان تخلق المعاهدة فرصة للتعاون في مجال الصناعات الدفاعية والهجومية، والتعاون في التكنولوجيا العسكرية والامنية المتطورة وان تعزز مكانة إسرائيل في التحالفات التكنولوجية التي تروج لها الولايات المتحدة في العالم.
ازاء هذا التفكير والاهداف الاسرائيلية تجاه المنطقة، وفي ظل تفوق الردع الاسرائيلي والذي اثبتته في ضد إيران ولبنان وغزة وسوريا وحاليا في اليمن وانعدام الردع العربي، ينبغي ان يفهم صناع القرار في المنطقة ان المعادلة الاقليمية وتوازنات القوى ليست كالسابق. ولابد من خلق بيئة سياسية ذات قرار اقليمي يكون موحدا نوعا ما تجاه التفوق الاسرائيلي.
اضافةتعليق