السياحة الحل البديل للنفط في العراق

اصبحت السياحة في الوقت الحاضر من المجالات تحتل موقع الصدارة على المستوى العالمي سواء بالنسبة للبلدان المتقدمة ام النامية وذلك لما لها من دور كبير على المجالات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والثقافية والتكنلوجية، حيث تؤدي الى توفير فرص العمل والدخول وتحسين ميزان المدفوعات وزيادة النمو الاقتصادي والحصول على العملات الاجنبية، كما تؤدي الى زيادة الاهتمام بالمساحات الخضراء التي تؤدي الى زيادة الاوكسجين وامتصاص ثاني اوكسيد الكاربون فضلاً البصمات الجمالية التي تتركها على المنطقة المهتمة بها، كما تؤدي الى تنوع الثقافات وتناقلها ما بين الشعوب، ونقل التكنلوجيا الى البلد الام هذا التناقل يؤدي الى زيادة حجم التجارة على المستوى العالمي. وان ما يؤكد على دور السياحة العالمي هو ان مساهمتها بشكل مباشر وغير مباشر تشكل اكثر من 10% من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي العالمي وكذلك في التكوين الرأسمالي العالمي والايرادات الضريبية. وبما ان العراق هو جزء من هذا العالم وفي ظل انفتاحه على العالم عام 2003 بشكل غير مدروس في اغلب مجالاته وخاصة الانفتاح الاعلامي بأغلب اشكاله وخصوصاً شبكة الانترنيت التي ادت الى زيادة وعي المواطنين بأفضل الدول سياحياً سواء على مستوى الترفيه او العلاج او التعليم …إلخ، هذا ما يترتب عليه زيادة الطلب السياحي من قبل المواطنين المحليين ومن ثم زيادة الطلب على العملات الاجنبية للأغراض السياحية وهذا ما يؤثر سلباً على قيمة العملة المحلية والمستوى العام للأسعار في ظل انخفاض مرونة الجهاز الانتاجي التي تعني عدم قدرة الجهاز الانتاجي على مواجهة الطلب على العملات الاجنبية من خلال زيادة الانتاج والتصدير، فان العراق لا بُد ان يعمل بشكل مماثل على اقل تقدير، اي العمل على مواجهة الطلب على العملات الاجنبية للأغراض السياحية والتقليل من التأثير على العملة المحلية والمستوى العام للأسعار، وذلك من خلال زيادة الاهتمام بالمواقع السياحية بكافة انواعها واشكالها وتوفير البنى التحتية الحديثة والترويج لها خارجياً لزيادة السواح الاجانب، هذا ما يؤدي الى خلق نوع من الموائمة ما بين الطلب السياحي من قبل المواطنين المحليين للسفر نحو الخارج وما بين الطلب السياحي من قبل المواطنين الاجانب للسفر نحو الداخل. لايزال العراق يعتمد على النفط في توفير العملات الاجنبية اللازمة لتمويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية من دون الاهتمام بالجانب السياحي الذي يمكن ان يكون الحل البديل للنفط. لا نقصد بالحل البديل في العراق هو الاهتمام بالقطاع السياحي والغاء القطاع النفطي بقدر ما نقصد إعادة ترتيب الاولويات واعطاء الاولوية للقطاع السياحي على القطاع النفطي، وذلك لما للقطاع السياحي من آثار ايجابية يمكن ان تساهم في حل الكثير من المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد العراقي ، ونحث على اعطاء هذا القطاع الاولوية على القطاع النفطي لان السياحة تعطي ما يعطيه النفط بل واكثر، وخير مثال على ذلك ان الصناعات النفطية بطبيعتها صناعات كثيفة راس المال اي انها تحتاج لمزيد من راس المال لإقامتها، في حين ان الصناعات السياحية هي صناعات تعتمد على الايدي العاملة، هذا ما يدفع الى تقليل البطالة وزيادة الدخول وزيادة الطلب الاستهلاكي والاستثماري…إلخ، وتفعيل الكثير من الانشطة الاقتصادية الاخرى، إذ تتميز السياحة بإثرها المضاعف الناجم عن الرواج والانتعاش في عشرات الصناعات والخدمات والتي يقدرها الاختصاصيون بأكثر من 50 صناعة وخدمة. يمتلك العراق اغلب-ان لم نقُل كل-المقومات المحفزة والمشجعة لإيلاء المزيد من الاهتمام للقطاع السياحي، من مناطق طبيعية متمثلة بالجبال والشلالات والانهار والبحيرات والاودية والاهوار والجزر وغيرها، واخرى اثرية تعود لحضارات مرة عبر المراحل التاريخية كالسومرية والبابلية والاشورية والاكدية وغيرها، وثالثة دينية مسيحية ويهودية واسلامية، فضلاً عن الديانات الاخرى. فاذا ما زاد العراق الاهتمام بهذه المقومات عبر زيادة الاستثمار العام وتشجيع الاستثمار الخاص في هذا القطاع لإنشاء المشاريع السياحية وتأهيل وتوسيع القائم منها، فانه يؤدي الى ايجاد الحلول لكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها. اي زيادة مساهمة السياحة في التطور الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والحضاري في مختلف انحاء العراق. وعلى الرغم من تلك المقومات التي يملكها العراق إلا انه لم يفعلها بالشكل الذي يخدم الاقتصاد والمجتمع العراقيين كما هو الحال بالنسبة للدول العربية على اقل تقدير وليس الاجنبية‼ حيث تشكل السياحة في بلد لا يمتلك المقومات كما متاحة في العراق مثل السعودية ما نسبته 12% من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي، كما تشكل10% من اجمالي الناتج المحلي في لبنان، ويرجع عدم الاهتمام في العقود الماضية وخاصة بعد الحروب المتلاحقة منذ بداية الثمانينات والحصار الاقتصادي خلال عقد التسعينات بل واستمر تدهور هذا القطاع بشكل اكبر بعد عام 2003 حيث تعرضت العديد من المنشآت السياحية الى التدمير او السلب والنهب او الى الاستغلال من قبل القوات الاجنبية وانخفاض عدد الفنادق الى مستويات دنيا لا يتجاوز 590 فندق في عام 2011 بعد ان كان 1900 فندق عام 1990. أضف الى ذلك فان استراتيجية التنمية الوطنية 2005-2007 و 2007-2010 و2010-2014 لم تعطي اهمية تذكر لإعادة تأهيل المنشآت السياحية والثقافية والاثارية حيث ركزت اهتماماتها بما اعتبرته اولوية اولى مرحلياً وبالذات اعادة تأهيل البنى التحتية للقطاع النفطي والطاقة والخدمات الاجتماعية الاساسية التي لم تفلح بما هو مرسوم لها، بسبب الظروف الامنية غير المستقرة والفوضى السياسية واستشراء الفساد في اغلب مفاصل الدولة بما فيها قطاع السياحة وزيادة الاعتماد على النفط في التمويل دون الاهتمام بمسألة التنويع الاقتصادي التي تُعد من أهم المسائل بالنسبة للبلدان الريعية. ومن الانصاف ان نذكر بعض ما تحقق للسياحة حيث ارتفع عدد الشركات السياحية من حوالي 201شركة الى 460شركة عام 2011 وتم افتتاح ثلاث معاهد للسياحة والفندقة في النجف وكربلاء والبصرة لإعداد مؤهلين مهنياً في مجال السياحة، وزيادة اعداد الوافدين للعراق حيث ارتفع عدد الزائرين للسياحة الدينية من 1.5مليون زائر عام 2011 الى 3مليون زائر عام 2016، واسترجاع حوالي 116000 قطعة اثرية مهربة الى الخارج، واعلان تراثية 29 مبنى في مناطق العراق كافة، لكن حتى هذا لم يضاهي ما يمتلكه العراق من المقومات السياحية والاثرية والثقافية ولم يكن بالشكل المطلوب، اذ هناك الكثير من المستلزمات والصناعات المرتبطة بالسياحة الدينية التي ينبغي توفيرها وتفعيلها لزيادة رغبة الاجانب في السياحة من ناحية ولتوفير فرص العمل للمواطنين المحليين من ناحية اخرى. ومما تجدر الاشارة اليه ان العراق لم يذكر ضمن تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الخاص بـ" القدرة التنافسية للسفر والسياحة لعام 2015" . وفي ظل فرضيات ان العراق جزء من العالم ولا بُد ان يتبادل معه سياحياً، ويمتلك المقومات الطبيعية والاثرية والدينية وغيرها، ويعتمد على النفط بالدرجة الاساس، ويعاني من مشاكل كثيرة واهمها البطالة، اصبح من الضروري ان يولي العراق المزيد من الاهتمام للقطاع السياحي لتحفيره وتفعيلة من خلال معالجة التحديات التي تواجه هذا القطاع-اشارت اليها خطة التنمية الوطنية 2013-2017 - والمتمثلة بغياب الاستقرار الامني وشيوع الفساد في هذا القطاع بالإضافة الى محدودية التخصيصات المالية- بل لم تذكر في اغلب الخطط الوطنية- لإعادة تأهيل المشاريع القائمة واعمارها وتأخر تنفيذ المشاريع الجديدة، النقص في الخدمات التكميلية بسبب قلة الاستثمار والانفاق الحكومي في النشاط السياحي، إذ ما زالت البنى التحتية(مطارات، طرق ووسائط النقل، الفنادق والخدمات الترفيهية المرافقة ولاسيما في مناطق الجذب السياحي كالمواقع الاثرية والدينية والمصايف) تعاني من تدني في مستوى الخدمات التي تقدمها، فضلاً عن تخلف الخدمات المصرفية بالمقاييس الدولية والتعقيدات الخاصة بمنح سمة الدخول والفحص الطبي، وتعقد اجراءات استملاك الاراضي لإنشاء المشاريع السياحية، وتدني مستوى الخدمات المقدمة في المنافذ الحدودية، وتدني الوعي السياحي في البلد وانعدام اساليب الترويج والتسويق السياحي، وهجرة الكوادر السياحية المهنية المتدربة وقلة المراكز المهنية لتدريب كوادر بديلة. من اجل تطوير القطاع السياحي واحتلاله موقع الصدارة محل النفط على اعتبار ان السياحة تتداخل مع النفط بعدة صفات واهما اربع صفات ثلاث منها تتميز بها عن النفط وهي النضوب والبطالة والبيئة، وتتشابه معه بواحدة وهي توفير العملات الاجنبية، فغالباً ما يُعبر عن السياحة بالنفط الدائم دلالةً على عدم انتهاءها في وقت معين كما هو حال النفط ، كذلك توفر السياحة العديد من فرص العمل وهذا ما يقلل البطالة في حين النفط يعتمد على راس المال اكثر من الايدي العاملة، ومعروف ان النفط والصناعات المرتبطة به تزيد من تلويث البيئة وهذا مالم يحصل بالنسبة للسياحة بل على العكس تؤدي على تنقية البيئة واضفاء المزيد من الجمالية على البلد المهتم بالسياحة. أما بالنسبة للعملات الاجنبية فبما ان النفط والسياحة لهما علاقة وثيقة مع العالم الخارجي فكلاهما يوفران العملات الاجنبية. يكمن الحل في جانبين: الاول تفعيل دور القطاع العام وتوجيهه نحو السياحة حيث ينبغي اعادة ترتيب الاوليات وجعل القطاع السياحي اولاً ومحاربة الفساد، وتوفير الحماية والامن لكل المواقع السياحية بصرف النظر عن انواعها، والاهتمام بالتشريعات المحفزة للنشاط السياحي كإصدار قانون خاص بالاستثمار في القطاع السياحي، وزيادة التخصيصات المالية له، وتوفير البنى الاساسية للمجتمعات والمدن السياحية، والعمل على تنمية الوعي المجتمعي بأهمية السياحة، والتقليل من التعقيدات الادارية والروتينية، والتوسع في منح الائتمان المصرفي لتمويل المشاريع السياحية . والثاني تعزيز دور القطاع الخاص في الاستثمار السياحي وذلك من خلال توفير مناخ استثماري مناسب يشجع المستثمر الخاص للولوج الى الاستثمارات السياحية، وتطوير الخدمات الخاصة بالنشاط السياحي من ايواء فندقي وادارة وخدمة فندقية كفوءة ومتخصصة، وتوجيه القطاع الخاص نحو اقامة الفنادق والمجمعات السياحية بأحدث الاشكال الهندسية، وتطوير الصناعات الحرفية المرتبطة بالسياحة. ملاحظة/ اغلب الارقام الواردة في المقال مأخوذة من خطة التنمية الوطنية 2010-2014، 2013-2017.
التعليقات