قد يكون قرار الاستفتاء واصرار القيادة الكردية على أجراءه في الوقت المحدد، هو وسيلة ضغط من أجل الحصول على مكاسب سياسية من الحكومة الاتحادية
في الوقت الذي تنشغل فيه الحكومة العراقية بتحرير ما تبقى من الأراضي العراقية الواقعة تحت سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، تزداد الهوة وتتسع دائرة الخلاف بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، ويظهر الخلاف جلياً وبشكل علني بين بغداد وأربيل بعد اصرار القيادة الكردية على اجراء الاستفتاء في موعده المحدد والمقرر في 25 أيلول الجاري، وعلى أثره صوت البرلمان العراقي على اقالة محافظ كركوك نجم الدين كريم، الأمر الذي اعتبرته القيادة الكردية بمثابة أنهاء للشراكة الوطنية بين بغداد وأربيل. وبين التصعيد الداخلي وتزايد التحديات الخارجية يتناسى البعض المخاوف الداخلية التي سيتسبب بها انفصال كردستان عن العراق، فضلاً عن التحديات الخارجية والإقليمية التي ستحاصر إقليم كردستان في حال انفصاله عن الدولة العراقية. وابرز تلك المخاوف والتحديات هي:
• الرفض الشعبي لمشروع الاستقلال، ويتمثل هذا الرفض في المخاوف التي تظهرها العشائر العراقية والأقليات الدينية والقومية كالتركمان والصابئة ومجموعة سهل نينوى بشأن الاستقلال، فضلاً عن ذلك فأن هناك رفض سياسي لمشروع الانفصال.
• الخلاف الكردي – الكردي، إذ لا يوجد توافق سياسي داخل الإقليم على مساعي الاستقلال، وهذا ما ظهر جليا من خلال اعتراض بعض الاحزاب الكردستانية على قرار موضوع الانفصال، لاسيما من قبل الجماعة الإسلامية وحركة التغيير المناهضة لسياسات القيادة الكردية في أربيل والمقاطعة لجلسات برلمان الإقليم.
• المواجهة المسلحة، وتعد هذه النقطة من أبرز المخاوف التي تهدد وحدة العراق والتعايش الاجتماعي. فقرار البرلمان العراقي الذي خُول فيه السيد رئيس الوزراء في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة في الحفاظ على وحدة العراق، يعد تخويلاً عسكريا مطلق في استخدام القوة العسكرية وإعلان حالة الطوارئ، ولعل ما يزيد الأمر تعقيداً، أصرار فصائل الحشد الشعبي على رفض الاستقلال، معلنه بذلك عن استعدادها في الحفاظ على وحدة العراق عسكرياً في حال أصر الكُرد على الانفصال.
• أزمة المناطق المتنازع عليها وما تثيره من مخاوف داخلية. إذ تدور بين بغداد وأربيل خلافات عميقة حول موضوعات عدة، أبرزها المناطق المتنازع عليها والتي تبلغ نحو 14 منطقة، في مقدمتها كركوك، وقد تلقي تلك المخاوف بضلالها على مصير العلاقة بين بغداد وأربيل، وربما قد تفضي إلى مواجهات مسلحة بين القوات الاتحادية وقوات البيشمركة الكردية، لاسيما وأن بعض من تلك المناطق قد اعلنت رفضها لأجراء الاستفتاء مثل ناحية مندلي وغيرها من المناطق.
• مشكلة الشريط الحدودي الرابط بين اقليم كردستان ودول الجوار، وما يظهره من تحديات أمنية مستقبلية، لاسيما مع تواجد عناصر حزب العمال ورفض تركيا وإيران لمشروع الانفصال.
• أزمة حزب العمال الكردستاني وتواجده الدائم على الأراضي العراقية وما يثيره من مشاكل دائمة بين كردستان ودول المجاورة للإقليم.
• انفصال اكراد العراق سيربك الاستقرار السياسي والأمني في كل من تركيا وإيران، لاسيما مع استمرار دعم الولايات المتحدة الأمريكية لقوات سوريا الديمقراطية وتوجهاتها الانفصالية. وربما ستضطر طهران وأنقره على الدفع بقواها العسكرية في اطار تعاملها مع الأزمة الكردية.
• تصاعد المخاوف الداخلية والخارجية من أن مشروع التقسيم قد يكون باب من أبواب عدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة بعد داعش، وقد يساهم في نشر الفوضى والحروب الداخلية، لاسيما مع ما يثيره من مخاوف انفصالية في تركيا وإيران وسوريا.
• استقلال إقليم كردستان وانفصاله عن الحكومة الاتحادية، سيضع الدولة العراقية إمام مستقبل مجهول، وربما سيفتح باب التفكك والانقسام الداخلي، وقد تمتد عدوى التمرد والانفصال إلى باقي محافظات العراق الجنوبية والغربية؛ ولهذا قد تكون حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني صفة ملازمة لمستقبل الدولة العراقية، يكون فيها العراق مقسماً بين النفوذ الدولي والإقليمي.
فضلاً عن ذلك، ربما قد يكون قرار الاستفتاء واصرار القيادة الكردية على أجراءه في الوقت المحدد، هو وسيلة ضغط من أجل الحصول على مكاسب سياسية من الحكومة الاتحادية؛ لأن قبول الكرد وخضوعهم للضغوط الدولية والإقليمية لتأجيل الاستفتاء وجلوسهم للحوار مع حكومة بغداد، لن يمر دون شروط مسبقة. فالقيادة الكردية ستكون مرغمة على تأجيل أو إلغاء الاستفتاء نتيجة للضغط الدولي والإقليمي، لاسيما من قبل واشنطن وأنقره وطهران؛ لأن مستقبل الإقليم لن يتوقف على نتيجة الاستفتاء فقط، وإنما على المساومات الدولية والمواقف العالمية من إعلان دولة كردستان. فالقيادة الكردية مدركة لحجم التحديات الدولية والإقليمية، فضلاً عن التحديات الداخلية في حال اصرت على اجراء الاستفتاء وإعلان الانفصال، وقد تكون الدولة الكردية حبيسة المنطقة الساحلية المغلقة بحريا وبرياً؛ لكونها ستكون منطقة محصورة بين المقاطعة الداخلية والحصار الإقليمي المجاور لكردستان، لاسيما من قبل تركيا وإيران. وبالتالي لن تكون للدولة الكردية استقلالية تامة وستظل في حاجة إلى التعاون مع دول الجوار الرافضة أصلاً لقيامه، وستزداد الحالة الاقتصادية تدهوراً، لاسيما مع التدهور الاقتصادي الحالي؛ لأن ميناء جيهان الممتد عبر الأراضي التركية، سيكون غير متاح في حال اصرت كردستان على الانفصال. ولهذا قد يكون موضوع الاستفتاء مجرد وسيلة ضغط كبيرة على الحكومة الاتحادية من أجل تحقيقها لبعض المكتسبات السياسية والاقتصادية، ومع اقتراب موعد الاستفتاء قد تعلن القيادة الكردية عن تأجيل الاستفتاء مقابل جلوس حكومة بغداد على طاولة الحوار لتُملي بعض شروطها القومية، وقد تدّون هذه المرة الشروط بضمانات دولية. وهذا ما تريده القيادة الكردية وتطمح له من خلال الترويج لمشروع الانفصال وإعلان دولة كردستان. فهل يتفطن صانع القرار العراقي لهذا أم سيكون الكرد على موعد جديد لزيادة مكاسبهم القومية؟
اضافةتعليق