الولايات المتحدة ليست مستعدة للحرب مع كوريا الشمالية

بقلم : اليوت أ. كوهين ELIOT A. COHEN

الناشر:  The Atlantic

ترجمة: وحدة الترجمة في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية. 

 

إذا اردت ان تعرف ضرورة اهتمامك في تخبط الولايات المتحدة في الحرب غير المدروسة في شبه القارة الكورية، خذ في الاعتبار هذه التصريحات الثلاثة:

 سنتعامل مع كوريا الشمالية. سنتعامل مع كوريا الشمالية. سنتعامل معها. سنتعامل مع كل شيء (دونالد ترامب، 31 تموز).

كان الرئيس واضحاً جداً تجاه هذا الأمر. قال انه لن يحتمل تهديد كوريا الشمالية للولايات المتحدة الامريكية. اذا كانت لديهم الاسلحة النووية التي تستطيع تهديد الولايات المتحدة، فإنه أمر غير مقبول من وجهة نظر الرئيس. وهكذا، فإنه بالطبع، يجب تحضير جميع الخيارات للقيام بذلك، ويشمل هذا الخيار العسكري. (الفريق هـ. ر. ماكماستر، 5 آب ).

من الأفضل لكوريا الشمالية عدم القيام بالتهديدات ضد الولايات المتحدة الامريكية. ستتم مقابلتهم بالنار والغضب بشكل لم يره العالم من قبل. ( دونالد ترامب، 8 آب).

 أما تصريحات وزير الخارجية الامريكي ريكس تيلرسون حول عدم عداوة الولايات المتحدة لكوريا الشمالية في 1 آب، او تأكيداته ان الخيار العسكري لم يصل بعد (9 آب)، فإنها لا تعني الكثير، لأن ، موقعه في السياسة الخارجية الامريكية ليس بتلك القوة، واما من ناحية اخرى فإن موقع الرئيس هو المهم، وبالتالي ادى هذا الامر الى تخبط الرسالة الموجهة في ظل ادارة تشوبها الفوضى. 

 عكس التصريح الاول ثقة الرئيس ترامب الهائجة بأن كل مشكلة يجب ان تخضع لجاذبيته – وهي وجهة نظر لم تكن موجودة قبل ستة اشهر من فشله التشريعي.

ويؤكد التصريح الثاني ان الادارة الامريكية قد ايقنت بوجود الاسلحة النووية الكورية الشمالية التي تستطيع الوصول الى  الولايات المتحدة الامريكية – وليس فقط  احتمالات الاستخدام – وهو أمر غير مقبول. وفي نفس المقابلة، تحدث ماكماستر عن الحرب الوقائية – كما تم حساب أمرها- من اجل الهجوم المتعمد.

أما التصريح الثالث فيؤكد ان الامر لا يتعلق بالتصرف وانما بمجرد التهديد الذي قام به الزعيم الكوري الشمالي قد يشعل الحرب.  

 ربما يكون الامر برمته مجرد خدعة.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن الرئيس الامريكي سيسبب جرحاً قاسياَ للسياسة الخارجية الامريكية جراء تهديداته الفارغة.  واذا كان الكلمات الفضفاضة حول النار والغضب مجرد تكتيكات للمفاوضات، فإنها لن تحقق ما ترغب به الولايات المتحدة الامريكية، لأن لكوريا الشمالية لديها جميع الاسباب التي ترغب بها في الحصول على الاسلحة النووية، وبينت قوة عدم الرغبة في الانصياع للتهديدات، حتى من حليفها وشريكها التجاري الكبير وهي الصين التي ترغب في الحصول على هذه الاسلحة. واذا كان الأمر مجرد حيلة، فلا بد ان تفكر الادارة الامريكية في زمن القيام بالحرب الكورية الشمالية الثانية، ويستدعي هذا الامر الى مزيد من التأمل.

 ان وجود كوريا الشمالية باسلحتها النووية هي واقع مخيف – اكثر رعباً في العديد من الامور مقارنة بإمتلاك الروس او الصينيين للأسلحة النووية في الخمسينات والستينيات من القرن الماضي. لقد اثبتت بيونغ يانغ انها ناشر مرعب للتكنولوجيا النووية، فقد شاركت في هجمات اجرامية ضد كوريا الجنوبية ، بضمنها عمليات الاغتيال والهجمة المفاجئة التي ادت الى اغراق سفينة كورية جنوبية.  كما انها من الناحية النفسية معزولة  سياسياً وبالتالي ستكون خاضعة للحسابات الخاطئة.  وقد يكون للبنتاغون الخيار العسكري الذي سيمحي قدرات كوريا الشمالية في ضربة واحدة، بشكل اكبر مما عملت عليه اسرائيل ضد العراق في الهجوم على مفاعل اوزيراك النووي في عام 1981، والمفاعل النووي الكوري الشمالي في سوريا في عام 2007. ومما يمكن تصوره، وهو أقل احتمالاً، ان تؤدي هذه الضربة الى اسقاط النظام، او ، في الحد الادنى، وضعه في حالة مميتة لا تجعله قادراً على القيام بضربات معاكسة موجهة ضد كوريا الجنوبية واليابان او القواعد الامريكية.

ربما يحدث ذلك.

  وبالمقابل يمكن التصور، وهو امر محتمل، ان النتيجة ستكون حرباً وحشية قد تؤدي الى الاطاحة بنظام كوريا الشمالية، ولكن يمكن ان تقتل مئات الالاف، او ربما الملايين، من حلفاء امريكا الاسيويين، والالاف من القوات الامريكية والمساندين لهم. كما ان عاصمة كوريا الجنوبية – سيئول – ستكون ضمن مديات الالاف من اسلحة المدفعية الكورية الشمالية، اضافة الى الاسلحة الكيماوية مع الاسلحة التقليدية الاخرى. وربما تستطيع كور يا الشمالية من تفجير عدد من الاسلحة النووية، ولو انه من المشكوك به ان تقوم بتحميلها على صواريخها.

سيتم دفع ثمن كذبة الرئيس ترامب عندما قام بشرح ضرورة قيام الولايات المتحدة بالشروع في الحرب الاسيوية الثالثة منذ عام 1945.

 ان الحرب الوقائية مليئة بالمشاكل الاخلاقية، حتى بالنسبة للنظام الذي ستتم مهاجمته ، مثل نظام كيم جونغ اون. ان مثل هذا الهجوم قد يقلب موازين العلاقات الدولية في اسيا، وانقلاب كوريا الجنوبية بشكل نهائي ضد الحليف الذي لم يهتم بمصالحها. وقد يؤدى هذا الى التدخل الصيني اذا اعتقدت بكين ان الامريكان يهدفون الى توحيد شبه القارة حسب شروطهم. كما أنه من الممكن اقناع بقية حلفاء الولايات المتحدة الامريكية، الذين تعتمد عليهم اساسا ويشكلون اسنادها القوي على الصعيد الدولي، ان الر ئيس الامريكي اصبح مجنوناً وان النظام السياسي الذي جلبه للحكم نظاماً احمق بشكل خطر.

وستؤدي الحرب الكورية الى انشغال صناع القرار الامريكيين وجهودهم بالقوات المسلحة. وهذا الأمر سيكون رحمة لاعداء الولايات المتحدة الامريكية. ففي الوقت الذي تتعامل فيه الولايات المتحدة مع المشاكل غير المنظورة ونتائج هذا الصراع، من الممكن ان تقوم الصين او روسيا والجهاديين بتحركاتهم بشكل اكثر حرية مقارنة مع السابق. واذا وجدنا في الوقت الحاضر موقف الرد الانعزالي، فكيف سيكون عليه الامر في المغامرة الدموية في شمال شرق اسيا ؟

  كما ان تهديد كوريا الشمالية بالحرب الوقائية يجب النظر اليه بشكل جدي، ويجب ا ن الا تتم مناقشته الا اذا كانت الحكومة  جاهزة للتعامل معه في اقناع الراي العام الامريكي وحلفائها، فضلا عن التحضير الدقيق للعلميات العسكرية المطلوبة.  ويجب التعامل مع الامر بشكل يفوق تعاملات البيت الابيض للرئيس ترامب.

  يبدو ان ادارة الرئيس ترامب لم تأخذه بالحسبان ان نصف الرأي العام الامريكي والأكثر من الرأي العام الاجنبي يعتقدون ان الرئيس الامريكي غير صادق ولا يمكن الوثوق به. وبالتالي ، فإن ادخال البلاد في حرب، في مثل هذه الظروف، سيودي الى مخاطر الانقسام والمعارضة في الداخل وخارج البلاد بشكل اكبر مما حدث في فترة الحرب الفيتنامية. وسيتم دفع ثمن كذب الرئيس ترامب المتكرر عندما سيجلس خلف مكتب القرارات في المكتب البيضاوي ويشرح للأمريكيين سبب قيامه بالحرب الاسيوية الثالثة منذ عام 1945. ولن يصدقه الكثير من الامريكيين، كما ان وزير الدفاع المستقيم جيم ماتيس ومسشار الامن القومي المتشكك ماكماستر لن يكونا اكثر اقناعاً. انها مسالة يقوم بها الرئيس الامريكي لوحده، الذي حقق سمعته بالكذب، وفقا لرأي الكاتب.

  ببساطة، ان الولايات المتحدة الامريكية غير مستعدة للحرب مع كوريا الشمالية، في حالة اهون الشرين. انها غير مستعدة لدبلوماسية فترات الحرب في اقناع الحلفاء الخائفين او الغاضبين، ان لم نقل الصينيين والروس. 

كذلك لا يوجد لدى وزارة الخارجية الامريكية مرشح لمنصب مساعد الوزير لشؤون اسيا والمحيط الهاديء، كما ان الوزير يترأس فريق عمل دبلوماسي هبطت وتضاءلت معنوياته.

قد يكون للعسكرية الامريكية الطائرة التي ستضرب المواقع النووية لكوريا الشمالية دورا، لكنها ايضاً تقاتل في افغانستان والعراق وسوريا، فضلا عن اوربا في تعزيز عمليات الردع هناك. كما عانت القوات المسلحة من تجميد المصروفات اي انها لم تجدد منصاتها العسكرية او الوصول الى التدريب المناسب. ورغم الوعود بقوة رئيس الاركان الجديد الجنرال جون كيلي، فإن التغريدات المجنونة مستمرة اضافة الى التهديدات المتفرقة من ان الحرب ستندلع من رجل يلعب كرة الغولف في وقت الصيف.

 وبعبارة اخرى، قد يتحول هذا الامر الى شكل اكثر سوءاً مما يتصوره مستشاريه القلقين، الذين يعرفون الحرب او يتصورونها (ولكن ليس بالشكل او الصورة الخاصة بهذه الحرب). واذا كان ضجيج الحرب هو لعبة الرئيس ترامب، سيدفع الاخرون الثمن في وقت يستمر فيه هو بلعب كرة الغولف.

رابط المقال الاصلي:

https://goo.gl/6jyghq 

التعليقات