تفجرت حرب الكلمات بين المملكة العربية السعودية وجارتها الغنية بالنفط والغاز لتصل الى الحرب الدبلوماسية، والتهديد بالقتال ضد الدولة الاسلامية الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية والشروع في موجة جديدة من عدم الاستقرار في منطقة الخليج.
هذا ما جرى:
في يوم الاثنين: قامت السعودية وثلاثة من أبرز حلفائها – مصر والامارات العربية المتحدة والبحرين – بقطع علاقاتهم الدبلوماسية مع قطر، اضافة الى تعليق جميع الرحلات الجوية والبرية والبحرية معها. جاءت هذه الخطوة بعدما اتهمت الرياض العاصمة القطرية بإسناد المجاميع الاسلامية المتطرفة، مثل الاخوان المسلمين ودولة الخلافة الاسلامية (داعش).
وبعدها، انضمت كل من ليبيا واليمن وجزر المالديف الى المقاطعة الدبلوماسية.
تعتبر قطر من احدى اغنى الدول على الكرة الارضية، لكنها ستبدأ بالإحساس بالألم لأنها تعتمد على جيرانها في مجالات التجارة والدخول والخروج من المنطقة. وتقوم شبه الجزيرة هذه باستيراداتها من المواد الغذائية من خلال حدودها مع السعودية – التي اغلقت في الوقت الحاضر.
وقد أوردت قناة الجزيرة، المملوكة للدولة، ان شاحنات نقل المواد الغذائية عالقة على الطرف الاخر من الحدود السعودية.
وفي العاصمة القطرية، الدوحة، يحاول المواطنون تخزين المواد الغذائية غير القابلة للتلف، كما اوردها جاسم مطر كنجي، منتج القسم الانكليزي في قناة الجزيرة.
وعادة ما تقف السفن المحملة بالمواد الغذائية المتوجهة الى الدوحة في المدن الكبيرة لدولة الامارات العربية المتحدة -وهي دبي وابو ظبي – وسيبان تأثير المقاطعة الجديد على تحركات هذه السفن.
تزايدت حدة التوترات بين قطر وجيرانها خلال الشهر الماضي بعدما قامت الوكالة القطرية المملوكة للدولة بنشر مقالة استشهدت بها بقول الامير تميم بن حمد آل ثاني في مدح اسرائيل وإيران – أكبر اعداء المملكة العربية السعودية في المنطقة.
وسرعان ما نفت قطر هذه الانباء على انها مختلقة كتبتها مجموعة من قراصنة الكومبيوتر، الا ان السعودية واصدقائها لم يقتنعوا بذلك.
ولكن الشيخ تميم جعل الامور أسوأ من ذلك عندما اتصل – بعد ايام – بالرئيس الايراني حسن روحاني يهنئه على اعادة انتخابه – وهو تحدي واضح لموقف السعودية الصقوري تجاه إيران.
يفسر بعض المراقبين الصدع الذي حدث في الخليج على انه أكبر ازمة دبلوماسية في المنطقة منذ حرب الخليج في عام 1991.
إلا ان النتائج ستكون خارج حدود السياسات الداخلية وتنذر بالخطر على العمليات العسكرية الامريكية في المنطقة. فقطر هي المركز الرئيس المتقدم للقيادة العسكرية المركزية التي تدير جميع العمليات العسكرية في افغانستان والشرق الاوسط، اضافة الى عملياتها العسكرية الجوية ضد الدولة الاسلامية من قاعدة العديد في قطر. وخلاصة الأمر، هناك حوالي 11 ألف جندي امريكي في البلاد.
وكما كتبت صحيفة نيويورك تايمز، من الواضح ان الحملة التي تقودها الولايات المتحدة تشمل الطائرات من الدول التي لها علاقات مع قطر، وبالتالي سيكون من الصعب على تلك الدول زيارة القاعدة الامريكية هناك.
قطر: التحدي الكبير للولايات المتحدة الامريكية
من الامور المزعجة هو الدور الثنائي الذي لعبته قطر تجاه الولايات المتحدة في حربها ضد الراديكالية في الشرق الاوسط.
فمن ناحية، تعرف الولايات المتحدة ان قطر مصدر رئيس لإسناد وتمويل للجهات التي تعتبرها منظمات ارهابية مثل حماس، او المناوئين مثل الاخوان المسلمين.
ولكن، من ناحية اخرى، كانت ترغب بالسماح للبنتاغون تشغيل قواعدها على اراضيها والعمل كوسيط بين واشنطن والمجاميع الاسلامية عبر المنطقة. وللتركيز على أحد الامثلة، ساعدت قطر كوسيط مع طالبان ونجحت في إطلاق سراح العريف بووي بيرغدال.
ويعني هذا ان الادارات الامريكية المتعاقبة كانت ترغب بالعمل مع قطر ايماناً منها ان الايجابيات هي أكثر من السلبيات، بضمنها الاسناد غير الرسمي لجميع الدول في المنطقة لتكون ضمن الحملة التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية ضد الدولة الاسلامية.
ولهذا كان رد الفعل الاول لوزير الخارجية الامريكي ركس تي ليرسون بتصريح للتهدئة والحوار.
"من المؤكد اننا سنشجع الاطراف للجلوس معا وحل هذه الخلافات"، قال تي ليرسون اثناء زيارته لأستراليا.
وأضاف: " إذا كان هناك اي دور نلعبه لمساعدتهم في الحلول، فإننا نعتقد انه من المهم ان يبقى مجلس التعاون الخليجي موحداً".
ويعتبر مجلس التعاون الخليجي النادي الذي يضم دول الخليج، وهي المملكة العربية السعودية، والبحرين، والامارات العربية المتحدة وقطر.
وحاولت السفيرة الامريكية في قطر دانا شل سميث تهدئة الامور بتغريدتها مشيرة الى مواقف الولايات المتحدة السابقة المساندة لقطر في محاربة تمويل الارهاب.
ولكن ما جرى هو قدوم الرئيس الذي جعل جميع الامور معقدة. ففي صباح يوم الثلاثاء أطلق مجموعة من التغريدات مناقضة لتصريحات الدبلوماسيين التي جرت في اليوم السابق. كان يبدو انه يؤيد القرار السعودي، مبيناً ان القرارات كانت نتيجة لتصريحاته حول مكافحة الارهاب. وكما غرد مشيراً الى زيارته الى السعودية قبل اسابيع، "من الرائع رؤية النتائج الجيدة لزيارة المملكة العربية السعودية والاجتماع مع الملك وخمسين دولة". "انهم سيأخذون موقفا متشدداً ضد تمويل التطرف، وتشير الدلالات الى قطر. ربما سيكون هذا بداية نهاية لرعب الارهاب “، كما اضاف الرئيس الامريكي. في محاولته اليائسة في الحصول على كسب السبق في التحرك السعودي وللتظاهر بقدرته على تشكيل الاحداث الدولية، بدا انه يلقي بقطر تحت الحافلة.
ورغم ان الولايات المتحدة الأمريكية لم تخطط لهذا الوضع غير المستقر، بدا الرئيس ترامب انه يساعد السعودية في تحركها، مع الاخذ بنظر الاعتبار انه اثناء خطابه في المملكة العربية السعودية كان، في الواقع، يشير الى "قطر التي تستضيف القيادة المركزية الامريكية باعتبارها شريكا استراتيجيا مهما"، لكن لا يبدو ان الامر كذلك بنظر ترامب في الوقت الحاضر.
كان التوتر بين قطر وجيرانها يغلي منذ فترة، الا ان التحرك السعودي – الذي لم يشمل اية طلبات من قطر – فاجأ المراقبون، مما يثير السؤال التالي: ما الذي جعل الامور تتدهور بهذا الشكل؟
كان أحد الاسباب هو علاقة الشيخ تميم المثيرة للجدل مع مكونات تكرهها السعودية، إيران مثلاً.
ولكن سبب اخر يرتبط بالرئيس الامريكي ترامب، فالدفء الذي رافق علاقته بالدولة وتهجمه على إيران، ساعد السعودية على التحرك، في النهاية، لتكشف عدم ثقتها بقطر.
وهكذا، هناك نوع من الحقيقة في محاولة ترامب الحصول على كسب قصب السبق لهذا التحرك، ولكن يجب ان نعي ان هذه المحاولة لم تكن مقصودة النتائج. لم تكن الحكومة الامريكية او اي فرد في ادارتها كان يتوقع او يرغب بحدوث هذا الأمر، كما ان ردود الفعل كانت واضحة ان ترامب لم يفهم كيف الاصطفاف ضد قطر سيكون ضد المصالح الامريكية.
الرئيس ترامب يعطي الضوء الاخضر للسعودي لتكون أكثر عدائية
بدأت التوترات بالاشتعال في نهاية الشهر الماضي عندما قامت وكالة الانباء القطرية المملوكة للدولة بنشر خبر ان الشيخ تميم قام بتصريحات حول اسرائيل وإيران التي اثارت حفيظة المملكة العربية السعودية. واعتبر ان إيران "قوة اسلامية" ووصف علاقة قطر بإسرائيل على انها "جيدة". هذه التصريحات اثارت القادة السعوديين لأنها اشادت بعدوين رئيسيين للملكة العربية السعودية.
ادعت قطر ان هذا الخبر قد وضع من قبل قراصنة الكترونيين، الا ان السعودية لم تصدق هذا الأمر. وقامت السعودية والامارات العربية المتحدة بإغلاق وسائل الاعلام القطرية، بضمنها قناة الجزيرة، وهاجمت قطر عبر منظماتها الاخبارية التي تديرها المملكة. لم يمنع هذا الصراع الشيخ تميم من القيام بتحرك اخر بعد عدة أيام لإثبات استقلاليته بعيدا عن الخط السعودي، عندما قام بتهنئة الرئيس الايراني حسن روحاني على اعادة انتخابه، رغم معرفته ان هذا الامر سيغضب الرياض. وخلال خبر الاتصال، اورد ان الرئيس روحاني دعا الى "مزيد من التعاون" في المنطقة.
منذ مدة طويلة، اعتبر جيران قطر انها مثيرة للمتاعب وقوة سائبة في المنطقة. فالحكومة القطرية تقوم بتمويل قناة الجزيرة التي تنتقد السعودية، بين فترة واخرى، اضافة الى بقية اقطار الخليج. ويضاف الى انزعاج السعودية والحكومة المصرية الحالية، انها تساند جماعة الاخوان المسلمين من خلال الربيع العربي.
وإذا رجعنا على عام 2014، سنجد ان المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والبحرين قد سحبوا سفرائهم من قطر بسبب اسنادها لهذه الجماعة الاسلامية، ولهذا فان معظم التصريحات التي يعتقد ان الامير قد أطلقها ما هي الا اخر الهجمات عليهم، حسب اعتقادهم.
ورغم ذلك، كانت الحركة السعودية جسورة، يضاف اليها تصريحات الرئيس الامريكي لها وللرئيس المصري عبد الفتاح السيسي جعلت من السعودية تقوم بهذه التحرك الذي لم تستطع القيام به في زمن ادارة الرئيس اوباما السابقة.
حافظ اوباما على درجة من الازدواجية تجاه السعودية، ولم يمنحهم الحرية الكاملة بالقيام بما يريدون، وانما اغضبهم في اتصالاته مع إيران وصفقتها النووية، التي رأت فيها السعودية موقفاً مسانداً لمنافستها في الخليج.
وكذلك اغضب اوباما السعوديين عندما عارض صفقة اسلحة كبيرة قبل ان يغادر منصبه، تعبيراً عن عدم موافقته على تصرفهم في اليمن.
وشعر السعوديون ان اوباما احتقرهم عندما فشل في وقف تشريع يهدف الى مساعدة عائلات ضحايا 11 ايلول لمقاضاة الحكومة السعودية.
وعلى النقيض، مارس الرئيس ترامب سلطته في الضغط على إيران والتهديد بإلغاء الصفقة النووية، كما صادق على صفقة اسلحة مع السعودية بقيمة 110 مليار دولار، وابتدأ اول رحلاته بالتربيت على اكتاف المستبدين في المنطقة ووعدهم انه لن "يعلمهم" كيف يحكمون بلادهم.
وفي ضوء الموقف العدائي الذي اتخذته السعودية، سيبقى الرئيس ترامب نادماً على ما فعله.
كما ان ردود فعل الرئيس ترامب قد تجعل الامور اسوأ، فتغريداته التي توحي ان السعوديين تحركوا بتوجيهاته ستؤدي الى الاضرار بعلاقة الولايات المتحدة مع قطر وتحويل الصراع من صراع قطري-سعودي الى قطري – اميركي.
وإذا حدث مثل هذا الأمر، ستطرح اسئلة كبيرة عما سيحدث للحريات التي ستتمتع بها الولايات المتحدة بوجودها العسكري هناك، وكيف ستلعب قطر دور الوسيط مع المجاميع الاسلامية الذي تحتاجه الولايات المتحدة في سياساتها.
وبالطبع، سيتساءل الكثير من شركاء الولايات المتحدة في الشرق الاوسط: هل سنكون الضحية القادمة التي ستلقى تحت الحافلة؟
رابط المقال الأصلي:
https://www.vox.com/world/2017/6/6/15739606/saudi-arabia-ties-qatar-trump