يعد البعض بأن فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية جاء ليدق المسمار الأخير في نعش الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه في العام 2014 مع الدول الكبرى، لاسيما في ظل الانتقادات الشديدة التي واجهها الاتفاق داخل الكونغرس الأمريكي، والاعتراضات المتكررة من قبل حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط وعلى وجه التحديد (إسرائيل والمملكة العربية السعودية). وهو ما وعد به الرئيس المنتخب من خلال دعايته الانتخابية، إذ توعد "بتفكيك الاتفاق الكارثي -كما اسماه-بين واشنطن وطهران"؛ الأمر الذي دفع الإيرانيين بتذكير الرئيس الأمريكي الجديد بضرورة الالتزام بالاتفاق النووي وبالاتفاقات والتعهدات المتعلقة بالاتفاق المبرم بين طهران ومجموعة (5+1). نبوءات تفكيك الاتفاق النووي من عدمها لا يمكن التكهن بها وبمستقبلها مالم نأخذ بنظر الاعتبار التحديات والمعوقات الداخلية والخارجية التي تواجه ترامب في تفكيك هذا الاتفاق، فضلاً عن التداعيات التي تترتب على عملية التفكيك هذه، والخيارات الأخرى المتاحة أمام الرئيس الجديد.
معوقات تفكيك الاتفاق النووي
أعضاء في مجلس الشيوخ، لاسيما الجمهوريون وبينهم بوب كروكر ‘‘جمهوري من تنيسي وأحد المرشحين لمنصب وزير الخارجية‘‘ ينتقدون بشدة الاتفاق، ويريدون التفاوض مجددًا بشأنه، أو التخلي عنه واللجوء إلى القوة. لكن الصورة لم تتضح بعد بالنسبة لهم. هل أن الكونغرس سيزيد من العقوبات على إيران وهذا ما بدأ واضحاً بعد تمديد الكونغرس الأمريكي العقوبات المفروضة على طهران لمدة 10 سنوات قادمة في الأسبوع الماضي، أم أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستعيد الاتفاق على بعض البنود مع طهران أم ستنسف الاتفاق بشكل كامل؟ وهذا ما سيضع الإدارة الأمريكية الجديدة أمام تحديات حقيقية منها:
• الاتفاق النووي، اتفاق دولي مشترك بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (بما فيها أميركا) بالإضافة إلى ألمانيا، وليس اتفاق ثنائي بين واشنطن وطهران، وأن مجلس الأمن الدولي صادق على هذا الاتفاق. أي أن عملية تعديل أو تفكيك الاتفاق النووي يتطلب التوافق بين هده الاطراف، وأن تفكيك الاتفاق من قبل الرئيس الأمريكي بمفرده، يعني تعكير صفوة العلاقات الأمريكية مع هذه الدول، مما يضع الولايات المتحدة الأمريكية بموضع المسؤولية عن انهيار الاتفاق.
• على الرئيس ترامب أن يذهب إلى مجلس الأمن الدولي بعد تخطيه الكونغرس الأمريكي كخطوة أولى؛ لأقناع أطراف الاتفاق الآخرين بالتوافق على اجراء تعديلات أو تغيرات أو أضافات على بنود الاتفاق. وهي خطوة تبدو أكثر صعوبة من خطوة الكونغرس، وصعوبتها تبدو مع الرفض أو القبول؛ لأنها ستحمل تداعيات سياسية بين أطراف الاتفاق.
• عدم وضوح موقف الرئيس المنتخب من الاتفاق النووي بشكل عام. هل أنه يريد رفض الاتفاق بالمجمل أم تفكيك الاتفاق كما أعلن أم تعديل بعض بنوده؟ ولم يحدد ترامب موقفه من الاتفاق بعد فوزه بالانتخابات، وكذلك لم يحدد بعد بنود الاتفاق التي يرى فيها الخلل أو القصور. فضلاً عن عدم تحديد الخروقات والانتهاكات الإيرانية لبنود الاتفاق من قبل ترامب وفريقه.
• الصورة الضبابية التي تحيط بالرئيس الأمريكي المنتخب حول المواجهة المرتقبة مع إيران، وعدم وضوح الرؤية الترامبية بعد رفض الاتفاق. هل هو تمديد العقوبات وفرض عقوبات جديدة على طهران؟، وبهذا ستكون طهران قد استأنفت برنامجها النووي، لاسيما وأن تجربة العقوبات السابقة لم تنفع بشكل كبير مع دوافع ورغبة طهران الحقيقية في انتاج القنبلة الذرية، أم أن ترامب سيختار المواجهة العسكرية ضد إيران؟ وهذا مالا يريده ترامب والإدارة الأمريكية بشكل عام، فضلاً عن موقف أطراف الاتفاق النووي سواء بالنسبة للروس الحليف التقليدي للنظام الإيراني أم الدول دائمة العضوية في مجلس الامن وألمانيا، التي ستضع أميركا والإدارة الأمريكية في موقع المسؤولية في حال فشل الاتفاق النووي، فضلاً عن حساسية المنطقة التي لا تحتمل حرب عسكرية جديدة.
تداعيات نقض الاتفاق
• نقض الاتفاق النووي من قبل الرئيس الأمريكي قد يزيد شرعية إيران في الساحة الدولة ويزعزع الإرادة الأمريكية، لاسيما مع أطراف الاتفاق النووي؛ لأن نقض الاتفاق سيقود إلى نقض شرعية العقوبات الدولية المفروضة على طهران وبالتالي فأن كثير من الدول سترفع هذه العقوبات، لاسيما وأن نقض الاتفاق سيضع طهران في موضع الدفاع وسيضع أميركا في قفص الاتهام.
• ستعيد طهران استئناف برامجها النووي.
• لم يعد بمقدور الولايات المتحدة أن تستخدم العقوبات السياسية والحصار الاقتصادي بقوة ضد إيران كما كان في السابق.
• تراجع التأثير الأمريكي في مجمل العلاقات الدولية في حال نقض الاتفاق من الجانب الأمريكي، لاسيما في ظل طروحات ترامب السياسية ورغبته في فك الشراكة مع حلف شمال الأطلسي ورفضه لسياسات العولمة الاقتصادية، فضلاً عن رغبته في الانقلاب على بعض حلفاء أميركا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكذلك حلفائها الأسيويين الذين اتهمهم ترامب "بالتطفل على قوة أميركا".
• تراجع الصورة الأمريكية داخل المجتمع الإيراني التي ازدادت وتحسنت بعد أبرام الاتفاق النووي، وأن فقدان هذه الصورة سيّرجح التيارات السياسية الإيرانية المتشددة -التي رفضت الاتفاق النووي-منذ البداية على حساب تيار الاعتدال السياسي المفاوض والمتمثل بالرئيس الإيراني (حسن روحاني) ووزير خارجيته (محمد جواد ظريف) والذين كانوا مرجحين بالنسبة للإدارة الأمريكية الديمقراطية.
• احتمالية المواجهة العسكرية مع إيران، وهذا الخيار لا يخدم الطرفين، لاسيما في ظل تنامي دور إيران في المنطقة وإصرارها على المضي قدماً في برنامجها النووي، فضلاً عن شرعية موقفها الدولي في الدفاع عن نفسها بعد نقض الاتفاق.
• اهتزاز وضعف الصورة الأمريكية أمام المجتمع الدولي والدول الكبرى والأوروبية بشكل عام، لاسيما أمام الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن. مما سيّعرض العلاقات الأمريكية-الأوروبية إلى خطر حقيقي غير مسبوق.
خيارات أخرى أمام ترامب
في ظل الخبرة السياسية الضعيفة للرئيس الأمريكي المنتخب، وبالرغم من تعهداته الانتخابية التي توعد بها بتفكيك الاتفاق النووي الإيراني، ومحدودية خيارات الرئيس الأمريكي في التعامل مع الاتفاق النووي، إلا أن هناك جهات أخرى سيستمع لها الرئيس ترامب بخصوص هذا الاتفاق من غير اولئك الذين تولوا مناصب في الامن القومي الأمريكي ‘‘مستشارية الامن القومي‘‘والذين يعادون إيران بشدة وكانوا من المعارضين للاتفاق النووي؛ لأن عند اتخاذ القرار وتطبيق السياسات قد يكون الأمر أكثر واقعية بالنسبة للرئيس. وقد يكون ترامب أكثر واقعية بشأن الاتفاق النووي وسيستمع للمؤسسات الأمريكية أكثر من ‘‘الصقور‘‘ (المعروفين بتشددهم اتجاه الاتفاق النووي وإيران بشكل عام)، لاسيما مع تصاعد المخاوف الدولية على مستقبل الاتفاق النووي. وأن هناك طريقة أفضل لترامب في التعامل مع الاتفاق، تقضي بتطبيق الاتفاق النووي بصرامة كبيرة وتشدد عالي؛ لأن إيران خرقت الاتفاق من قبل سواء بإطلاقها لصواريخ بالستية أو خروقات صغيرة أخرى او تلك الخروقات التي تزعزع الامن في المنطقة، حتى وأن كانت تلك الاتفاقات لم يتضمنها الاتفاق النووي. وربما قد يكون خيار التفاوض مع إيران حول دورها في المنطقة وقضايا خارج الاتفاق النووي مطروحاً أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، ‘‘خيارات‘‘من شانها أن تكبل إيران وسياستها الخارجية، وعلى الرغم من صعوبة هذا الأمر، إلا أنه أمر وارد، لاسيما إذا ما اراد ترامب تجنب التحديات والمعوقات التي تترتب على نقض الاتفاق النووي الإيراني من الجانب الأمريكي. وقد يكون التقارب الروسي الأمريكي وموضوع الحرب على "داعش" مدخل آخر للحفاظ على الاتفاق النووي.
إذاً، لا يمكن للرئيس الأمريكي المنتخب أن يستمع لطروحاته الشخصية أو تياره السياسي فقط دون الاستماع للمؤسسات الأمريكية الأخرى فيما يخص الاتفاق النووي، وأن الإدارة الأمريكية الجديدة حريصة على مصلحة الولايات المتحدة وامنها القومي، وستأخذ كل المعوقات والتحديات السياسية المتعلقة بنقض الاتفاق بنظر الاعتبار، وبالتالي لا يمكنها أن تتفرد بالقرار السياسي والعسكري حول مستقبل الاتفاق النووي. فهناك جهات عديدة سيستمع لها ترامب بخصوص الاتفاق، وقد يكون الرئيس الجديد مجبراً على الاستماع لها، لاسيما في ظل التحديات والمعوقات التي تواجهه في حالة نقض الاتفاق النووي بشكل احادي.