في تخلي الدولة عن الدور الاقتصادي الذي كان سائداً قبل 2003 وعدم قدرة القطاع الخاص على إدارة الاقتصاد بشكل انفرادي ومفاجئ، يبقى الحل الأمثل والأفضل، هو الشراكة ما بين الدولة والقطاع الخاص، خصوصاً في المرحلة الراهنة، لتلافي التعثر وتيسير التحول
واجه التحول الجديد في العراق على المستوى السياسي والاقتصادي وبالخصوص الأخير، تعثراً واضحاً، مما نجم عنه تشوه أداء الاقتصاد، يتطلب إيجاد طريقة استراتيجية لأنقاذ التحول من التعثر لسلامة أداء الاقتصاد.
تعثر التحول السياسي
فعلى المستوى السياسي، كان العراق يتبع نظام الحزب الواحد والانفراد بالقرار اتخاذاً وتنفيذاً دون أية مناقشة ومداولة مع المواطنين فضلاً عن المسائلة والمحاسبة والمعاقبة، ثم تبنى نظام آخر ألا وهو النظام الديمقراطي القائم على إن الشعب هو مصدر السلطات ولا يمكن اتخاذ القرارات بشكل انفرادي والمسؤول خاضع للمساءلة والمحاسبة والمعاقبة مقابل تقصيره في أداء مهامه.
يبدو من خلال بعض أصحاب الاختصاص، إن التحول السياسي في العراق لم يكُن تحولاً سليماً، إذ كان يُفترض قبل إجراء التحول تحقق مجموعة من الشروط المجتمعية والسياسية المسبقة، كسيادة حكم القانون واستقرار مؤسسات الدولة الوطنية وحياديتها وعوامل أخرى قانونية واقتصادية واجتماعية . وكنتيجة لغياب هذه الشروط تعثر التحول السياسي الذي أسهم في تعثر التحول الاقتصادي، ويعتقد الكثير إنه السبب الرئيس وراء تعثر التحول الاقتصادي.
تعثر التحول الاقتصادي
أتجه العراق بعد عام 2003 نحو تبني اقتصاد السوق كنظام لإدارة الاقتصاد العراقي ولكن في الواقع تشير المعطيات إلى شكلية هذا التبني وتعثر التحول الاقتصادي بفعل إشكالات عملية التحول، فآلت النتيجة إلى إفرازات غير مرغوبة.
المعطيات
ومن أبرز المعطيات التي تؤكد شكلية التبني وتعثر التحول الاقتصادي هي :
أولاً: ملكية الدولة لمعظم وسائل الإنتاج واهما الأرض وثرواتها، حيث تملك ما يزيد عن ٨٠ % من الأراضي وان المتبقي منها ٢٠ % مملوكة من قبل الأهالي ومعظمها من الأراضي السكنية.
ثانياً: كما إنها لاتزال تمارس دور كبير في النشاط الاقتصادي بفعل هيمنتها على القطاع النفطي الذي يشكل أكثر من 56 % في الناتج المحلي وأكثر من 90% في المالية العامة والتجارة الخارجية. حسب هيئة الاستثمار الوطنية.
ثالثاً: امتلاك الدولة الكثير من المصانع وتوقفها عن العمل واستمرار دفع الرواتب لموظفيها وخير ما يدل على ذلك هو ارتفاع النفقات الجارية وبالخصوص تعويضات الموظفين التي تتجاوز 43% من الإنفاق الجاري كما في موازنة 2019.
رابعاً: لاتزال مساهمة القطاع العام في التكوين الرأسمالي أكبر من القطاع الخاص، حيث بلغت مساهمته بحدود 65.3% مقابل 34.7% للقطاع الخاص عام 2015، حسب هيئة الاستثمار الوطنية.
الإشكالات
وتجب الإشارة إلى أبرز الإشكالات التي أفضت لتعثر التحول الاقتصادي من خلال الآتي :
اولاً: التحول المزدوج (سياسياً واقتصادياً) والمفاجئ وليس التدريجي مما تسبب في تضخم الجرعة التي تلقاها المجتمع العراقي.
ثانياً: غياب التحول الاجتماعي الذي ينبغي أن يسبق التحول السياسي والاقتصادي لان هذين الأخيرين قائمان على المجتمع بالأساس.
ثالثاً: ضعف المؤسسات مما نجم عنه شيوع الفساد وسوء مناخ الاستثمار وتذبذب الاستقرار العام أخيراً فأحجم القطاع الخاص عن ممارسة النشاط الاقتصادي.
رابعاً: تخلف الجهاز المصرفي عن ممارسة وظيفته الأساسية المتمثلة في تعبئة المدخرات وإقراضها للمستثمرين في القطاع الخاص.
المآلات
أدت الإشكالات السابقة إلى تعثر التحول الاقتصادي مما نجم عن هذا الآخير مجموعة مآلات يمكن تحديد أبرزها بالآتي:
أولاً: تفاقم البطالة، تعددت النسب بخصوص معدل البطالة حسب مصادرها ولكنها بشكل عام تتراوح من 10% من قوة العمل حسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة إلى 40% حسب صندوق النقد الدولي.
ثانياً: تذبذب النمو الاقتصادي، بما إن العراق لايزال يعتمد على النفط بشكل رئيس مع إهمال التنويع الاقتصادي ظل وسيظل النمو الاقتصادي متذبذباً مع تذبذب أسعار النفط.
ثالثاً: انخفاض الاحتياطي الأجنبي من 77.8 مليار دولار عام 2013 إلى 39 مليار دولار عام 2018.
رابعاً: ضخامة حجم الاكتناز الذي بلغ أكثر من 77% من العملة المصدرة خارج البنك المركزي العراقي، وهذا ما يعني حرمان الاقتصاد العراقي من هذه العملة.
خامساً: هجرة رؤوس الأموال العراقية إلى خارج البلد والتي تقدر بعشرات بل مئات المليارات من الدولارات، كنتيجة لسوء مناخ الاستثمار وشيوع الفساد.
سادساً: تدهور البنى التحتية بشكل كبير حتى شكلت نسبة محرومية الأسر منها 58% في عام 2010، فكيف ستكون بعد صدمة النفط والإرهاب عام 2014 بالتزامن مع ارتفاع النمو السكان الذي يقدر من بين أعلى المعدلات عالمياً؟
سابعاً: بلغ حجم الدين الخارجي 67 مليار دولار عام 2016 وبنسبة 49% من حجم الناتج المحلي الإجمالي. حسب وزارة المالية بالاعتماد على صندوق النقد الدولي.
الشراكة إنقاذ للتحول الاقتصادي
بعد إن تم تشخيص تعثر التحول الاقتصادي في العراق من حيث المعطيات والإشكالات والمآلات، أصبح من الضروري وضع خطة لإنقاذ التحول الاقتصادي من هذا التعثر ومعالجة الإشكالات والمآلات الناجمة عنه.
التخلي عن الدولة
على الرغم من تعثر الدولة في الانسحاب من الاقتصاد بعد عام 2003 كما اتضح من خلال المعطيات، إلا إنها بشكل عام تتجه نحو التخلي عن الدور الكبير، الذي كان سائداً قبل عام 2003، فيصبح من العبث الرجوع لدورها السابق، كآلية لتصحيح التعثر الاقتصادي بعد اكتشافه، لان سلوك كهذا يدلل على غياب الرؤية وسيادة الفوضى وضياع المستقبل والدوران في حلقة مفرغة.
عجز انفرادية القطاع الخاص
إن القطاع الخاص وخصوصاً الوطني لا يستطيع إدارة الاقتصاد بشكل انفرادية ومفاجئ، في الوقت الراهن، لأسباب ذاتية، حيث لا يوجد قطاع خاص ذو تاريخ عريق بحكم استمرار سيطرة الدولة على الاقتصاد لمدة طويلة من الزمن فلم تتوفر الفرص الكافية لبناء قطاع خاص قوي ومؤهل لإدارة دفة الاقتصاد العراقي.
وأسباب موضوعية، تتمثل سوء المناخ الاستثماري الناجم عن عوامل عديدة، سياسية واجتماعية ومؤسسية ودينية وغيرها، تحالفت وتراكمت فيما بينها لتنشئ بيئة استثمارية غير جاذبة بل طاردة للاستثمار الخاص المحلي فضلاً عن الاستثمار الأجنبي.
الحل الأمثل هو الشراكة
وعليه، وفي تخلي الدولة عن الدور الاقتصادي الذي كان سائداً قبل 2003 وعدم قدرة القطاع الخاص على إدارة الاقتصاد بشكل انفرادي ومفاجئ، يبقى الحل الأمثل والأفضل، هو الشراكة ما بين الدولة والقطاع الخاص، خصوصاً في المرحلة الراهنة، لتلافي التعثر وتيسير التحول.
حيث تتضمن الشراكة الكثير من المزايا التي ستنعكس على الواقع الاقتصادي وخلال مدة وجيزة مقارنةً بترك القطاع الخاص لبناء ذاته بشكل مستقل وكامل من البداية إلى النهاية، حيث تسهم الشراكة في زيادة النمو الاقتصادي، التخفيف من أعباء المالية العامة، الحد من تفاقم البطالة، تلبية الطلب المحلي وتقليص حجم الاستيراد وغيرها من المزايا.
لم تعد الشراكة كخيار فحسب بل أصبحت مسالة ضرورية وملحة خصوصاً في المرحلة الراهنة لاعتبارات عديدة أهما إنها مرحلة غامضة وغير واضحة المعالم أمام القطاع الخاص، التخلص من الإفرازات الناجمة عن التعثر، تيسير عملية التحول الاقتصادي، بناء القطاع الخاص وتنميته وتقويته ليستلم الاقتصاد فيما بعد.
على أن تبقى مسألة الإشراف والرقابة من مهام الدولة لضمان عدم انفلات القطاع الخاص عن المسار الصحيح، إذ إن بناء القطاع الخاص وزيادة قوته قد تؤدي إلى الإضرار بصحة الاقتصاد في ظل غياب الإشراف والرقابة من قبل الدولة.
مصادر تم الاعتماد عليها
- عمرو حمزاوي، عن شروط التحول الديمقراطي .. بين حكم القانون والانتخابات الدورية، مقالح متاح على موقع مركز كارنيغي للشرق الأوسط.
- حامد عبد الحسين خضير، تعثر التحول الاقتصادي في العراق..إشكالات ومآلات، مقال متاح على موقع مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية.
- مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، تعثر التحول الاقتصادي في العراق..إشكالات ومآلات، نقرير منشور على موقع المركز.
اضافةتعليق