الشرق الأوسط بيئة خصبة بالتغيرات التي ستفرض نفسها على طاولة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وقد حفزت هذه البيئة المحللين المختصين لتناولها من جوانب عدة؛ لبيان تأثيراتها على الإدارة الامريكية الجديدة، وبالعكس، لكن يبدو ان المحلل اللافت للنظر (مايكل روبن) قد اختار لنفسه طابعا خاص من التحليل في مقاله المنشور في معهد المشروع الأمريكي مطلع شهر تشرين الثاني-نوفمبر الجاري، والذي حمل عنوان: الشخصيات الثلاث التي سيهتز الشرق الأوسط عند وفاتها. وهو يقصد بهذه الشخصيات كل من: السيد علي الخامنئي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، والسيد علي السيستاني اعلى مرجعية دينية شيعية، والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقد جاء في مقال السيد روبن ما يلي:
"غالبا ما تهيمن القوى الحالية على سياسة الولايات المتحدة، لكن ماذا سيحدث لو اختفت عناصر تلك الهيمنة سلبية كانت ام ايجابية من الساحة؟ ربما سيكون هذا التحدي الذي سيواجه حكومة الولايات المتحدة القادمة ويضع الافتراضات السياسية موضع الشك. وهنا تبرز ثلاث من الشخصيات التي وجهت واشنطن سياستها اتجاهها لسنوات عدة، ومن غير المحتمل ان تنجو اثناء الادارة القادمة هي:
المرشد الأعلى الايراني علي خامنئي: خدم على خامنئي كمرشد اعلى في إيران منذ عام ١٩٨٦، لكن اية الله البالغ من العمر٧٧ يعاني مؤخراً من مرض السرطان، وهذا امر لا يمكن اخفاؤه، لذا ما القادم؟ من الناحية النظرية فأن مجلس النواب المكون من ٨٦ عضوا سيختار مرشد اعلى جديد وهذا قرار سيتخذه سماسرة السلطة المؤثرين ورؤساء الفصائل، لذا من سيكون المرشد الأعلى القادم؟ اقترح مجلس العلاقات الخارجية ان يكون "ابراهيم ريسي" المتشدد، فيما يجادل خبراء وباحثون اخرون بان خليفة خامنئي سيكون أضعف منه، وهناك راي يقول بان خليفة خامنئي سيكون أكثر تشددا منه وذلك لان الفرق مابين عام ١٩٨٦ والوقت الحالي ان فيلق الحرس الثوري الاسلامي لديه الكثير من الموارد ويتسم بالقوة ولن يخضع لسيطرة شخص ضعيف وأكثر مرونة. هل الغرب مستعد لتقبل مرشد اعلى أكثر ايديولوجية وراديكالية؟ بالطبع هناك احتمال آخر، فلا يمكن ان يكون هناك تفرد بالقيادة بل توافق في الآراء وسيقدم مجلس القيادة مرشحين من مختلف الفصائل وهذا سيخلق نوعا من الديناميكية التي لا تصب في مصلحة الغرب، فعندما تحدث منافسة حزبية شرسة سينتج عنها الكثير من الأمور السيئة وسيغتنم المتشددون الفرصة من اجل اثبات سيطرتهم.
اية الله العظمى السيد علي السيستاني: على العكس من الخامنئي الذي شوه سمعة السلام الدولي والمذهب الشيعي (حسب زعم الكاتب) عمل السيستاني على تلافي الازمات بدلاً من تأجيجها وحال دون حدوث الانقسام الطائفي بعد التفجير الارهابي لمرقد الامام الحسن العسكري في سامراء عام ٢٠٠٦، اذ منع من القيام باي اعمال انتقامية، وعندما سيطر تنظيم" داعش" على المناطق السنية ومدينة الموصل دعا العراقيين الى التطوع للدفاع عن المدينة، فقدم (المئات) من الشيعة حياتهم عن طيب خاطر تلبية لنداءه، لكن ماذا سيحدث لو اختفى السيستاني؟ هذا موضوع النقاش الدائر حاليا في النجف وكربلاء، وقليل من السكان المحليين يعتقدون بأن الثلاثة الاخرين البارزين من آيات الله يمكنهم ان يصلوا الى مقام السيستاني. على الرغم من انه في عام 1994 عندما توفي اية الله الاراكي ظن الخامنئي انه المؤهل لخلافته وهذا ما لم يحصل، وهو يحاول اليوم فرض رئيس السلطة القضائية الايرانية السابق محمود الهاشمي الشاهرودي البالغ من العمر ٦٨عاما ليكون خليفة السيستاني في النجف. غير ان الشيعة العراقيين لا يرحبون بالشاهرودي ويفضلون أحد الطلاب البارزين للسيد السيستاني كخليفة له، لكن ماذا يمكن ان تعني الحرب حول هذا الموضوع؟ مرة أخرى لا توجد قيادة يمكنها ان تكون المصدر الوحيد للإلهام او المحاكاة، فتاريخيا كانت هناك أكثر من قيادة في الميدان، لكن لو حدثت ازمة (بعد وفاة السيد السيستاني) هل هناك قامة ناجحة قادرة على استعادة الهدوء وتعزيز السلام كما فعل السيستاني؟
محمود عباس: رئيس السلطة الفلسطينية البالغ من العمر ٨١ عاما ولا يزال في السنة ال١٢ من حكمه على الرغم من انتهاء ولايته خلفاً لياسر عرفات، ويرفض تعيين خلف له، ماذا سيحدث عندما يموت؟ محمد دحلان القيادي السابق في حركة فتح هو أحد المرشحين الذين يطفو اسمهم على السطح، لكن اسمه لن يمر من دون معارضة. وناصر القدوة (ابن شقيقة عرفات) هو خيار محتمل آخر. لكن الولايات المتحدة واوروبا تفضل وزير المالية السابق سلام الفياض. كذلك هناك اسم مروان البرغوثي السياسي الفلسطيني الذي قضى فترة في السجون الاسرائيلية بتهمة الارهاب والقتل ويحضى بشعبية كبيرة لدى الكثير من الفلسطينيين، لكن من غير المرجح ان تفرج اسرائيل عنه بعد صدور خمسة احكام بالسجن مدى الحياة بحقه. وهناك شيء واحد واضح، هو ان أي فلسطيني يطمح بخلافة عباس عليه ان يعزز سلطته فوق جثث منافسيه في القيادة. ان فلسطين هي اصلا كيان فاشل مع سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وإذا انهارت الضفة الغربية يمكن ان تتغير الافتراضات الجوهرية التي يمكنها الحفاظ على عملية السلام، وقد توفر فرصة لحركة حماس والجماعات المتطرفة الأخرى (الدولة الاسلامية مثلا) لتحقيق النجاح."
نظرة تحليلية
على الرغم من اهمية الموضوع الذي اراد السيد روبن الخوض فيه، الا ان ما كان منتظرا من شخص بوزنه ان يكون اكثر عمقا تحليليا، واكثر توسعا في تناول الموضوع، فبدلا من المرور السريع على هذا الموضوع، لا سيما ما يتعلق بخلافة السيد الخامنئي والسيد السيستاني، كان عليه تحليل البيئة التي يعمل الرجلان فيها، والدور الذي يلعبانه في تحريك احداثها، فهو صور للقارئ موضوع الخلافة المرجعية الشيعية على انها مجرد حالة صراعية بين ايران والنجف من جهة، وبين المتشددين والمعتدلين في ايران من جهة اخرى، متناسيا طبيعة الحراك الشعبي وتأثيره في ايران، وتقاليد الخلافة المرجعية المعتادة ومحدداتها في النجف الأشرف. كذلك من الاخطاء التي وقع فيها الكاتب انه عندما تطرق الى فتوى السيد السيستاني بعد سيطرة داعش على الموصل قال ان المئات قدموا حياتهم تلبية لهذه الدعوة، في الوقت الذي تكشف الحقائق ان الملايين من شيعة العراق استجابوا للفتوى، والاف منهم استشهدوا بطيب نفس من اجل حماية ارضهم وتحريرها من الجماعات الارهابية. اما طرح اسم السيد محمود عباس الى جنب السيد الخامنئي والسيد السيستاني، فكان فيه ظلم كبير لهاتين الشخصيتين؛ كون الرجل اقل كثيرا من ان يبلغ قاماتهما المؤثرة، وان فلسطين لم تكن ابدا بيد اهلها ليقرروا مصيرها، فالغرب واسرائيل هما المتحكمان بمسار الاحداث في هذا البلد، مرة يجعلوها ساخنة، ومرة اخرى يجعلوها هادئة وحسب مقتضيات المصلحة والظروف. ما يخرج به التحليل لهذا المقال، هو من الضروري ان لا تترك القضايا المهمة في عالمنا الاسلامي لتكون محط تحليل وتقديم بدائل من الأخرين، فهؤلاء، في الغالب لا يستطيعون التخلص من اجنداتهم الخاصة، او لا يفهمون طبيعة المحركات الداخلية الحاكمة لهذه القضايا، ومن المفيد جدا لنجاح منطقتنا في مواجهة تحدياتها ان تبادر من خلال ابنائها المخلصين ومؤسساتها المهنية الى عرض كل القضايا الساخنة على طاولة البحث والتحليل؛ لدراسة جميع ابعادها، وتقديم الخيارات المناسبة بشأنها.
https://www.aei.org/publication/three-deaths-that-will-shake-middle-east-politics/
اضافةتعليق