لو استعرضنا مسيرة العملية السياسية بشكل عام بعد التغيير السياسي 2003 م ، اول ما سيتم ملاحظته الالية الخاطئة التي قامت عليه منظومة النظام السياسي وشيوع مبدأ المحاصصة في توزيع العمل الحكومي بغض النظر عن نتيجة الانتخابات والأمر ينسحب على مختلف بنى العملية السياسية كما وإنها مليئة بالإخفاقات والأصعب ما في الامر غياب الارادة الهادفة لبناء دولة المؤسسات من لدن صانعوا القرار والدخول بمهاترات جانبية لا تجدي نفعاً سوى ادخال البلد بمزيد من الفوضى ، حتى وصل الحال لأعلى مراحل الخطورة والتي كادت ان تقضي على مستقبل العملية السياسية برمتها لذلك وبعد انتخابات عام 2014 ربما حصل تغيير يختلف عن سابقه تمثل بسرعة اعلان رئاسة الجمهورية والنواب وحتى العقبة الاكبر وهو منصب رئاسة الوزراء و ربما يعود السبب لوجود مخاطر متعددة ومنها الاخطر الاكبر المتعلق باحتلال داعش لثلث مساحة العراق وتهديده للعاصمة بغداد كما وان اجواء التوتر تصاعدت مع بدء العد التنازلي لموعد اعلان التشكيلة الحكومة تجنباً لحالة الفراغ الدستوري رافق ذلك اصرار السيد المالكي على تولي الولاية الثالثة وسط معارضة داخلية من بعض اطراف التحالف الوطني والكردستاني وأطراف سنية اخرى وعدم رضا خارجي من بعض الاطراف الاقليمية المؤثرة في المشهد السياسي العراقي ، الامر الذي ادركته بعض الاطراف السياسية الشيعية لذلك وتجنباً لحدوث الانشقاق على المستوى السياسي الشيعي وقع الاختيار على شخص السيد العبادي لتولي مهام تشكيل الحكومة مع ترحيب داخلي وقبول خارجي وكانت اسس الاختيار تتعلق بان رئاسة الوزراء ولدت من رحم كتلة دولة القانون بزعامة المالكي وبالتالي من التحالف الوطني وبنفس الوقت الشخص المختار هو احد اهم اركان حزب الدعوة الاسلامية إلا انه قد حظى بدعم كبير في بداية الامر لأسباب عدة اهمها قطع الطريق على السيد المالكي في تولي الولاية الثالثة كما وانه يتمتع بقبول امريكي وعربي ولاحقاً اعتراف ايراني، ايضاً من ابرز داعميه التيار الصدري والذي كان يهدف لقطع الطريق امام وصول السيد المالكي للولاية الثالثة.
و بعد قرابة العام من القبول المجتمعي والسياسي لحكومة السيد العبادي بدأ يتهاوى ذلك القبول شيئاً فشياً وصولاً لخروج تظاهرات مطالبة بتحقيق الإصلاحات ومحاربة الفساد وهذا يدل على دعم السيد العبادي شعبوياً والوقوف معه في مواجهة معرقلي جهود الاصلاح فكانت اولى الخطوات التي اتخذها الغاء مناصب نواب رئاسة الوزراء ونواب رئيس الجمهورية وهنا بدأت ملامح اصلاحية باعتبار ان من يشغل مناصب نواب رئاسة الجمهورية هم من اكثر الشخوص نفوذاً على مستوى العمل السياسي وهم " المالكي والنجيفي وإياد علاوي " رافق ذلك حصول السيد العبادي على تخويل برلماني يتيح له التمتع بكامل الصلاحيات الاصلاحية ، إلا ان ردة فعل الاخير لم تكن بالمستوى المطلوب ولم يكن بمستوى الازمة نظراً لحجم المشاكل كتفشي الفساد ومخاطر مواجهة تنظيم داعش ، فكانت اجراءات السيد رئيس الوزراء تتقدم خطوة وتتأخر بأخرى كما وان التخويل البرلماني قد تم الغائه لأسباب قيل انها جاءت لإخفاق السيد العبادي بتحقيق مشروعه الاصلاحي والذي بدأ قوياً ومن ثم تبدد فليس من المعقول ان يكتفي السيد العبادي بإعلان حزمة اصلاحية جوهرها دمج وإلغاء بعض الوزارات في الوقت الذي كان المنتظر ان يزيل كبار الفاسدين وتحويلهم للقضاء ومتابعة الاموال والميزانيات الانفجارية التي لا احد يعلم اين صرفت كما وان اسباب سقوط مدينة الموصل والمتسببين للحادثة لم يقدم احداً منهم للمحاكمة ؟
بعد ذلك دخل المدنيون و الصدريون على خط التظاهرات بمنحنى تصعيدي اذ وصل الامر لاقتحام مجلس النواب ومجلس الوزراء ومن ثم اعتصامات وتظاهرات عبر مختلف الوسائل وكان مطلبهم الاساس الاصلاح وتشكيل حكومة من التكنوقراط المستقلين وتم ذلك لكن بصورة جزئية عبر تقديم السيد العبادي تشكيلة وزارية شملت الوزارات التي انسحب منها التيار الصدري اضافة الى وزارات اخرى كانت السمة الظاهرة لهم يتمتعون بشيء من الاستقلالية ومحسوبون على التكنوقراط مع تعثر تقديم تشكيلة وزارية متكاملة والسبب يكمن في ان الكتل السياسية لا تتنازل عن ما اسمته بالاستحقاق الانتخابي والذي سمح لها بتمثيل حكومي ووزاري وليس من السهل التفريط به، هنا دخل البرلمان على خط المواجهة عبر اطراف متنفذة تحت مسمى جبهة الاصلاح وغالبيتها من ائتلاف دولة القانون بزعامة السيد المالكي قادت لاستجواب وزير الدفاع والتصويت على اقالته الامر الذي عده العبادي استهدافاً لمسيرة الاصلاح الحكومي مع اشتداد المعارك مع تنظيم داعش وجاء ذلك بعد استقالة وزير الداخلية من منصبه ومن ثم رافق ذلك تحرك نيابي اسفر عن الاطاحة بوزير المالية في اشارة اخرى لإحراج السيد العبادي من قبل معارضو الاصلاح فيما رد مجلس النواب بأنه يمارس حقه في الرقابة ومحاسبة المفسدين ولم يكن الغاية من ذلك اي استهداف سياسي.
هذا الاستعراض المبسط لمسيرة الاصلاحات يهدف لتوضيح أبرز محطات المحاولات الاصلاحية وكيف تم تبديدها من قبل أطراف عدة أبرزهم:
1- المفسدون: وهؤلاء يشكلون نسبة عالية اذ ان اي تحرك ضدهم او تصحيح مسار معين معناه القضاء على مصالحهم ونفوذهم وهم كثر والمشكلة تغلغلهم بمختلف مؤسسات الدولة كأنهم دولة موازية تضرب من يتعدى حدوده وهؤلاء لا يمكن الاستهانة بهم نظراً لما يمتلكون من وسائل وطرق وأساليب تمكنهم من اعاقة جهود الاصلاح وضرب خصومهم، وأكبر دليل على صعوبة مواجهتهم حكومياً استعانة السيد العبادي بخبراء من الامم المتحدة لكشف شبكات الفساد ومتابعة الأموال
2- اما المعرقل الثاني فهم الخصوم اي خصوم السيد العبادي او خصوم الراغبين بالإصلاح وهؤلاء يرون اي نجاح للعبادي او حلفائه وبأي مجال سواء كان سياسي او اصلاحي او أمنى او اقتصادي معناه خسارة لهم وعلى حسابهم وبسهولة يتمكن المتابع لشؤون العملية السياسية من معرفتهم.
3- والمعرقل الثالث هو الكتل السياسية المتنفذة والتي تخشى ان تطال الاصلاحات ممثليها سواء على المستوى الوزاري او على مستوى الدرجات الخاصة وحتى بما يتعلق بمتابعة الاموال او الرقابة على المشاريع لا سيما تلك التي تديرها بعضاً من تلك ألكتل.
4- المعرقل الرابع، وهو ما يعرف " بالخطوط الحمر "اي هناك شخوص يتولون المناصب بصورة دائمة حتى نهاية المدة الحكومية لأربع سنوات وهؤلاء يحظون بداعم خارجي من قبل دول لها حضورها على المستوى الرسمي في العراق كأنهم يحضون بفيتو خارجي يطيح بمن يقترب منهم.
5- المعرقل الخامس، هو الجانب القضائي والذي لا يزال دون مستوى الطموح في حسم الملفات العالقة وتفعيل مذكرات القاء القبض او توجيه التهم لكبار الفاسدين وهذه كلها تعطل الاصلاح لا سيما قرار المحكمة الاخير بإعادة نواب رئاسة الجمهورية لمناصبهم وهذا ربما من الناحية القانونية قرار لا ريب فيه لكن المشكلة الاكبر هي في التوقيت لماذا بعد عام كامل تصدر المحكمة هكذا قرار لا سيما بعد مفاوضات اعادة الصدريون للتحالف الوطني مع معرفة ردة فعل التيار حيال عودة نواب رئيس الجمهورية لمناصبهم وفعلاً تم تعليق التفاوض مع التحالف الوطني بسبب القرار.
مع ذلك هناك خطوات اصلاحية لكنها لا تتناسب وحجم المشكلة وهذا ربما يعود لغياب الارادة ووجود المعرقلين والحرب مع تنظيم داعش، مع ذلك فان الشعب ينتظر قرارات تنتشله من واقعه المرير بعيداً عن السجال غير المجدي.