کثير من الجدل و اختلافات في الطروحات و وجهات النظر بشأن الانتخابات الإيرانية ، لمجلس الشورى وجلس الخبراء، وأهمية الانتخابات القادمة تأتي من إنها ستکون مهمة لجناحي نظام الجمهورية الإسلامية ( الإصلاحي والمحافظ) وهذا سوف يكون له انعكاس داخليا وخارجيا، إذ إن الأحداث والتطورات التي أعقبت الاتفاق النووي من جهة و کذلك التدخلات الإيرانية في المنطقة، إلى جانب وخامة الأوضاع الاقتصادية في إيران، ألقى بظلاله و تأثيراته الكبيرة على الصراع الدائر بين جناحي النظام و دفعهما للتهيئة بشكل ملموس لها، ولا توجد أحزاب سياسية حقيقية في إيران، بل ينقسم أعضاء البرلمان إلى تكتلين رئيسين: أحدهما يؤيد أجندة معتدلة هم الإصلاحيين، والآخر يتخذ موقفا متشددا وهم المحافظين.
فقد توجه يوم الجمعة 26 شباط 2016، أكثر من ( 55 ) مليون ناخب للاختيار بين أكثر من ستة ألاف مرشح بينهم أعضاء مجلس الشورى الـ(290)، ومن بين 161 مرشحا، أعضاء مجلس الخبراء الـ(88 )، يذكر أن مجلس خبراء القيادة الإيرانية، لا يقل دوره التشريعي في إيران أهمية عن دور مجلس الشورى، يضم شخصيات دينية بارزة لولاية مدتها ثماني سنوات، ومن بين أهم الحقوق التي يتمتع بها مجلس خبراء القيادة الإيراني انتخاب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الذي يحظى بدوره بصلاحيات أوسع من تلك المتاحة لرئيس الجمهورية، وقد كانت نسبة المشاركة أكثر من ( 58% ) من الناخبين الإيرانيين ، إذ صوت نحو 32 مليون مواطن، وسط ترجيح اختلاف بسيط بين النتائج النهائية والأولية للانتخابات.
وتشير نتائج الانتخابات البرلمانية الإيرانية إن (231) مرشحا فازوا بعضوية مجلس الشورى الإسلامي مباشرة، وأن جولة إعادة ستجري في 56 دائرة انتخابية والتي ستجري في نيسان القادم، وسيخوض (138) نائبا المنافسة للفوز بالمقاعد المتبقية البالغة 59، وحصل التيار المحافظ على (112) مقعدا، والإصلاحي على (90) مقعدا، فيما حصل المستقلون على (24) مقعدا، والأقليات على 5 مقاعد وهي ألكوته المحدد لهم دستوريا، أما مجلس الخبراء فقد جاء الرئيس روحاني بالمركز الأول يليه الرئيس السابق ( رافسنجاني) بالمركز الثاني، كما حصد الإصلاحيين 15 مقعدا من مقاعد مجلس الخبراء الـ(16) في طهران وحدها، ويقول بعض المحللون إنه حتى وإن لم يفز الإصلاحيين بأغلبية في البرلمان المكون من 290 مقعدا ، والذي يهيمن عليه محافظون مناهضون للغرب منذ عام 2004 فإنهم سيضمنون وجودا أكبر مما حققوه في الانتخابات السابقة.
جاءت الانتخابات التشريعية ومجلس الخبراء الإيرانية هذه المرة في وقت يختلف عن الانتخابات التشريعية السابقة، داخلياً، يسلط الاستحقاقان الضوء على الصراع المزمن المستعر ما بين الإصلاحيين والمحافظين حول النفوذ والسيطرة على مفاصل النظام السياسي عقب ما يعتبره الولي الفقيه انتصارا، ويظنه الغرب اختراقا لذلك النظام، توطئة لتغييره، وبينما يتطلع الرئيس (روحاني) لاستثمار إنجاز إبرام الاتفاق النووي، ورفع العقوبات لتعظيم نفوذه وتياره الإصلاحي داخل النظام في قادم الأيام، عبر انتزاع أكبر عدد من المقاعد في البرلمان ومجلس الخبراء، الذي من المحتمل أن يختار مجلس الخبراء الجديد خلفا للمرشد الحالي (الخامنئي)، يرنو المرشد إلى تكريس هيمنة التيار المحافظ، وتعزيز شرعية الولي الفقيه عبر اقتناص الأغلبية البرلمانية، وزيادة نسبة المشاركة، بالتزامن مع انتخابات مجلس الخبراء، التي ظلت الأدنى بين نسب المشاركة في تاريخ عمليات الاقتراع الإيرانية.
أما إقليمياً، فيتوقع أن يكون لهذين الاستحقاقين انعكاسات مهمة على ملفات شتى، ليست إيران بمنأى عن مجرياتها، كالفراغ الرئاسي في لبنان، والأوضاع المضطربة في اليمن وسوريا، والعراق، والبحرين، فضلا عن الاستقرار في منطقة الخليج.
لم تعد إيران كما كانت قبل عام واحد فقط، إذ إن إبرام الاتفاق النووي وضعها أمام تحديات من نوع جديد داخلياً وخارجياً، أن عودة إيران إلى المجتمع الدولي المترتبة على ذلك الاتفاق فتح أبواب الفرص والأخطار في آنٍ معاً، ما يجعل مستقبل إيران مرتهناً إلى حد كبير بمجموعة السياسات التي ستنتهج داخلياً وخارجياً، والاستحقاق الانتخابي الراهن يُعدّ من أهم المؤشرات على اتجاهاتها العامة.
يصبوا الإصلاحيين من الحصول على عدد مريح من المقاعد في مجلس الشورى الإسلامي ومجلس الخبراء من اجل التأثير على السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية، ومن عدة نواحي أهمها:
أولا: على المستوى الداخلي:
1- ترى بعض المصادر إن فوز الإصلاحيين بمقاعد مجلس الشورى الإسلامي، سيساعد ذلك روحاني على الانفتاح اقتصاديا لتقديم إصلاحات يحتاجها ملايين الإيرانيين بصورة ماسة، فيما يتعلق بتوفير وظائف، والنمو، والإسكان والرعاية الصحية، ورغم إن هذا يهدد بشكل كبير مصالح المحافظين واسعي النفوذ، خاصة الحرس الثوري، فان حصول الإصلاحيين على الدعم الشعبي سوف يكون عامل ضغط على المحافظين لقبول الإصلاحات الداخلية التي هي تصب في صالح الشعب الإيراني.
2- يأمل الإصلاحيين في زيادة نفوذهم في المؤسستين اللتين يسيطر عليهما المحافظون، ومن الواضح أن عين الإصلاحيين على مجلس الخبراء، بأمل هزيمة الشخصيات الأكثر محافظة، مثل ( آية الله محمد تقي مصباح يزدي)، وهو ما يشكل نصرا كبيرا لهم وأوضح بعض المتابعين أن الإصلاحيين الذين قاطعوا انتخابات 2012 بشكل جزئي احتجاجا على إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد، لولاية ثانية في 2009، قد استعدوا تماما هذا العام، بالرغم من استبعاد عدد من مرشحيهم من السباق بقرار من مجلس صيانة الدستور الذي يملك القرار بشأن الانتخابات، ولمضاعفة فرصهم، تحالفوا مع المعتدلين، وبينهم محافظون، وشكلوا لائحة مشتركة هي لائحة (الأمل)، ويريد الإصلاحيين من فوزهم في مجلس الخبراء الجديد الذي ينتخب لثماني سنوات، بمساعدهم من تعيين خلف للمرشد الحالي (الخامنئي) البالغ 76 عاما .
3- إن صعود الإصلاحيين في مجلس الشورى، وتحقيق فرص بعض الإصلاحات التي يطالب بها الشعب الإيراني، ستكون بمثابة تصويت على الثقة في حكومة روحاني المعتدلة، التي كانت مسؤولة عن تأمين الاتفاق النووي على الرغم من معارضة المتشددين في الداخل، كما أن نتائج الانتخابات سيكون لها عواقب كبيرة للرئيس (حسن روحاني) في السنتين المتبقيتين من رئاسته، وسوف تؤثر على فرص إعادة انتخابه في عام 2017، ويمكن أيضًا أن تغيّر المشهد السياسي في إيران للجيل القادم، روحاني نفسه مرشح لمجلس الخبراء ويعتقد بعض الناس أنه لديه طموحات كبيرة للمستقبل، ويحتل المرتبة الثانية في قائمة المرشحين المدعومين الإصلاحيين، خلف رافسنجاني.
ثانيا: على المستوى الخارجي:
1- يريد الإصلاحيين من الانتخابات إرسال رسالة إلى الغرب بأن إيران تريد الانضمام إلى العالم الذي أبقاها جانباً بسبب برنامجها النووي، وتصرف بعض الساسة الإيرانيين الذي أصبح يزعج الغرب.
2- كثير من مؤيدي الرئيس الإيراني الإصلاحي حسن روحاني يرون أن برلمانا جديدا يضم عددا أكبر من الإصلاحيين، سيمنح الرئيس قوة دفع أكبر بهدف استكمال سياساته الإصلاحية والانفتاح على الخارج، وهي السياسة التي كان من أهم ثمارها توقيع الاتفاق النووي مع القوى الدولية الكبرى (5+1) مؤخرا، وكان روحاني نفسه قد اعتبر أن نتائج تلك الانتخابات تمنح حكومته مصداقية وقوة أكبر.
3- كما أن برلمانا يملك عددا أكبر من الإصلاحيين سيدعم توجهات الرئيس روحاني في مزيد من الانفتاح على الدول المجاورة، وتهدئة التوتر الذي يسود المنطقة، خاصة وأن الدور الإيراني مهم جدا في حسم الصراعات التي تشهدها المنطقة، والتي وصلت إلى ذروتها بين إيران وجيرانها العرب، في تصاعد لحالة من الطائفية بين السنة والشيعة.
4- ثمة رهان غربي على تحول إيجابي ممكن ومرتقب في موازين القوى داخل النظام السياسي الإيراني يمهد السبيل لتعظيم نفوذ التيار الإصلاحي على حساب التيار المحافظ، وتنامي ثقل المؤسسات السياسية المنتخبة، كالرئاسة ومجلس الشورى، على حساب تراجع مؤسسات أمنية ودينية غير منتخبة نافذة، كالحرس الثوري، والمرشد، والحوزة الدينية، وغيرها، وفى سياق مساعيها لتحسين علاقاتها مع إيران، خاصة في مرحلة ما بعد (الخامنئي)، تعمل واشنطن على تعضيد مكانة ما تعتبره تيارا إصلاحيا بزعامة روحاني، لاسيما أن انتخابات مجلس الخبراء سوف تحدد، في الغالب، من هو المرشد القادم، ولعل ذلك يفسر أحد أسباب اهتمام واشنطن بالإسراع في رفع العقوبات المفروضة على إيران، فمن خلال الانتخابات المقبلة، بشقّيها البرلماني وذلك المتعلّق بمجلس الخبراء، ستتحدد قدرة المعتدلين على الإصلاح، إذ ستحدد موازين البرلمان المقبل والظلال الأولية لشخص المرشد القادم، حتى في حال بقاء (الخامنئي)، ليس فقط نفوذ المعتدلين في الحصّة الحاكمة، لكن أيضاً مدى إمكانات تضييق رقعة السطوة التي يهيمن من خلالها المحافظون داخل المؤسسات السياسية، والاقتصادية، والدينية، والعسكرية، والأمنية، وسيكون أمام روحاني ومعسكره وضع حدود التعايش من عدمها مع ثقافة الحرس الثوري ونفوذه داخل مؤسسات السلطة والثروة في البلاد.
ويراهن الغرب على متغير اقتصادي مهم من شأنه أن يؤثر على استمرار هيمنة الحرس الثوري من عدمها، ألا وهو إنهاء العقوبات المفروضة على إيران، والإفراج عن أرصدتها المجمدة في الخارج(تسلمت إيران منها نحو 100 مليار دولار)، فلا ريب أن علاقة عكسية ما ستبرز ما بين تنامي دخول الاستثمار الأجنبي وإمساك الحرس الثوري بتلابيب الاقتصاد في البلاد، حيث يتطلع الإصلاحيين إلى جرّ البلاد نحو مزيد من التواصل مع الدوائر العالمية مع ما يلازم هذا التواصل من انقلاب في طبيعة الحكم وهوية الحكام.
وعلى الرغم من صعود الإصلاحيين في الانتخابات الإيرانية ( التشريعية ومجلس الخبراء) لعام 2016، فان هناك عدد من المعوقات التي قد تقف حائلا أمام ما يصبو أليه الإصلاحيين للتغيير، ومنها:
1- على الرغم من حصول الإصلاحيين على أغلبية في مجلس الشورى الإيراني، إلا أن بعض الأصوات المعارضة تشكك في قدرة الإصلاحيين على مواجهة معسكر المحافظين، وترى أن النظام الذي يسيطر عليه المحافظون قوي لدرجة تصعب من مهمة الإصلاحيين على تغييره، ومن ثم يشككون في قدرة الإصلاحيين سواء على مستوى تغيير السياسة الداخلية الإيرانية، والتي يصفونها بأنها تعتمد على القمع الممنهج ضد المعارضين، أو في الخارج باتجاه مزيد من التخفيف من حدة الطائفية التي تموج بها المنطقة، إذ يمتلك المحافظين من الأدوات الكثير، فالمرشد الأعلى يعد اعلي سلطة رسمية في إيران، وهو يشرف على كل السلطات، وهي تعمل تحت إمرته، وهناك مجلس صيانة الدستور الذي هو اعلي سلطة تشريعية في إيران، فهو يصادق على كل القرارات التي يصدرها مجلس الشورى من خلال مدى مطابقتها للدستور والشريعة الإسلامية، فهذا المجلس يضم 12 عضوا 6 من الفقهاء العدول يختارهم المرشد الأعلى، و6 من القانونيين يختارهم رئيس السلطة القضائية، والذي هو بدوره معين من المرشد الأعلى، كون اللاعبين السياسيين في إيران أقسموا بالولاء للمرشد الأعلى وللنظام السياسي في البلاد،.لذا لا يمكن لأي فرد إن يترشح للانتخابات ويمر من مجلس صيانة الدستور إذا لم يكن مؤمنا بولاية الفقيه في إيران.
2- ومهما كان حجم الرهانات الخارجية على نتائج الانتخابات القادمة فمن غير المتوقع إن تتأثر السياسة الخارجية الإيرانية أو تتجه لتقديم تنازلات دولية وإقليمية، لاسيما في ظل هذه الظروف الراهنة التي تشهد مراهقة سياسية واستفزازية تقوم بها بعض دول المنطقة وحلفائها ، فالسياسة الخارجية الإيرانية ترسم بشكل مركزي من اعلي هرم النظام الإيراني، ومشاركة كل المؤسسات الإيرانية، لذلك فان خيار تراجع إيران دوليا وإقليميا غير واردة في المستقبل المنظور، كما إن بعض التحليلات ترى إن هناك شبه إجماع في مجال السياسة الخارجية، مثل توسيع النفوذ الإيراني في الخارج ودعم الدول الجماعات التابعة لهم، فهناك إجماع من نوع ما بين الطرفين، ولهذا السبب فلن تؤدي الانتخابات إلى توجه جديد في علاقات إيران الخارجية، قال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله (علي الخامنئي) إنه واثق من أن الانتخابات التشريعية المقررة ستسفر عن برلمان مستعد للوقوف في وجه تدخل القوى الأجنبية ومن بينها الولايات المتحدة، ونقل موقع (الخامنئي) الإلكتروني قوله "ستصوت الأمة من أجل برلمان يضع كرامة إيران واستقلالها أولا ويقف في مواجهة القوى الأجنبية التي محونا نفوذها من إيران". وكان رجال الدين في إيران قد حثوا في خطبة الجمعة الناخبين الإيرانيين على التصويت لصالح المعادين للولايات المتحدة. واتهم رجال الدين وسائل الإعلام الغربية بمحاولة التأثير على الإيرانيين ليصوتوا ضد مؤيدي الثورة الإسلامية التي أطاحت شاه إيران في العام 1979.
3- إن إيران تخشى من تدخلات خارجية متمثلة بشكل خاص بالولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى منغمسة بتيارات داخلية متناغمة الهوى لتحقيق أهدافها وتلويث أجواء إيران الإسلامية من خلال التأثير على نتائج انتخابات مجلس الخبراء، ولهذا لجأت إيران منذ وقت سابق لحالة تأهب عالية المستوى بأمر صدر عن قائد الثورة الإسلامية لمواجهة التغلغل الأجنبي في تركيبة مجلس خبراء القيادة، إذ دعا المرشد الأعلى إلى انتخاب برلمان ومجلس خبراء يحافظ على استقلال إيران، ويقف بوجه الدول التي تهدد امن إيران، وعلى رأسها أمريكا.
4- وعند الحديث عن الدور المنوط بمجلس الخبراء في اختيار المرشد والإشراف على عمله وعزله إذا ما أخلّ بواجباته، تجدر الإشارة إلى أن القدرة الفعلية لـلمجلس على مساءلة المرشد كثيرا ما كانت شبه معدومة على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال، تعرّضت المؤسسة لانتقادات حادة على مدى تاريخها لعدة أسباب، منها طريقة عزل عضو المجلس السابق، آية الله (حسين علي منتظري)، في عام ، فمن خلال ضربه عرض الحائط بسلطة "مجلس الخبراء" الحضرية لإقالة أعضائه، أقدم (آية الله الراحل الخميني) على عزل (آية الله منتظري)، وقد أظهرت خطوة الخميني تلك أن "مجلس الخبراء" هو مجرد أداة أخرى بيد المرشد الأعلى، بدلاً من أن يكون سلطة مسؤولة عن محاسبته، وبينما انتخب "المجلس" آية الله ( علي الخامنئي) كخلف لـ(لآية الله الخميني)، منذ نحو ثلاثة عقود، لكن الإجراءات القانونية التي اتُبعت لاختياره لا تزال تثير تساؤلات جدّية، وبعد انتخاب أعضاء "مجلس الخبراء" الجدد، في فبراير الجاري، سيبقى هذا "المجلس" قائماً حتى عام 2023، وبالتالي، سيواجه- على الأرجح- التحدي المتمثل بتعيين خلف للمرشد الحالي (الخامنئي) البالغ من العمر ستة وسبعين عاماً، لذلك، وبالرغم من الدور الشكلي الذي اضطلع به "مجلس الخبراء" عبر التاريخ، من المتوقع أن يصبح أعضاء "المجلس" الجدد لاعبين سياسيين رئيسيين، فهو السلطة الوحيدة التي تتمتع بالصلاحية القانونية لتعيين المرشد الأعلى المقبل ومنحه الشرعية، بالإضافة إلى ذلك، سيتم توسيع عضوية "مجلس الخبراء" المقبل لتصل إلى 99 عضواً، إذ سيضاف 13 مقعداً إلى "المجلس" في انتخابات شباط الجاري.
5- ستحاول إيران بقيادة المرشد، بعد رفع العقوبات عنها واندماجها في المجتمع الدولي، الاستمرار بتراتبية الهيمنة ذاتها في نظامها السياسي الحالي مع إدخال أقل قدر ممكن من التغيير عليه، بمعنى آخر، يفضل المرشد والمؤسسات الدائرة في فلكه الانفتاح بحساب على العالم والاحتفاظ بدور قوي للدولة المُسَيطَر عليها للحفاظ على طبيعة السلطتين السياسية والاقتصادية القائمتين راهناً عبر منع التغلغل الغربي إلى مفاصل الاقتصاد، ومن ثم السياسة.
6- وأخيرة، هناك هيمنة الحرس الثوري على البرلمان، فكما هو الحال في الانتخابات البلدية، لا يصوت الكثير من الإيرانيين، خاصة في المدن الصغيرة، في انتخابات مجلس الشورى لأسباب سياسية، وأخرى تتصل بالاعتبارات الاقتصادية والإدارية المحلية، وفي السنوات الأخيرة، استغل الحرس الثوري الإسلامي هذا الواقع، ليزج بالعشرات من رموزه السابقين في مجلس الشورى، من خلال حثهم على الترشح في مناطق صغيرة ومهمشة، وقد ساعدت هذه الإستراتيجية المتشددين على توظيف هيمنتهم على السلطة التشريعية، كأداة لتقييد سلطة الرئيس، لاسيما قدرته على تعيين أعضاء مجلس الوزراء والتأثير على تخطيط الميزانية العامة، علاوةً على ذلك، حاول مجلس الشورى الحالي أيضاً أن يلعب دوراً أكثر جرأة في السياسة الخارجية والمسألة النووية، اللتين لا تندرجان عادةً ضمن جدول أعماله، وهكذا، من خلال توجيهه بشكل غير رسمي بهذه الطريقة، يستطيع المرشد الأعلى التحكم في الرئيس من دون أن يتحمل أية مسؤولية عن السياسات التي تتبناها الحكومة نتيجة لذلك، فكما صرح الناطق باسم الحكومة، محمد باقر نوبخت، بينما كان يلقى خطاباً أمام البرلمان، في 12 أيار 2015: "أنه العرف المعتاد، بأن يعبّر المرشد الأعلى عن آرائه حول بعض مشاريع القوانين لمجلس الوزراء عن طريق كبار مسئولي مجلس الشورى".
وفقاً لذلك المقتضى، لا يبدو الاستحقاق الانتخابي المقبل في إيران توزيعاً للأدوار، وإنما مكاسرة بين جناحَيْ النظام حول أولويات المستقبل، بدون استيعاب هذه الخلفية التأسيسية، سيبدو الاستحقاق الانتخابي المقبل في إيران على أهميته الفائقة روتينياً وتكتيكياً وشخصيا فقط، ومن يعتقد بأن زيادة، حتى لو كانت دراماتيكية، بعدد المصوتين الإصلاحيين سيضمن ثورة فورية في إيران، عليه أن يتذكر أن الرئيس الحالي (حسن روحاني)، الذي انتخب بفضل الشباب، يخضع للمؤسسة الحكومية المحافظة أكثر من مصوتيه، المؤسسة لا تنوي التخلي عن نعمات القوة.
اضافةتعليق