التحديات الشيعية والحاجة الى مراكز الأبحاث والدراسات في مطلع الالفية الثالثة

شارك الموضوع :

لتحميل المقالة بصيغة PDF اضغط هنا
يحتاج اثبات حاجة الشيعة الى دور مراكز الأبحاث والدراسات الى تحديد التحديات التي تواجه أبناء هذه الطائفة في مطلع القرن الحادي والعشرين أولا ، ومن ثم تحديد أهمية مراكز الأبحاث والدراسات في مواجهة هذه التحديات ثانيا، لتكون الخلاصة اما تأكيد هذه الحاجة واما نفيها. المحور الأول: التحديات الشيعية في مطلع القرن الحادي والعشرين في الأوراق البحثية غالبا ما يتم التطرق الى الأمور المهمة بطريقة مجملة دون الخوض في القضايا التفصيلية التي تترك الى الدراسات والبحوث التخصصية اللاحقة، وهذا ما سيتم اعتماده في هذه الورقة البحثية عند الحديث عن التحديات التي تواجه شيعة العالم في الوقت الحاضر، والتي تم تحديد اكثرها الحاحا وتأثيرا بما يلي: الشيعة وتحدي توزيعهم السكاني في العالم لا يوجد اتفاق حول تحديد رقم دقيق لنسبة الشيعة في العالم، فبين من يحدد عددهم بـ 154 – 200 مليون نسمة في العالم بما يعني انهم يشكلون 10 – 13 % من سكان العالم من المسلمين( ) ، وبين من يحدد عددهم بأكثر من 400 مليون نسمة، بمعنى انهم يشكلون ربع سكان العالم من المسلمين بحسب إحصائية منتدى ليوفورم للدين والحياة الإنجليزي لعام 2013، التي بينت ان الشيعة ينتشرون في 198 دولة وان عددهم في بعض الدول يكون على النحو الآتي: ( ) وهناك من يحدد عدد الشيعة بـ395 مليون نسمة أي الربع أيضا حسب احصائيات عام 2000 كما هو الحال في الدراسة التي اعدها الشيخ (صالح الكرباسي) وذلك بحسب ما موجود في دائرة المعارف الحسينية( ). ومهما كان عدد الشيعة في العالم فان نسبتهم كبيرة وتشير الى انهم يمثلون طائفة دينية مهمة لا يمكن تجاهلها او انكار وجودها. واذا اردنا ان نضع قائمة تقريبية بالتوزيع السكاني لابناء هذه الطائفة في دول العالم، سنكتشف انهم يتواجدون في معظم دول العالم ان لم يكن جميعها، كما مبين في الجدول ادناه، وهذا الجدول لا يستند الى بيانات دقيقة وانما الى بيانات تم الجمع فيها بين ما ورد في دائرة المعارف الحسينية وفقا لدراسة الشيخ الكرباسي، مع ما ورد في موقع الموسوعة الحرة (ويكبيديا)؛ لأن الاحصائيات الواردة في هذين المصدرين تشكلان الأساس لمعظم التحليلات والدراسات المهتمة بمعرفة عدد الشيعة في العالم. ويستدل من الاحصائيات الواردة في موقع ويكيبيديا على ما يلي: 1- باستثناء أربعة دول هي إيران والعراق والبحرين وأذربيجان، فان الشيعة يشكلون في بقية الدول اقلية سواء اكانت اقلية كبيرة لها شأن ام كانت اقلية صغيرة محدودة، وبعض هذه الدول يواجهون فيها مشكلات في التعايش السلمي مع بقية المكونات؛ لأسباب تاريخية او سياسية يوظف الدين في كثير من الأحيان لتبريرها. 2- ان هذه النسب في الغالب لا تصمد امام الطعن؛ لأنها لم تعد بطريقة اكاديمية مبنية على مناهج إحصائية صحيحة، فضلا على تعمد كثير من الدول الى عدم التطرق الى تحديد نسب سكانها حسب انتماءاتهم الدينية او المذهبية؛ لاسباب خاصة تحكم رؤية صانع القرار فيها مما يخلق صعوبة بالغة في الوصول الى احصائيات سكانية دقيقة. وسيجد القارئ ان هناك من يشكك بهذه النسب مستغلا الضعف الاكاديمي في اعدادها، كما هو الحال في الدراسة المتحاملة التي اعدها الباحث (حسن قطامش) تحت عنوان ( حقيقة الانتشار الشيعي في العالم: دراسة حول عدد الرافضة في العالم من المصادر الشيعية) ( ). لذا فالحاجة الى بيانات إحصائية موضوعية حول عدد الشيعة في العالم، يتم اختبارها بطريقة علمية منهجية يعد امرا مفيدا جدا لابناء هذه الطائفة للمطالبة بالحقوق والحريات العامة، وفي تأكيد مقدارحضورهم وتأثيرهم في الرأي العام المحلي والدولي. 3- انتشار أبناء هذه الطائفة في مساحة جغرافية واسعة جدا تختلف في انماطها الثقافية والحضارية، وفي لهجاتها ولغاتها المحلية، وفي تحديد أولوياتها ومصالحها الوطنية والقومية مما يفرض على الشيعة الساكنين في كل دولة خيارات متعددة للتعامل مع واقعهم كل على حدة وحسب متطلباته وظروفه. الشيعة وتحدي الاندماج والمشاركة ان واقع الشيعة في مطلع القرن الحادي والعشرين يجعلهم عرضة الى نوعين من المؤثرات: الأولى مؤثرات حضارية خارجية تفرضها ظروف العولمة بما تنطوي عليه من تقدم تكنلوجي قرب المسافات الجغرافية، وجعل العالم قرية عالمية، فكسر حدود الدول واضعف سيطرة حكوماتها على شعوبها، ووسع مدارك الافراد والمجتمعات، وخلق المنافسة بل واحيانا الصراع العالمي من اجل توفير ظروف اقتصادية وإنسانية افضل تنتعش فيها الحقوق والحريات. الثانية مؤثرات داخلية ناجمة عن انهيار او تخلخل الأطر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التقليدية التي حكمت المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية، ولا سيما في قارتي اسيا وافريقيا. تلك الأطر التي كانت تفرض نوعا من الانغلاق الذاتي لمكونات اجتماعية معينة، وقبول بسيادة مكونات اجتماعية أخرى عليها ولحقب تاريخية طويلة، وهذا ما لم يعد قابلا للاستمرار، فلا الحكومات المستبدة باجراءاتها الصارمة قادرة على ادامة عمل الأطر التقليدية، ولا المكونات الاجتماعية بهوياتها المحلية قابلة بدوام تلك الأطر. والحال أصبحت جميع الهويات سواء اكانت سائدة ام فرعية تطالب بحقوقها وحرياتها وتريد ان تكون شريكة في السلطة والثروة والنفوذ في بلدانها. نعم ان هذه المؤثرات تختلف في عمقها وتأثيرها من مجتمع الى آخر، ومن فضاء جغرافي الى آخر، الا انها بدأت في جميع دول العالم وستستمر بقوة وزخم اكبر مع التقدم باتجاه المستقبل. ووجود هكذا تحول في البنى الأساسية للدول لا يستثني شيعة العالم، بل انهم في القلب منه؛ لأسباب كثيرة، وهذا سيتطلب من افراد هذه الطائفة ادراك متغيرات العصر للإسراع في الخروج من عزلتهم التاريخية والاجتماعية والسياسية اولا وامتلاك قيم ومهارات الاندماج مع الآخرين في الدول التي يعيشون فيها ثانيا. وعندما يتحقق هذا الهدف بسلاسة تحفظ حقوق وحريات الطرفين، ستبرز الحاجة الى امتلاك المؤهلات والمهارات والاليات المناسبة للمشاركة الفاعلة في إدارة السلطة والعملية السياسية في هذه البلدان. ان كلا من الاندماج والمشاركة يشكلان تحديا حقيقيا امام شيعة العالم لا يمكن التغاضي عنه او نكرانه او التقليل من قيمته، لا سيما وان غالبيتهم تعيش في بلدان تعاني من التوتر والصراع والتأزم السياسي، ومواجهة هذا التحدي والتغلب عليه سيتطلب من الشيعة نخبة وعامة جهدا واعيا، وعملا مضنيا، واليات تختلف من دولة الى أخرى. الشيعة وتحدي التجديد الثقافي الديني يتفق صاحب هذه الورقة البحثية، مع الرأي الذي ذهب اليه (الشيخ حسن الصفار) في أن واحدا من التحديات المهمة التي تواجه شيعة القرن الحادي والعشرين هو حاجتهم الى" امتلاك إرادة التجديد في ثقافتهم الدينية، فالثقافة السائدة عندهم انتجتها أزمنة ماضية، وبيئة كانت تعاني من الأزمات والقهر والضغوط، وهم اليوم يعيشون عصرا جديدا، واصبحوا قوة مؤثرة يحسب لها حساب في محيطها، فواقعهم تغير الى الأفضل، والعالم من حولهم تغير كثيرا، لكن مساحة واسعة من الشيعة لا زالوا يصرون على ثقافة الماضي المصبوغة بلون القهر والأسى، وتتحفظ معظم اوساطهم الدينية على محاولات التطوير والتجديد الثقافي"( )، ونرى ان الشيعة لا يحتاجون الى امتلاك إرادة التجديد الديني فحسب، وانما بحاجة أيضا الى تحديد طبيعة هذا التجديد واتجاهه، نعم هناك الكثير من المجددين الشيعة، كالمجدد الشيرازي الأول والثاني وغيرهم، لكن هذا التجديد مشكلته انه بقي فرديا ينهض به افراد معدودون، ولم يتحول الى نشاط مؤسسي، قادر على خلق موجة تجديدية تنهي حالة الجمود الثقافي العامة وتحولها الى حركة ثقافية شاملة تستطيع في النهاية امتلاك القدرة على القيادة الثقافية المنتجة للنموذج الجذاب الذي يلتف حوله الجميع او على الأقل الأغلبية، فبقي النموذج في عيون الشيعة اسير التاريخ، والتجديد الثقافي الديني فرديا ينتهي بنهاية حياة المجدد. ان التغلب على هذا التحدي يعد من الأولويات لاي حالة نهوض شيعية في الوقت الحاضر، ويرتكز عليه أي دور مؤثر لهذه الطائفة في بناء البلدان التي تعيش فيها، وفي المشاركة الفاعلة في بناء حضارة إنسانية متجددة ومتطورة ومندفعة بقوة الى الامام. الشيعة وتحدي القيادة لقد اثبتت الاحداث في ايران والعراق وسوريا واليمن والبحرين والسعودية ولبنان ان الشيعة في الوقت الذي يعانون فيه من مشكلة المواقف المعادية غير المبررة وغير المحسوبة من بعض الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، فانهم في نفس الوقت، وبدرجة لا تقل في الأهمية ان لم يكن اعلى، يعانون من مشكلة القيادة- قد اطلقت على هذه المشكلة في احد مقالاتي اسم الخطر من الداخل- فالقيادات الشيعية في كثير من الاحيان اما تكون منقسمة ومتصارعة فيما بينها، واما تكون ضعيفة وغير كفوءة ولا تمتلك رؤية استراتيجية لادارة العمل السياسي وبما يناسب ظروف وحاجات البلد الذي تتواجد فيه، فكانت النتيجة وخاصة في العراق انتاج قيادات شيعية سياسية هزيلة وفاشلة ومتورطة في ملفات فساد اداري ومالي كبيرة، وهذا الامر انعكس سلبا على رؤية أبناء هذه الطائفة لقياداتهم التي شعروا انها ليست مؤهلة لتحمل المسؤولية، كما انعكس سلبا على رؤية أبناء الأديان والطوائف الأخرى للدور الشيعي في بناء الدولة. لقد حصل ما حصل، وبالطريقة التي رآها الجميع- وقد تشمل هذه الحقيقة معظم قيادات الإسلام السياسي في الوقت الحاضر- لأن معظم القيادات لم تمر بالفلاتر المناسبة لاعدادها وتأهيلها، بل جاء اغلبها الى السلطة فجأة وبآلية لم تكن متوقعة، ولم يحسب فيها حساب اليوم التالي لمسك السلطة، فكان الأداء الضعيف قرين الاعداد الضعيف للقيادة، وعدم استعانتها في كثير من الأحيان بالمؤسسات الاستشارية المناسبة لمساعدتها لحل مشاكلها واعداد برامجها. خلاصة القول في تحدي القيادة، انه لا نجاح بلا قيادة حقيقية صالحة ومؤهلة للنهوض بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها، ولا وجود لمثل هذه القيادة بدون وجود المؤسسات المناسبة لاعدادها وتقديمها الى المجتمع. تحديات أخرى في حلقة نقاشية نظمها مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث في مدينة كربلاء المقدسة واستضاف فيها أستاذ الفكر السياسي في جامعة بغداد (الدكتور غسان السعد) نجد ان الأخير حدد تحديات أخرى تواجه شيعة العالم هي: ( ) -غياب الانموذج الحضاري والإنساني الشيعي في مجال العدالة العامة وإدارة الدولة وتطوير العلوم والصناعة والتكنلوجيا؛ لينافس النماذج الفكرية والحضارية الأخرى، ونعتقد ان إيجاد هذا النموذج يقترن بخلق التجديد الثقافي الديني، ونقله من اطار الافراد الى اطار المؤسسات الكفوءة التي لديها القابلية على التجديد والاستمرار. - احتدام المواجهة الفكرية والسياسية والأمنية والاقتصادية بين الشيعة ومحيطهم السني؛ لاسباب ليس هنا مجال الخوض فيها. وقطعا ظروف الصراع تقتضي إيجاد الاليات المناسبة لحسمها بشكل آمن يحفظ السلم والأمن الاجتماعيين والدوليين. - الصراع الشيعي – الشيعي، وقد سبق ان ربطنا وجود هذا الصراع بتحدي القيادة داخل المجتمعات الشيعية. - البعد الوطني، المرتبط بالخصوصية الوطنية للمواطن الشيعي في البلدان التي يتواجد فيها، وهذه حقيقة ناجمة عن طبيعة التوزيع الجغرافي للشيعة في العالم، وعدم امتلاكهم –باستثناء ايران- لانسجام ثقافي تام في دولة واحدة تحتويهم. - غياب الهياكل المؤسسية العملية للتنسيق الشيعي على المستوى العالمي. - غياب الاستراتيجية الخارجية الفعالة في ابراز القضايا الشيعية على المستوى الدولي، المقترن بالعداء غير المبرر للولايات المتحدة الامريكية. ونعتقد ان هذا التحدي يقترن بتحدي أكبر هو غياب الرؤية الاستراتيجية للشيعة في إدارة الدولة والحكم، ورسم ملامح العلاقة مع الآخر، وتحديد ثوابت العلاقات الوطنية والدولية. المحور الثاني: ماهية مراكز الأبحاث والدراسات لا يمكن ادراك قيمة مؤسسة ما الا بعد الإحاطة بها؛ لمعرفة أهميتها والادوار التي تضطلع بها، وهذا هو الحال مع مراكز الأبحاث والدراسات، لذا ستعمل الصفحات القادمة على تقديم بيان مختصر بكنه واهمية هذا المؤسسات في الحياة المعرفية وبيئة صنع القرار المعاصرة. تعريف مراكز الأبحاث والدراسات نتفق في هذه الورقة مع الباحث (خالد وليد محمود) في دراسته القيمة الموسومة (دور مراكز الأبحاث في الوطن العربي: الواقع الراهن وشروط الانتقال الى فاعلية اكبر) المنشورة من قبل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والتي يرى فيها ان هناك غموض يحيط بتعريف مراكز الأبحاث والادراسات؛ لأن " تعريف هذه المراكز لا يزال محل خلاف؛ نظرا الى ان معظم المؤسسات والمراكز المنتمية الى مجال البحث، لا تعد نفسها من صنف الثينك تانكس في وثائق تعريف الهوية الذاتية، وانما تعلن نفسها كمنظمة غير حكومية أو منظمة غير ربحية، لذا يبقى هذا المفهوم فضفاضا، ويحمل اكثر من تعريف، بسبب كثرة التفاصيل والحيثيات التي تحيط به، والابعاد التي تكتنفه"( ). الا ان غموض التعريف لم يمنع من تقديم تعاريف محددة لهذه المؤسسات البحثية المهمة، فعرفتها مؤسسة راند للأبحاث بأنها" تلك الجماعات او المعاهد المنظمة بهدف اجراء بحوث مركزة ومكثفة. وهي تقدم الحلول والمقترحات للمشاكل بصورة عامة وخاصة في المجالات التكنلوجية والاجتماعية والسياسية والاستراتيجية"( )، وعرفها (هوارد ج وياردا) أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورجيا والباحث في مركز ودرو ويلسون في واشنطن بأنها " مراكز للبحث والتعليم، ولا تشبه الجامعات او الكليات، كما انها لا تقدم مساقات دراسية، بل هي مؤسسات غير ربحية، وان كانت تملك منتجا وهو الأبحاث. هدفها الرئيسي البحث في السياسات العامة للدولة، ولها تأثير فعال في مناقشة تلك السياسات. كما انها تركز اهتمامها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والسياسة العامة، والدفاع والأمن والخارجية، كما لا تحاول تقديم معرفة سطحية لتلك المسائل، بقدر مناقشتها والبحث فيها بشكل عميق، ولفت انتباه الجمهور لها"( ). كما تعرف هذه المراكز بأنها:" تجمع وتنظيم لنخبة متميزة ومتخصصة من الباحثين تعكف على دراسة معمقة ومستفيضة لتقدم استشارات أو سيناريوهات مستقبلية يمكن أن تساعد أصحاب القرارات في تعديل أو رسم سياستهم بناء على هذه المقترحات في مجالات مختلفة"( ).أو هي " جامعات بلا طلاب ، أبحاثها الأكاديمية عالية الجودة ، هدفها بيان العواقب المحتملة لإتباع مجموعة من الخيارات في السياسة الخارجية"( )، وان الصلة التي تربط بين مراكز الأبحاث والدراسات والمسؤولين وصناع القرار جعلت البعض يصفها بأنها نوادي نصف سياسية ونصف مراكز بحثية وأكاديمية( ). ويستدل من هذه التعاريف على خصوصية مراكز الأبحاث؛ لكونها مؤسسات تجمع بين الخبرة، والمهارة، وخصوصية الدور الذي يجعل المجتمعات المتقدمة بافرادها ومؤسساتها وصانعي القرار فيها لا يستغنون عن وجودها. التوزيع العالمي لمركز الأبحاث والدراسات يمكن توضيح طبيعة التوزيع العالمي لمراكز الأبحاث والدراسات من خلال الجداول الآتية:( ) عدد مراكز الأبحاث في العالم لعام2011 عدد مراكز الأبحاث في العالم لعام 2015 وبناء على هذه الاعداد يكون تحديد نسب المراكز البحثية جغرافيا بين قارات العالم بالشكل الآتي: ويتضح من خلال الدراسات السابقة مايلي: 1- استمرار التزايد في عدد مراكز الأبحاث والدراسات على مستوى العالم، فقد كان العدد الكلي للمراكز عام 2011 هو (6545) مركز، فقفز الى (6846) مركز عام 2015، مما يدل على استمرار تصاعد الحاجة الى وجود هذه المؤسسات في العالم المعاصر. 2- ان العدد الأكبر من هذه المراكز يتواجد في الدول المتقدمة في الترتيب العالمي لدول العالم، مما يدل على ان هذه المراكز تمثل مؤسسات معرفية يرتبط وجودها بالتقدم العلمي والازدهار الحضاري. 3- ان وجود العدد الكبير من المراكز البحثية يعد دليلا على تقدم الدولة وزيادة ثقلها الإقليمي والدولي، والدليل على ذلك ان زيادة وتوسع النفوذ الإيراني إقليميا ودوليا ترافق مع زيادة عدد مراكزها البحثية، فنجد ان ايران كانت غائبة عن قائمة الدول الخمسة وعشرين الأولى في عدد المراكز البحثية عام 2011، ولكنها تقدمت بقوة لتحتل المرتبة 18 عام 2015 مع امتلاكها لعدد اجمالي من المراكز البحثية بلغ 59 مركزا، وهذا مؤشر طيب على تقدم هذه الدولة واتساع تأثيرها. أهمية مراكز الأبحاث والدراسات تتضح أهمية هذه المراكز من الأدوار المهمة التي تقوم بها في الوقت الحاضر، وهذه الأدوار يمكن اجمالها بما يلي:( ) 1-اجراء الأبحاث والدراسات، وتقديم التحليلات المعمقة والمنهجية حول المشكلات والقضايا الساخنة التي تواجه السياسات العامة. وفي ضوء ذلك، لم يعد دور مراكز الأبحاث في المجتمعات الغربية دورا ثانويا، وانما بات دورا أساسيا في رسم السياسات، وفي ترشيد عملية اتخاذ القرار. 2-دعم صناع القرار؛ اذ ان رجل الدولة وصانع القرار بحاجة لمن يبلور له الخيارات، ويوضح له السياسات، ويفصل له القضايا بشكل دقيق وعلمي.. وربما عدت المراكز البحثية هيئات استشارية لتلك الجهة او لذاك الجهاز الحكومي أو الأهلي؛ لأن مراكز الأبحاث يمكنها ان تقوم بما يلي: - تحديد الأولويات، ومن شان ذلك ان يوجه الاهتمام الى موضوعات معينة في السياسة العامة كالتعليم او الصحة او غيرها، فالمراكز البحثية تحدد أولويات التنمية في المجتمع، وتلفت انتباه صانع القرار لها، وتعمل على توجيه الأنظار الى المعضلات المجتمعية التي تواجهها التنمية المحلية والدولية. كما تسهم في إعادة اكتشاف الطاقات والموارد الجلية والكامنة، وهذا بدوره سيساعد على اكتشاف مسارات جديدة من اجل تنمية سريعة ومتواصلة. - اقتراح البدائل وطرح الخيارات، من خلال طرح الحلول والبدائل المتنوعة، بناء على تقييم السياسات والبرامج المطبقة. - تحديد الكلف العائدة لكل بديل، وتحديد المكاسب المتوقعة من كل بديل. 3- تقديم الاستشارات والارشادات لصانع القرار حول المستجدات العاجلة او الفورية، لاسيما القضايا التي تتطلب معرفة متخصصة، وسرعة اتخاذ القرار، وذلك بما توفره من النصائح العملية والبحوث العلمية والتطبيقية واستطلاعات الرأي العام، وبما تملكه من قاعدة بيانات يرجع اليها السؤولون وصناع القرار كل ما دعت اليه الحاجة. 4- لعب دور القناة الإعلامية للمسؤولين الكبار، عندما يعتمدون على بعض مراكز الأبحاث المقربة في ارسال رسائل استباقية أو تعابير فورية أو إشارات دبلوماسية غير مباشرة الى بعض الأطراف حول قضايا أو أزمات معينة. 5-إشاعة روح البحث العلمي ، والتعامل مع القضايا بموضوعية، وتعميم ثقافة البحث والتحري والاستدلال، ورعاية المبدعين واكتشافهم، وتوفير الفرصة للراغبين في البحث والتأليف والكتابة، وإقامة جسور التعاون بينهم وبين الجمهور. فضلا على تجسير الفجوة بين المعرفة والتطبيق، وتطوير البحث العلمي ومناهجه وادواته، بما يتوافق مع احتياجات الدولة والمجتمع والافراد. كما تقوم هذه المراكز بمتابعة احدث الدراسات، وترجمة منشورات ومؤلفات تصدر عن المؤسسات والمراكز البحثية في الدول الأخرى، خاصة الدول التي تكون موضع اهتمام خاص. 6- قدرة مراكز الأبحاث على القيام بالمسوح الميدانية واستطلاعات الرأي العام التي توفر بيانات ومعلومات ميدانية عن الموضوعات والقضايا المطروحة، ومواقف الرأي العام تجاه الحلول المتاحة، والتعرف على اتجاهات الرأي العام ومواقفه بعد اعلان الاستراتيجيات والسياسات العامة وتنفيذها، بما يتيح لصناع ومتخذي القرار ادراك نقاط الضعف ومعالجتها بصورة فورية. 7- القيام بدور الوسيط بين الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص بصورة مباشرة أو غير مباشرة للمشاركة في التوصل الى حلول واقعية للقضايا المثارة. كما تدخل المراكز كطرف توفيقي بين الأطراف الحكومية المتنازعة والمختلفة ؛ لتقريب وجهات النظر المتباينة حول اعداد سياسة معينة. فضلا على كونها قناة اتصال غير مباشرة او غير رسمية بين كبار صناع القرار في الدولة وبعض الأطراف الخارجية؛ لمعرفة مواقفها، واطروحاتها، وآرائها السياسية، وطبيعة أدوارها واهتماماتها، من خلال المشاركة في أنشطة علمية مشتركة أو دعوة هذه الأطراف الى الندوات والمؤتمرات التي تعقد بعناية في هذه المراكز. 8- اكتشاف المشكلات قبل وقوعها، ومن ثم التهيؤ لمواجهتها أو لقطع الطريق عليها والحيلولة دون وقوعها، اذ تؤدي مراكز الدراسات الاستراتيجية وظائف الإنذار المبكر، والاستعداد المبكر للمستقبل، للتحكم فيه او على الأقل المشاركة في صنعه، فهذه المراكز تمثل مجسات للاستشعار المبكر، واستقراء المستقبل، وتلعب دورا مهما في عملية التخطيط الاستراتيجي المستقبلي. 9- مرافقة خبراء مراكز الأبحاث والدراسات للوفود الرسمية كخبراء في القضايا التي تكون محل نقاش وتفاوض. 10- ممارسة دبلوماسية المسار الثاني أو الموازي- وزارة الخارجية تلعب دور المسار الأول- من خلال ارسال بعض خبراء المراكز من قبل مؤسسات حكومية معينة للتفاوض بشأن قضايا محددة، كما حصل في اتفاقية أوسلو، عندما قام تيد لارسون (رئيس معهد أبحاث السلام) في أوسلو بترتيب عملية التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكما حصل في قضية جنوب السودان من خلال الدور الذي لعبه جيمي كارتر، وغيرها من القضايا الدولية. 11- توفير المواهب والمهارات الإدارية من خلال سياسة الباب الدوار بين المراكز البحثية والمناصب العليا في الدولة، ففي كثير من الأحيان يتم اختيار بعض خبراء المراكز للعمل في المناصب العليا، والعكس صحيح، فكثير من المسؤولين عندما يتركون مناصبهم يذهبون للعمل في المراكز كخبراء او باحثين او مستشارين في الإدارة العليا او مجالس الأمناء، كما هو الحال في الولايات المتحدة الامريكية. 12- تقوم المراكز بدور مهم في عملية تشكيل الرأي العام؛ بسبب دورها المعرفي، وقدرتها على التكتل والضغط لمصلحة فئة معينة او تحقيق سياسة معينة. كيف تسهم مراكز الأبحاث والدراسات في مواجهة التحديات الشيعية بعد ان تحددت التحديات الكبرى التي تواجه شيعة القرن الحادي والعشرين، وتحددت ماهية مراكز الأبحاث والدراسات، يمكن القول ان الشيعة بحاجة ماسة لتفعيل وتوسيع عمل هذه المراكز؛ لان هذه المؤسسات يمكنها ان تحقق لهم ما يلي: - توفير قاعدة بيانات دقيقة وموثوق بها الى حد ما باعداد الشيعة وتوزيعهم الجغرافي في دول العالم المختلفة، وطبيعة المشاكل والصعوبات التي يعانون منها في كل بلد، ومن شأن هذه البيانات ان تكون مفيدة جدا في تحديد حجم التأثير الدولي والمحلي لابناء هذه الطائفة، وتحديد السبل الكفيلة بحماية حقوقهم وحرياتهم من الانتهاك من أي جهة كانت. - تلعب المراكز دورا مهما في المساعدة على مجابهة تحدي الاندماج والمشاركة؛ لما ستوفره من خيارات متعددة للتعامل مع هذا التحدي، ولما توفره من قناة اتصال وساحة تفاوض هادئة تسمح بتجاوز التشنجات والمواقف السياسية والاجتماعية المتعصبة، لترسم رؤية سياسية مستقبلية تسمح بإعادة تشكيل الدول والحكومات بما يتوافق مع مصالح جميع مكوناتها، لتحقيق الامن والاستقرار والسلام المجتمعي. - ان البيئة البحثية الاستدلالية، والنزعة العلمية التطبيقية، والتركيز المعرفي عالي الجودة، والحرية والاستقلالية العالية في طرح الأفكار والاراء داخل المراكز البحثية سيسمح لهذا المؤسسات ان تلعب دورا مهما في عملية التجديد الثقافي الديني وبما يتناسب مع حاجات ومتطلبات العصر، في اطار مؤسساتي يضمن التجديد والاستمرارية. ان عملية التجديد هذه تمثل اسا مهما في عملية الانطلاق الآمن والمؤثر للشيعة نحو المستقبل، ولا يمكنهم الاسهام الفاعل في عملية صناعة مستقبلهم الأفضل بدونها. -عقلنة القيادات، وترشيد قراراتها، وإنتاج القيادات وضمان كفائتها من الأمور المهمة التي سبق ان بينا حاجة الشيعة اليها، وهذا ما يمكن لمراكز البحوث والدراسات ان تقوم به، اذا توفرت الإرادة السياسية لصناع القرار الشيعي في احداث فرق في المجتمعات التي يحكمونها او يتشاركون الحكم فيها. -التأثير على الرأي العام المحلي او الدولي او إعادة توجيهه باتجاه خدمة القضايا الشيعية من الأمور المهمة التي تقوم بها مراكز الأبحاث والدراسات، وشيعة اليوم بحاجة الى ذلك لنفي صفة التعصب والتطرف عنهم او للتخلص من ضغط المتعصبين والمتطرفين والمشاركة الفاعلة في بناء دولهم وحضارتهم الإنسانية. - تغليب الفعل الاجتماعي العقلاني – القيمي على الفعل الاجتماعي التقليدي- العاطفي من المرتكزات المهمة لاعادة بناء الانسان والمجتمع الشيعي، وهذا يمكن ان يتحقق عندما تسود لغة البحث العلمي، والاستعداد للحوار والتفاوض، وادراك خيارات الحاضر والمستقبل، والبدائل المتاحة للوصول الآمن للاهداف.. ويمكن لكل ذلك ان يتحقق من خلال احترام دور وقيمة مراكز الأبحاث والدراسات. التوصيات ان ابرز التوصيات التي يمكن ان تخرج بها هذه الورقة البحثية هي: 1-الحديث عن حاجة الشيعة وغيرهم من أبناء مجتمعاتنا الاسلامية الى تأسيس مراكز أبحاث ودراسات لا يدخل في باب الترف الفكري لكاتب ما، بل هو حاجة استراتيجية تحتمها طبيعة التحولات والتحديات التي يشهدها عالمنا المعاصر، ولا يمكن الاستغناء عن وجودها في أي مجتمع يروم امتلاك ناصية التقدم والابداع والتميز. 2-لا يمكن لهذه المراكز ان تلعب دورها المطلوب مع وجود سلطة او جهات سياسية واجتماعية تخنق حريتها، وتجفف منابع قوتها الفكرية والمادية، او لا تقدر منتجها المعرفي ، ودورها الاستشاري. فالمطلوب ليس تأسيس مراكز بحثية فحسب، بل ان تكون هذه المراكز مؤهلة في بنيتها التحتية، ومحترم دورها من قبل مجتمعها وصانع القرار في الدول التي تعمل فيها. 3- تلعب المرجعيات الدينية الشيعية في الوقت الحاضر دورا مهما وخطير في حماية وتطوير الوجود الشيعي يكاد يفوق دور الحكومات، فهي التي تمسك بزمام القيادة الروحية وغالبا السياسية لمجتمعها الشيعي. وانطلاقا من هذه الحقيقة، تتحمل هذه المرجعيات مسؤولية كبيرة في دفع أبناء طائفتها الى اتخاذ المسارات الصحيحة لتفعيل دورهم الحضاري والإنساني، ومن هذه المسارات تشجيعهم على تأسيس مراكز قوية للأبحاث والدراسات، يتم تقديم الدعم الكامل- ماديا ومعنويا- لها، وتأكيد حضورها المعرفي، والاستفادة منها عند اتخاذ المواقف المرجعية، وفي معالجة القضايا والتحديات الملحة. ختاما، نقول: ان السفينة التي يتركها أهلها عرضة لتحكم الريح سرعان ما تتلاطمها الأمواج وتقذفها في مسارات خاطئة او تمزقها وتغرق من فيها، اما السفينة التي يتحكم أهلها في حركتها، فيتحسبون للاخطار قبل وقوعها، ويذللون العقبات التي تعترض مسيرها، غالبا ما يكون مصيرها النجاة والوصول الى مقصدها. والمعنى ان من يريد ان يكون له شأن في عالم اليوم، عليه ان يمتلك الأدوات المناسبة لتصدر المشهد فيه، فالبديل ليس لصالحه في مطلق الأحوال.
شارك الموضوع :

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية