عمل صانع القرار الكوري الشمالي على اخذ فرصتة في طرح نفسه على ساحة التنافس النووي الدولي في عام 2003 حيث انشغال العالم واقطابه الكبرى في الحرب ضد الارهاب ضمن حملة شنتها الولايات المتحدة الامريكية في عهد الرئيس بوش الابن بعد احداث 11 / 9 وهدف هذه الحملة كان هو تجفيف منابع الأرهاب، فأهملت بذلك بقصد او بدون قصد التطورات الدولية الاخرى والمتمثلة بأستثمار هذا التوقيت من الجانب الكوري وتطوير البرنامج النووي ضمن أستراتيجيات محكمة ومرصنة وفق مواصفات زمنية قياسية . هذا من الجانب الشرق الاسيوي .
اما في جانب الشرق اوسط حيث عملت ايران كذلك في هذه الفترة المفصلية على تجنب الحرب العراقية الامريكية في عام 2003 وهذا كان ضمن دافع دفع الكرة بعيداً عن النمو الدولي التي ترمي ايران الوصول اليه بواسطة مساعدات صينية وباكستانية لتطوير برنامج نووي ، بالاضافة الى انتظارها لمخرجات الحرب العراقية الامريكية 2003 (( وخير دليل على انتظارها للمخرجات هي عدم تلبية ايران دعوة الحلفاء بالسماح لها التدخل في الحدود العراقية اثناء الحرب )) وبذلك الانتظارتتمكن من رسم سياستها النووية وفق ثقلها الاقليمي المرسوم وفق سيناريوهات مستقبلية اذ ان انهيار الدولة الند او المنافسة لايران يتيح لها تلقائيا ان تكون هي مكانها ، فكسبت بذلك وبتسخير قوتها الناعمة ( الأدوات الثقافية والأعلامية والعقائدية ) الثقل الاقليمي بعد الحرب العراقية الامريكية لعام 2003 فخدمت الولايات المتحدة الامريكية برنامج ايران التوسعي في المنطقة بصورة غير مدروسة ودليل على ذلك تصريح الولايات المتحدة الامريكية بانها دخلت الحرب بناء على حقائق مغلوطة وهذا يكشف نظرتها المتشائمة للمخرجات .
بهذه النتيجة تطور البرنامج النووي الايراني بصورة جيدة رغم الحسابات الصعبة لصناع القرار العالمي بعدم الانتشار النووي في العالم والشرق الاوسط خصوصا بسبب محاولة الحفاظ على اسرائيل نووية وحيدة في المنطقة .
وبغض النظر عن المواقف الدولية الاخرى فان البرنامج النووي حقق نجاحا كبيرا خصوصا في مرحلة الاتفاق الدولي مع مجموعة الــ 5+1 وان الترويكا الاوروبية ملتزمة بهذا الاتفاق جيداً لكننا نشهد تغير كبير في نهج الولايات المتحدة الامريكية تجاة المواقف النووية لكل من كوريا الشمالية وايران حيث نراها سابقا تقود سلم تصعيد الازمة الى التصعيد الشديد لكلاهما ومن ثم تتفق مع ايران اتفاقا نوويا
واليوم نراها تحاول الوصول الى طرق مفاوضات جديدة مع كوريا الشمالية وتتبع التصعيد مع ايران فما هذا النهج الذي تسير عليه ؟؟
وبنظرة تحليلة بسيطة على المشهدين نستنتج الاتي :-
1- وصول الولايات المتحدة الامريكية في أزمتها مع كوريا الشمالية الى مرحلة متقدمة من الدبلوماسية حيث من الممكن تبني سيناريو اخضاع كبير للكوريين في المرحلة القادمة وخصوصا ان البرنامج النووي الكوري قد تبنى عقيدة عسكرية أساسية لضمان الامن القومي الكوري وان هدفها الامني الاساسي هو التخلص من التهديد التقني العسكري المتطور لكل من كوريا الجنوبية وحلفاء الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة الاسيوية .
2- الرئيس الامريكي يحاول خلط الاوراق من جديد وتتطبيق نظام عقوبات صارمة على ايران لاجبارها مستقبلا الخضوع لاتفاقات جديدة وفق معايير تتماشى مع الرغبه الامريكية .
3- تنفيذ السيناريو الذي من الممكن نجاحه في كوريا على ايران ومن فرص نجاحه ان البرنامج الكوري وصل الى مرحلة الردع النووي على العكس من البرنامج الايراني .
4- ترتيب الاوراق في الشرق الاوسط من جديد بعدما وصلت الصراعات الى مرحلة نهائية تقريبا فكل الاطراف المتصارعة اصبحت غير قادرة على الاستمرار بهذا الصراع . وهذا الترتيب يحتاج من يؤمن الحلفاء ويرهب الاعداء من جانب الولايات المتحدة الامريكية وقطعا ليست ايران من يحرك ادوات السياسة الخارجية الامريكية في المنطقة .
5- سلم التصعيد بين ايران والولايات المتحدة الامريكية لا يرتقي لتكون هناك حرب وانما تهديدات ردع قوية .
6- تقويض الدور الايراني ليس بمنحها اجازة التخصيب النووي وانما بأيقاف تطورها النووي بشتى الطرق والوسائل لكنها ضمن سقف محدود من التصعيد لا يرتقي الى مرحلة الحرب المباشرة .
7- حكمة صانع القرار الايراني لا تقوده الى الدخول في حرب نتيجتها مربكة بكل مقايسس النسبة والتناسب بين المصالح والخسائر .
وخلاصة القول ان التهديدات التي دارت وستدور جراء نقض الاتفاق بين ايران وامريكا سوف تقتصر على سياسة تقليم الاضافر ولا ترتقي الى حرب نووية او تقليدية بين البلدين .