التأثير الدولي والإقليمي على محادثات "جنيف3"

كان الخلاف الحاد حول من يجب أن يكون له الحق في تمثيل المعارضة في محادثات جنيف، في الوقت الذي أكدت تركيا ضرورة استبعاد بعض ممثلي الأكراد من المحادثات، اكدت السعودية على ضرورة أن يسمح فقط لقائمتها من المرشحين من التنظيمات المعارضة بالمشاركة في المحادثات، ليعلن بذلك عن بداية متعثرة لمحادثات جنيف 3)). يبدو بأن المتغيرات الدولية والإقليمية في منطقة الشرق الاوسط، سواء فيما يتعلق بنجاح المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني والدور الروسي الجديد في المنطقة، فضلاً عن توحد الجهود الدولية لمحاربة تنظيم "داعش"، ومعالجة ازمة اللاجئين السوريين والحالات الانسانية داخل سوريا، كانت دوافع حقيقية وادوات ضغط على المجتمع الدولي والأمم المتحدة لدفع بمحادثات جنيف (3)، وتجنب افشالها. والجديد هذه المرة بأن البعض من أطراف المعارضة اشترطت شروط مسبقة، مختلفة عن الشروط السابقة المطالبة بتنحي الأسد، للدخول والتمهيد لمحادثات "جنيف 3 "، على الرغم من أن القرار(2245) وضع القاعدة التفاوضية الاساس لكل الاطراف المعنية بشأن الازمة السورية في وقت سابق ومنع الشروط المسبقة للدخول في أية محادثات. وعلى مايبدو بأن هذا التغيير الحاصل في موقف بعض قوى المعارضة السورية " الجيش الاسلامي واحرار الشام" هو نتيجة لتلك التغيرات الإقليمية والدولية، وإدراكها لدور بشار الاسد في الدولة السورية ولو لمرحلة انتقالية، الأمر الذي كان مرفوضاً في كل الجولات التفاوضية والمحادثات السابقة، فضلاً عن التحول في المواقف الدولية، لاسيما بعد الاتفاق النووي الإيراني؛ لأن السعودية وقطر وكذلك الحال بالنسبة لتركيا ترى بأنها خرجت خاسرة بهذا الاتفاق والرهان على موقف الإدارة الأمريكية بشأن طموح إيران ودورها في المنطقة، وهو ما اعطى مساحة للمناورة السياسية والاستراتيجية بالنسبة لطهران اكثر من أي وقتاً مضى، وكذلك التغيير الحاصل في المزاج الغربي الأمريكي اتجاه إيران، وهو ما القى بضلاله على الموقف السعودي الخليجي من الازمة السورية، مما تسبب بترجيح كفة الطرف الروسي الإيراني على كفة الدور "السعودي القطري التركي". هذا الاختلال في التوازن هو بسبب وقف واشنطن وبعض حلفائها من تسليح المعارضة السورية، ونأي واشنطن بنفسها عن دعم المعارضة، هذا التحول في الموقف الأمريكي- الغربي هو نتيجة طبيعية؛ بسبب التخوف الغربي من الأيديولوجية المتطرفة التي تحملها بعض قوى المعارضة السورية المدعومة إقليمياً على غرار "جيش الاسلام واحرار الشام وغيرها من الجماعات المتطرفة" ذات الفكر الإسلامي الراديكالي الذي يتناقض مع بنود قرار (2245)، والعقل السياسي الغربي والأمريكي بشكل عام. ولهذا ستعول السعودية وحلفائها على مستقبل سوريا في هذه المحادثات لإعطاء جيش الإسلام صفة المعارض الأول والرئيس للنظام السوري وبالتالي اعطاءه الواجهة السياسية الأكبر في المحادثات والتمثيل الأهم في مستقبل سوريا؛ لضمان دور الرياض في مستقبل الدولة السورية وابعاد دور إيران أو منافسته على اقل تقدير. محادثات جنيف الاممية بشأن الأزمة السورية بدأت بتحفظ كبير من قبل قوى المعارضة، وتبادل التهم بين اطرافها، كذلك تبادل التهم بين الوفد الحكومي وبعض أطراف المعارضة، لاسيما تلك القوى المدعومة من قبل "السعودية وقطر وتركيا"، لتعلن عن بداية متعثرة للمحادثات التي شابتها حالة عدم الثقة المتبادلة، الأمر الذي جعل من حتمية انهيارها أمر وارد جداً، ويمكن أن تنهار في أية لحظة، وأنها تشكل تحديا "شاقا عسيرا"؛ لأن الثقة بين الجانبين، الحكومة والمعارضة، "تقترب من الصفر" على حد تعبير دي ميستورا. وكان الخلاف الحاد حول من يجب أن يكون له الحق في تمثيل المعارضة في محادثات جنيف، في الوقت الذي أكدت تركيا ضرورة استبعاد بعض ممثلي الأكراد من المحادثات، رغم أن المقاتلين الأكراد كانوا الطرف الأكثر نجاحا في قتال تنظيم "داعش"، وبموازاة ذلك أكدت السعودية ضرورة أن يسمح فقط لقائمتها من المرشحين من التنظيمات المعارضة بالمشاركة في المحادثات. وفي الوقت الذي رفض فيه ممثل الحكومة السورية أية شروط مسبقة من قبل أطراف المعارضة السياسية، اشترطت الاخير وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار عن بعض البلدات المحاصرة، ووقف الضربات الجوية. والمريب في الأمر أن كلا الطرفين تحدثا بما تضمنته بنود القرار (2245)، هذا، فضلاً عن المطالب التعجيزية التي تلقتها البعثة الأممية بقيادة ستيفان دي ميستورا من كلا الطرفين "المعارضة والحكومة السورية" بعد يوم واحد من إعلان الامم المتحدة انطلاق المحادثات بشأن سوريا، وهذا ما يؤشر على تغلغل النفوذ الإقليمي والدولي المؤدلج على كلا الطرفين، لاسيما اطراف المعارضة المشتتة بين الدور السعودي والقطري والتركي، وهذا ما كان سببا في تأخر تلك القوى لمدة ستة أيام عن محادثات جنيف، وهو ذات الامر الذي اتهمت به المعارضة من قبل الوفد الحكومي السوري، بأنها خالفت شروط الرسالة التي وجهها المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا إلى الوفدين؛ وذلك بسبب تعدد الوفود وعدم الاتفاق على وفد محدد ومشترك. وهذه هي احدى المأخذ التي تؤشر على تشتت قوى المعارضة بين النفوذ الإقليمي والدولي. ايضاً ما يؤشر على كل المحادثات الخاصة بشأن سوريا هو الضعف الداخلي السوري، وتغيب دور الإرادة السورية في المحادثات، لاسيما فيما يتعلق بالمعارضة السورية. هذه المعارضة التي صنعها الإعلام والمال الخليجي والتركي وبعض من داعميها الغربيين، هي اليوم مشتتة بين الادوار الإقليمية والدولية، الأمر الذي اضعفها بشكل كبير عن المناورة السياسية وافقدها إرادتها الجدية في المحادثات الاممية، أي أن هناك ضعف داخلي كبير لهذا القوى، وتكاد تكون غير ممثلة عن الداخل السوري (تمثيل إعلامي فقط)، مما افقدها الرؤية الاستراتيجية لإدارة المفاوضات ولمستقبل الدولة السورية؛ لأن السعودية وقطر لايمكن أن تصدر نظام ديمقراطي وحقوق انسان وتنمية سياسية وبشرية للدولة السورية، وهي فاقدة لكل معايير الانظمة السياسية الحديثة، وكذلك الحال بالنسبة لتركيا الداعمة للجماعات المتطرفة، لاسيما وأن اوردوغان صرح مسبقاً بأن المعارضة لن تذهب لجنيف في ظل عدم توقف القصف الروسي ومشاركة الاكراد في المحادثات، وعد اوردوغان مشاركة المعارضة في ظل هذه الاوضاع خيانة لمن يقاتلون. الأمر الذي أضعف قوى المعارضة السياسية وأفقدها الثقة بنفسها وإرادتها الداخلية السورية للمناورة السياسية والدبلوماسية ضد نظام بشار الاسد سواء داخلياً أم على مستوى المحادثات الأممية، مما اعطى النظام السوري مناورة أكثر في المحادثات. ولهذا فان تغلغل الدور الإقليمي والدولي في المحادثات، وغياب الرؤية الحقيقية للمعارضة السياسية السورية، والرضوخ للاستفزازات الإقليمية وللنظام السوري؛ كانت سببا رئيسا في انهيار كل المحادثات السابقة واخرها جنيف (3)، على الرغم من تأجيلها إلى يوم 25من الشهر الجاري، الذي سبقها اجتماع في مدينة ميونخ الألمانية، وهو بالحقيقة فشل مقَّنع لمحادثات جنيف3)). هذا الفشل حملته واشنطن وبرلين وباريس على لسان وزراء خارجيتها إلى النظام السوري؛ بسبب استمرار القصف الروسي والتقدم العسكري للجيش السوري في بعض مناطق ريف حلب الشمالي وفك الحصار عنها. أما الروس فقد حملوه لقوى المعارضة وداعميهم، إلا أن هذا الفشل هو فشل حقيقي لقوى المعارضة السياسية؛ بسبب التقاطعات السياسية والاستراتيجية بين الدول الداعمة لهذه القوى وعدم التوحد في الرؤى وبسبب غياب الإرادة السياسية الوطنية والموحدة لقوى المعارضة السياسية. وعليه أن لم تكن هناك رؤية استراتيجية وطنية، وإرادة حقيقية ومشروع وطني حقيقي متكامل معارض للنظام السوري وواضح في اهدافه وبرنامجه السياسي، وعدم الرضوخ كلياً للتأثير الإقليمي والدولي، من الصعب أن تكون هناك محادثات سلام تنهي الأزمة السورية، وكلا الطرفين " الحكومة والمعارضة" بحاجة إلى الجلوس والتحاور بشكل مباشر "حوار سوري - سوري" بعيداً عن التحضيرات والاجتماعات الإقليمية، وبعيداً عن مؤتمرات الرياض ودور موسكو وطهران وضغوطات تركيا ودعم قطر؛ لأن التوحد بين القوى المعارضة سيحقق الهدف الأول وهو أن يكون هناك طرفين فقط، طرف معارض وطرف حكومي بعيداً عن الضغوط الإقليمية والدولية.
التعليقات