قضاء طوزخرماتوا والعد التنازلي لمرحلة ما بعد داعش

ما من شك إن دخول تنظيم داعش للعراق في منتصف عام 2014 كان قراراً متخذ في عواصم ودوائر عتيدة الأهداف والمصالح الإستراتيجية في المنطقة بصورة عامة والعراق خاصة ، في المقابل مسلمات نجاح هذا القرار وسريان تطبيقه كانت تسير حسب المراحل التي تتطلب ذلك ، ومنها البيئة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية كلها كانت مهيئة لاستيعاب تلك المخططات، في العراق حكومة ضعيفة متناحرة الإطراف وقائمة على أسس قومية وطائفية وحزبية ؛ مؤسسات أمنية شكليه خالية من الأسس والقواعد التي تمكنها من مواجهة التحديات الداخلية والخارجية ، من تلك المخططات التي تعالت الأصوات بها هي تجزأت العراق إلى دويلات قائمة على أسس قومية وطائفية . مشاريع التقسيم للعراق كانت شبه قائمة قبل دخول هذا التنظيم ودلالات ذالك إن إقليم كردستان واقعيا كان يمارس وضع سياسي داخلي وخارجي واقتصادي وعسكري ...، بمعزل عن الحكومة المركزية في بغداد وبما هو دولة قائمة ذات سيادة ، مرحلة تنظيم داعش بعد سقوط الموصل جاءت لتعطي له مقومات أخرى في تعضيد مشروع الدولة التي يسير فيها وتختصر له الكثير من المسافات ، فخارطة تنظيم داعش التي قامت على ضم كافة مناطق الأقليات إلى دولة التنظيم المزعومة ومنها قضاء سنجار وتلعفر وطوزخرماتو إي مناطق الأقليات والتي اغلبها كانت تشهد صراع سياسي وامني وأداري بين حكومة المركز في بغداد وحكومة الإقليم ، كل ذلك كان يصب في مصالح الإقليم الذي أدرك إن مشروع تنظيم داعش بذاته ليس مشروع دولة وسيطرة على الارض واقامة كيان وفق مقومات ومبررات غير منطقية وغير مقنعة لا في الداخل ولا في الخارج غير ممكنة وضرب من الخيال ، إذن كانت كردستان تدرك إن مشروع تنظيم داعش مقدمة لمشروع كبير أكثر إقناعا وترجمة على الأرض ، لذلك كان إستراتيجية كردستان في التعامل مع زحف التنظيم على المناطق المتنازع عليها والتي كانت تقع تحت سيطرتها تمثلت في تركها لتلك المناطق بأهلها للتنظيم دون إي قتال وهذا ما حدث في سنجار وطوزخرماتو وسهل نينوى وغيرها من المناطق ، إذن كان هنالك ملامح ومؤشرات تدل على توافق بين المشروع الكردي والمشروع والمخطط الذي جاءت به داعش إلى العراق على المناطق المتنازع عليها أو مناطق الأقليات الدينية أو العرقية وكذلك على باقي المناطق الأخرى في العراق ، التوافق هذا إما كان بصورة مباشرة في الإعداد والتخطيط وتقاسم النتائج أو ضمني استطاع الاكراد استعمال حنكتهم السياسية في توظيف ما حدث لصالحهم أو إن الامر وكما يعرف في المثل الدارج (مصائب قوم عند قوم فوائد) ، فالمناطق المتنازع عليها التي سقطت بيد تنظيم داعش وبحكم قربها من إقليم كردستان وبعدها عن حكومة المركز ، تحريرها حتما يكون من نصيب الإقليم وليس من نصيب حكومة المركز وهذا ما حدث في سنجار ، أما طوزخرماتو فبحكم الامتداد العقائدي الذي يربط أهلها بالوسط والجنوب كان تحريرها توافقي بين القوات الكردية من جانب والقوات الحكومية من جانب أخر . توافقية القوات التي حررت هذا القضاء كانت آنية ظرفية وليست لمرحلة ما بعد داعش ، كلا الطرفين الجانب الكردي والجانب العربي في بغداد لم يكن سائد بينهما وفاق الثقة حتى يمكن أن يكون تحرير القضاء مرحلة نهائية ومرحلة استقرار لسكانه وهذا ما حدث في ديالى سابقا ، طرف ثالث في المعادلة في قضاء الطوز وهو التركمان ، التركمان في عداء وعدم وئام مع الطرف الكردي في مناطقهم والمناطق القريبة منهم فهم يتهمون الاكراد بإتباع سياسة التغيير الديمغرافي وفي بعض الاحيان التطهير العرقي ، وهذا تؤكده الكثير من القوى السياسية التركمانية في بغداد ، بغداد بدورها غير قادرة سياسيا وعسكريا واقتصاديا أن تقوم بفتح جبهة إلى جانب الجبهات التي تقاتل فيها مع الاكراد . الاكراد وضعهم السياسي والدستوري داخل الإقليم وخصوصا بعد انتهاء فترة حكم مسعود البرزاني كرئيس للإقليم التي يعيشون الجدل حولها يبحثون عن جعجعة خارج الإقليم تحاكي المطامح القومية لهم وخاصة نوايا مسعود البرزاني الذي يبحث عن متنفس من خلاله يسوق نفسه كحامي أو مدافع عن الحلم الكردي بقيام دولة كاملة الاستقلال ، بغداد تدرك إن ما يحدث في قضاء طوزخرماتو هو من اجل جرها إلى هذه النوايا والحقائق المبيتة تارة والظاهرة للعلن تارة أخرى وكموقف رسمي حكومي وظفت أدواتها السياسية في معالجة هذه الأزمة الاخيرة هذا القضاء ، مواقف أخرى شبه رسمية تأرجحت مدياتها بين التصعيد والتهدئة مع الإقليم حول إحداث هذا القضاء ، قوى أخرى في الحشد الشعبي تبادلت الاتهامات مع الإقليم وهدد بعضها بإرسال عدد من تشكيلاته العسكرية للقضاء لحماية التركمان وبالفعل قامت بعض الفصائل بالحشد بإرسال قوات إلى القضاء لحماية الأهالي هناك، الاكراد أيضا عززوا الموقف العسكري في القضاء وذلك باستقدام عدد من قوات البشمركة من السليمانية . إحداث طوزخرماتو يمكن إن تكون لها علاقة بما حدث في سنجار وما يحدث في مدينة الانبار ، تحرير سنجار أعطى للجانب الكردي دافع ونشوة وربما زاد الغرور والثقة العالية بتلك القوات التي حررت القضاء ، وبالتالي أصبح يبحث عن مناطق أخرى للأقليات تكون تحت سيادته العملية وهذا ما عزم على تطبيقه في قضاء الطوز .أما ما يحدث في الرمادي من عمليات عسكرية ضد تنظيم داعش ووصول القوات العراقية هناك إلى مرحلة الحسم ضد التنظيم وإعلان المدينة محررة أيضا ربما يقلق الاكراد ، كونهم يتخوفون من وجهة تلك القوات بعد الرمادي حال توجهها إلى مدينة الموصل حيث المعقل الأخير للتنظيم ، أيضا تحرير الرمادي يعطى صورة لامعة وحضور قوي للقوات العراقية في المحافل الإقليمية والعالمية الداعمة للعراق عسكريا وهذا أيضا يغيض الجانب الكردي كون تلك الصورة تحجب الرؤيا عن قوات البشمركة وانجازاتها على الأرض، لذلك نرى أنها استبقت تحرير الرمادي بتحرير سنجار لتجذب الأنظار إليها. الجانب الامريكي وعلاقته بإحداث طوزخرماتو فيمكن القول إن الطرف الكردي لا يتحرك بدون اخذ الإيعاز من حلفائه في العالم وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، على اقل تقدير فهو لمس عدم اعتراضها أو تحفظها على إي استفزاز يقوم به في مناطق حساسة كـ قضاء الطوز وربما وجد الأمريكان الموقف والتحرك الكردي الأخير في هذا القضاء تعضيدا لاستراتيجيتهم في العراق. خلاصة ما تقدم يمكن القول: أن الصدام العسكري المباشر بين العرب الشيعة من جهة والأكراد من جهة أخرى على المناطق ذات الأقلية الدينية والعرقية حقيقة لابد وان تحدث لكن الشيعة يحاولون تأجيلها إلى وقت أخر كونهم غير متفرغين لها في الوقت الحاضر، فهم يعتبرونها نتيجة لسلوك الاكراد لابد منها بينما الاكراد يعتبرونها حقيقة لابد من وقوعها عاجلا أم آجلا.
التعليقات