حلف الناتو وسباق النفوذ مع روسيا على سوريا

حلف الناتو منظمة عسكرية تشكلت في 4 ابريل عام 1949 في واشنطن وتضم 12 عضواً وتسمى هذه المنظمة أيضاً بحلف الشمال الأطلسي، كان الهدف من تأسيس هذه هو توحيد القوى الأوربية والأمريكية لغرض مواجهة النفوذ والتفوق العسكري السوفيتي آنذاك. وتعد روسيا اليوم الخلف القانوني والواقعي للاتحاد السوفيتي السابق ، وهي إحدى الدول الكبرى وعضو دائم في مجلس الأمن وذات مساحة تعد الأكبر من بين مساحات دول العالم، وتعمل بشكل وجهد حثيث من اجل استرجاع ارث الاتحاد السوفيتي سابقا في النفوذ والتوسع كـدولة كبرى على المسرح العالمي،أثناء وبعد الاتحاد السوفيتي بين تلك القوتين العملاقتين في العالم لم يحدث صدام مباشر بينهما اما الصدام او الحروب بالنيابة بينهما حدثت في أكثر من مكان في العالم ومن أمثلتها حرب يوغسلافيا وغيرها من مناطق العالم. أزمة سوريا اليوم انجلت على أثرها ساحة الصراع والتنافس بين حلف الشمال الأطلسي وروسيا الاتحادية بأبهى صورها، فمنذ بداية الأزمة السورية أخذت تزداد يوما بعد أخر ساحة الصراع هذه، وكعادته الحلف لم يدخل في الأزمة بكل أعضاءه إلـ 12 بل اكتفى بكل من الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الحظ الأوفر في القوى العسكرية والعددية والتقنية فيه وكذلك تركيا صاحبة الحدود الجغرافية الأطول مع سوريا، تلك القوتين في الحلف دعمتا إعلامياً وعسكرياً و لوجستياً القوى التي تقاتل النظام السوري في الداخل والقادم بعضها من الخارج على شكل أفراد وجماعات . أما روسيا ومنذ بداية الأزمة دعمت بقاء النظام السوري وعللت موقفها ذلك بعدم سماحها وخوفها من تكرار تجربة ليبيا التي تدخل حلف الناتو فيها واسقط النظام هناك وأنتج دولة متفككة يسودها التفكك والتناحر وغيرها من التبريرات ، لذلك تميز موقف روسيا بالصلابة والتعنت وعدم التماشي مع الناتو والغرب في الازمة السورية ، اما الناتو والممثل بتركيا والولايات المتحدة الأمريكية ونتيجة استحالة استنساخ الطريقة التي قاما بها في ليبيا أقدما على طريقة أخرى لإسقاط النظام السوري وهي دعم المعارضة السورية والتي تدحرجت في النهاية لتصبح في أهدافها ومتبنياتها وبصورة او أخرى تنظيمات متشددة تكفيرية متمثلة في : تنظيم النصرة وداعش وجيش الإسلام وجيش الفتح ،لم تستطيع تلك التنظيمات المتشددة إسقاط النظام السوري بسبب الدعم العسكري الروسي المتواصل للنظام السوري، الناتو وقع في خطأ استراتيجي في سوريا وهو أنه لم يحسم الملف الليبي الذي لازال عاصفا في الكثير من الإحداث والاضطرابات الرهيبة في هذا البلد والذي أصبح مسرحا لتصارع الكثير من الجماعات المتناحرة حول السلطة والتي أصبحت تقلق كثير من جيران هذا البلد ،روسيا وضفة ما يجري في هذا البلد دبلوماسياً وإعلاميا إمام الرأي العام العالمي وفي أروقة المؤسسات والمحافل الدولية للحيلولة دون تطبيق هذا السيناريو في سوريا على يد حلف الناتو ، امام كل هذا وفي ضل تعقيدات الحسم العسكري في أزمة سوريا لم يكن امام الناتو الا إن يقوم بدعم الجماعات التكفيرية التي تقاتل النظام نيابة عنه إلى جانب تحركات قام بها بصورة مباشرة، والتي اخفق في تنفيذ بعضها من اجل إسقاط النظام السوري والتي شكلت مرحلة قريبة من تلك التي حدثت لليبيا وهي :- 1-التحرك العسكري الأمريكي لإسقاط النظام السوري بصورة مباشرة، وذلك عام 2013 بذريعة استخدامه للسلاح الكيمياوي في ريف دمشق، والذي لقى معارضة دولية وانقسام بين مكونات حلف الناتو تمثل بانسحاب بريطانيا ومن ثم فرنسا من المشاركة في ضرب النظام السوري ومعارضة روسيا والصين لهذه الخطوة بشدة. 2-التحرك الأمريكي في منتصف عام 2014 لتشكيل تحالف دولي لمقاتلة داعش في سوريا والعراق، شكل هذا التحالف فعلياً الا أنه وحسب كل المعطيات الميدانية العسكرية والمنطقية ساعد كثيرا على تنامي وتطور قدرات داع على الأرض واستطاع يحافظ عليها. 3-محاولة تركيا انشاء مناطق حضر للطيران في شمال سوريا وذلك بحجة حماية المدنيين من قصف الطائرات السورية والذي أيضا لم يلقى التأييد والدعم ألأممي والعالمي. حلف الناتو عند دراسته وتفكيك قواعد الاستراتجيات التي يقوم عليها في بسط النفوذ والهيمنة في العالم نجده لم يكن أكثر من أداه بيد الولايات المتحدة الأمريكية التي تحاول إقحامه معها شكليا في تنفيذ استراتجياتها في العالم وذلك من اجل تلافي النقد العالمي الذي يوجه اليها وخصوصا من حلفائها الأوربيين وهذا ما قامت به في أفغانستان في عام 2001 وفي ليبيا عام 2011 ومحاولتها الاخيرة في سوريا، في سوريا وفي مناطق كثيرة من العالم الولايات المتحدة تهدف إلى تحقيق عدد من الأهداف الإستراتيجية التي تحقق لها نفوذ وهيمنة اكبر وهي :- 1-السيطرة على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية. 2-وضع اليد على جميع مصادر الثروة الطبيعية "من مواد أولية ومصادر الطاقة" التي تعتبر عوامل حسّاسة لنمو ثرواتها ونفوذها وذلك عبر فعاليات الشركات متعددة الجنسيات. 3-التحكم في المنظمات الدولية السياسية والأمنية والاقتصادية. 4-الغزو والاحتلال ومراقبة هذه العناصر بواسطة شبكة من القواعد العسكرية المنتشرة في كل أركان الكرة الأرضية "في القارات، والمحيطات والجو، والفضاءات. تصطدم تلك الأهداف الإستراتيجية الأمريكية بنفوذ قوى عالمية أخرى كـالنفوذ الروسي والنفوذ الصيني ونفوذ عدد من الدول الإقليمية الأخرى مثل إيران ، وان العامل الأهم بالنسبة للولايات المتحدة هو احتواء النفوذ الروسي وتقويضه وهذا ما يحدث اليوم في أزمة سوريا ، أما احتواء وتقويض النفوذ الصيني لازال وحسب المعطيات على الأرض مؤجل ، لذلك مثلت الأزمة السورية الاصطدام الحقيقي بين النفوذين الأمريكي والروسي ، روسيا بالنهاية استشعرت إن التنازل عن نفوذها في سوريا يعني القبول والاستسلام للنفوذ الأمريكي وحتى النهاية على العالم وعلى كل ما ورثته من الاتحاد السوفيتي وإطلاق اليد الواسعة للغرب الممثل بحلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية وذلك من خلال الاستمرار في نهش مصالح ومناطق نفوذها ، لذلك جاء تدخل روسيا العسكري في الوقت المناسب في للوقوف بوجه الإستراتجية الأمريكية والأطلسية في سوريا. المعطيات الميدانية السورية المباشرة التي استدعت التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا ضد الجماعات التكفيرية هي: - 1-اقتراب حلف الناتو بالسيطرة على مناطق شمال وشرق سوريا 2-ملف المهاجرين السورين والعراقيين إلى أوربا ومحاولة أوربا التدخل العسكري المباشر في سوريا لإنهاء أزمتها انطلاقا من تبرير الحالة الإنسانية للمهاجرين 3-ضعف الجيش السوري وإنهاكه وعد م قدرته على الصمود أكثر في وجه الجماعات التكفيرية 4 -استشعار روسيا بترحيب الرأي العام العلمي والإقليمي بتدخلها العسكري في سوريا خصوصا بعد تشكيك الكثير بجدوى التحالف الأمريكي المشكل من 60 دولة في القضاء على تنظيم داعش وغيرها من التنظيمات في سوريا والعراق. ان الاحتكاك المباشر بين الناتو وروسيا والذي حدث قبل ايام والمتمثل في قيام إحدى الطائرات الحربية الروسية ميغ 29 لبضع دقائق، والموقف التركي من الحادثة حاول إدراجها ضمن المسلسل الدعائي الرامي إلى تشويه التدخل الروسي في سوريا، اما الناتو فقد أقدم على مشاطرة تركيا في الهجمة الإعلامية على روسيا، إما الولايات المتحدة الأمريكية إذ اعتبر البنتاغون أن الحادث المذكور لم يأت صدفة. وفي النهاية فأن منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً سورياً والعراق منطقة صراع وتنافس عسكري مباشر بين لاعبين عالميين يتميزون بتأريخ طويل من الصراع والتنافس والحروب بالنيابة والوكالة وسباق التسلح فيما بينهما ، كما ان لعبة الدول الإقليمية في أزمتي سوريا والعراق خرجت بعد وصول مرحلة الصراع في البلدين إلى هذه المرحلة من التدخل لتحل محلها لعبة الأقطاب العالمية الكبرى المتمثلة في روسيا من جهة والولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو من جهة اخرى .
التعليقات