عاصفة الحزم السعودية ليست بالتطور المفاجئ بالنسبة للموقف السعودي اتجاه حركة أنصار الله (الحوثيون) الذين يعدون العدو الأكثر تماسا جغرافيا بالسعودية وهم يمثلون الأغلبية في المدن التي تشكلها حدود البلدين، فضلا عن اختلافهم المذهبي مع السعودية في وقت يثير هذا الاختلاف صراعا من اجل الوجود داخل بعض دول المنطقة، وتمددهم عسكريا وسياسيا واجتماعيا منذ عام 2013 الى يومنا هذا وسطوتهم على القرار السياسي والعسكري في اليمن ، هذا ما يدركه المراقبون والمتابعون لشؤون وتوازنات القوى في المنطقة، في المقابل هناك من يرى أن الحوثيين لم يجيدوا لعبة التوازنات في المنطقة، وما يستشف من هذه العاصفة أنها تمثل عمليا استراتيجيات حرب بالوكالة بين المحورين الإيراني ومن يتبعه، والسعودي ومن يتبعه كل هذا يستوقف الباحث عند عدد من المحطات منها:
السعودية وقرار التدخل العسكري ضد اليمن
في اليمن استطاع الحوثيون بالتنسيق مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي يتزعم حزب المؤتمر الشعبي العام حسم الموقف عسكريا وسياسيا لصالحهم، واضعاف قيادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي؛ مما اضطره في نهاية المطاف الى تقديم استقالته. وخارج اليمن تعيش المنطقة وضعا حرجا للغاية، فهناك الصراعين السوري والعراقي وتطورات الاحداث في لبنان وهي ساحات يبدو ان السعودية تخسر فيها لعبة النفوذ لصالح إيران بشكل جعلها محاطة بجدار إقليمي مناوئ لها عسكريا، وعقائديا، وأيدلوجياً. وأمام هذا التطورات وغيرها قامت المملكة بالإعلان في 26 مارس 2015 فجراً عن عاصفة حزم عسكرية جوية، والتي اتخذت في بداياتها الطابع العربي بينما انكشفت بعد فترة من انطلاقها أنها سعودية خالصة.
الأهداف التي حققتها هذه العاصفة
سؤال طرح ومازال يطرح رغم الإعلان السعودي عن إيقاف عاصمة الحزم، والذي تبين فيما بعد انه شكلي، وهو ما الذي حققته تلك العاصفة بعد مرور أكثر من شهر على شنها؟ القيادة السعودية أعلنت في بادئ انطلاقها عن جملة من الأهداف تستهدف تحقيقها وهي:
1- تقويض سيطرة الحوثيين وتحجيم نفوذهم في اليمن وإيقاف زحفهم في عدن وغيرها من المدن.
2- إعادة السلطة إلى الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي.
3- إنهاء تحالف الجيش والقبائل مع الحوثيين.
4- إعادة الحوثيين، وعلي عبد الله صالح إلى المفاوضات وتحت الشروط السعودية في نهاية المطاف.
هذه الأهداف وبعد انقضاء أكثر من شهر من القصف الجوي على اليمن لم يتحقق منها اي شيء، بينما في الجانب الآخر استطاعت قوات الجيش الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وأنصار الله الحوثيين من توسيع رقعت سيطرتهم على كثير من المدن والمناطق التي تخضع لسيطرة قبائل،وبعض القوى العسكرية الموالية للرئيس المستقيل هادي عبد ربه منصور، كما أن الشرعية لم تعد إلى الرئيس المستقيل،أيضا لم يعلن أي من الحوثيين، وحزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح موافقتهم على قبولهم المفاوضات تحت المظلة السعودية وخارج البلاد ، أمام هذا العجز لعاصفة الحزم في تحقيق الأهداف المعلنة تتجه الأنظار إلى حقيقة تحدث بها الجميع، وهي: أن القصف الجوي لا يجدي مع الحوثيين، وقوات صالح؛ وهذا ما يستدعي الدخول البري لتحقيق تلك الأهداف، ولكن هل تتمكن القيادة السعودية من اتخاذ قرار التدخل البري في اليمن ؟ الجواب هو: استحالة قدرة السعودية على اتخاذ هكذا قرار نظرا للمعطيات الآتية، وهي:
1- عدت الحسابات العسكرية السعودية مرحلة التدخل البري بعد التدخل الجوي لكنها سرعان ما تبددت؛ كونها اعتمدت على وعود تحالفات قوى اقليمية لها بالمساندة في ذلك، لكن الذي حدث هو انفض التحالف الذي أعلنت عنه لهذه العاصفة، وهو انسحاب كل من باكستان ومصر أهم قوتين كانت تعتمد عليهما في شن هجوم بري بعد الجوي على اليمن.
2- التدخل البري سوف ينظر إليه من قبل الشعب اليمني كعملية غزو مما يؤدي الى توحد كل اليمنيين في مواجهته.
3- في حال اتخاذ السعودية لوحدها قرار التدخل البري في اليمن بدون شك؛ تكون أدخلت نفسها في مستنقع لا تخرج منه، الا وهي مهزومة كون أن جيشها لم يخض حربا برية بعد، كما ان اليمنيين وخصوصا الحوثيين لديهم تجارب مهنية أنتجتها لهم الحروب الداخلية، والتي تساعدهم على هزيمة الجيش السعودي ان دخل اليمن.
أثر عاصفة الحزم السعودية على العراق
كل ما يحدث في الجوار العراقي وفي المنطقة من حروب وأزمات سواء كانت داخلية كما في سوريا أو بين الدول كما هو بين إيران والسعودية او بين دول وتنظيمات أو حركات كما هو الحال بين السعودية والحوثيين، تؤثر على العراق في الاتي:
- من شأنها تعميق الصراع والاقتتال الطائفي المباشر بين السنة والشيعة في المنطقة والتي يتأثر بها العراق ويعاني من بعض صورها حاليا تحت مسميات عدة، ويمكن ان تكون الاختلافات بين السياسيين المدخل المباشر الى ذلك.
- تعطي قوة للتنظيمات المتشددة وتشعرها بوجود قوى عسكرية منظمة وظاهرة للعيان ومدعومة دوليا وتمثل قطب إقليمي مهم تقف خلفها كما هو الحال في تنظيم القاعدة في اليمن اليوم الذي تعبد أمامه الطرق بفعل الضربات الجوية على الحوثيين، فهو يمر بمرحلة أعادت بناء وتنظيم نفسه من جديد وهذا التنظيم كثيرا ما عانى منه العراق ولازال يعاني من وليدته تنظيم داعش حاليا في مناطق واسعة من أراضيه.
- تخوف من احتمال طلب بعض القوى السياسية العراقية للقيام بتحرك عربي لمساندتها عسكريا ولو كان جويا او تشكيل منطقة حضر جوي لها في مناطقها للحيلولة دون دخول القوات الحكومية الحشد الشعبي لمناطقها في تحريرها من داعش.
- عاصفة الحزم بغض النظر عن أي نتيجة عسكرية لها فهي إعلان عن قطب عسكري خليجي بمواجهة إيران بعد أن كان العراق يمثله فيما مضى والعراق بوضعه الحالي يتخوف من تحول أجوائه وأراضيه ومياه الإقليمية مسرحا له.
- العراق بوضع الاقتصادي ونتيجة لانخفاض أسعار النفط فهو متخوف من تطور هذه الاحداث الى مواجهات إقليمية أكثر اتساعا وشمولاً وبالتالي تتوقف صادراته النفطية التي تشكل العمود الفقري لاقتصاده وكذلك استيراده والذي يشكل منفذ الخليج حولي 80% منها.
في النهاية عاصفة الحزم لم تكن تدخلا عسكريا سعوديا وعربيا في بلد عربي أخر شقيق بالمفاجئة، المفاجئ هذه المرة أنه أعلن عنه أمام العالم وتحت مبررات غير مقنعة, وكما يصفها البعض أنها لم تقنع حتى بعض الأقطاب في العائلة الحاكمة في السعودية، التي شاهد الجميع كيف تسارعت التغيرات فيها من عزل لبعض رموزها وتنصيب آخرين محلهم، وان اليمنيين لم تؤثر الحرب عليهم بشيء فهم شعب تعود على حياة الحرب والقتال، كما أنهم شعب فقير وليس من أرباب المصانع والشركات العابرة للحدود يمكن أن ، لكن تبعات هذه الحرب يمكن أن تؤثر على العراق؛ لأن لديه الكثير من الموارد الاقتصادية التي تحتاج الى بيئة آمنة لاستثمارها ، ويعيش وضعا امنيا يجعله عرضة للتأثر بمجريات هذه الحرب.
اضافةتعليق