استهداف الجيش والحشد الشعبي... الأسباب والنتائج

إن المؤسسات العسكرية, والتي تعتبر العمود الفقري للدولة, والقاعدة الأساس التي تنهض بكامل أجهزتها, وهي موقع السويداء في قلب السلطة, أي أنه في النقطة الحساسة ¬ الحرجة التي تلتقي حولها مؤسسات الدولة, فالجيش هو الذي يصون وحدة الأجهزة العامة والخاصة, ويحدد نمط الاتجاهات الوطنية والاجتماعية, بما فيها من سياسة وطنية وسياسة إدارية عامة, وسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية, ويسهر على سلامة العلاقات, التي تربطها بعضها بالبعض الآخر, ومن هذا الموضع رأى علماء النفس, أن مؤسسة بهذا الحجم من المسؤولية تتطلب مزيداً من الاهتمام بشؤونها الداخلية, وتحتاج إلى رصد الخبرات لصونها من التيارات التي تسيء إلى توازنها وتماسكها, على أقل تقدير, كونها تشكل صمام الأمان الأساسي للوطن, ومن هذه الرؤية, عمد علماء النفس إلى استعراض أبرز العوامل التي لعبت دوراً خطيراً في الميدان العسكري واستنفدت الإمكانات والثروات الوطنية وانتهت بتطلعات الشعوب وآمالها إلى الخيبة, وقد استند علماء النفس في سلسلة اجتهاداتهم إلى معلومات ومرتكزات وتجارب مشهود لها في هذا المجال, وانتهوا إلى أنّ الحرب النفسية, هي أخطر سلاح حربي أستخدم منذ أقدم العصور, لفرض إثارة الصراعات والفتن بين صفوف العسكريين, وشق وحدة الصف الوطني. والملاحظة الجديرة بالاهتمام, أن الحرب النفسية قد برزت بأساليب مختلفة وتسللت إلى غرفة العمليات العسكرية وتركت بصماتها بوضوح, وكانت دائماً ترتبط بالمعارك الحربية بصورة أولية, وأشيرَ إليها كعامل أساسي في نجاح أو فشل المعارك. بعد إن كانت تكريت تعتبر قلعة حصينة للدواعش, بسبب تواجد جمع كبير من مؤيدي المقبور صدام, ومن بقايا الأجهزة القمعية السرية, بالإضافة لمتطرفين تابعين للمدرسة الوهابية, وبغالبية عظمى, مما يعني ارتباطها الوثيق بالدواعش, وهو ما كان حاصل, الأهالي لا يملكون إرادة المقاومة, فلم يجدوا إلا الخضوع لسلطة الدواعش, مع عظم انتهاكاتهم بحق الأهالي, لكن السكوت كان أمضاء للفعل الداعشي, فمرت الأشهر والدواعش يعيثون فسادا في تكريت, وباقي مناطق صلاح الدين والموصل والانبار وكركوك, وبعد أن تحرك الحشد الشعبي لنصرة أهالي محافظات العراق التي احتلها داعش في الموصل وديالى وصلاح الدين والانبار, وتحرير الأرض من سلطة داعش, والتضحية بأغلى ما يملكه الإنسان, وهي النفس, لحفظ الأرض والعرض, وبعد تحقيق النصر على داعش, تحركت ماكنة الأعداء الإعلامية والحرب النفسية, لتهميش الانتصار الكبير, فكان تحرك بعض الساسة, بالكذب و الافتراءات , واستعانوا ببعض الصور المفبركة, كشباب يوزعون عصير, بمناسبة الانتصار, فكتبوا عنها أنهم يسرقون العصير من البيوت, وصورة أخرى عن رجال الحشد, وهم يحملون قناني غاز مقسومة نصفين, فادعى ساسة الفتنة على أنهم سراق قناني الغاز والأجهزة الأخرى, مع أنها مجرد عبوات وضعها الدواعش ,وقام رجال الحشد بكشفها, وأخرجوها من مساكن أهل تكريت, أو اتهام الحشد الشعبي بإحراق المنازل, علما إن اغلب كان مفخخا ومعدا للتفجير ضد أبناء القوات المسلحة. إن سبب هذه الحرب النفسية هي دليل على ضعفهم, وعدم قدرتهم الدفاع عن محافظاتهم, وقبولهم بالاحتلال الداعشي لمناطقهم, فعندما يحررها الحشد الشعبي, يتحسسون من هكذا انتصار, لأنه أشعرهم بضعفهم, أمام قواعدهم الشعبية, مما يعني خسارة للجماهير, لذا لم يجدوا إلا حرب الأكاذيب, لتسقيط الواقع, والضحك على الجماهير, والعامل الإقليمي المتمثل بمحور أمريكا, حيث تدفع السعودية وتركيا وقطر, إتباعها في العراق, للحط من الانتصار, بسبب التنافس الإقليمي, ورؤيتهم لما تحقق في العراق, باعتباره نصر لإيران, لذلك كرد فعل لم يجدوا إلا خلط الأوراق, عبر الدمى العراقية, بعيد عن شعارات الخوف على أهل تكريت, كذلك الإعلام الغربي والعربي, في حربا إعلامية ونفسية مع الحشد الشعبي, منذ اليوم الأول لتشكله, لذلك شن حرب إعلامية شديدة, مع الساعات الأولى لإعلان تحرير تكريت, فلم يجدوا فرصة للنيل من الحشد الشعبي, إلا عبر التوسل بالأكاذيب, وتسليط الضوء على حالات فردية, باعتبارها فعل جماعي, وهذا يناقض الواقع, عن أناس بذلوا أغلى ما يملكون (حياتهم), في سبيل حفظ الإعراض من إن تنتهك, فكانت حرب إعلامية قذرة, لا يمارسها إلا قنوات العهر. فقد أشار شهود من قلب الحدث من تكريت, ومن القيادات العسكرية ومجلس محافظتها, بان ما يجري كان بفعل بقايا الدواعش, الذين حاولوا إخفاء أدلة ارتباطهم بالتنظيم, عبر عمليات حرق لدوائر الدولة, وعمليات استباحة لبيوت الناس, وقيام جماعات من السراق من إطراف المحافظة, للقيام بعمليات سرقة منظمة والصاقها بالحشد الشعبي, الأمر الثالث من تعليمات تنظيم داعش بحسب كتبهم إلى خلاياهم إن خسروا المعركة كانت التعليمات مشددة بان يقوموا بعمليات سلب ونهب وإحراق. كما إن عمليات خطف وابتزاز المواطنين في العاصمة بغداد هي أعمال تقوم بها العصابات الإجرامية التابعة لداعش لتشويه سمعة الحشد الشعبي وترويج لتنظيم داعش, إذ إن عمليات خطف وابتزاز المواطنين تهدف تشويه لانتصارات الحشد الشعبي والجيش العراقي وخلق نوع من الإرباك الأمني في المحافظات بهدف الترويج لتنظيم داعش الإرهابي, كما إن تصريحات بعض السياسيين ساعدت وروجت لهذه العصابات وأعطتها اكبر من حجمها لتشويه سمعة الحشد الشعبي والجيش. أن الحملة التي يشنها البعض ضد الحشد والاتهامات الطائفية التي توجه له اليوم إنما هي امتداد لتلك الحملة الطائفية التي استهدفت الجيش العراقي في المناطق الغربية وما نتج عنها من علاقة سلبية بين القوات الأمنية وبين المواطنين في تلك المناطق والتي أدت بالتالي إلى دخول "داعش" وتدني مستوى الشعور الوطني لدى البعض تجاه احترام ودعم الجيش العراقي, وبهذا هم يحاولون إفراغ الساحة في تلك المدن من الجيش والشرطة وإحلال الفوضى فيها لتنفيذ أجندات خارجية من خلال الاستعانة بقوات عربية وأجنبية, ومحاولة تقسيم البلاد على أساس طائفي وقومي. كما إن هدفهم من إثارة الحرب النفسية ضد الحشد الشعبي هو التغطية على الانتصارات العظيمة التي حققتها القوات المسلحة والحشد الشعبي وطرد "داعش" من البلاد وتحقيق الأمن والاستقرار وكل هذا انطلق مع انطلاقة تجربة الحشد الشعبي التي دعت إليها المرجعية الدينية في النجف الاشرف وطالبت جميع العراقيين بمختلف الطوائف إن يسارعوا للتطوع في صفوفها، لذلك انطلقت حملتهم أيضا من تشويه هذه الفتوى وإلباسها ثوبا طائفيا, على الرغم من إن الفتوى دعت كل أبناء العراق للانضمام لهذه القوات لحماية البلاد والمقدسات من الإرهاب, وبهذا حاولوا إثارة الفتنة الطائفية الإقليمية عبر وسائل الإعلام الخليجية المأجورة لإسرائيل وأمريكا لتشويه صورة الجيش والحشد الشعبي. إن وقوف الشعب العراقي وقتاله مع القوات المسلحة عبر تجربة الحشد الشعبي إضافة إلى تطوع أبناء العشائر في المناطق المغتصبة من قبل داعش هو رسالة لكل العالم بأن العراقيين قد اختاروا القتال موحدين ضد الإرهاب الدولي بعد إن نجحت تجربة الحشد الشعبي في جذب المتطوعين من مختلف مكونات الشعب ليكونوا السند القوي للقوات المسلحة، تجربة الحشد الشعبي ستكون الضمان لوحدة العراق. إن تجربة الحشد الشعبي كانت عقبة كبيرة أمام أعداء العراق الذين يحملون مشاريع التقسيم الطائفي والقومي في العراق، فتوحد العراقيين بكل مكوناتهم قد أخرس الأصوات الطائفية التي أرادت تشويه تجربة الحشد من خلال إطلاق الأكاذيب والاتهامات الباطلة بحق هذه القوات البطلة التي شهد لها الجميع بالوطنية وبحملها للمفاهيم الإنسانية والالتزام بحقوق الإنسان وتقديم يد العون للمواطنين في كل المدن التي يتم تحريرها من قبضة "داعش"، كما إن ترحيب الأهالي هو الدليل على قبول المواطنين في تلك المدن بالقوات الأمنية ورجال الحشد وترحيب الحكومات المحلية والمسؤولين هناك وفرحتهم بتخليصهم من ظلم التنظيمات الإرهابية التي ظلت جاثمة على صدور أهلنا في تلك المدن. كما إن الحل مع داعش والقاعدة وإذنابهم لا يتم إلا عن طريق السلاح، وأما الخلافات أو حالة عدم الثقة بين المكونات فإن حلها يتم من خلال الحوار والجلوس على طاولة الثقة، نعم الثقة من اجل بناء ثقة راسخة بين المكونات والمذاهب، وهذا من مسؤولية السياسيين وان من يتهم قوات الحشد الشعبي بالأعمال الطائفية عليهم إن يرتدوا الملابس العسكرية، ويحملوا السلاح للدفاع عن مناطقهم، بدلا من العويل على منابر الإعلام، وبهذه الطريقة فقط ستتحرر مناطقهم من الإرهاب. إن ممارس الإعلام المعادي ودروه في تضليل المواطنين عند سقوط أي منطقة بيد عناصر "داعش"، ويكرس نشرات أخباره للترويج له, وبالمقابل عندما يقوم الحشد الشعبي والقوات الأمنية بتحرير المناطق، فإنه يتجاهل هذه الأحداث أو ينقلها بشكل غير مهني، ويقوم بدور خبيث بتلفيق أخبار كاذبة عن حرق دور العبادة أو المحلات لصرف الأنظار، والطعن بمجاهدي الحشد الشعبي, لهي سياسات خائبة وغير موفقة بعد أن اثبت هذا الإعلام وهذه الأبواق فشلها في حفظ دماء وأعراض المواطنين في مناطقهم من داعش الإرهابية, وهو ما ندم عليه الكثير منهم بعد إن أدركوا إن القوات الأمنية العراقية هي الضامن الوحيد لأمنهم واستقرارهم وان "داعش" ومن يقف معها لا يمكن إن تكون بديلا عن الدولة ومشروعها السياسي لأنها ببساطة عصابة إرهابية.
التعليقات