الفدرالية والهوية الوطنية العراقية

هذه الدراسة جاءت مع الظروف التي يمر بها الوضع السياسي الراهن للعراق إذا ما عرفنا حجم الأزمات والمعاناة واللامبالاة التي عانى منها المجتمع العراقي عموما والمجتمعات المحلية خصوصا بسبب تبني النظام المركزي من قبل النظام البائد بحجة الوحدة الوطنية و الحفاظ على وحدة العراق, فالقضية لدى النظام البائد هي ليست وحدة مصلحة وطنية بقدر ما هي قضية تسلطية, ومقابل هذه الرؤى، نجد من الضروري دراسة وتحليل شكل النظام الملائم للمجتمع العراقي آخذين بنظر الاعتبار طبيعة التركيبة الاجتماعية من جانب والموارد الاقتصادية من جانب آخر فضلا عن المرحلة الانتقالية التي يشهدها المجتمع العراقي من نظام تسلطي مركزي قائم على الحزب الواحد إلى نظام تعددي ديمقراطي فدرالي. وهنا نتوقف عند كلمة الفدرالية وهذا يتطلب دراسة وتحليل مفهوم الفدرالية قبل التصدي لمعناها وفكرتها ومزاياها ومساوئها وقبل الاعتراض على وقت طرحها, فهناك من يقف حائلاً أمام برنامج الطرح الفدرالي باعتبار أن الوقت غير ملائم فالعراق يشهد اختراقاً سياسيا ممثل بالقوى المتعددة الجنسيات وهذا يعني أن الفدرالية سوف تؤدي إلى تقسيم العراق مما يؤدي فيما بعد إلى إعداد وتهيئة تربة خصبة لعودة تلك القوات وبقاءها أطول فترة ممكنة ويطرح هذا الفريق من الباحثين برنامجا بديلا عن الفدرالية و اللامركزية السياسية إلا وهو الإدارة المحلية "اللامركزية الإدارية " ولو تفحصنا جيدا هذا البرنامج الأخير لوجدنا انه قد طبق في العراق زمن النظام البائد وقبله واثبت عجزه وسوء إدارته لمعالجة الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية …الخ " فما هي الفدرالية و ما هو تاريخها و مدى مناسبتها لطبيعة المجتمع العراقي وظرفه .. هذا ما ستحاول الدراسة التطرق إليه . تعني كلمة فدرالية الاتحاد باللغة العربية, ولهاأشكال متعددة تختلف باختلاف نوع الاتحادوالقانون الذي تم الاتفاق عليه بين الإطراف المتحدة. وهي نظام سياسي من شأنه قيام اتحاد مركزي بين دولتين أو مجموعة من الدول أوالأقاليم أو المقاطعات أو المحافظات " حسب نوع التسمية" بحيث لا تكون الشخصية الدولية إلا للحكومة مع احتفاظ كل وحدة من الوحدات المكونة للاتحاد ببعض الاستقلال الداخلي بينما تفقد كل منها مقومات سيادتها الخارجية التي تتفرد بها الحكومة الاتحادية كعقد الاتفاقات و المعاهدات و يكون على رأس هذا الاتحاد الفدرالي رئيس واحد للدولة وهو الذي يمثلها في المحيط الدولي و يطبق فيها قانون دستوري واحد الأمر الذي يؤكد وحدة الدولة الفدرالية, أي أن الدولة الفدرالية هي الدولة التي تقوم فيها السلطة على مبدأ الاقتسام والتنسيق؛ ما يولّد بالطّبع، أسباباً رئيسية لإحداث توترٍ في الفدرالية, فالفدرالية لاتنطلق من مجرد "مفهوم أحادي"،بل إنها تستوجب وجود اتفاقٍ مشترك على اتخاذ إجراءاتٍ معينة بمعزل عن الطّرف الآخر، وإجراءات أخرى معه, زد على أنها لاتعتبر مجرد تنازل عن السلطة، لأن المبدأ المنطقي يفيد بأن تنعم حكومات الولايات أو المقاطعات بالسيادة في دائرة نفوذها، بقدر السيادة التي تتمتّع بها الحكومة القومية أو الفدرالية ضمن دائرتها الخاصة, وهناك عدة طرق لتكوين الاتحادات الفدرالية, ومنها اتفاق عدة دول مستقلة على إنشاء اتحاد مركزي منها الولايات المتحدة الأميركية وسويسرا و ألمانيا وكندا, أو من خلال تفكك دولة موحدة إلى عدة دويلات صغيرة مع الرغبة في تكوين علاقة مميزة بحيث يكون لكل دويلة استقلال نسبي لم تتمتع به عندما كانت ضمن دولة موحدة مثل المكسيك . حاليا لا يوجد في العراق سوى إقليم واحد هو (إقليم كردستان) يتمتع بالخصائص والمميزات التي منحت للإقليم ضمن فدرالية العراق، ويرى خبراء إن الوضع الاستثنائي لإقليم كردستان جعل منه (فوق الإقليم ودون الدولة)، وهذا الوضع لم يأتي بصورة مفاجأة بل تناولت الكثير من المعاهدات والقوانين السابقة العلاقة بين الأنظمة القائمة في العراق آنذاك، وبين كردستان العراق، فمعاهدة سايكس-بيكو، معاهدة سيفر ومعاهدة لوزان والوثائق المودعة لدى عصبة الأمم عن العراق والدستور العراقي المؤقت الصادر في عهد "عبد الكريم قاسم"شراكة الكرد والعرب في العراق, واتفاقية 11 آذار 1970 وقانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان الصادر في آذار 1974، كانت أمثلة على ذلك، إلا إن قانون إدارة الدولة للفترة الانتقالية الذي صدر عام 2004، هو من فتح الباب واسعا في العراق لأمرين مهمين: أولهما انه وضع حجر الزاوية لفدرالية العراق والاعتراف بوجود إقليم كردستان (الذي سيتم الاعتراف به بصورة نهائية في دستور عام 2005) كإقليم يتمتع بوجوده القانوني ضمن العراق الاتحادي، والثاني انه فتح الباب أمام المزيد من الأقاليم داخل العراق، فقد تضمن هذا القانون في المادة الرابعة منه ما يأتي (نظام الحكم في العراق جمهوري اتحادي فيدرالي ديمقراطي تعددي ويجري تقاسم السلطة فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية ويقوم النظام الاتحادي على أساس الحقائق الجغرافي والتاريخية والفصل بين السلطات وليس على أساس الأصل أو العرق أو الاثنية أو القومية أو المذهب) وبعد صدور الدستور العرقي الدائم لسنة 2005 كان النظام الفيدرالي أحد المرتكزات الأساسية التي بني عليها الدستور وقد نصت المادة الأولى منه على ما يأتي (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي "برلماني" ديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق)، كما خصص الباب الثالث من الدستور لبيان تشكيل السلطات الاتحادية وصلاحياتها، كما إن الدستور قد اقر تشكيل "إقليم كردستان" الذي كان تشكل فعلياً قبل إقرار الدستور وفي زمن النظام السابق وذلك بموجب نص المادة (117)التي تضمنت ما يأتي: (أولا: يعتبر هذا الدستور عند نفاذة إقليم كردستان وسلطاته القائمة إقليما اتحادياً، ثانياً: تعتبر هذا الدستور الأقاليم الجديدة التي تؤسس وفقاً لأحكامه)، وهذا يعني إن الدستور لا يقصر الفيدرالية على إقليم كردستان فقط بل إن الدستور أجاز تشكيل أقاليم جديدة في العراق في المستقبل حيث فتح الحق لكل محافظة أوأكثر تكوين إقليم وذلك حسب نص المادة (119) التي تضمنت ما يأتي (يحق لكل محافظة أوأكثر تكوين إقليم بناءً على طلب بالاستفتاء عليه يقدم بأحد طريقتين: أولا: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. ثانياً: طلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. أما المادة (118) من الدستور فقد نصت على ضرورة تشريع قانون بين الإجراءات التنفيذية لتكوين الأقاليم حيث نصت على ما يأتي (يسن مجلس النواب في مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ أول جلسة له قانوناً يحدد الإجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم بالأغلبية البسيطة للأعضاء الحاضرين)، وتنفيذاً لهذا النص الدستور فقد أصدر مجلس النواب قانون (الإجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم) رقم 13 لسنة 2008 الذي بين وبشكل تفصيلي الإجراءات اللازمة للمحافظات لتشكيل إقليمأو الانضمام إلىأقاليم مشكلة. الشعب العراقي يتكون من قوميتين رئيسيتين هما القومية العربية والكردية, وأقليات أخرى مثل " التركمان, والكلدان الأشوريون, والأرمن, والشبك), إذ عاشت عبر مئات السنين في مد وجزر من العلاقات ،ومرت بظروف مختلفة أتسمت بالاتفاق والاختلاف، أما دينيا فينقسم إلى "المسلمين, والمسيح, والايزيديون, واليهود, الصابئة", ومذاهبمتعددة, أبرزها المذاهب الإسلامية, وهم " الشيعة والسنة". السؤال الذي يطرح نفسه هل تقوم الفدرالية العراقية على أساس قومية دينية أم تقوم على أساس إقليمي جغرافي و أيهما أفضل بالنسبة للوحدة الوطنية ؟ إن التأمل في فشل تشكيل الأقاليم في العراق (باستثناء إقليم كردستان الذي فرض نفسه كأمر واقع) يكشف لنا الستار عن بعض الصعوبات والمعوقات التي تحول دون تطبيق النظام الفيدرالي في العراق، ولعل من أهم هذه المعوقات: 1- فإذا أردنا تشكيل الأقاليم على الأساس القومي, وركزنا على القوميتين الرئيسيتين وهما العربية والكردية،علينا تشكيل إقليمين عربي وكردي، ونتيجةللتشابك في التكوين السكاني للقوميات المختلفة في العراق فقد يحدث صدام فرعي بين القوميات الصغيرة ( التركمان والآشوريون) وبين القوميتين الرئيسيتين, حول المطالبة بحقوقهم القومية أسوة بالعرب والأكراد, وهنا ندخل في دوامة أخرى من الفدراليات الفرعية أو المناطق ذات الحكم الذاتي في الأقاليم, إضافة إلى المطالب المتقاطعة بين العرب والأكراد حول عائدية بعض المناطق والمسماة "المتنازع عليها" أو "المختلف عليها" وأهمها محافظة كركوك وسهل نينوى, وهما مناطق تركز التركمان والأشوريون في العراق, إذ على الرغم من إجراء ثلاث انتخابات لمجالس المحافظات في العراق لم تجري أي انتخابات في محافظة كركوك, بسبب الخلاف على عائدية المحافظة للمركز أولإقليم كردستان من جهة, والخلاف بين العرب والأكراد والتركمان في المحافظة على التعداد السكاني والمهجرين, ونسبة كل قومية في مجلس المحافظة من جهة أخرى. إذ يصر العرب والتركمان على نسبة 33% لكل قومية في مجلس المحافظة والباقي للمسيحيين, وهذه النسبة تنطبق على باقي الوظائف الإدارية في المحافظة, سواء كانت مدنية أو عسكرية, فيما يقول الأكراد بأنهم الأغلبية في المحافظة ولهم الحصة الأكبر في مجلس المحافظة , والوظائف الأخرى, كذلك يرفض العرب والتركمان ضم المحافظة للإقليم, يحاول الأكراد من خلال الاستفتاء أو بطرق أخرى ضم المحافظة لإقليم كردستان. 2- وإذا أردنا بناءها على الأساس الديني او المذهبي ، فالأكثرية الإسلامية في العراق لا تتيح لنا المضي في هذا المشروع، لان الأغلبية العظمى من العرب والأكراد والتركمان والشبك هم مسلمون, ولو كان هناك توافق بينهما لانتفت الحاجة لقيام الأقاليم أصلا في العراق, لان المطالبة بإقامة الأقاليم تأتي من الأكراد بالدرجة الرئيسية, وهم أغلبيتهم من المسلمين, إذ حتى الأحزاب الإسلامية في كردستان من الداعمين للأقاليم والفدرالية في العراق. وأما إذا أقمنا البناء الفيدرالي على الأساس المذهبي،فسيكون لدينا إقليم شيعي في الجنوب والوسط، وإقليم سني غرب البلاد،وتكون بغداد فيدرالية يتعدد فيها الانتماء القومي والديني والمذهبي، علما إن الخلاف على بغداد قد يكون اشد من الخلاف على كركوك, إذ إن العرب السنة يعتبرون بغداد جزءا من إقليمهم, بينما يعتبر العرب الشيعة إن بغداد عاصمة العراق وهي جزء من تاريخهم, وحتى الأكراد والتركمان في العراق مقسمون إلى سنة وشيعة, وبالتالي يؤدي إلى اختلاف الولاءات الدينية لديهم, إذ أفرزت أحداث الموصل بعد العاشر من حزيران ودخول داعش للموصل وصلاح الدين كيف بدأت داعش والمتعاونين معها بإعدام آلاف الجنود والمدنيين العراقيين على أساس طائفي, وتهجير وهدم المنازل والمقامات الدينية للشيعة في الموصل وبعض مناطق صلاح الدين, إذ إن الفرز الطائفي شمل أبناء القومية الواحدة كالعرب والتركمان من السنة والشيعة, بل حتى أبناء العشيرة الواحدة التي تظم سنة وشيعة, إذ انظم بعض أبناء العشيرة من السنة إلى داعش بينما قتل وتعرض للتهجير أبناء العشيرة نفسها من الشيعة. 3- كذلك عدم وجود الكوادر المؤهلة لإدارة الأقاليم في الوقت الحاضر،بسبب الفشل الذر يع للتجربة الحالية في إدارة المحافظات، حيث طغت على السطح جهات غير مؤهلة لقيادة المجتمع،وتولت زمام الأمور عناصر من أنصاف المتعلمين ولا يملكون العلمية أو الخبرة في إدارة المحافظات مما أدى إلى ظهور الكثير من الإخفاقات التي انعكست سلبا على كافة مشاريع الأعمار والتنمية والخدمات، وضعف الحكومة المركزية ،وعدم قدرتها على اتخاذ القرار مما أدى إلى تفشي الفساد المالي والإداري وسرقة المال العام وما حدث من سرقات هائلة من الواردات النفطية من قبل الجهات المهيمنة على اتخاذ القرار وعدم القدرة على مسائلتها دليل على عمق الهوة التي انحدر إليها الوضع في العراق. 4- إن الظروف الإقليمية والدولية التي تحيط بالعراق جعلت من العراق ساحة لتصفية الحسابات ما بين الدول المتنازعة والمتصارعة فيما بينها بسبب اختلاف المصالح والإيديولوجيات، ولا يخفى على أحد حجم التدخلات في الشؤون الداخلية العراقية التي تقوم بها دول مجاورة للعراق منها إيران والسعودية وتركيا, فضلا عن حجم التأثير الأمريكي في مجريات القرار السياسي العراقي، وقد ينعكس التنافس على المصالح في العراق فيما بين هذه الدول بشكل خطير على مقومات الوحدة الوطنية العراقية، لأنه قد يقود إلى هيمنة كل دولة من هذه الدول على الإقليم الذي يتقارب معها في المصالح وبذلك تتهدد وحدة العراق. 5- أن هيمنة بعض الكتل على إدارة المحافظات،ـ وهي كتل أسلامية أدى إلى تعطيل الرأي الآخر،وتهميش الآخرين،لأن الغلبة في عدد المقاعد ،أدت إلى الانفراد في اتخاذ القرارات مهما كانت،وعلى الآخرين السير بركابهم،والموافقة على أرآهم ،وهذا أدى إلى استشراء الفساد المالي والإداري،لعدم وجود القدرة على محاسبة السارق،وهو ما ظهر في عمليات تهريب النفط ،والهيمنة على مشاريع الأعمار،بإحالتها إلى المتعاونين مع تلك الجهات المشاركة في الأرباح، ضمن أطر قانونية،وأساليب يعرفها المتمرسون في هذه الأمور، مما خلق طبقة جديدة من المقاولين الهامشيين الذين يشاركون ألآخرين أرباحهم،دون أن يتحملوا عبء العمل وهمومه،بل وصل الأمر في بعض المحافظات إلى تجاوز الأعضاء الذين يمثلون الجهات المعارضة،وانفراد هؤلاء باتخاذ القرارات،لأن أعدادهم كافية لإكمال النصاب القانوني لاتخاذ القرار،وهذا الأمر تفشى في المحافظات الجنوبية والغربية على حد سواء،ولا تنفرد به محافظة دون الأخرى. 6- لم تلق فكرة تشكيل الأقاليم في العراق الاهتمام الكافي في مدركات النخبة السياسية الحاكمة في العراق، ولم تفكر فيها هذه النخبة بشكل جاد كإحدى الحلول المقترحة لإنهاء المشكلات السياسية في العراق وذلك بسبب طبيعة الظروف غير المستقرة التي تسود البلد والمتمثلة بغياب الفلسفة السياسية الواضحة المعالم التي يقوم عليها النظام السياسي العراقي. 7- غياب العوامل اللازمة لنجاح النظام الفيدرالي في العراق، فغياب الاستقرار الأمني والسياسي، ووجود نزاعات ومشاكل حدودية وإدارية فيما بين المحافظات العراقية، وعدم وجود رؤية واضحة ومحكمة لكيفية إدارة الأقاليم المقترحة، وطريقة توزيع الصلاحيات فيما بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، كل ذلك جعل مجرد التفكير في إقامة النظام الفيدرالي بمثابة المسير إلى المجهول. 8- إن طبيعة ومعالم النظام الفيدرالي المناسب للتطبيق في العراق تكاد تكون غامضة وغير واضحة للأغلبية العظمى من العراقيين، وذلك بسبب حساسية الوضع السياسي وتعقيدات العملية السياسية التي مازالت تعاني من أزمات متتالية، وأجواء عدم الثقة السائدة بين مكونات الشعب العراقي، الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة عن شكل النظام الفيدرالي الصالح للعراق وفيما إذا كان يستند إلى أساس قومي أو طائفي أو جغرافي أو إداري. 9- ضعف الحكومة المركزية وعدم فعالية مؤسساتها وعجزها عن بسط سلطتها على كل الأقاليم المحتملة التشكيل، مع وجود النزعات الانفصالية لدى بعض الأطراف العراقية خصوصا الكرد، مما يخلق صعوبة في تطبيق الفيدرالية بصورة تضمن تحقيق التوازن في الصلاحيات والسلطات بين الحكومة المركزية والأقاليم كما هو الحال في الولايات المتحدة، وما سيحدث هو تطبيق فيدرالية هشة وضعيفة لا تمتلك فيها الحكومة الاتحادية مقومات الدولة خاصة الدفاع والخارجية والمالية والأمن. 10- إن تشكيل الأقاليم يتطلب تأسيس مجالس تشريعية وحكومات محلية ووزارات وممثليات في الخارج ومؤسسات وأجهزة أمنية خاصة بكل إقليم وهذا يستوجب زيادة في حجم الإنفاق المالي بشكل كبير، مما يؤدي إلى إنهاك الميزانية العامة للدولة في ظل أجواء التدني المستمر لمصدر الدخل الرئيسي للعراق وهو النفط وبالتالي تهديد الاقتصاد العراقي بالانهيار. 11- تحفظ المرجعية الدينية في النجف الاشرف على تشكيل الأقاليم انطلاقا من وجهة نظرها الخاصة التي تفضل بقاء العراق دولة بسيطة وليس مركبة، وهي التي تتبنى خطابا عاما ينطوي على عدم تشجيع أي خطوة تمهد لتقسيم العراق، ونظرا لتأثير المرجعية الدينية الكبير على النخب والأحزاب السياسية وعموم الجمهور، فأن تحفظها على فكرة الأقاليم يعد مانعا رئيسيا لتطبيق النظام الفيدرالي في العراق. وعلى الرغم من ايجابيات الفيدرالية، والتي هي كثيرة ومتعددة، إذ يعد النظام الفيدرالي من أفضل الأنظمة القادرة على معالجة الاختلافات القومية والدينية،لو توفرت الكفاءات المؤهلة لقيادة الإقليم، كما إن الفيدرالية ضمان لعدم عودة الدكتاتورية،وتسلط المركز على مقدرات البلاد،وتصرفه بالأموال بطريقة مركزية لا تراعي النسب السكانية،والحاجة الفعلية،وهو ما أثبت فشله طيلة الفترة السابقة،حتى سقوط النظام, إلا إن إقامة الفدرالية في العراق سواء كانت على أساس قومي أو ديني أو طائفي قد تؤدي مستقبلا إلى حدوث التناحر والتقاتل بسبب الخلافات المذهبية والأجندات الخارجية. لذلك نرى أن هناك شرطين لنجاح الفدرالية في العراق, الأول أن تقوم الفدرالية على معايير جغرافية إقليمية (اللامركزية الجغرافية) ترتبط بحكومة مركزية تقرر سياسة البلاد العامة، وتكون للمحافظات أو الأقاليم التي تنشأ على أساس جغرافي إدارة أمورها الداخلية بما يتناسب واحتياجاتها ومتطلباتها وليس على أسس قومية عنصرية ولا دينية طائفية. واللامركزية الجغرافية: تتمثل في عملية توزيع السلطة بين أقاليم ومحافظات ومناطق الدولة الواحدة التي تتمتع بشخصية معنوية تناط بمجلس محلي ينتخب جميع أو بعض أعضاءه من قبل مواطني الإقليم ويكون له صلاحية وضع ميزانية مستقلة واتخاذ القرارات الإدارية المتعلقة بإدارة المشروعات والمرافق العامة في حدود ذلك الإقليم أو المحافظة، ويطلق البعض على هذا النوع من اللامركزية الإدارية بالإدارة المحلية أو إدارة الأقاليم والمحافظات. وإن توزيع السلطات بين المستويات الحكومية العليا والدنيا (وهو بطبيعة الحال ينطبق على الصلاحيات الممنوحة للأقاليم مثلما ينطبق على صلاحيات مجالس المحافظات والمجالس البلدية) لا يتعلق بنوع السلطة بقدر ما يتعلق بكمية السلطة المفوضة إلى المستويات الدنيا، فعدد القرارات، وأهميتها، وتعدد المهام، ومدى الرقابة المفروضة، قد يحدد مقدار اللامركزية التي تتمتع بها الأطراف الدنيا. والثاني أن تكون ديمقراطية المشاركة هي السائدة وليست ديمقراطية التوافق، أي ديمقراطية التأييد هي أساس ممارسة السلطة الفدرالية وسلطة الأقاليم المحلية, إذ إن نشأة التجربة التوافقية العراقية من حالة الضرورة بفعل تباين تركيبة الشعب العراقي ومكوناته, ومن شروط وطبيعة الديموغرافيا العراقية ذاتها لا يعني أن الشكل التوافقي الذي طبق بعد الاحتلال الأمريكي قد حقق نجاحا كاملا دون نواقص ودون أخطاء، فما زالت كل الإجراءات التي تفتقد الإرادة الشعبية تأتي مفاجأة للمواطنين، إضافة إلى أن واقع الاحتلال الذي فرضته ظروف العراق الخاصة كان يجب الاحتراس منه احتراسا ضروريا كي لا ترتكب أخطاء لا تعرف نتائجها على المواطن العراقي, كما إن التأكيد على ضرورة تشجيع نشوء وعي ديمقراطي صحيح على وفق ما يمليه هذا الوعي في الممارسة السياسية اليومية سيكون واحدا من الأسباب التي تمنع عودة الدكتاتورية إلى العراق مرة أخرى ويعمل على تحصين العملية الديمقراطية وان الشكل المطروح للنظام السياسي المقبل في العراق هو النظام الديمقراطي بشقيه الرئاسي والبرلماني، ونظرا لأن العراق يمتلك تراثا سيئا للنظام الرئاسي بسبب تحوله التدريجي للدكتاتورية، فإن حظوظ النظام البرلماني ستكون أفضل من النظام الرئاسي, إذ يمتلك النظام البرلماني تراثا أفضل في العراق.
التعليقات