إقليم البصرة واحتمالية ظهوره على ارض الواقع

شارك الموضوع :

في أقصى جنوب العراق غرب شط العرب على مسافة 545 كم من مدينة بغداد بمساحة 19،070كم2 وبعدد سكان يفوق الثلاثة ملاين نسمة تقع ثاني اكبر المدن العراقية المعروفة بمدينة (البصرة)عوامل تاريخيه وسياسية واقتصادية وعسكرية عمقت من أهمية هذه المدينة ، اكتشاف النفط في عشرينيات القرن المنصرم والى يومنا هذا فيها جعل منها المعيل الأكثر إدرارا للعراق بعوائده ، إلى جانب هذا حظيت بالنصيب الأكبر من سياسات الأنظمة المركزية في بغداد التي سبقت عام 2003م والتي جعلت من أرضها مسرحاً لحروب مدمرة أقعدت وأخرت هذه المدينة والعراق من اللحاق بركب الرخاء الاقتصادي والعمراني والتنمية الحديثة والمعاصرة كما هو الحال في مدن دول الجوار الخليجي لها ، تعاني هذه المدنية حالياً من الإهمال ومطالبات أهلها لم تتلقى أذاننا صاغية من حكومة المركز في بغداد بأعاده الحياة لهذه المدينة وبما يتناسب مع مميزاتها الإستراتيجية . أهالي هذه المدينة سلكوا أخيرا الحل الدستوري في نهاية العام 2014 المنصرم وبداية العام 2015الحالي وهو الشروع بإقامة إقليم خاص بهم والذي يعتبر محصلة ونهاية لمجموعة مبادرات قدمتها قوى سياسية وثقافية واجتماعية متعددة داخل هذه المدينة ومن خارجها لحل مشاكلها وكان نصيبها هو الفشل منها :- مشروع البتر دولار الذي يعطي ما نسبته 5% من سعر البرميل المستخرج والمصدر من البصرة كعائد أضافي إلى جانب موازنتها التي تقدم لها من حكومة المركز وذلك لتعويض الإضرار المناخية وما يتبعها من صحية وكذلك الزراعية نتيجة استخراج وتصدير النفط ، وكذلك مشروع اعتبار البصرة عاصمة العراق الاقتصادية أسوة بباقي دول العالم التي تظم عواصم اقتصادية إضافة إلى السياسية كإسطنبول في تركيا ونيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها ، وان كانت هذه الميزة لا توفر لها تلك التي يوفرها لها الإقليم ، طرح خيار الإقليم من قبل ممثلي هذه المدينة سواء المحليين أو المشاركين في مجلس النواب وكذلك الحراك الاجتماعي والشعبي والمؤيد لهذا الخيار ارتكز على عدد من الأسباب التي جذرت وعمقت وشرعة لقيامة وتطبيقه على ارض الواقع منها:- 1- الأسباب والمبررات الدستورية لمطالب أقامة إقليم البصرة: يعتبر تبني خيار الإقليم من مبدأ الحقوق والحريات التي كفلتها نصوص الدستور العراقي الذي شرع واستفتي عليه من قبلة أغلبية أبناء الشعب العراقي في عام 2005م ، ففي المادة (119) : يحق لكل محافظةٍ او أكثر، تكوين إقليم بناءاً على طلبٍ بالاستفتاء عليه، يقدم بإحدى الطريقتين : الأولى :ـ طلبٍ من ثلث الأعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. الثانية :ـ طلبٍ من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم . وتنص المادة (120) :على أن يقوم الإقليم بوضع دستورٍ له، يحدد هيكل سلطات الإقليم، وصلاحياته، وآليات ممارسة تلك الصلاحيات، على أن لا يتعارض مع هذا الدستور. وتنص المادة ( 121 ) الفقرة الثالثة : تخصص للأقاليم والمحافظات حصةٌ عادلة من الإيرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الأخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها، ونسبة السكان فيها. وحسب المادة (116): فان النظام الاتحادي في جمهورية العراق يتكون من عاصمةٍ وأقاليم ومحافظاتٍ لا مركزيةٍ وإدارات محلية. وذكرت المادة (117) : في الفقرة أولا :ـ يقر هذا الدستور، عند نفاذة، إقليم كردستان وسلطاته القائمة، أقليماً اتحادياً. وفي الفقرة ثانياً :ـ يقر هذا الدستور، الأقاليم الجديدة التي تؤسس وفقاً لأحكامه. 2- الأسباب والمبررات الاقتصادية لأقامه إقليم البصرة : في الواقع العراق يعاني من مشاكل اقتصادية بصورة عامة خلفتها سياسة الأنظمة التي تعاقبت على حكمة والتي انتهجت أسوء ممارسات التخلف وهي شن الحروب وعسكرة المجتمع والابتعاد عن التنمية الاقتصادية والعلمية والثقافية والاجتماعية، فالبطالة والفقر والتضخم والمديونية وأزمة الخدمات والتعليم والصحة وغيرها هي محصلة لتلك السياسات هذه عموميات واقع العراق لعقود من الزمن ، أما في مدينة البصرة فأن المعاناة تختلف وهذا ما يدفع بأهلها إلى تبني خيار الأقاليم فمنها كانت نقطة البداية والنهاية لثماني سنوات من الحرب مع الجارة إيران ومن بعدها مع الشقيقة دولة الكويت، خلفت تلك السياسات أثارا اجتماعية وبيئية واقتصادية وصحية منها الإمراض الوبائية والسرطانية التي تعد الأكثر انتشاراً فيها بسبب الحروب في هذه المدينة ، والتلوث البيئي الذي ينتشر في أجواء هذه المدينة بسبب أبار استخراج وصناعة النفط ، كذلك بيوت الصفيح والطرق الغير معبدة والتردي الخدمي وشحت الخدمات الصحية والعلمية والاقتصادية هي معالم اغلب هذه المدينة ، أمام كل هذه الوقائع في المدينة نجدها : 2تشاركمانسبته80%من إجمالي استخراج النفط وتصديره وبالتالي تمثل إيراداتها التي تدخل خزينة الدولة سنويا حوالي 75% من مجموعها الكلي . 2- تعتبر مرافئها وموانئها البحرية المنافذ الوحيدة للعراق التي يطل بها على العالم وبذلك فهي عماد التجارة العراقي في التصدير والاستيراد لمختلف أنواع السلع والبضائع. 3- تعتبر مدينة التكامل الاقتصادية لتميزها بالأراضي السهلية الشاسعة الصالحة للزراعة لتوفر المياه اللازمة لذلك ، فنهري دجلة والفرات يمران ويلتقيان فيها أما الموارد الطبيعية فهي ذات إنتاج وخزين استراتيجي هائل من النفط والغاز وأيضا الجاني السياحي حيث تمثل الكثير من المعالم السياحية وكذلك الأهوار وأثار تاريخيه وغيرها إلا أن الحروب والسياسات السابقة جعلتها بحاجة إلى أعادتها من جديد . 4 - القوى البشرية التي تمتلك هذه المدينة توفر هذه القوى إمكانية لاستثمار الموارد التي اشرنا أليها أنفا" وهي من أهم مقومات التنمية والاستثمار الزراعي والصناعي . 3-الأسباب والمبررات السياسية لأقامه إقليم البصرة: بعد عام 2003 لم تهمل مدينة البصرة في الجوانب الاقتصادية فحسب بل الجانب السياسي الأخر ، وهو عدم تمثيلها بما ويتناسب عدد سكنها في مجلس النواب لا تعاني من مشكلة في ذلك وإنما عانت ولازالت تعاني من تهميش في تمثلها في المواقع التنفيذية في الوزارات والمواقع الحساسة الأخرى في الحكومة الاتحادية ويرجع ذلك إلى تركيبة وبنية الحياة السياسية العراقية بعد التغير والتي أفرزت عن سيطرة الأحزاب السياسية الناشئة العائدة اغلبها من المهجر على مقاليد الحكم وهي( الأحزاب الشيعية والأحزاب السنية والأحزاب الكردية ) مدينة البصرة ولكونها ضمن نصيب الأحزاب الشيعية أصبحت بعيده عن التمثل التنفيذي الفعال في الحكومة المركزية في بغداد لان الأحزاب الشيعية قائمة على الزعامات الحزبية وبالتالي فأن اغلب زعمائها والخطوط الأولى لهم من المحافظات الوسطى وبغداد وبالتالي أعطيت المواقع التشريعية في البرلمانية لممثليه هذه المحافظة والأخرى الجنوبية بينما أنيطت المحافظات الوسطى من العراق بالمواقع التنفيذية في الحكومة الاتحادية ، واقع السلطة وتقديم الخدمات ورسم الاستراتيجيات لنهوض وإعادة الأعمار وفق التطبيقات العملية للنظام السياسي العراقي بعد عام 2003 تعطي للسلطة التنفيذية من وزارة ومواقع وهياكل تنفيذية أخرى كلمة الفصل في تقديم الخدمات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية وغيرها وليس تلك المواقع التشريعية التي أصبحت ليس أكثر من منابر للتصريحات الإعلامية والاستهلاك الملي لميزانية الدولة ، هذا ما لمسة البصريون خصوصا وسكان الجنوب عموما من ممارسة الأحزاب الشيعية وتهميشهم لهم في السلطات التنفيذية الاتحادية وبالتالي حرك لديهم النزعة الفدرالية وذلك بإقامة إقليم خاص بهم يبعدهم عن هيمنة وسطوة الأحزاب والقوى السياسية المسيطرة في الحكومة المركزية في بغداد. امام هذه المبررات والوقائع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أثارت فكرة الإقليم لأهالي مدينة البصرة ، نجد هناك رفض وتسويف وعدم ترحيب من بعض القوى السياسية والاجتماعية في بغداد وغيرها من المحافظات لخطوات أهالي هذه المدينة في إقامة الإقليم المستندة إلى الأتي :- 1- اغلب القوى السياسية في بغداد وفي غيرها من المدن وحتى البعض في مدينة البصرة لا ترفض المشروع من حيث المبدأ لكنها ترى ان توقيت طرح هذا المسعى غير مناسب في ضل ما يعيشه العراق من ظروف أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية حساسة.. 2- قوى وشرائح اجتماعية شعبية واقتصادية واسعة في العراق تتخوف من تكرار تجربة إقليم كردستان في الجنوب وذلك لممارسات الإقليم والتي لازالت تثير الكثير من الأزمات للحكومة الاتحادية والخروقات المتعددة للصلاحيات المحددة له وتجوزها على صلاحيات الحكومة الاتحادية منها مسألة النفط والموارد الطبيعية ، وكذلك الحدود الإدارية للإقليم وسيادة الحكومة الاتحادية عليها وعلى غيرها. 3- يبرر البعض ان الأكراد عند إقامتهم لإقليم خاص بهم كان ضرورة واقعية فرضتها عدة وقائع منها اللغة والعادات والتقاليد والجغرافية أما البصريون يفتقرون لهذه المبررات. 4- يطرح البعض ان مسألة إقامة الأقاليم في العراق وفي ظل الظروف التي يعيشها اجتماعياً وامنياً تعني التقسيم المستقبلي لهذه البلاد وان الأقاليم تتطلب مرحلة من مراحل النضج الديمقراطي وهذا غير متوفر في ديمقراطية العراق. بين الإصرار والحماسة لأقامه إقليم البصرة من قبل قوى سياسية واجتماعية وشعبية بصرية متعددة وبين الرفض والتسويف والمماطلة الحكومية الاتحادية في بغداد لها وكذلك تخوف بعض النخب الفكرية والأدبية والاجتماعية لهذه الخطوة نضع مجموعة من الحلول التي تضمن للبصرة حقوقها التي ترى إن عودتها لا تتم إلا بإقامة الإقليم وما هو يبعد الحكومة أيضا عن القلق والمخاوف من هذه الخطوات ما يلي :- 1- مبادرات كثيرة قدمت في السابق منها مشروع ( البصرة عاصمة العراق الاقتصادية ) وكذلك مشروع البترو دولار الذي يخصص من مواردها النفطية ليضاف إلى مخصصاتها الاتحادية من الموازنة على الحكومة الاتحادية تفعيلها . 2- تفعيل اللامركزية الإدارية وذلك بإعطاء صلاحيات واسعة لحكومتها المحلية سواء كان تشريعية أم تنفيذية. . 3- إعطاء أولوية اقتصادية لهذه المدينة وزيادة ميزانيتها الاستثمارية وميزانيتها من تنمية الأقاليم الخاصة بها وبما يتناسب ومواردها وصادراتها النفطية. 4- معالجة البطالة في هذه المدينة ومنها إعادة النضر بالعقود مع الشركات الأجنبية العاملة فيها سواء كانت نفطية أو غازية وغيرها وذلك بتضمين هذه العقود مع هذه الشركات تشغيل الأيدي العاملة في هذه المدينة وإعطاء نسبة عالية ، حيث اغلب العاملين في هذه الشركات حاليا هم من خارج هذه المدينة سواء من المحافظات الأخرى او عمالة أجنبية . . 5- أعادة النظر بالتعريفة الجمركية وذلك بفرض ضرائب مجزية على الإيرادات الداخلة للعراق والتي اغلبها تدخل عن طريق موانئ هذه المدينة واستثمار الجزء الأكبر من عائداتها في أعادة أعمار الحركة الملاحية وكذلك موانئ ومدن سياحية في هذه المدينة . وفي النهاية لابد من الإشارة إلى إن أقامة الأقاليم في العراق كفلها وحددها وأطرها الدستور إلا إن الواقع العملي اختلف عن ذلك كثيراً ومنها ما يلمسه الكثير اليوم في تجربة إقليم كردستان التي تتنافى مع كل معاير ضوابط وأسس وصلاحيات الإقليم وفي كل الدساتير والديمقراطيات العالمية ، لذلك هنالك تخوف شعبي وسياسي مبرر من الحراك في البصرة حول تبني خيار الإقليم ، كذلك الإهمال والمركزية المقيتة في بغداد بحاجة إلى أعادة النظر اتجاه المحافظات ومنها مدينة البصرة كي لا تعطي وتدفع بأهلها وغيرها من المحافظات في تبني خيار أقامة الإقليم
شارك الموضوع :

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية