الهجمات الإسرائيلية على سوريا والمعادلة الإقليمية الجديدة

شارك الموضوع :

أثارت التحركات الإسرائيلية الاخيرة في سوريا، الكثير من الأسئلة، التي ربما كانت الأخطر منذ تولى أحمد الشرع الرئاسة في سوريا، العديد من التساؤلات عمَّا إذا كانت هناك أهداف تتخطى هدف إسرائيل المعلن "حماية الأقلية الدرزية"، أم أن الاهداف أبعد من ذلك، وتأتي ضمن سياق أهداف إسرائيل الكبرى ومشروعها السياسي في منطقة الشرق الاوسط، الذي بدأته في غزة، مرورًا بلبنان وإيران حتى سوريا، وهو بالتأكيد لم ينتهِ عند هذا الحد

في الوقت الذي كانت اغلب المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، تبث للعالم مشاهد القتل والتعذيب والاهانة التي كانت ينفذها اتباع الرئيس السوري أحمد الشرع بحق أبناء الطائفة الدرزية في محافظة السويداء السورية، حاول مئات الدروز من إسرائيل والجولان المحتل عبور الحدود إلى سوريا للمشاركة فيما وصفوه بـ«الوقوف إلى جانب» أبناء طائفتهم بمدينة السويداء لمواجهة العناصر المسلحة، بموازاة ذلك، دخلت إسرائيل على خط المواجهة والتهديد، محذرًا الحكومة السورية من تلك الممارسات التي اتبعتها القوات السورية بحق المواطنين الدروز، وقذ وجَّه وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، تهديدًا مباشرًا للحكومة في دمشق، وشنت طائراته قصفًا جديدًا داخل أراضيها، مستهدفة بذلك مقري وزارة الدفاع وهيئة الأركان، ومحيط القصر الرئاسي في العاصمة دمشق، ومدنا سورية أخرى، وقررت نقل قوات إلى الجولان المحتل. وعل الكثير من يتسائل، هل دخلت إسرائيل على خط الأزمة لحماية أبناء الطائفة الدرزية، أم أن الهدف أبعد من ذلك؟ وهل تسعى فعليًا لفرض معادلة جديدة في الجنوب السوري، مستفيدة بذلك من حالة الانقسام المجتمعي والطائفي ومن السيولة السياسية في دمشق؟

أثارت التحركات الإسرائيلية الاخيرة في سوريا، الكثير من الأسئلة، التي ربما كانت الأخطر منذ تولى أحمد الشرع الرئاسة في سوريا، العديد من التساؤلات عمَّا إذا كانت هناك أهداف تتخطى هدف إسرائيل المعلن "حماية الأقلية الدرزية"، أم أن الاهداف أبعد من ذلك، وتأتي ضمن سياق أهداف إسرائيل الكبرى ومشروعها السياسي في منطقة الشرق الاوسط، الذي بدأته في غزة، مرورًا بلبنان وإيران حتى سوريا، وهو بالتأكيد لم ينتهِ عند هذا الحد. فما يجري في سوريا حاليًا، واضح ومكشوف للجميع، وهو يمثل التطبيق الفعلي والعملي للتوجهات الإسرائيلية في خلق مرحلة جديدة مختلفة عن مرحلة ما قبل غزة، إذ تحاول إسرائيل تأسيس واقع جغرافي مستدام في الجنوب السوري، عبر دفع الدولة السورية للاعتراف بمنطقة فراغ أو منزوعة السلاح بين سوريا وإسرائيل، والحديث هنا عن السويداء، وهي بمثابة رسالة أمنية وسياسية إلى دمشق، مفادها أن الجنوب السوري لن يكون بمنأى عن الحسابات الإسرائيلية، وأن ورقة الدروز لم تعد شأنًا داخليًا سوريًا. إذ يرى بعض المتخصصين بالملف السوري – الإسرائيلي، أن ما حدث في السويداء، هو تتويج لتراكمات داخلية وإقليمية، لكنه لا ينفصل عن سياق دولي أوسع تقوده إسرائيل عبر استثمار ملف الأقليات في الصراع السوري. ولعل الهدف الحقيقي لحكومة نتنياهو ليس حماية الدروز، الذين أشارت إلى أن معظمهم لا يقيمون علاقات مع إسرائيل ويلتزمون بالاتفاق المبرم بينهم وبين الشرع في مايو الماضي، الذي أعلنوا فيه رفضهم تدخل إسرائيل، إلا أن هناك أهداف سياسية واستراتيجية كبيرة تقف خلفه، تسعى إسرائيل من خلاله إلى ممارسة الضغط لضم سوريا إلى اتفاقيات إبراهيم وفق شروطها. وتجد فيه فرصة لتعديل شروط الحل السياسي مع دمشق في المرحلة المقبلة. وعلى ما يبدو أن ما يجري يأتي من ضمن الدعم الأمريكي لإسرائيل، سواء عبر الغطاء السياسي، أو عبر تعديل سلوك دمشق بعدم المطالبة بإدماج السويداء أو الدروز قسرًا ضمن الدولة الجديدة، والاعتراف بهم كواقع جغرافي واجتماعي قائم بحد ذاته. وهذا ما تعمل عليه الحكومة الإسرائيلية منذ أحداث غزة، لخلق مناطق تخوم مع الدول التي تجاورها، إذ يعمل الجيش الإسرائيلي على تحقيق أهداف سياسية تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، وخيارات إسرائيل في المنطقة مثل السيطرة على مناطق التخوم في لبنان وسوريا، ولاسيما أن الجيش الإسرائيلي قد بنقل فرقتين إلى الجبهة السورية، بينهما الفرقة 98 العاملة في قطاع غزة، وهي فرقة هجومية وتستخدم رأس حربة في الهجمات، والفرقة الثانية من الاحتياط. 

إَّن إسرائيل تدرك أهمية دفع دمشق للاعتراف بهذا الواقع، وإنهاء أي مطالبات سورية بعودة الجولان أو سهل البقاع، أو حتى الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد الأسد، وغلق الباب أمام أية شروط سياسية مسبقة لدمشق على تل ابيب في أي محادثات أو تفاهمات بين الطرفين مستقبلاً. إذ تحاول إسرائيل تنفيذ مخططاتها السياسية واستراتيجيتها العسكرية في الوقت الراهن، واستغلال الامور بصالحها، ولاسيما في ظل الإدارة الأمريكية الحالية، الداعمة لها ولتوجهاتها العسكرية المتطرفة في منطقة الشرق الاوسط، وكذلك استغلال المعادلة الإقليمية التي فرضتها حرب ما بعد غزة وحزب الله، والحرب على وإيران فيما بعد، فضلًا عن استغلالها للوضع السوري الهش، ولاسيما وضع ما بعد الأسد، والصراع الداخلي بين الجماعات السورية الموالية للحكومة وبعض الأقليات الدينية، كما حصل مؤخرًا في محافظة السويداء مع الأقلية الدرزية، التي اعطت الذريعة لإسرائيل بالتدخل العسكري وضرب المؤسسات الأمنية السورية. ولعل الحكومة الإسرائيلية تدرك جيدًا، أن غلق ملف الجنوب السوري بهذا الوقت، وتثبيت ما تريده في الجنوب السوري، قد يسمح لها بتكراره في مناطق أخرى، سواء في الشمال الشرقي مع الأكراد، أو في الساحل السوري مع العلويين، او حتى مع لبنان وغيرها من الدولة التي تتقاسم معها الحدود جغرافيًا. وهذا الأمر من شأنه، أن يخلق لها معادلة إقليمية أكثر آمنًا، ويوفر لها المناورة اللازمة في المستقبل البعيد مع دول المنطقة مثل العراق ومصر ولبنان وحتى إيران وتركيا، ويمكَّنها من تحقيق معادلتها الإقليمية على المدى القريب والمتوسط، ويساعدها في تحقيق مشروعها الشرق اوسطي الجديد على المدى البعيد، وهو المشروع الذي يحلم به بنو إسرائيل واليهودية بشكلٍ عام.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية