وضع العراق في مؤشر جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي لعام 2024

شارك الموضوع :

إن القدرة على تبني الذكاء الاصطناعي بفعالية ومسؤولية في العراق يمكن أن تُمكن من تقديم خدمات أفضل، وتحسين العمليات، ومعالجة التحديات العامة بدقة وتأثير أكبر، من خلال الاستثمار في الإمكانات التي تتيح الفائدة القصوى واستنباط خيارات جديدة توسع وتفتح افاق جديدة للإبداع والتطور على نطاق واسع، الامر الذي يؤدي الى خلق مجتمع يحقق الفائدة المثلى من الذكاء الاصطناعي ويسرع من عملية التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي وجعل المستقبل في أيدينا

ظهر الذكاء الاصطناعي لأول مرة Artificial intelligence (AI) في خمسينات القرن الماضي ، خلال مؤتمر جامعة دارتمورث بشأن الذكاء الاصطناعي في صيف عام 1956، ومنذ ذلك الحين نشر المبتكرون والباحثون زهاء 1.6 مليون منشور، ولم يكن تاريخ الذكاء الاصطناعي رحلة هادئة فقد عقبت فترات التفاؤل والنجاح والنمو فترات من خيبة الأمل والانكماش وإعادة التجميع، إذ تراجع ربيع الذكاء الاصطناعي ليحل محله شتاء الذكاء الاصطناعي، وصارع هذا التخصص الناشئ باحثا عن موطئ قدميه، وأتاح النمو المتسارع للقدرة الحاسوبية وتكنولوجيات الاتصالات تجميع أحجام كبيرة من البيانات وتقاسمها، فانبثقت العديد من المجالات الجديدة لتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي(1).

الإطار (1) لمحة تاريخية موجزة عن الذكاء الاصطناعي

1956......... صُوغ مصطلح "الذكاء الاصطناعي" في مؤتمر دارتموث، وتأسس الذكاء الاصطناعي كتخصص أكاديمي.

1956-1974..... شهدت السنوات الذهبية للذكاء الاصطناعي تمويلًا حكوميًا لمناهج واعدة قائمة على المنطق لحل المشكلات.

1974-1980 .... أدت التوقعات العالية جدًا، إلى جانب القدرات المحدودة لبرامج الذكاء الاصطناعي، إلى أول "شتاء للذكاء الاصطناعي"، مع انخفاض التمويل والاهتمام بأبحاث الذكاء الاصطناعي.

1980-1987 .... حقق صعود أنظمة الخبراء القائمة على المعرفة نجاحات جديدة، وتغيرًا في تركيز البحث والتمويل نحو هذا النوع من الذكاء الاصطناعي.

1987-1993....... بدأ "شتاء الذكاء الاصطناعي" الثاني مع الانهيار المفاجئ لصناعة الأجهزة المتخصصة عام 1987. وقد جلبت ضجة الذكاء الاصطناعي معها تصورات سلبية من جانب الحكومات والمستثمرين، حيث أظهرت أنظمة الخبراء محدوديتها، وثبت أن تحديثها وصيانتها مكلفان للغاية.

1993-2011.... التفاؤل بشأن الذكاء الاصطناعي يعود ويزداد. تتسم النجاحات الجديدة بمساعدة زيادة القدرة الحاسوبية، ويصبح الذكاء الاصطناعي مدفوعًا بالبيانات. 

2012- ؟

اتاحت زيادة توافر البيانات، والترابط، والقدرة الحاسوبية تحقيق اختراقات في مجال التعلم الآلي، وخاصةً في الشبكات العصبية والتعلم العميق، مما بشر بعصر جديد من زيادة التمويل والتفاؤل بشأن إمكانات الذكاء الاصطناعي. 

 شهدت مجالات الذكاء الاصطناعي، مثل تعلم الآلة، ورؤية الحاسوب، ومعالجة اللغة الطبيعية (NLP)، نمواً غير مسبوق في العقد الماضي، وتتطلب هذه التطورات قدرات حوسبة متقدمة وكبيرة، ومراكز بيانات ضخمة لتشغيلها، حيث تعتمد البنية التحتية المصممة للذكاء الاصطناعي على أجهزة متخصصة مثل وحدات معالجة الرسومات (GPU) لتسريع عمليات التعلم الآلي. كما يسهم الذكاء الاصطناعي بشكل ملحوظ في التطور التقني السريع وزيادة فرص الابتكار والنمو في مختلف المجالات، ويؤدي دوراً مهماً في رفع الجودة وزيادة الإمكانات وكفاءة الأعمال وتحسين الإنتاجية.

Artificial Intelligence: Technology Trends 2019, World Intellectual Property Organization, Geneva,2019, p21.

ويشير الذكاء الاصطناعي AI إلى مجموعة التقنيات التي تُمكّن الآلات من محاكاة الذكاء البشري وسلوكه، وفهم طبيعته عن طريق عمل برامج الحاسب الالي قادرة (2). 

وبفضل الخوارزميات المتقدمة وتقنيات التعلم الآلي، أصبح الذكاء الاصطناعي قادراً على تحليل البيانات، والتعلم من التجارب، وتنفيذ المهام المعقدة بشكل مستقل.

وبحسب البيانات تضاعف إجمالي منشورات الذكاء الاصطناعي ثلاث مرات تقريباً خلال المدة 2010-2022 إذ ارتفع من 88 ألف منشور ليصل الى أكثر من 240 ألفاً في عام 2022 (3).

شكل (1) تطور عدد المنشورات في الذكاء الاصطناعي خلال المدة 2010-2022

Artificial Intelligence: Technology Trends 2019, World Intellectual Property Organization, Geneva, 2024.p32.

من جانب آخر، بلغت براءات الاختراع في مجال الذكاء الاصطناعي الممنوحة ارتفاعاً ملحوظاًًًًً، على سبيل المثال بلغ إجمالي النمو في براءات اختراع الذكاء الاصطناعي الممنوحة 56.1% بين عامي 2010 و2014 لتصل الى 62.2% في عام 2022. 

شكل (2) نمو براءات الاختراع في الذكاء الاصطناعي للمدة 2010- 2022

Artificial Intelligence: Technology Trends 2019, World Intellectual Property Organization, Geneva, 2024.p38.

وفي ضوء الأهمية الكبيرة التي اكتسبها الذكاء الاصطناعي بدأت مؤسسة أكسفورد انساتيس بإصدار تقرير مؤشر استعداد الحكومة للذكاء الاصطناعي Government AI Readiness Index  منذ عام 2017 وبشكل سنوي لرصد أوضاع الحكومات واستعدادها وجهودها لإدماج الذكاء الاصطناعي في الحياة العملية، وقد أصبح هذا التقرير مرجعاً موثوقاً لصانعي السياسات، واعتمدته الحكومات الوطنية كمعيار رسمي، وراجعته منظمات رائدة مثل اليونسكو ومجموعة العشرين.

ويتكون المؤشر العام من 40 مؤشراً فرعياً عبر 10 ابعاد تشكل 3 ركائز أساسية لتسهيل جاهزية الذكاء الاصطناعي داخل الدولة، وهو يُسلط الضوء على التقدم المُحرز، ويُحدد الفجوات، ويُقدم رؤى عملية لصانعي السياسات الذين يسعون إلى دمج الذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات العامة. ويوضح المخطط الآتي المحاور الرئيسة للمؤشر

جدول (1) المحاور والركائز والابعاد الرئيسة لمؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي

الجدول من عمل الباحث بالاستناد الى:

- The Government AI Readiness Index 2024, Oxford Insights, p5.

وفي النسخة السابعة من التقرير والذي صدر مع نهاية عام 2024 تم تقيم جاهزية 188 دولة في وقت يزداد فيها الاهتمام بالذكاء الاصطناعي، إذ تواجه الحكومات احتياجات المواطنين المتطورة وتحديات ملحة مثل عدم اليقين الاقتصادي، ومخاطر المناخ، وتزايد التفاوتات. تتطلب معالجة هذه القضايا بشكل صحيح قدرات أقوى وأكثر ابتكاراً من الحكومات، وللذكاء الاصطناعي دور مهم يلعبه في هذا المجال.

في جوهره، يسأل المؤشر: ما مدى جاهزية الحكومات لتطبيق الذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات العامة؟ وكيف يمكن للحكومات الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء؟ ويهدف المؤشر العام إلى توفير أداة عملية تدعم اتخاذ القرارات القائمة على الأدلة، وتُساعد صانعي السياسات على إطلاق العنان لإمكانات الذكاء الاصطناعي لخدمة المواطنين بشكل أفضل في جميع أنحاء العالم.

وقد أشار التقرير الى إنه في عام 2024 تم الإعلان عن 12 استراتيجية جديدة للذكاء الاصطناعي (3 اضعاف المسجل في عام 2023) أكثر من نصفها أتت من دول ذات دخل متوسط ومنخفض، مما يُظهر زخماً متزايداً بين الاقتصادات التي لطالما تأخرت في حوكمة الذكاء الاصطناعي، فمثلاً أصبحت إثيوبيا ثاني دولة منخفضة الدخل تُصدر استراتيجية، تسلط هذه التطورات الضوء على الاعتراف المتزايد بالذكاء الاصطناعي كمحرك للتنمية الوطنية، ومن المرجح إن التعاون الدولي وتبادل المعرفة لعبا دوراً في دعم هذا الزخم وستكون هذه الجهود حاسمة في معالجة ثغرات الحوكمة، مع قيام المزيد من الدول بإضفاء الطابع الرسمي على استراتيجيات الذكاء الاصطناعي وتعزيز قدرتها على تبنيها بفعالية(4). 

وبحسب التقرير فقد تصدرت الولايات المتحدة الامريكية مؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي، وتمثلت ميزتها في ركيزة قطاع التكنولوجيا اذ جمعت 87.03 نقطة ثم تلتها سنغافورة وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة، كما في الجدول الاتي  

جدول (2) الدول العشرة الأولى في مؤشر جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي

الجدول من عمل الباحث بالاستناد الى

- The Government AI Readiness Index 2024, Oxford Insights, p43-50


اما على مستوى الدول العربية فقد احتلت الامارات المرتبة الأولى عربياً بـ 75.66 نقطة تلتها السعودية بـــ 72.36 ثم قطر وعُمان والأردن بـــ 68.22 و62.91 و 61.57 نقطة على التوالي في حين تذيلت اليمن وسوريا وجنوب السودان سلم الترتيب على مستوى الدول العربية وعلى مستوى العام ككل. 

• العراق وجاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي

يعيش العالم على وقع تطورات متسارعة ويتصدر الذكاء الاصطناعي السباق، ويقتحم العالم بسرعة جامحة، وكل يوم يطالعنا بأعجوبة جديدة لخوارزمية يحركها الذكاء الاصطناعي وهي تكنلوجيا للأغراض كافة (5). ويدخل الذكاء الاصطناعي في الوقت الراهن في كل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها كعنصر مساهم وقوي، اذ يؤدي بعض الوظائف بإمكانات لا تضاهى. وتُشير الدراسات والأبحاث إن للذكاء الاصطناعي إيجابيات كثيرة في قطاعات مختلفة مثل الصحة والتعليم وتحسين تقديم الخدمات...الخ.

والعراق من الدول التي تعاني كثيراً في مجال الصحة والتعليم والخدمات فضلاً عن المجالات الأخرى، وهو من الدول المتأخرة كثيراً في مجال استخدام التقنيات والتكنلوجيا نتيجة لعقود من الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني.

وبالنظر الى مؤشر جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي نجد إن العراق جاء بالمرتبة 107 عالمياً من بين 188 دولة مشتركة في التقرير محققاً 40.91 نقطة، في حين جاء بالمرتبة 12 عربياً من أصل 17 دولة عربية مشاركة في التقرير

مخطط (2) وضع العراق في مؤشر جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي لعام 2024

المخطط من عمل الباحث بالاستناد الى

- The Government AI Readiness Index 2024, Oxford Insights, p46.

إن احتلال العراق لمراتب متأخرة في مجال الاستعداد والجاهزية للذكاء الاصطناعي يشير الى جملة من نقاط الضعف التي من شأنها ان تضعف قدرة العراق في مواجهة التطورات والتقدم التكنلوجي الذي يعيشه العالم، ومن ثم له انعكاسات سلبية على أوضاع البلد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية وسيحرم البلد من الاستفادة من مخرجات الثورة الصناعية الرابعة.

وقد سعت حكومة السيد محمد شياع السوادني الى الاهتمام بالذكاء الاصطناعي وتم تشكيل اللجنة العليا للذكاء الاصطناعي في العراق، وتضم ممثلين عن وزارات التخطيط والمالية والتعليم العالي والتربية والاتصالات وهيئة الإعلام والاتصالات، إلى جانب مستشار رئيس الوزراء للشؤون العلمية والأكاديمية والذكاء الاصطناعي. 

وقد اكدت اللجنة على وجود خارطة طريق واضحة لترسيخ مكانة العراق بوصفها دولة رائدة في مجال الابتكار، وتسعى اللجنة إلى خلق مناخ مناسب لتمكين العراق في جعله مركزاً لتطوير المهارات والإبداع والتميز في مجال تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، وبالتعاون مع دول العالم أجمع، والاستفادة بشكل خاص من دول منطقة الشرق الأوسط، التي لها تجارب رائدة في مجال تقنية المعلومات والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي. 

وتسعى اللجنة إلى إقرار أنظمة لجمع البيانات وإنشاء مراكز متخصصة للبيانات وإقرار تشريعات من قبل خبراء القوانين، وإكمال عملية التحول الرقمي وقيادة مجتمع المستقبل الى العدالة والرفاهية، والانتقال الى الاقتصاد المعرفي والاستدامة وتحفيز رؤية (الذكاء الاصطناعي للجميع) 

وقد حددت اللجنة العليا للذكاء الاصطناعي 8 إجراءات تعزز موقع العراق، ليكون في مصاف دول العالم والمنطقة في الجانب التكنولوجي. من خلال إطلاق مبادرة تستهدف استقطاب الكفاءات من الخارج لتدريب 100 "قائد رقمي" كمرحلة أولى.

من جانب آخر نظمت الإسكوا وهيئة الاعلام والاتصالات ورشة عمل لبناء القدرات الوطنية حول المفاهيم الرئيسية للتحول الرقمي وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وعرضت مؤشرات دولية وإقليمية مختارة، وناقشت أفضل الممارسات في تطوير السياسات ذات الصلة، وشدّد الممثلون عن المؤسسات العامة المشاركة في وضع وتنفيذ السياسات الرقمية على أن تطوير استراتيجية للتحوّل الحكومي الرقمي يُعد أحد عوامل النجاح الرئيسية لتعزيز الخدمات الرقمية في البلاد، إذ يتطلب تطوير الخدمات الرقمية اعتماد آليات حوكمة مناسبة لضمان التنفيذ السليم للأنشطة والحدّ من البيروقراطية(6) .

ختاماً، إن القدرة على تبني الذكاء الاصطناعي بفعالية ومسؤولية في العراق يمكن أن تُمكن من تقديم خدمات أفضل، وتحسين العمليات، ومعالجة التحديات العامة بدقة وتأثير أكبر، من خلال الاستثمار في الإمكانات التي تتيح الفائدة القصوى واستنباط خيارات جديدة توسع وتفتح افاق جديدة للإبداع والتطور على نطاق واسع، الامر الذي يؤدي الى خلق مجتمع يحقق الفائدة المثلى من الذكاء الاصطناعي ويسرع من عملية التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي وجعل المستقبل في أيدينا.


مصادر تم الاعتماد عليها:

1- المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، متوفر على الرابط، 

https://www.wipo.int/tech_trends/ar/artificial_intelligence/story.html#group-section-lmh-trykhy-iuapSA7cYh 

2- مركز البحوث والمعلومات، الذكاء الاصطناعي، غرفة أبها، المملكة العربية السعودية، 2021، ص5.  

3- Artificial Intelligence: Technology Trends 2019, World Intellectual Property Organization, Geneva,2024, p31.

4- The Government AI Readiness Index 2024, Oxford Insights, p7.

5- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية، رهن بخيار: الانسان والإمكانات في عصر الذكاء الاصطناعي، نيويورك، 2025، ص3. 

6-  الاسكوا، التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في العراق، الأمم المتحدة، متوفر على الرابط، https://www.unescwa.org/ar


اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية