التقارب العراقي- العربي

شارك الموضوع :

ان إعادة دمج العراق بطريقة جيدة في محيطه الإقليمي العربي، وقيامه بدور فعال في وضع جدول الاعمال الإقليمي، سيسهم باستعادته لثقله الموروث، ودوره السياسي المؤثر في محيطه الدولي، وهذا الامر متاح للغاية في ضوء الظروف الإقليمية والدولية السائدة، فالعراق اليوم بحاجة ماسة الى دعم محيطه العربي، بقدر حاجة الدول العربية الى عراق مبادر وقوي ويحسن توظيف موارد قوته في صنع السلام الإقليمي والعالمي، وما يضمن تحقيق هذا المسار هو ابعاد الحمقى والمغامرين والمؤدلجين من الطرفين عن إعاقة التقارب العراقي-العربي

قبل بضعة سنوات جمع كاتب هذه السطور لقاء في العاصمة الأردنية-عمان مع السفير والوزير الاسبق، وعضو مجلس الاعيان الأردني الحالي معالي الدكتور محمد داوودية، فدار حوار مهم حول الدور العربي في عراق ما بعد 2003، وقد حملت العرب مسؤولية عدم الاحتواء الإيجابي للتغيرات التي حصلت بعد سقوط حكم البعث، بل وحصول إخفاقات وتدخلات غير موفقة في بعض الأحيان بالشأن الداخلي العراقي، فيما كانت بغداد تنتظر من اشقائها العرب موقفا مختلفا يساعدها على تجاوز التحديات التي مرت بها، فرد معالي الدكتور داوودية بالقول: اخي الدكتور انت تقول ان العراق ينتظر دورا وموقفا من العرب، ولكن الحقيقة هي ان العرب طالما كانوا ينظرون الى العراق كسيد وأخ أكبر، وكانوا ينتظرون منه المواقف ليسيروا خلفه في تعزيز روابط الاخوة، وحماية الامن القومي العربي.

هذا الحوار القصير ليس مجرد كلمات للمجاملة، بل هو كشف لصورة العراق النمطية في العقل العربي، فهو جمجمة العرب، وعاصمة المجد الحضاري العربي، ومصدر الزهو والقوة في التاريخ العربي، ولذا فكل عناصر القوة الناعمة متوفرة للعراق في علاقة بمحيطه العربي، باستثناء عنصر السياسة الخارجية العراقية الفاعلة، مما يجعل قوة الجذب بين العرب والعراق حاضرة باستمرار لمصلحة الأخير.

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو: لماذا لم تتمكن بغداد من توظيف هذه القوة في تحقيق مصالحها الاستراتيجية العليا، وزيادة حضورها وتأثيرها الإيجابي في المنطقة والعالم خلال أكثر من مائة سنة من تاريخ العراق الحديث؟

لقد مرت علاقة العراق بالدول العربية بمراحل طويلة من الإخفاق والتوتر، ووصلت الى ذروة تدهورها بعد المغامرة الحمقاء لصدام حسين عندما قام بغزو الكويت في الثاني من آب-أغسطس 1990، وكانت توجهات بغداد اتجاه العرب استعلائية تارة، وصراعية عدوانية تارة أخرى، وتآمرية منافقة تارة ثالثة... وللأسف كان رد العرب على هذه التوجهات بمثلها او بما هو أسوأ منها.

ان ما جعل العراق يخسر محيطه العربي، على الرغم من عناصر الجذب القوية بين الطرفين، والقواسم المشتركة التي تجمعهما، ووجود مقومات القوة الجيواستراتيجية العراقية المؤثرة هو السياسات التقزيمية للعراق التي اتبعها بعض ساسته، عندما انطلقوا من بواعث حزبية ضيقة او طائفية متمترسة عند التعامل مع البلدان العربية، ولم ينطلقوا من الثقل التاريخي والحضاري لدولتهم، وما تعنيه من رمزية واهمية استراتيجية لجيرانها العرب. لقد تم اسقاط العُقد الحزبية والطائفية على العلاقات بين الطرفين، فيما اهملت المصالح العليا، والحاجة الى التعاون المشترك لتنسيق المواقف ومجابهة التحديات التي تعصف بالمنطقة عموما، وبكل دولة من دولها على انفراد، ويتحمل الطرفان المسؤولية عن استمرار هذا الوضع الشاذ والمأزوم في علاقتهما.

ولكن وبعد هذا التاريخ الطويل من الفهم القاصر، والسياسات الخاطئة حان الوقت ليتخذ العراق وبقية الدول العربية مسارا مختلفا في التواصل بينهما، مسارا يعزز مكانة العراق كسيد وأخ اكبر حكيم في لدى جميع الدول العربية، وكدولة لها ثقلها الحضاري، ومكانها الجيواستراتيجي الفريد في منطقتها والعالم، وأول الخطوات نحو ذلك هو تحرير العلاقات العراقية-العربية من العُقد الحزبية والطائفية، وارتكازها على قاعدة متينة من المصالح المتبادلة، فضلا عن مغادرة الاعتقاد الخاطئ لدى البعض والذي مفاده ان عراقا ضعيفا هو أمر مفيد لجيرانه، فالأحداث اثبتت ان عراقا ضعيفا هو مصدر تهديد للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وهذا ما لا يمكن القبول به بعد الان.

وبناء عل ما تقدم، يشكل عقد قمة جامعة الدول العربية في بغداد فرصة استثنائية للعراق والعرب لتصحيح المسارات الخاطئة السابقة، والانطلاق نحو مستقبل جديد من العلاقات يسمح بزيادة التقارب بين الجانبين، كما يفتح السبيل لشراكات متبادلة متعددة الابعاد تعود بالنفع على الجميع، وتضمن المصالح العليا لبلدانهم. 

ان إعادة دمج العراق بطريقة جيدة في محيطه الإقليمي العربي، وقيامه بدور فعال في وضع جدول الاعمال الإقليمي، سيسهم باستعادته لثقله الموروث، ودوره السياسي المؤثر في محيطه الدولي، وهذا الامر متاح للغاية في ضوء الظروف الإقليمية والدولية السائدة، فالعراق اليوم بحاجة ماسة الى دعم محيطه العربي، بقدر حاجة الدول العربية الى عراق مبادر وقوي ويحسن توظيف موارد قوته في صنع السلام الإقليمي والعالمي، وما يضمن تحقيق هذا المسار هو ابعاد الحمقى والمغامرين والمؤدلجين من الطرفين عن إعاقة التقارب العراقي-العربي.  

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية