على الرغم من المؤشرات الإيجابية التي تمخضت عنها زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية والرسائل التي بعثتها إلى المحيطين الإقليمي والدولي في أول محطة خارجية للرئيس بعد استلامه إدارة البيت الأبيض، إلا أن حضور ترامب إلى القمة الإسلامية – الأمريكية هو تتويج آخر بالنسبة للرجل الاقتصادي الحاكم في البيت الأبيض، بغض النظر عن الصفقات التي عقدت بين الطرفين بخصوص الرؤية الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية على الصعيد العسكري والاقتصادي. إلا إن ما يثير التساؤل بهذا الخصوص، هل أن السعودية كانت مرغمة على التنازل وكسب الولايات المتحدة في عهد ترامب من خلال عقد القمة الإسلامية – الأمريكية أم أن المصلحة السعودية المتمثلة برؤيتها الاستراتيجية تتطلب ذلك؟
يرى البعض بأن زيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية، أعطتها ثقلاً كبيراً في المنطقة، لاسيما بعد التدهور الكبير في العلاقات الأمريكية – السعودية في فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وبداية تولي الرئيس ترامب زمام الأمور في البيت الأبيض، وتصاعد مخاطر النفوذ الإيراني في المنطقة، فضلاً عن المخاوف السعودية – الخليجية من حملة ترامب الانتخابية غير المسبوقة. وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً، نرى بأن خلفية زيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية هي نتيجة طبيعية وتتويج لزيارة ولي ولي العهد محمد بن سلمان إلى واشنطن ولقائه بالرئيس الأمريكي، وإصرار الأخير على تمرير الفكر السياسي والاقتصادي الأمريكي للعقلية السياسية الحاكمة في البيت الأبيض "العقلية الترامبية" في سياسته الخارجية أتجاه العالم الخارجي، لاسيما مع دول الخليج العربي، والمملكة العربية السعودية على وجه التحديد. فالرئيس الأمريكي قطع على نفسه في مواقف عده رسمية وغير رسمية، سواء تلك المواقف التي أعلن عنها أثناء حملته الانتخابية أو المواقف التي أعلن عنها بعد توليه الرئاسة، أتجاه السعودية.
السعودية " هي الدولة التي تُدر ذهبًا ودولارات بحسب الطلب الأمريكي وعليها أن تدفع ثمن الحماية الأمريكية من ثروتها"، كان هذا أحد مضامين الخطابات الانتخابية التي وعد بها الرئيس الأمريكي الحالي الشعب الأمريكي في حال أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وفي مقابلة خاصة مع وكالة رويترز في شهر أبريل/ نيسان الماضي بعد أن أصبح ترامب رئيساً للولايات المتحدة قال فيها: "السعودية لا تعامل الولايات المتحدة بعدالة؛ لأن واشنطن تخسر كمًا هائلاً من المال للدفاع عن المملكة، وهم لا يدفعون لنا شيئًا". وفي ظل تهاوي اسعار النفط العالمية وبروز اهمية النفط الصخري بالنسبة للأمريكان، تخلى الرئيس الأمريكي عن السياسة الأمريكية التقليدية القائمة على اساس استيراد النفط مقابل توفير الحماية الأمنية لدول الخليج وفي مقدمتها السعودية، وأفصح عن طريقته التي أعلن عنها في دعايته الانتخابية القاضية بدفع الاموال مقابل توفير الحماية لهم. وهذا بالفعل ما توج به الرئيس الأمريكي في القمة الإسلامية – الأمريكية، من خلال الصفقات الاستثمارية الضخمة التي عقدتها الولايات المتحدة الأمريكية مع المملكة العربية السعودية، وأن الأرقام التي كشفت عنها وسائل الإعلام الأمريكية والعربية بحجم الاستثمار التي تمخضت عنه زيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية تؤشر على أن ترامب حمّل السعودية ثلث تكلفة برنامجه الانتخابي، الهادف إلى إعادة اعمار وتطوير البنية التحتية الأمريكية بهذا الحجم من الاستثمارات وخلق ملايين الوظائف، وهذا كله في أول 5 شهور من حكمه. وقد تظهر النتائج العكسية للاتفاق الأمريكي – السعودي، على المواطن السعودي في قادم السنوات، لاسيما مع استمرار حالات تدهور اسعار النفط العالمية، واضطرار المملكة إلى اتخاذ تدابير تقشفية قاسية، من بينها خفض الانفاق وتقليل الرواتب.
المملكة العربية السعودية، ربما كانت مجبرة على الرضوخ إمام تطلعات الرئيس الأمريكي، على الرغم من المردودات السلبية التي قد تلحق بالمملكة في السنوات القادمة جراء إصرار ترامب على تحميل المملكة فاتورة باهظة الثمن؛ وذلك من أجل شراء الدعم الأمريكي للمملكة، وعدم قدرتها على مواجهة التحديات الأمنية وحالات عدم الاستقرار في المنطقة، لاسيما مع تصاعد مخاطر النفوذ الإيراني وتمدد اذرعته السياسية والعسكرية والايديولوجية في المنطقة، وعدم تمكن المملكة لحد الآن من حسم المعركة في اليمن ضد أنصار الله الحوثيين وجماعة الرئيس السابق "علي عبد الله صالح"، فضلاً عن ضعف القدرة السياسية السعودية على إيجاد حلفاء جدد من غير الأمريكان وتنويع تحالفاتها السياسية والعسكرية، وبالتالي لا سبيل إمام السعودية سوى الرضوخ إمام تطلعات الرئيس الأمريكي والتزاماته الانتخابية؛ من أجل الشعور بالاطمئنان بوجه تلك التحديات ولو على المستوى الخطابي فقط، وهذا ما تكلل بالفعل في خطابات الرئيس الأمريكي والبيان الختامي للقمة الإسلامية – الأمريكية، وتوجيه اصابع الاتهام إلى إيران بشكل مباشر وبطريقة مبالغ فيها كثيراً، وتحميلها مسؤولية الإرهاب في المنطقة؛ ليتناسى فيها الرئيس الأمريكي خطبه الانتخابية التي اتهم من خلالها المملكة العربية السعودية وحملها مسؤولية تنامي الإرهاب؛ ووصفها بأنها الدولة المسؤولة عن تفريخ الإرهاب في المنطقة والعالم.
وعلى الرغم من أن البيان الختامي للقمة الإسلامية – الأمريكية أكد على أهمية بناء شراكة وثيقة بين الدول لمواجهة التطرف والإرهاب، واتفاق الدول المشاركة بالقمة على التصدي للجذور الفكرية له وتجفيف مصادر تمويله، وادانته للسياسة الإيرانية؛ بسبب استمرار تدخلاتها في شؤون الدول الداخلية، وتأكيده على التصدي للنفوذ الإيراني، الداعم للإرهاب والتطرف "على حد وصف البيان"، إلا أن التناقضات السياسية التي حملها البيان كبيرة جداً، لاسيما وأن الرئيس الأمريكي معروف بمواقفه السابقة عن الإرهاب ومصادر تمويله واتهامه للسعودية، والمسلمين بشكل عام، فضلاً عن التغيب المتعمد للاستراتيجيات العالمية والأمريكية الفاعلة لمواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه والسيطرة على مصادر تمويله. وربما الخلاصة المتفق عليها بشكل مسبق، التي خرج بها البيان الختامي والقمة بشكل عام هو تشديد اللهجة ضد إيران وتحميلها مسؤولية عدم الاستقرار في المنطقة وإظهار الدعم السياسي الأمريكي المعلن للسعودية، وكأن القمة عقدت لأمرين: أولهما أمريكي، تمثل في المكاسب المالية والاقتصادية، والأخر سعودي تمثل في إظهار هذا الدعم الأمريكي للسعودية وشراء وجه ترامب المبتسم؛ للتنديد بالسياسات الإيرانية في المنطقة وتحميلها مسؤولة التدهور السياسي والأمني الحاصل في المنطقة، وبين هذين الأمرين استطاع الرئيس الأمريكي تحقيق أولى مطالب دعايته الانتخابية بمكاسب مالية ضخمة، ربما تظهر تداعياتها على المواطن السعودي في المستقبل القريب.