حتى لو لم تُطيح هذه التهديدات بالدولار تمامًا، فإن أي تراجع في مكانته ستكون له عواقب وخيمة على الولايات المتحدة والعالم, وستنعكس نتائج تراجع الدولار بصورة ارتفاع التكاليف، وتعقيد التجارة، وانخفاض مستويات المعيشة - على الأقل حتى تحل محله عملة أخرى
ادوارد فيشمان، غوتام جين، ريتشارد نيفيو، نقلا عن مجلة فورين افيرز الامريكية- واشنطن 8- نيسان 2025.
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
ترجمة: د. حسين احمد السرحان
أيار-مايو-2025
بقي الدولار الأمريكي العملة المهيمنة في التجارة والتمويل العالميين لأكثر من سبعة عقود. وخلال تلك الفترة، لم يُواجه تهديدٌ حقيقيٌّ لمكانته إلا ازمات محددة. وتعمل الأنظمة الاقتصادية العالمية بجمودٍ كبير. وتُفضّل الجهات الفاعلة الرئيسة، من الحكومات الى البنوك الى الشركات متعددة الجنسيات، آلياتٍ مجرّبة ومُختبرة لإدارة التجارة والتمويل. وكثيرًا ما تُعلن عناوينٌ رئيسةٌ مُثيرةٌ للقلق مفادها أن الدول تبحث عن بدائل للدولار، أو أن تحالفًا جديدًا يُحاول إنشاء عملةٍ منافسة، أو أن الأزمة السياسية الأخيرة في واشنطن ستُنهي أخيرًا مكانة الدولار كاحتياطي. ولكن على الرغم من عقودٍ من النمو الاقتصادي المُتغيّر حول العالم، وفترات الاضطرابات في الأسواق العالمية، والتساؤلات حول مستقبل السياسة الاقتصادية الأمريكية، ظلت هيمنة الدولار راسخة.
في 2/ نيسان الجاري، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رسوم جمركية جديدة مرتفعة على جميع شركاء الولايات المتحدة التجاريين تقريبًا. وتُعدّ خططه، التي دفعت أسواق الأسهم الأمريكية والعالمية لى الانهيار، أحدث مثال على نهجه الثابت في الحوكمة ومضمونه ( تسليح القوة الاقتصادية الأمريكية). فرض ترامب رسومًا جمركية على البضائع الواردة من كندا والمكسيك ردًا على مجموعة متنوعة من المشاكل المزعومة، وأعاد تنشيط حملة الضغط القصوى ضد إيران التي بدأت في ولايته الأولى. إلى جانب هجمات ترامب على سيادة القانون، تُشكّل محاولاته الخرقاء وغير المدروسة لتسليح المزايا الاقتصادية لواشنطن أكبر تهديد حتى الآن لمكانة الدولار كعملة احتياطية.
إذا تحقق هذا التهديد، فستكون الولايات المتحدة والعالم في وضع أسوأ. فبدون الدولار لتسهيل التجارة والتدفقات المالية، سيتباطأ النمو وسيزداد فقر الناس في كل مكان. ولن تُحقق عزلة الولايات المتحدة انتعاش الصناعة الذي تدّعي إدارة ترامب أنها تسعى إليه، مع ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة ونضوب أسواق رأس المال. وستكون النتيجة الحقيقية لانخفاض قيمة الدولار هي زوال القوة الاقتصادية ذاتها التي يحاول ترامب استغلالها.
العملة المشتركة
على الرغم من أن الدولار تفوق على الجنيه الإسترليني البريطاني في منتصف عشرينيات القرن الماضي كعملة رئيسة في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، إلا أن مكانته كعملة احتياطية عالمية لم تتعزز إلا في مؤتمر بريتون وودز قرب نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد أسفر هذا المؤتمر عن إنشاء مؤسستين جديدتين، هما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ونظام جديد لربط العملات بالدولار الأمريكي، القابل للتحويل الى الذهب بسعر ثابت. وقد وضعت كل من هذه المؤسسات ونظام ربط العملات بالدولار استقرار العملة في صميم الاقتصاد العالمي. ومنذ ذلك الحين، حافظ الدولار على مكانته المهيمنة في مواجهة العديد من الاضطرابات، متجاوزًا حتى الاضطرابات التي أعقبت قرار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام ١٩٧١ بكسر ثبات سعر صرف الدولار مقابل الذهب.
تعتمد مكانة الدولار على عدة خصائص يجب أن تتمتع بها أي عملة إذا كانت تأمل في أن تُشكّل النصيب الأكبر من احتياطيات النقد الأجنبي لمعظم الدول. على المستوى الأساسي، يجب أن تكون هذه العملة سائلة - أي سهلة البيع والشراء - ويجب أن يوافق معظم الأفراد والبنوك والشركات على استخدامها في معاملاتهم. لطالما هيمن الدولار على كلا الجبهتين. لأكثر من ثلاثة عقود، كانت نسبة ما بين 85 و90% من المعاملات بين العملات في أسواق الصرف الأجنبي تتم بالدولار. و تُجرى حوالي 50% من المعاملات بالدولار، والتي كانت 35% قبل عقد من الزمن، على نظام المراسلة المالية المعروف باسم سويفت، والذي تستخدمه البنوك الدولية لتبادل عشرات التريليونات من الدولارات يوميًا.
عامل مساعد أيضًا هو أن سوق سندات الحكومة الأمريكية هو الأكبر عالميًا، حيث يبلغ حجمه حوالي 28 تريليون دولار، أي ما يزيد عن ربع السوق العالمية للديون الحكومية. كما تُعد سندات الحكومة الأمريكية (المعروفة عادةً باسم سندات الخزانة) أكثر أشكال الديون الحكومية سيولة، حيث يبلغ متوسط معاملاتها اليومية حوالي 900 مليار دولار. هذه السهولة في الشراء والبيع تمنح البنوك المركزية شعورًا بالاطمئنان بأن سندات الخزانة ملاذ آمن للسيولة. وبالنظر الى هذه العوامل مجتمعة - السيولة، والاستخدام الواسع، والأمان - فليس من المستغرب أن يشكل الدولار غالبية الاحتياطيات الدولية، وقد ظل كذلك لعقود.
واحدة من نوعها
الميزة الكبيرة الاخرى التي يتمتع بها الدولار باعتباره العملة الاحتياطية العالمية هي انه لا يواجه اي منافسين موثوقين. يلوح الرنمينبي الصيني ( او ما يعرف باليوان) في الافق، لكن الصين تفتقر الى اسواق مالية سائلة ومفتوحة وهو احد اهم متطلبات العملة الاحتياطية. العملة الصينية لا يمكن تعوميها بحرية في بورصات العملات المحلية. وتقيد الحكومة الصينية التدفق الحر لرأس المال من خلال معايير منها مثلا السيطرة على الاستثمارات الواردة والصادرة والقيود على تحويلات البنوك الدولية. ويواجه الاجانب عقبات تنظيمية عند الاستثمار في الاسواق المالية الصينية، تتضمن سوق السندات المحلية التي تفتقر الى السيولة. وحاولت الصين الترويج لنظامها المحلي في التحويلات CIPS ، وهو نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك ، والمنافس لنظام سويفت SWIFT ، خاصة وان العقوبات استبعدت بعض اكبر البنوك الروسية من سويفت عام 2022. ولكن حتى الآن، اجتذب CIPS (0.2%) فقط من حجم معاملات سويفت.
العملة المنافسة الاقرب للدولار الاميركي هو اليورو، الذي تتوافر فيه الكثير من الشروط لاستخدامه كعملة احتياطية عالمية. ومنطقة اليورو لديها اسواق مالية سائلة، كما ان اليورو هو ثاني أكثر العملات تداولًا في العالم وثاني أكثر العملات الاحتياطية شيوعًا. ومع ذلك، لا تتضمن منطقة اليورو اتحادًا ماليًا، وكانت ألمانيا، أكبر دولة في الاتحاد، حتى وقت سابق من هذا العام، مترددة في إصدار كميات كبيرة من الديون الحكومية. وأدى عدم وجود سياسة مالية موحدة لمنطقة اليورو الى أزمة الديون الأوروبية 2010-2012، والتي تسببت بدورها في انخفاض حاد في أحجام تداول اليورو في أسواق الصرف الأجنبي، ومعاملات SWIFT المقومة باليورو، وحصة اليورو في احتياطيات البنوك المركزية. وقد تفاقمت عيوب تصميم منطقة اليورو بسبب حقيقة أن الأسهم الأمريكية قد حققت عائدًا يقارب خمسة أضعاف نظيراتها الأوروبية على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، مما دفع موزعي الأصول الى تركيز الاستثمارات في الولايات المتحدة. ولجعل الأمور أسوأ بالنسبة لليورو، فإن التهديد الجيوسياسي الذي تشكله الإمبريالية الروسية على أوروبا، أعطى البنوك المركزية سبباً آخر لتجنب العملة الأوروبية الموحدة.
لم تُفلح جهود الترويج لعملات احتياطية ناشئة أخرى حتى الآن. اذ طرحت مجموعة البريكس، وهي نادٍ يضم اقتصادات رئيسية غير غربية، عملة جديدة محتملة تُنافس الدولار. على المدى القريب، على الأقل، لن تُشكل هذه العملة الجديدة، التي يُفترض أن تدعمها سلة عملات من الدول المشاركة، أي تهديد لهيمنة الدولار. ليس فقط أنه لا توجد خطة لإنشاء اتحاد نقدي أو مالي مشترك داخل مجموعة البريكس، بل إن الدول المشاركة تختلف اختلافًا كبيرًا في أولوياتها المحلية والدولية. كما إن عملة تُنشئها مجموعة دول تشهد انقسام واختلاف في اولوياتها السياسية والاقتصادية اكثر بكثير من منطقة اليورو نفسها، لا يُتوقع أن تُصبح الخيار الأمثل للأعمال التجارية العالمية، خاصة وأن مجموعة البريكس لم تُوضح بعد كيفية عملها.
ولم تُحقق البدائل الأكثر بريقًا، مثل البيتكوين والذهب، نجاحًا يُذكر. اذ تفتقر العملات المشفرة الى العديد من الخصائص اللازمة للعمل كعملات احتياطية، بما في ذلك السيولة، واستقرار الأسعار، والدعم الحكومي أو أي مصدر واضح آخر للقيمة. استُخدم الذهب كعملة لآلاف السنين، وشكّل أساسًا للعديد من الأنظمة النقدية حتى وقت قريب نسبيًا، لكن نقاط ضعفه باتت واضحة الآن. فمن ناحية، لا تستطيع الحكومات التحكم في العرض، لذا فأن الاعتماد على الذهب يُقيد قدرتها على الاستجابة للأزمات الاقتصادية.
هذه المرة مختلفة
على الرغم من قوة الدولار، إلا أن عودة ترامب الى منصبه قد خلقت تهديدًا حقيقيًا لمكانته لأول مرة منذ أجيال. ونظرًا لعدم وجود بدائل جاهزة، فمن غير المرجح أن يكون الضرر قاتلاً على الفور، ولكن خطر التراجع النهائي، ووتيرة التراجع المحتملة، قد ازدادتا. وعلى أقل تقدير، ستؤدي تصرفات ترامب الى تآكل العوامل الداعمة لهيمنة الدولار. ففي الأسابيع الأولى في منصبه، اتبع ترامب سياسات أدت الى قوة الدولار، ولكن منذ ذلك الحين، انخفض الدولار مقابل العملات الأخرى. في البداية، ارتفع الدولار مع ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية على خلفية سياسات ترامب التضخمية، بما في ذلك التعريفات الجمركية والترحيل والتخفيضات الضريبية المقترحة. ومع ذلك، فإن هذه السياسات نفسها، وما خلقته من عدم يقين اقتصادي، تثقل كاهل الدولار الآن، اذ تتوقع الأسواق أن تضر بالنمو الأمريكي بشكل كبير، خاصة بعد إعلان ترامب عن التعريفات العالمية الصارمة والواسعة النطاق. كذلك فان اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن الحرب التجارية، ونقص العمالة الناجم عن عمليات الترحيل، وعدم اليقين السياسي العام، تُلحق ضررًا بثقة الشركات والمستهلكين، مما يؤدي الى انخفاض الإنفاق، وتباطؤ النمو، وانخفاض أسعار الفائدة. وبسبب سياسات ترامب ، فقد تفوقت الأسهم الأوروبية على مؤشر الأسهم الأمريكي الرائد بنحو 20% خلال الربع الأول من عام 2025، وهو أكبر هامش ربح منذ أكثر من ثلاثة عقود.
إذا نظرنا الى ما بعد الامد القريب، فستجد أن مخاطر سياسات ترامب أكبر. بدايةً، الرسوم الجمركية العالمية الهائلة التي فرضها ترامب، فضلا عن زعزعة استقرار الاقتصاد الأمريكي، ستُلحق ضررًا لا رجعة فيه بمصداقية الولايات المتحدة كشريك تجاري. وهذا بدوره سيُقوّض الحاجة الى الدولار واستخدامه. سيُعاني حلفاء الولايات المتحدة من الضرر الأكبر، إذ سيواجه العديد منهم معدلات تعريفات جمركية أعلى من تلك التي يواجهها خصوم الولايات المتحدة. على سبيل المثال، تخضع إسرائيل واليابان والاتحاد الأوروبي جميعًا لمعدلات تعريفات أعلى من تلك التي تُفرض على إيران أو روسيا. وقد أظهر الاقتصاديون أن الدول أكثر ميلًا للاحتفاظ باحتياطيات من العملات من شركائها الجيوسياسيين. وبتنفير أقرب حلفاء الولايات المتحدة، يُبعد ترامب الدول التي كانت الأكثر استعدادًا للاعتماد على التجارة المُيسّرة بالدولار. إن قرار ترامب بالانقلاب على أوكرانيا في صراعها مع روسيا، وتشكيكه العلني في التزام الناتو بالدفاع المشترك بموجب المادة الخامسة، يُفاقم المخاوف بشأن استعداد الولايات المتحدة للوفاء بوعودها. في حين تبحث البلدان عن طرق للحد من تعرضها لأهواء ترامب، فمن غير المرجح أن تعمل بسرعة على تقليص اعتمادها على الدولار، ولكن مع مرور الوقت، فإن العلاقات التجارية المتنامية مع الصين وغيرها من الاقتصادات الكبرى قد تعطي الشركات حافزاً لاستبدال الدولار ببعض المعاملات.
ستوفر العقوبات سببًا آخر للبحث عن بدائل أخرى. تشير حملة الضغط الأقصى التي شنتها الإدارة الأمريكية على إيران، والإجراءات الصارمة التي اتخذتها ضد فنزويلا، الى أن الاستخدام الواسع النطاق للعقوبات قد يتصاعد أكثر في ولاية ترامب الثانية. ومع خضوع المزيد من الدول للعقوبات الأمريكية، ستتحفز هذه الدول على اتباع نهج روسيا بعد عام 2018، وتقليل اعتمادها على الدولار في التجارة عبر الحدود واحتياطيات العملات. وحتى لو لم تتخلى هذه الدول عن الدولار كليًا أو تستبدله ببديل مهيمن وحيد، فقد تبدو أنظمة دفع أخرى مثل نظام CIPS أكثر جاذبية. تُعدّ الصين أكبر شريك تجاري لنحو ثلثي دول العالم؛ فإذا أصبح نظام CIPS هو السبيل الوحيد للتعامل التجاري مع الشركات الصينية، فسيكون لدى المؤسسات المالية في تلك الدول حافز قوي للانضمام. فبدلًا من إعادة تشكيل أنماط تجارتها لتتناسب مع تفضيلات الولايات المتحدة، ستعيد الدول تشكيل بنيتها التحتية المالية للحفاظ على تدفق التجارة.
ربما التهديد الاخطر لهيمنة الدولار يأتي من تهديدات ترامب لحكم القانون، وهو الامر الذي سيهز الاساس الذي يرتكز عليه الدولار. لا يقتصر الخطر على احتمال تسبب الإدارة في أزمة دستورية بتحديها للمحاكم، بل يمتد الى ترسيخ نظام حكم أكثر فسادًا وشخصانية في ظل رئيس يميل الى عقد الصفقات مع أصدقائه ومعاقبة أعدائه. إن حكم القانون، أو بالأحرى غيابه، هي عائقٌ خطير أمام اعتماد الرنمينبي الصيني: فالشركات تُفضّل اللجوء الى المحاكم الأمريكية بدلًا من المحاكم الصينية في أي يوم من أيام الأسبوع. وإذا ما تآكلت هذه الميزة الأمريكية، فقد تكون النتائج كارثية.
الدين الحكومي الاميركي، والذي اعلن مكتب الموازنة في الكونغرس الاميركي انه سيرتفع من 100% من الناتج المحلي الاجمالي الى ما يقارب 150 % عام 2050، سيولد خطرا اضافياً. فإذا خفّض الكونغرس الضرائب أكثر دون كبح الإنفاق (بغض النظر عن الحيل المالية المُستخدمة في هذه العملية)، فإن الدين الناتج سيعني أن حصة أكبر من الإيرادات الحكومية ستُخصّص لسداد الفوائد بدلًا من أولويات الإنفاق الأخرى، مما يُلحق الضرر بالنمو الاقتصادي طويل الأجل وجاذبية الأصول الأمريكية. وقد طرح بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية أفكارًا، غالبًا تحت عنوان "اتفاقية مار-أ-لاغو" المقترحة، من شأنها أن تُفاقم هذه المشكلة بشكل كبير. وتشمل هذه الأفكار إجبار المستثمرين الأجانب على مبادلة حيازاتهم من سندات الحكومة الأمريكية بسندات بفائدة صفرية لأجل مئة عام، مما سيُضرّ بمصداقية الولايات المتحدة كمقترض، وبالتالي، بمكانة الدولار. وان إجبار الدول على تحمّل خسارة في حيازاتها من السندات الأمريكية سيُخيف المشترين المستقبليين، وإذا كانت العملية غير طوعية، فقد تُصنّفها وكالات التصنيف الائتماني على أنها تخلف عن السداد.
أخيرًا، إذا ضعف الاقتصاد، كما تتوقع العديد من بنوك وول ستريت الآن، فقد يجد ترامب نفسه في مسار تصادمي مع الاحتياطي الفيدرالي، كما حدث في ولايته الأولى. فقد أشار الاحتياطي الفيدرالي الى أنه سيحتاج الى مزيد من الوضوح بشأن التأثير التضخمي لرسوم ترامب الجمركية قبل خفض أسعار الفائدة أكثر، في حين يطالب ترامب بالفعل بسياسة نقدية أكثر مرونة لتحفيز الاقتصاد المتباطئ، وهو ضغط من المرجح أن يزداد. وإذا نجح ضغط ترامب، فسيضر باستقلال الاحتياطي الفيدرالي ومصداقيته، مما سيضر بدوره بمكانة الدولار العالمية، اذ ستبدأ الدول في الخوف من أن السياسة، وليس الاقتصاد، هي التي توجه السياسة النقدية الأمريكية. ومعروف ان مجلس الاحتياطي الفيدرالي هو من يضع النظام القائم على الدولار بأكمله، وبمجرد تسييسه لسبب ما، سيكون من الأسهل تسييس عملياته لاسباب آخرى. على سبيل المثال، ستخشى البنوك المركزية في بلدان مثل كندا واليابان وأوروبا، عن حق، من أن الاحتياطي الفيدرالي الخاضع للسياسة قد يقطع، في أوقات الأزمات، قدرته الثمينة على اقتراض الدولارات من خلال خطوط المبادلة في محاولة للحصول على تنازلات.
حتى لو لم تُطيح هذه التهديدات بالدولار تمامًا، فإن أي تراجع في مكانته ستكون له عواقب وخيمة على الولايات المتحدة والعالم. ويوفر وضع الدولار كاحتياطي فوائد هائلة للولايات المتحدة، بما في ذلك انخفاض أسعار الفائدة على الديون الحكومية والقدرة على فرض عقوبات قاسية. كما تجد دول أخرى سهولة في التعامل مع الاقتصاد العالمي بفضل عملة سهلة التحويل وعالية السيولة وموثوقة تستخدمها معظم الجهات الفاعلة. وستنعكس نتائج تراجع الدولار بصورة ارتفاع التكاليف، وتعقيد التجارة، وانخفاض مستويات المعيشة - على الأقل حتى تحل محله عملة أخرى.
رابط المقال الاصلي:
اضافةتعليق