هل تسير حكومة السوداني على خطى حكومة المالكي؟

شارك الموضوع :

هناك قلق يثيره بعض المراقبين والمتخصصين بخصوص النهج المعتمد في حكومة السيد السوداني بأنه نسخة من النهج السياسي والاقتصادي التي انتهجته حكومة السيد المالكي، ولاسيما فيما يتعلق برفع الانفاق الحكومي إلى أقصاه، والعجر في الموازنة الذي يصل إلى 65 تريليون عراقي، واستخدام المال العام ومقدرات الدولة في رشوة المجتمع من خلال التعينات غير المبررة وترسيخ للبطالة المقنعة والترهل الوظيفي، وتعطيل القطاع الخاص

    على الرغم من الرضا والقبول السياسي (المحلي والدولي) إذا ما استثنينا التيار الصدري من البيئة المحلية، وكذلك النجاح السياسي الذي حققته حكومة السيد السوداني في كسب الفواعل السياسية (السنية والكردية) لحد الآن، فضلاً عن الاطراف الدولية المتخاصمة، هناك مخاوف من أن هذا الهدوء والنجاح، قد لا يستمر طويلاً. فالقوة الداعمة لحكومة السيد السوداني، تروج كثيرًا للنجاح الذي حققته الحكومة على مدار الأشهر المنصرمة، ولاسيما في ملف مكافحة الفساد والنهوض بالواقع الخدمي، والجانب الدبلوماسي والعلاقات الخارجية، سواء في طريقة إدارة الصراع على البيئة العراقية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، أو في الانفتاح الإقليمي والعربي، بموازاة ذلك، هناك من يعتقد بأن حكومة السيد السوداني تسير على خطى حكومة السيد المالكي، ولاسيما مع تشابه الظروف السياسية والاقتصادية، كتلك المتعلقة بمعارضة او مقاطعة التيار الصدري بموازاة الاجماع السياسي والحكومي والوفرة المالية وارتفاع اسعار النفط، التي ميزت مرحلة تولي السيد المالكي أنذاك. فهناك مخاوف من حكومة السيد السوداني بأن تلاقي نفس المصير التي لاقته حكومة السيد المالكي في ولايته الثانية؟

في ملف علاقة الحكومة مع واشنطن وإدارة الصراع بين طهران وواشنطن على الساحة العراقية، يبدو بأن الولايات المتحدة الأمريكية راضية لحد الآن عن حكومة السيد السوداني، حتى وأن كان هناك ما يزعجها في تشكيلته الوزارية على مستوى الوزراء أو على مستوى الدور السياسي للجماعات المسلحة، ولعل دور السفيرة الأمريكية واضح وكبير بهذا الجانب، فقد بذلت جهود كبيرة من أجل الحفاظ على الهدوء السياسي المتحقق لحد الآن. وهذا ما اكدته مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى (باربارا ليف) التي اكدت على أن العلاقة مع حكومة السوداني تسير بوتيرة عالية، ووصفت سياسة السوداني وحكومته في الانفتاح الإقليمي بـ "المدهشة" كونه يسعى إلى توسيع وتعميق العلاقات مع محيطه الإقليمي وجيرانه، وأن واشنطن مستمرة بدعم حكومته لتنفيذ الإصلاحات، على الرغم من أن العلاقة بين الإدارة الأمريكية وحكومة السوداني لم تصل بعد إلى مرحلة الاستقرار الاستراتيجي، ولاسيما هناك من يهددها (محليًا وإقليمًا)، أي بمعنى أن هذا الاستقرار يبقى مهددًا بالسطوة والنفوذ الإيرانيين على فعاليات سياسية عراقية والجماعات التي تمتلك السلاح خارج سيطرة الدولة، التي من شأنها أن تهدد الاستقرار السياسي في العراق بشكل عام. وهذا ما يذكرنا بحكومة السيد المالكي وعلاقتها مع الأمريكان أنذاك، قبل أن تتدهور في ولايته الثانية وما تلاها من حالة عدم استقرار وتهديد حقيقي للعراق والعملية السياسية بشكل عام بعد الانسحاب الأمريكي عام 2011 وصولاً إلى مرحلة اجتياح تنظيم "داعش" للأراضي العراقية وما تلاه من ويلات على جميع المستويات (السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والإنسانية). لهذا تبقى علاقة حكومة السيد السوداني بالولايات المتحدة، محل شك وريبة، ولا يمكن أن تصل إلى مرحلة الاستقرار الاستراتيجي في ظل وجود قوي للفاعل الإيراني (السياسي والعسكري) وما يرتبط به محليًا على الساحة السياسية العراقية، كتلك العلاقة التي جمعت حكومة السيد المالكي بالأمريكان في ولايته الاولى والثانية.

فيما يتعلق بالأجماع السياسي المتحقق بين الحكومة والقوى السياسية الداعمة لها (الشيعية والسنية والكردية) يبدو بأنه أجماع مريح حتى الآن، وقد استطاع السيد السوداني من كسب التأييد السياسي الكردي والسني بشكل عام، فضلاً عن التأييد الشيعي "باستثناء التيار الصدري"، بما فيها الفصائل المسلحة والقوى السياسية الداعمة لها، المعادية للوجود السياسي والعسكري الأمريكي في العراق والمنطقة. فقد استطاع السيد السوداني أن يحصل على الدعم والتأييد الكردي بعد أن توصل إلى حل المشكلات بين المركز والإقليم بشأن النفط والغاز، فضلاً عن نجاحه في أنهاء القطيعة بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني. وهي الخطوة التي رحبت بها السفيرة الأمريكية في العراق، التي اثنت بدورها على حكومة السوداني في حل المشاكل والازمات العالقة بين الاطراف السياسية أو بين المركز والإقليم. بموازاة ذلك يبدو بأن حكومة السيد السوداني نجحت لحد الآن في كسب الاجماع السياسي السني، على الرغم من الإرهاصات والخلافات السياسية التي عصفت بالأجماع السياسي السني – الشيعي، سواء فيما يتعلق بخلاف رئيس تحالف السيادة السيد خميس الخنجر وبعض القوى السياسية الشيعية حول عودة النازحين للمناطق المحررة، وهو الخلاف الذي تصاعد في الأشهر الماضية وكاد أن يهدد تحالف "إدارة الدولة" بشكل عام، أو بالعلاقة المشبوهة التي تجمع رئيس البرلمان السيد محمد الحلبوسي بالقوى السياسية الشيعية "الإطار التنسيقي". وعلى الرغم من هذا الاجماع السياسي المتحقق حتى الآن، إلا أن هذا الاجماع يبقى تحت طائلة التهديد في حال لم يتم أخذ الاتفاق السياسي "بين الإطار التنسيقي والقوى السنية" بنظر الاعتبار. وهذا من شأنه أن يعرض الاجماع السياسي وحالة الاستقرار السياسي إلى التفكك والاهتزاز؛ الأمر الذي بدوره أن يعصف بتحالف إدارة الدولة والانقلاب على الاتفاقات السياسية؛ مما يؤدي إلى حالة عدم الاستقرار بشكل عام، على غرار ما حصل في ولاية حكومة السيد المالكي الثانية، حينما تدهورت علاقته بالفاعل السياسي السني والكردي على حدٍ سواء، وما تلاها من كوارث سياسية وأمنية، انتهت باحتلال داعش للثلث مساحة العراق الجغرافية وانهيار مؤسسته العسكرية والأمنية بشكل خطير، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية والبشرية الجسيمة. 

فضلاً عن ذلك، فهناك قلق يثيره بعض المراقبين والمتخصصين بخصوص النهج المعتمد في حكومة السيد السوداني بأنه نسخة من النهج السياسي والاقتصادي التي انتهجته حكومة السيد المالكي، ولاسيما فيما يتعلق برفع الانفاق الحكومي إلى أقصاه، والعجر في الموازنة الذي يصل إلى 65 تريليون عراقي، واستخدام المال العام ومقدرات الدولة في رشوة المجتمع من خلال التعينات غير المبررة وترسيخ للبطالة المقنعة والترهل الوظيفي، وتعطيل القطاع الخاص.  لهذا هناك من يعتقد بأن سلوك الحكومة الحالية هو إعادة لنهج وسلوك حكومة السيد المالكي في ولايتيه (الاولى والثانية)، فهل يستطيع السيد السوداني تفنيد تلك الفرضيات بنهج حكومي مختلف عن النهج التي انتهجته الحكومات السابقة؟ 

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية