مستقبل الحراك الشيعي في دول مجلس التعاون الخليجي

مما لا شك فيه أن الأنظمة السياسية الخليجية توصف بأنها أنظمة دكتاتورية تسلطية يتم تبادل الحكم فيها داخل حدود الأسرة الحاكمة وضمن أفرادها ، وبهذا يتم إلغاء الطرف الأخر في التعبير عن أرائه وحقوقه المشروعة ، وعليه فان الأنظمة الأوتوقراطية في مجملها تستبعد حق الشعب في اختيار ممثليهم ويسعى الحاكم من خلال ذلك إلى عدم إفساح المجال للآخرين من اجل المشاركة في الحياة السياسية ، وقد يستخدم الحاكم من جراء ذلك كل لوسائل المشروعة وغير المشروعة من اجل البقاء في سدة السلطة والحكم . لقد شهدت دول مجلس التعاون الخليجي موجتين للانفتاح السياسي :- _الأولى / في مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي ، وابرز ما يمثل معالم هذا الانفتاح : (1) تأسيس مجالس شورى يتم تعيين أعضائها ، وذلك في الدول التي لم تكن فيها مؤسسات تقدم نفسها باعتبارها برلمانات ، كما حدث في المملكة العربية السعودية عام 1992م . (2) صدور دساتير دائمة في الدول التي لم تكن فيها مثل هذه الدساتير ، مثلما حدث في المملكة العربية السعودية عام 1992م وسلطنة عمان عام 1996م . _الثانية / في نهاية العقد نفسه ومطلع العقد الحالي من القرن الحادي والعشرين ، ونتج عن هذا الانفتاح ما يلي : (1) استكمال عملية صدور الدساتير الدائمة لدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى . (2) السعي إلى اعتماد الاقتراع العام كآلية لتشكيل مجالس الشورى بدل تعيينهم . أن العمل السياسي المعارض في دول الخليج ليس وليد المرحلة الراهنة ، بل أن هذا الحراك السياسي سلمي كان أم عسكري ، قد بدأ مع بدايات القرن التاسع عشر وكان هذا ضد الانكليز الذين كانوا محتلين لدول الخليج ، وتطور هذا الحراك بعد الانسحاب البريطاني وحصول هذه الدول على استقلالها في سبعينيات القرن الماضي . بعد ذلك تحول هذا الحراك إلى أسلوب للحياة السياسية في تعامل الشعب مع السلطة الحاكمة بسبب ما تمارسه هذه السلطة من أعمال عنف واضطهاد ضد أبناء الشعب وسلب ابسط حقوقهم ، لقد تفاوتت درجات هذا الحراك في دول الخليج العربي ما بين القوة والضعف وقد ظهر في بعض الدول ولم يظهر في دولا أخرى . ففي البحرين على سبيل المثال فان الانتفاضات الشعبية بدأت في القرن الماضي وكان أساسها : التيار القومي ، والحركة الشعبية في البحرين ، وكانت الحركة المعارضة في البحرين بعيدة عن الدوافع المذهبية واشترك فيها الشيعة والسنة ، لكن النظام بدا يفتعل الأسباب ويثير الطائفية بين أبناء الشعب من خلال اعتدائه على مسيرات عاشوراء عام 1953م ، وهذا ما يؤكد لنا أن الحراك الشعبي في البحرين ذي جذور تاريخية بما يرد الاتهام عنها بأنها وليدة قوة خارجية ( إيران ) وانه حلقة من سلسلة العمل السياسي المعارض الذي تجاوز عمره المئة عام وما يزال صامدا ضد أدوات القمع والتخوين وسحب الجنسية . أما في عمان فقامت ثورة ظفار عام 1963م ذات الفكر اليساري وقد استمرت في صراعها المسلح مع السلطات الحاكمة لأكثر من عقدين من الزمن ، وبعد ذلك تمت تسوية النزاع واستيعاب الحركة ومقاتليها . أما في الكويت فان هذا الحراك أنتج نوعا من الممارسة الديمقراطية وانتخب مجلس النواب وتشكلت حكومة على أثره وحصل الطرفان على تمثيل ممثليهم من الطائفتين في المجلس – وان كانت دون المستوى المطلوب لكنها تحققت - ، وبقيت الحياة السياسية تخضع لإرادة الأمير خاصة فيما يتعلق بتشكيل الحكومة ، وتعتبر الكويت من أكثر دول مجلس التعاون حققت نوع من التوازن والاستقرار في التعامل مع مطالب الشيعة مقارنة مع دول المجلس الأخرى . أما في المملكة العربية السعودية فكان الحراك السياسي فيها على ثلاثة مستويات منها المشترك ومنها ما هو ضد الأسرة الحاكمة ، وتتمثل هذه المستويات بما يلي:- (1) المعارضة الليبرالية وتتحرك قياداتها خارج حدود المملكة ، وتحت الضغط الأمني والحصار العام عليها في الداخل . (2) المعارضة الشيعية ويقطن الشيعة في المناطق الشرقية نتيجة للتمييز والاضطهاد الديني بشكل خاص ، والحرمان الذي تتعرض له المنطقة ومنع المواطنين من شغل الوظائف العامة بشكل عام ، بالإضافة إلى تدني المستوى ألمعاشي والخدمي في هذه المناطق وفقدان الحرية الشخصية على مستوى الرأي والعمل السياسي. (3) المعارضة الدينية المستجدة وهي داخل الحركة الدينية الوهابية بين حركة مجددة ، وبين السلفية الوهابية الجامدة المتمثلة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . لقد تفاوتت حدة الحراك الشيعي في دول مجلس التعاون ما بين دولة وأخرى ، فبداية هذا الحراك كان من اجل أصلاح الأنظمة الحاكمة للمشاركة في الحياة السياسية والابتعاد عن الاستئثار بالسلطة ، ولكن نتيجة لسياسات الأنظمة الحاكمة وتعاملها مع هذه المطالب بطائفية تحول هذا الحراك من حراك شعبي يشارك فيه جميع أبناء الشعب ، إلى حراك شيعي يخص الشيعة فقط ويحمل مطالبهم المشروعة بعد أن حرموا من ابسط الحقوق المشروعة ، وقد برز هذا الحراك بشكل واضح في الكويت والبحرين وقطر والمملكة العربية السعودية . ففي الكويت حصل الشيعة على بعض مطالبهم وتم تمثيلهم في البرلمان وهم يسعون إلى تحقيق باقي مطالبهم الأخرى ، ولكن في الدول الثلاثة الأخرى ما يزال الصراع مستمرا بين المحتجين والسلطات الحاكمة وهي على أوجها ، ففي البحرين ما يزال الحراك مستمر وما يزال النظام يمارس سياسة القمع ضد أبناء الشعب ، أما في السعودية ما تزال الاعتقالات وفض المسيرات والاحتجاجات بالقوة وأخر هذه الممارسات كان إصدار حكم الإعدام بحق الشيخ نمر النمر دون معرفة سبب اعتقاله أو إخضاعه إلى محكمة لمعرفة ما هي تهمته ، وهذه هي ابسط الأساليب الوحشية التي تمارسها هذه الأنظمة ضد مواطنيها . أن هذا الحراك وهذه المطالب التي تطالب بها قيادات المعارضة تعود إلى عقد مضى لكنها تجددت مع قيام ثورات الربيع العربي ، وهنا ظهرت تباينات هذه الأنظمة في هذه الدول بشكل أقوى في دلالته وكما يلي :- (أ) البحرين / تجاوزت المطالب سقف الإصلاح إلى حد إسقاط النظام من جانب الأغلبية الشيعية وواجه النظام هذه الاحتجاجات بالقمع مستعينا بقوات درع الجزيرة والتي من المفترض أنها للدفاع الخارجي . (ب) الكويت / بلغ الصدام ذروته ما بين المعارضة الشيعية ومؤسسة الحكم ووصل الحوار ما بينهم إلى أجراء انتخابات وإعطاء الشيعة حق التمثيل البرلماني مع منحهم حقيبة وزارية . (ج) عمان / تعد عمان هي الوحيدة من بين دول مجلس التعاون التي شهدت انتفاضة ثورية في ظفار ، لكن سرعان ما تحول الوضع إلى مطالبة بالإصلاح ، حيث قدم مجموعة من الشباب في فبراير 2011م عريضة إلى السلطان قابوس ضمت مجموعة من المطالب تمثلت في مجملها بالرغبة في التحول إلى ملكية دستورية ، وما يزال السلطان ينظر فيها ! (د) المملكة العربية السعودية / قدم عدد من المثقفين عام 2011م عريضة إلى الملك يطالبون بإقامة نظام ملكي دستوري وحق في المشاركة السياسية ، كما قدموا برنامجا إصلاحيا لتحقيق ذلك مع دعوة القيادة السياسية إلى تحديد برنامج زمني واضح لتنفيذها . (ه) الأمارات العربية المتحدة / لم تشهد الأمارات حراكا شيعيا واضح المعالم لكون الاستقرار السياسي والرفاهية الاقتصادية التي توفرها الدولة وفرت على الطرف الأخر القيام بهكذا احتجاجات ، ولكن في مارس 2011م وجه عدد من المثقفين مطالبهم إلى حاكم البلاد وتعلقت هذه المطالب بكيفية اختيار أعضاء المجلس الوطني الاتحادي وصلاحياته في الدستور . (و) قطر / شهدت قطر خروج بعض المظاهرات والاحتجاجات ضد السلطة الحاكمة لكنها قمعت في وقتها ولم تشهد بعدها أي حراك شيعي يذكر ، وكان أخرها في عام 2012م وقمعت من قبل السلطات الحاكمة . أخيرا وبطبيعة الحال هناك عدد من العوامل التي تساعد وتدفع إلى أحداث تغيير سياسي ، وفي المقابل هناك عوامل تعيق أو تعطل هذا التغيير ، من هنا تتوقف عملية أحداث هذا التغيير على دقة التوازن بين النوعين من العوامل وهذا يتوقف على ظروف كل دولة من دول مجلس التعاون والتي يوجد بينها تباينات واسعة في هذا الخصوص أبرزها :- 1-الكويت والبحرين تقفان على حافة الهاوية بحيث أن أي خطوة في اتجاه التغيير سوف تعني نهاية هذه الأنظمة أو تغيير طبيعتها الأساسية ، ومن ثم هناك شك في استجابة هذه الأنظمة للتغيير . 2- المملكة العربية السعودية وعمان تستخدمان خليطا من الأدوات الأمنية والمالية والسياسية والإعلامية التي تمكنها من كسب الوقت وبالتالي تفتيت مطالب المحتجين . 3- وما تزال قطر بعيدة عن احتجاج مواطنيها تبعا لما تملكه من طرق تصرف فيه مواطنيها عن الاحتجاج . 4- أما في الأمارات العربية المتحدة تظل مطالبهم محصورة في أصلاح بعض مؤسسات الاتحاد لا غير . وعلية فان الحراك الشيعي في دول الخليج ما يزال مستمرا ومتجددا بين الحين والأخر بالرغم من الأساليب المتبعة في القضاء عليه والسعي إلى إنهائه وليس من المتوقع أن تدير دول مجلس التعاون الخليجي تغييرا سياسيا بالمعنى الاستراتيجي ما لم تحدث مفاجآت وهذا نادر لكنه ليس مستبعد .
التعليقات