الرئيس الإيراني الجديد وطبيعة التحديات الداخلية والخارجية

لم تكن حظوظ المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان واضحة للعيان، وربما لم يكن منافس قوي قبل بيان نتائج الجولة الأولى التي افرزت عن منافسته الكبيرة للمرشح المحافظ سعيد جليلي، ولعل هناك الكثير من الاسئلة التي ما زالت تدور في ذهن الرأي العام (المحلي والخارجي) حول ترجيح كفة بزشكيان على جليلي في الجولة الثانية بنسبة 54% على الرغم من أن كفة الترشيحات كانت تميل إلى المرشح المحافظ سعيد جليلي والمرشحين المحافظين بشكل عام على المرشحين الإصلاحيين. فكيف استطاع المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان ترجيح كفته على باقي المرشحين، ولاسيما سعيد جليلي في فترة ما بين الجولة الأولى والثانية وكيف تمكن من اقناع الطبقة الاجتماعية ذات المواقف الرمادية في إيران، وما هي التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه حكومته وكيف سيواجهها؟ 

عزّز فوز مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الإيرانية بحصوله على نحو 54 % من أصوات الناخبين في الجولة الثانية، آمال الإصلاحيين في إيران بعد سنوات من هيمنة المحافظين والمحافظين المتشددين على منصب الرئاسة. وأكد بزشكيان، المعروف بانفتاحه على الغرب، وفي أول تصريح له منذ إعلان فوزه، أنه سيمد يد الصداقة للجميع. وقال بزكشيان في تصريح للتلفزيون الرسمي سنمد يد الصداقة للجميع، نحن جميعنا شعب هذا البلد، علينا الاستعانة بالجميع من أجل تقدّم البلد. فما هي الوعود التي قطعها الرئيس الإيراني المنتخب لناخبيه، وكيف اقنعهم في التصويت لصالحه؟

 يقول الباحث ومدير معهد العلاقات الدولية مجيد زواري إن الناخب الإيراني يتوقع من بزشكيان العمل على تحسين الوضع المعيشي فور تشكيله المجلس الوزاري، ولعل السبب الأساسي وراء عجز أي من مرشحي الرئاسة في الجولة الأولى من الانتخابات الاخيرة، يعود إلى عدم وضوح برنامجهم تجاه تطلعات الشعب، وأن الوعود التي قطعها بزشكيان بخصوص عدد من الملفات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية قبيل الجولة الثانية، حفزت الطبقة الرمادية على المشاركة والتصويت لصالحه. فما هي مطالب الإصلاحيين والناخبين الرماديين من الرئيس المنتخب؟

تركّزت وعود مسعود بزشكيان في حملته الانتخابية على المستوى الداخلي في الغالب على العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة والإصلاحات الهيكلية، وإصلاح النظام الصحي وتحسين جودة الخدمة الطبية، متعهدًا بإنشاء نظام اقتصادي شفاف ومكافحة الفساد، وتعزيز النمو الاقتصادي. ويعتقد أنه من خلال إصلاح الهياكل الاقتصادية وخلق بيئة ملائمة للاستثمار، يمكن خلق فرص العمل وتقليل البطالة. فضلًا عن القضايا البيئية التي تطرق لها في حملته الانتخابية من خلال تأكيد على تنفيذ برامج شاملة لحماية البيئة والتنمية المستدامة، وتخفيف القيود المفروضة على شبكة الانترنت وبإشراك الأقليات العرقية في حكومته. أما على المستوى الخارجي، فقد وعد بزشكيان بالعمل مع المجتمع الدولي بشأن احياء الاتفاق النووي من أجل رفع العقوبات الاقتصادية التي أضرت بالاقتصاد والمواطن الإيراني كثيرًا؛ وذلك من خلال خفض التوترات الدولية واستعادة الدبلوماسية النشطة والمشاركة البنّاءة مع العالم، بموازاة ذلك يجادل منافسوه المحافظون بأنه يهدف إلى مواصلة سياسات إدارة حسن روحاني- التي يرونها فاشلة. ولعل ابرز المطالب التي يطالب بها الاصلاحيون مرشحهم مسعود بزشكيان، تتركز على الوضعين الداخلي والخارجي مطلبين اياه بالعمل مع القوى الشرقية والغربية وتقديم نموذج إصلاحي على غرار حقبتي حكم الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، ولاسيما بعد عدة انتقادات وجهها الإصلاحيون للحكومات المحافظة بسبب انفرادها بالسلطة، فضلًا عن الوعود الانتخابية التي قطعها على نفسه في حملته الانتخابية، ولاسيما تلك الوعود التي استهضت همم الناخبين ذات المواقف المتأرجحة بين الانتخاب والمقاطعة أو اصحاب المواقف الرمادية. بموازاة ذلك يطالب المحافظين الرئيس المنتخب بمواصلة السياسات التي بدأها الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي لخدمة المواطن عبر التعامل البناء مع القارات الخمس، وأنه لا ينبغي وضع جميع البيض في سلة التعامل مع الدول الغربية والإصرار على إنقاذ الاتفاق النووي؛ ونتيجة لذلك بالتأكيد ستضع كل تلك المطالب والوعود الانتخابية وطبيعة النظام الإيراني وتركيبته السياسية والثيوقراطية الرئيس الإيراني وحكومته المقبلة أمام تحديات على المستوين الداخلي والخارجي. 

على المستوى الداخلي، ستفرض تركيبة النظام الإيراني الكثير من القيود والتحديات على دينامية حكومة بزشكيان، وبالتأكيد ستكون بطيئة في ملاحقة التغييرات السياسية، وستفرض الانقسامات السياسية العميقة في النظام سطوتها على نشاط الحكومة بهذا الجانب، ولاسيما أن المسؤولون المتشددون الذين يعارضون أجندته الإصلاحية المعلنة يشغلون الكثير من المناصب المهمة في النظام، والتي يستطيعون من خلالها إبطاء القيام بأي عمل ملموس، وربما عرقلتها تمامًا. وأن أول تلك التحديات تتمثل في عملية تشكيل الحكومة التي تتطلب أن يوافق عليها مجلس الشورى (البرلمان)، وأن الاخير يهمين عليه من الأصوليين؛ لذا فالأمر ربما يكون معقدًا في حال كانت الحكومة التي ينوي بزشكيان تشكيلها من الإصلاحيين والمعتدلين، أو من التكنوقراط غير المُسيّسين (على سبيل المثال). وتظهر فرضية عدم تعاون الاجهزة الأمنية مع حكومة بزشكيان إلى الوجود كتحدي داخلي، ولاسيما أن الاجهزة الأمنية الإيرانية كانت راغبة وداعمة للمرشح سعيد جليلي، وأن بزشكيان كثيرًا ما انتقد سلوكها واجراءاتها الامنية في مواقف سابقة، ولاسيما في تعاملها مع الاحتجاجات المعارضة داخل إيران. فضلًا عن تحديات أرث الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي وطبيعة اختبار مستقبل التيار الإصلاحي الذي سيتكلل بسلوك الرئيس المقبل وسياساته الإصلاحية في عموم البلاد، وما يمكن أن ينعكس على الجمهور الإيراني سلبًا أو إيجابًا، وهل يتمكن الرئيس من معالجة كل تلك المشاكل الداخلية وطبيعة امتداداتها الخارجية، ولاسيما تلك القضايا التي تمس حياة المواطنين من الناحية الاقتصادية والصحية والاجتماعية. 

أما التحديات الخارجية، فالتأكيد ترتبط بطبيعة الإصلاحات والتحديات الداخلية، فمتى ما يكون هناك إصلاح داخلي من الممكن أن يمتد على المستوى الخارجي، ولعل التحدي الأول يرتبط بطبيعة أحياء الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل المعارضة الكبيرة له من قبل المحافظين، ولاسيما في ضوء استمرار الانتهاكات الإيرانية لبنود الاتفاق، والوصول ببرنامجها النووي إلى مستويات شبه عسكرية، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في مايو 2018. وستكون تسوية هذا الملف بمثابة مفتاح لحل الكثير من الملفات الأخرى المنوطة بحكومة بزشكيان، سواء على المستوى الداخلي أم الخارجي، كما صرّح بذلك بزشكيان نفسه في حملته الانتخابية؛ إذ سينعكس التوصل إلى اتفاق نووي على حالة الاقتصاد والمعيشة في إيران وعلى علاقات طهران مع الأوروبيين والولايات المتحدة. كذلك ستكون الحرب في غزة والتوترات في المنطقة من أكبر التحديات التي ستواجهها حكومة بزشكيان، كذلك بالنسبة للعلاقة مع افغانستان وطبيعة النظام الذي تقوده طالبان، ولاسيما مع عدم اعتراف إيران بحكومة طالبان والمشاكل الحدودية الدائمة وقضية المياه والمهاجرين الافغان إلى إيران. ويبقى تحدي العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وفرضية عودة ترامب إلى البيت الابيض، من اعقد التحديات الخارجية التي تواجه حكومة مسعود بزشكيان، فضلًا عن التحديات القادمة من الاتحاد الأوروبي ولاسيما فيما يتعلق بمساعي ادراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية؛ الأمر الذي يؤثر بشكل كبير في علاقة طهران بالاتحاد الأوروبي. فهل سينجح الرئيس الإصلاحي الجديد في التغلب على تركيبة النظام الإيراني ويتمكن من حل الملفات والازمات الداخلية والخارجية التي من شأنها أن تصب في صالح المواطن الإيراني وتعيد له الثقة بالنظام والدولة أم ستفرض تركية النظام الإيراني سطوتها مرة أخرى على الرئيس الإيراني وتطلعاته السياسية والاقتصادية (الداخلية والخارجية)؟. 

التعليقات