التطبيع والسلام في الشرق الاوسط: تعارض الرؤى يعقد مرحلة ما بعد الحرب على غزة

تجدد الحديث عن موضوع التطبيع بين "اسرائيل" والعربية السعودية خلال المناقشات والحوارات في منتدى دافوس الذي عقد خلال كانون الثاني الجاري في سويسرا بعد تأكيد الرئيس الاسرائيلي اسحاق هرتسوغ " ان تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية هو مفتاح الخروج من الحرب". ومن خلال كلمة الرئيس الاسرائيلي خلال في المنتدى يمكن ان ننظر الى مجموعة مبادئ ستحكم التعامل الاسرائيلي مع القضة الفلسطينية والمنطقة، اضافة الى التطبيع مع العربية السعودية، وهي:

1/ الحوار مع الفلسطينيين الذي يمكن ان يكونوا شركاء محتملين لضمان مستقبل يمكن لكلا الطرفين العيش معا وتكون حماس غير موجودة وحينها يمكن ان تدار غزة بشكل جيد وبشكل يضمن سلامة الاسرائيليين ورفاهيتهم.

2/ تتطلع اسرائيل الى تحالفا من الدول المستعدة للالتزام بإعادة بناء غزة، بطريقة تتيح سلامة الاسرائيليين والفلسطينيين ومستقبلا مختلفا لغزة.

3/ الغاية الاستراتيجية لإسرائيل هي ضمان امنها وسلامة مدنها من الهجوم من جهات الشمال والجنوب والشرق. 

هذه المبادئ المطروحة سيكون لها وقعها في مسيرة التطبيع بين اسرائيل والعربية السعودية. في ظل ثبات الموقف السعودي من التطبيع الي يشكل الشأن الفلسطيني محوره الاساس. وفي حين ينظر الى الحرب في غزة انه تستهدف ايقاف مفاوضات التطبيع بين البلدين بعد ان أكد ولي العهد الامر محمد بن سلمان في ايلول 2023 نفيه للتقارير التي تؤكد ايقافه محادثات التطبيع مؤكدا انهم يقتربون كل يوم من التطبيع.

 شهدت المرحلة السابقة على الحرب في غزة مباحثات بين اسرائيل والمملكة العربية السعودية برعاية اميركية للتطبيع بين البلدين استكمالا لاتفاقات ابراهام. وكانت القضية الفلسطينية ضمن شروط المباحثات بين البلدين الحلفاء الاقوى للولايات المتحدة في المنطقة. الا انه بعد السابع من تشرين الاول 2023 قررت السعودية تعليق مفاوضات التطبيع مع اسرائيل ردا على العدوان الذي شنته تل ابيب على قطاع غزة والتهديد بالاجتياح البري آنذاك. فإسرائيل تنظر للعربية السعودية على انها الطرف الاقوى عربيا في المنطقة وصاحبة التأثير الاقوى في اوضاع المنطقة والمعادلة الجيوسياسية والجيو اقتصادية وهي من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة والعلاقات معها ستعزز من اوضاع اسرائيل ويفتح لها بوابة واسعة للاندماج الاقليمي بشكل أكبر. اما العربية السعودية، وبعد تصاعد النفوذ الايراني في المنطقة وتشارك إيران اسرائيل العداء العربي، وبفعل حالة التنافس الجيوسياسي الاقليمي (السعودية – تركيا – إيران) ودول طامحة اخرى، ترى العربية السعودية ان العلاقات مع اسرائيل، الحليف الاقوى وصاحب التأثير الاقوى في واشنطن على القرار الامريكي، يمكنها من ان تحصل مستقبلا على مكانة كبيرة في واشنطن وتزداد تأثيرها هناك ويقربها أكثر من اليسار الديمقراطي الاميركي. 

العربية السعودية لازالت متمسكة بموقفها في اقامة دولة للفلسطينيين، إذ أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان " ان اسرائيل لا يمكن ان تنعم بالسلام الا من خلال اقامة دولة فلسطينية بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة". وهذا يتعارض مع موقف الحكومة الاسرائيلية الذي عبر عنه بنيامين نتنياهو يوم الخميس 18 كانون الثاني الجاري " انه ابلغ الاميركيين بانه يرفض الحديث عن دولة فلسطينية وانه لا توقف للحرب في غزة الا بعد تحقيق اهدافها كاملة". 

هذا الموقف الاسرائيلي المتشدد يتعارض مع الرؤية الاميركية، فضلا عن السعودية، لحل القضية الفلسطينية وللتطبيع مع اسرائيل. اذ تقترحان كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أن التطبيع السعودي الإسرائيلي مرتبط بالدولة الفلسطينية.

وفي خطابين في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا الذي عقد في كانون الثاني الجاري، قال كل من مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان " إنه في ضوء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، لا يزال الاقتراح المطروح للتطبيع السعودي الإسرائيلي ممكنا إذا كان هناك طريق لإنشاء دولة فلسطينية". وطرح سوليفان أربعة مبادئ للتفكير الأمريكي فيما يتعلق بالوضع الراهن في المنطقة بعد الحرب، وهي: 

1/ عدم استخدام قطاع غزة لشن هجمات على إسرائيل،

2/ ان يكون هناك سلام بين إسرائيل والدول العربية في المنطقة،

3/ وأن تكون هناك دولة للفلسطينيين. 

4/ وأن يكون هناك ضمانات امنية لإسرائيل لضمان سلامة اراضيها وشعبها.

وهذه المبادئ تتسق مع موقف الحكومة الاسرائيلية بعد هجوم حماس في 7 تشرين الاول الماضي ان الحرب ستغير الشرق الاوسط وان المنطقة والشرق الاوسط بعد تشرين الاول 2023 هي غير ما قبل تشرين الاول. كذلك واضح ان واشنطن تريد للمنطقة واقعا مختلفا يضمن امن اسرائيل وسلامة شعبها ومعادلة سلام جديدة في المنطقة الاشد توترا على مستوى العالم.

موقف الاردن يتناسق مع الرؤية الاميركية والسعودية، اذ أكد رئيس الوزراء الاردني بشر الخصاونة متحدثا في منتدى دافوس " ان الأردن يعتقد أن السلام مع إسرائيل هو خيار استراتيجي، بينما ردد الدعوات إلى حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني". وهذا يُظهر اتفاق عمان مع واشنطن بأن يكون هناك سلام ف المنطقة ومع الدول العربية. 

الرؤية الاميركية ربما تسعى الى ان يصبح إعادة إعمار غزة خطوة على الطريق نحو تسوية نهائية حول مستقبل القطاع، مع استعداد أطراف مثل دول الخليج والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي للمشاركة بقوة في اعادة الاعمار عبر توفير التمويل اللازم.

عمليا فان الحديث عن المبادرة العربية الكبرى التي أطلقها السعودية خلال القمة العربية في جدة 2002 ويجري التأكيد عليها سنويا في الغالب، والتي تنص على العودة الى حدود 1967 وان تكون القدس الشرقية عاصمة الفلسطينيين مقابل اعتراف الدول العربية بإسرائيل، باتت بحكم المنتهية. 

ستكون نقطة الخلاف الاساسية في الصراع الفلسطيني بعد توقف الحرب هو موضوع وجود دولة للفلسطينيين من عدمه وستكون نقطة الخلاف الاساسية التي تسعى تل ابيب والرياض الى تثبيتها لدى واشنطن قبل نهاية الحرب في رؤية متعارضة بينهما. 

على دول المنطقة ان تعيد التفكير بشأن القضية الفلسطينية وفق المعادلة الاقليمية الجديدة في المنطقة وان تستعد لموقف واضح ومتزن في مرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة بعيداً عن مضامين المبادرة العربية الكبرى

التعليقات