مقومات القيادة الملهمة للأمام الحسين عليه السلام في معركة الطف

شارك الموضوع :

ان سمات القيادة الملهمة التي اتسم بها الامام الحسين عليه السلام كانت من العوامل الرئيسة لتحقيق رؤيته واهدافه الإصلاحية، فمن خلال تلك القدرات والقابليات التي اتصف بها تمكن الامام الحسين عليه السلام من التأثير في سلوك اتباعه فكان أدائهم باهرا ورائعا، بحيث قاتل اتباعه الى اخر رمق ببسالة وتفاني، وقيم ذلك الموقف الامام الحسين عليه السلام حين قال: (فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا)

      للقادة سمات شخصية ومهارات تمكنهم من اثارة دوافع وقيم الافراد لتحقيق الفاعلية والكفاءة في ادائهم، ويكاد ان يكون هذا الاداء مذهل وخارق في ظل تأثير القيادة الملهمة على وجدان وعقول وسلوك الاتباع، وهذا ما حققه اتباع الامام الحسين عليه السلام في معركة الطف، فقدموا اقصى درجات التضحية بأنفسهم من اجل المبادئ والقيم والاهداف التي تبنها الأمام الحسين عليه السلام.

       يشير مصطلح الإلهام إلى فعل أو قوة تحرك العقل أو العواطف، او هو إضفاء تأثير عميق كالتأثير الديني على العقل والروح، تُصنف القيادة الملهمة كأحد انماط القيادة الحديثة التي تركز بشكل خاص على الرؤى والمشاعر والقيم والتحفيز الفكري، وتعرف القيادة الملهمة بانها علاقة تأثير بين القادة والأتباع الذين ينوون تغييرات حقيقية تعكس أهدافهم المشتركة ،اوهي تلك القيادة التي تجعل الاخرين قادرين على أداء اعمال غير عادية في ضل مواجهة الصعاب، وتقوم عقيدة القيادة الملهمة على إضافة مبادئ التحسين للوصول إلى تأثير كبير ومستدام، و تنشيط واضفاء الإحساس والميل والاثارة والحركة للأفراد من أجل التغيير.

    يمكن إدراك جوهر الإلهام في الخطب التي القاها الامام الحسين عليه السلام خلال مسيرته من مكة الى كربلاء، حيث ان لتلك الخطب تأثير في قلوب وعقول الافراد ألا وإنّ الدّعيّ ابن الدّعيّ قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللّئام على مصارع الكرام. ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وكثرة العدوّ وخذلان الناصر.

    وبناء على دراسة وتحليل الوضع القائم والظروف السياسية السائدة في ذلك الوقت صاغ الامام الحسين عليه السلام رؤية واهداف مثيرة وطموحة للإصلاح، بهدف تصحيح انحراف السلطة السياسية القائمة عن جوهر الإسلام ،وتمثلت تلك الرؤية بالاتي(وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآلة أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد على هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين)، ويتضح من خلال كلام الامام الحسين عليه السلام انفا انه لم يخرج من اجل مكاسب دنيوية او الوصول الى سدة الحكم، بل كان هدفه الإصلاح والسير على منهج النبي محمد صل الله عليه واله وسلم في الامة الاسلامية.

    حيث أدرك الامام الحسين عليه السلام ان السلطة الاموية المتمثلة بيزيد بن معاوية انحرفت بالأمة الإسلامية عن اهداف الإسلام الحقيقية وأصبحت تهدد بقاءه، وذلك من خلال ممارسة الاعمال المحرمة في الشريعة الإسلامية كقتل النفس المحترمة ومخالفة سنة النبي محمد صل اله عليه واله وسلم ، لذا اقتضت الضرورة والمرحلة التي تمر بها الامة الإسلامية في تلك الفترة ان يتصدى الامام الحسين عليه السلام بنفسه لهذا الانحراف، وبالتالي بادر بالإصلاح المطلوب، وقد تمكن الامام الحسين عليه السلام من ايصال رؤيته الإصلاحية المتجددة بشفافية ووضوح الى الناس.

  من اجل تحقيق أهدافه ورؤيته على ارض الواقع قام الامام الحسين عليه السلام بتوظيف سمات القيادة الملهمة التي تجسدت في شخصيته وكما موضح بالآتي: -

1-الشجاعة:- كان للأمام الحسين عليه السلام موقف واضح في مواجهة الحقيقة المؤلمة وتحمل المخاطر المحسوبة (شاء الله ان يراني قتيلا وشاء الله ان يراهن سبايا) (ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر)، اضف الى ذلك ان الشجاعة التي يمتلكها الامام عليه السلام  منحته القدرة على مواجهة المخاطر والتهديدات والإرادة اللازمة لاتخاذ خطوات لأحداث التغيير المنشود، ويبدو ذلك واضحا في خطاب الامام الحسين عليه السلام حينما طلب قيس بن الاشعث من الامام الحسين عليه السلام النزول على حكم يزيد، فقال  الامام الحسين عليه السلام (لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لكم إقرار العبيد يأبى الله لنا ورسوله وحجور طابت وطهرت).

2-الاصالة: تشير الاصالة الى الصدق وتطابق اقوال القائد مع افعاله ، وهذا السمة وصف الامام الحسين عليه السلام نفسه  بها حينما قال (والله ما تعمّدت الكذب منذ علمت، أنّ الله يمقت عليه أهله، ويضرّ به من اختلقه) ،واصر الامام الحسين عليه السلام على فكرته وأهدافه الاصلاحية الى اخر لحظة في حياته ولم يغير موقفه بصدد مواجهة الاستبداد الاموي ، حيث عندما علم الامام الحسين عليه السلام بمقتل مسلم بن عقيل عليه السلام اعلم اهل بيته واصحابه بالخبر بكل شفافية وصراحة واعطاهم الاذن بالانسحاب(... وقد خذلنا شيعتنا ،فمن احب منكم الانصراف فلينصرف من غير حرج عليه ولا ذمام)  وكرر الامام عليه السلام  نفس  القول في ليلة العاشر من محرم  ( وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي، وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم، فإنهم لا يريدون غيري) مما يعني ثبات وإصرار الامام الحسين عليه السلام على مواجهة السلطة الاموية وان كلفه ذلك حياته.

3-الحب: اتسم الامام الحسين عليه السلام بحبه للناس، وتجسد ذلك في مواقف مختلفة في معركة الطف، حيث كان يكره ان يبدا القتال مع خصومه، أيضا بذل النصح والارشاد لمعسكر عمر بن سعد من خلاله او من خلال أصحابه، كذلك بلغ من رفض نصرته ان يغادر ارض كربلاء حتى لا يحل عليهم الغضب الالهي (ما سمع واعيتَنا شخصٌ ولم ينصرنا إلّا أكبّه الله على وجهه يوم القيامة) وتشير الروايات انه كان يبكي على اعدائه لان دخولهم للنار سيكون بسبب قتلهم له عليه السلام.

4-اللطف: -وهي من السمات الحاسمة للقادة الملهمين، حيث ان سمة اللطف والرحمة في التعامل تجسد في سلوك الامام عليه السلام في عدة مواقف منها، عندما اقبل جيش الحر بن يزيد الرياحي وكان قد اشتد بهم العطش لم يبخل عليهم بالماء وتعامل معهم بكل كرم وإنسانية، بالرغم من علمه انهم أقدموا على محاصرة جيشه او منعه الوصول الى الكوفة، هذه السلوك يعبر عن روح الامام الحسين عليه السلام الأبوية والقيادية في تعامله مع الاخرين.  

فضلا عما ذكر أعلاه هنالك متطلبات أخرى اعتمدها الامام الحسين عليه السلام لأداء دوره القيادي الملهم منها موضح بالآتي: -

1-الحيوية والنشاط: -كان لنصرة الامام الحسين عليه السلام اعتبار كبير في نفوس انصاره واهل بيته للأسباب الاتية أولا: مبادئه وأهدافه التي أعلن عنها تمثل امتداد للرسالة النبوية، ثانيا: ان الامام عليه السلام حفيد النبي محمد صل الله عليه واله وسلم وقد خصه بحديث يؤكد حبه له (حسين مني وأنا منه أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط). ثالثا : لاحاديث التي رواها عن النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم التي تؤكد امامته (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) رابعا: شرعية مواجه السلطة الظالمة  فقال عليه السلام (أما بعد فقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه واله قد قال في حياته: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول ولا فعل، كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وإني أحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه واله)، أسهمت هذه العوامل في تعزيز الدافع الديني لدى الأنصار للقتال بأيمان وعقيدة راسخة عند مواجهة جيش عمر بن سعد، يمكن لنا ان نعرف قوة الإرادة والتصميم لدى انصار الامام عليه السلام من خلال حديث مسلم بن عوسجة الأسدي مع الامام الحسين عليه السلام: (والله لو علمت انى اقتل ثم أحيى ثم احرق ثم اذرى يفعل بي ذلك سبعين مرة ما تركتك فكيف وإنما هي قتله واحدة ثم الكرامة إلى الأبد) ،من جانب اخر بالرغم من حصار جيش عمر بن سعد لمعسكر الحسين عليه السلام الا ان أنصاره كانوا مستبشرين ومسرورين ولديهم روح معنوية عالية  وقاتلوا بشجاعة وكبدو خصومهم خسائر فادحة.

2-الاستماع: -اتسم الامام الحسين عليه السلام بالانفتاح الذهني على كافة وجهات النظر والمقترحات التي عرضت عليه وناقشها مع أصحابها منها (تغيير بلد المسير من العراق الى بلد اخر، والطلب منه بعدم اصطحاب النساء في سفره، والطلب منه بيعة يزيد) وغيرها من المحاورات وكان عليه السلام يجيب على كافة الأسئلة بناء على تكليفه الشرعي ودوره القيادي والمصلحة ومتطلب المرحلة التي يمر بها المسلمون بذلك الوقت. 

3-التواضع: -تشير الروايات ان الامام الحسين عليه السلام لم يفرق في تعامله مع أنصاره واهل بيته او بين حر وعبد وكان ينظر إليهم بعين المساواة حيث ان الامام عليه السلام كان يمشي الى كل من كان يسقط من أنصاره واهل بيته في ارض المعركة، عزز هذا السلوك تأثير الامام الحسين ع ومقبوليته لدى انصاره.

4-القدرة على التعبير: -وهي من الصفات المهمة للقادة الملهمين، وتميز اهل البيت عليهم السلام عن سائر الناس بالفصاحة والبلاغة وقوة الحجة وقد أشار الامام زين العابدين عليه السلام الى ذلك في خطبته (أيُّها الناس، أُعطينا ستّاً وفُضِّلْنا بسبع، أُعطينا: العلمَ والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين....) حيث طرح الامام الحسين عليه السلام خلال مسيرته الى العراق أراءه وافكاره بطريقة واضحة ومقنعة للأخرين وكذلك عبر عما يجول بخاطره بصراحة ووضوح في كثير من المواقف. 

5-الحزم والتفاؤل:-  استطاع الامام الحسين عليه السلام اقناع الاخرين بأسباب عدم البيعة ليزيد (يزيد فاسق، فاجر شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق والفجور، مثلي لا يبايع مثله) وأيضا خلق الامام الحسين عليه السلام أجواء إيجابية وحالة من الصبر والقبول بقضاء الله وقدره  والتصرف بتعقل بعيد عن الانفعالات العاطفية لدى اتباعه ويبدو ذلك واضحا في وصيتة الى السيدة زينب عليها السلام عندما طلب منها ان تتعزى بعزاء الله وان ترضى بقضاء الله وقدره ، فكان رد السيد زينب عليها السلام على ابن زياد: عندما سألها كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك فقالت عليها السلام:( ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم). ومن جانب اخر ان الامام الحسين عليه السلام لم يهن اثناء المعركة بالرغم من مقتل اهل بيته واصحابه واشتداد العطش به وبعياله وكانت حالته كما وصفه عبد الله بن عمار بن يغوث (ما رأيت مكسورا قط قد قتل ولده واهل بيته وصحبه اربط جأشا منه ولا أمضي جنانا ولا اجرا مقدما. ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شد فيها ولم يثبت له أحد).

   وبناء على ما تقدم نستنتج ان سمات القيادة الملهمة التي اتسم بها الامام الحسين عليه السلام كانت من العوامل الرئيسة لتحقيق رؤيته واهدافه الإصلاحية، فمن خلال تلك القدرات والقابليات التي اتصف بها تمكن الامام الحسين عليه السلام من التأثير في سلوك اتباعه فكان أدائهم باهرا ورائعا، بحيث قاتل اتباعه الى اخر رمق ببسالة وتفاني، وقيم ذلك الموقف الامام الحسين عليه السلام حين قال: (فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا).

    وتجدر الإشارة الى ان الثورة الحسينية المباركة لم تتوقف في إطار زمان ومكان معين، بل امتدت عبر الأجيال والى كافة ارجاء الأرض، وسيبقى الامام الحسين بن علي عليه السلام امام الثائرين وستبقى تلك المبادئ والرؤى والاهداف التي نادى بها في عاشوراء خالدة وتتجدد كل عام، فالسلام على الحسين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.

المصادر:

أولا المصادر العربية:

1-القرشي، باقر شريف، (2008)، حياة الامام الحسين بن علي عليهما السلام، كربلاء: العتبة الحسينة المقدسة.

2-الكعبي، عبد الزهرة، (1972)، الحسين عليه السلام قتيل العبرة-مقتل الامام الحسين الذي أذيع من دار الإذاعة العراقية في يوم عاشوراء منذ عام 1379هـ، شبكة الفكر.

3-الكعبي، عبد الزهرة، (1997)، مقتل الامام الحسين ومسير السبايا، شبكة الفكر.

4-الجد، حيدر، (2015)، القيادة الاستراتيجية في فكر الامام الحسين عليه السلام، العقيدة، العدد التاسع

5-خليف، سلطان احمد واخرون، (2012)، القيادة الملهمة والمفاجأة الاستراتيجية، مجلة جامعة البصرة، كلية الإدارة والاقتصاد، المجلد 7، العدد13.

6-الموسوي، ميمونة احمد، عبود، نور هاشم، (2020)، تأثير القيادة الملهمة في الولاء التنظيمي، مجلة الإدارة والاقتصاد، جامعة كربلاء، المجلد9،العدد35

المصادر الأجنبية:

1-Bonau، S. (2017). How to become an inspirational leader، and what to avoid. Journal of Management Development.

2-Salas-Vallina، A.، Simone، C.، & Fernández-Guerrero، R. (2020). The human side of leadership: Inspirational leadership effects on follower characteristics and happiness at work (HAW). Journal of Business Research، 107، 162-171.

3-Awad، O. A. (2018). the relationship between the inspirational leadership and the entrepreneurship in the small and medium-sized enterises in gaza strip: applied study in the clothing sector.

4-Körösényi، A.، & Patkós، V. (2017). Variations for inspirational leadership: The incumbency of Berlusconi and Orbán. Parliamentary Affairs، 70(3)، 611-632.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية