التوظيف الحكومي في العراق

شارك الموضوع :

ان الحلول السياسية (التوظيف الحكومي) للمشاكل الاقتصادية(البطالة والفقر)هي حلول مؤقتة قصيرة المدى لا تعالج المشاكل بشكل جذري, في حين ان الحلول الاقتصادية للمشاكل الاقتصادية تعالجها بشكل حقيقي، وان التوظيف الحكومي في العراق، ما هو إلا حل سياسي لمشكلة اقتصادية متأصلة في صلب الاقتصاد العراقي

      تحتل مسألة التوظيف الحكومي في العراق اهمية كبيرة، حيث دأبت الحكومات المتعاقبة على توظيف العديد من الافراد في مؤسسات الدولة حتى بلغ عدد موظفي الدولة أكثر من 4 اربعة ملايين موظف 2023 بعد إن كان أقل مليونين موظف عام 2006.

التوظيف الحكومي: حل جذري ام مؤقت؟

قد يرى البعض ان التوظيف الحكومي حل لمعالجة المشاكل الاقتصادية (البطالة والفقر) في العراق، وهو كذلك لكن هل هذا الحل هو حل مؤقت أم جذري؟ 

في العادة ان طبيعة الحلول المؤقتة تختلف عن الحلول الجذرية، ففي الوقت الذي لا تسعى الحلول الجذرية لمعالجة المشاكل الحالية، بل وقد تزيد منها؛ بحكم انها حلول بعيدة المدى وليست قصيرة المدى، أي انها تعالج المشاكل المستقبلية من الآن.

تسعى الحلول المؤقتة لمعالجة المشاكل الحالية وبشكل سريع دون الاخذ بعين الاعتبار الاثار التي ستحصل مستقبلاً، بمعنى انها بمثابة الترحيل المؤقت لانفجار الازمة، وهي تأتي بعد وقوى المشكلة لا قبلها كما في الاولى.

لذلك يمكن القول، ان الحلول السياسية(التوظيف الحكومي) للمشاكل الاقتصادية(البطالة والفقر)هي حلول مؤقتة قصيرة المدى لا تعالج المشاكل بشكل جذري, في حين ان الحلول الاقتصادية للمشاكل الاقتصادية تعالجها بشكل حقيقي، وان التوظيف الحكومي في العراق، ما هو إلا حل سياسي لمشكلة اقتصادية متأصلة في صلب الاقتصاد العراقي.

ان انسحاب الدولة بعد 2003 من النشاط الاقتصادي من جانب و زيادة الايدي العاملة في الاقتصاد من جانب آخر، يعطي دلالة واضحة عن مدى استدامة التوظيف الحكومي في معالجة مشكلة البطالة والفقر، خصوصاً مع تدهور الايرادات النفطية التي تمثل العمود الفقري للتوظيف الحكومي.

إذ لا يمكن للدولة في ظل انسحابها من النشاط الاقتصادي وعدم استقرارية الايرادات النفطية ان تستمر في استيعاب وتوظيف الايدي العاملة المتزايدة سنوياً، مما يعني ان التوظيف الحكومي حل سياسي مؤقت لا أكثر وستستمر المشكلة الحقيقية.

دلالات التوظيف السياسي

التوجه الاقتصادي

حيث اتجه العراق بعد عام 2003 نحو اقتصاد السوق مما يعني ان المسؤول عن خلق فرص العمل واشغالها هو القطاع الخاص وفقاً لقانون العرض والطلب وليس التخطيط المركزي، فاستمرار توظيف الايدي العاملة في مؤسسات الدولة لا يعود لأسباب اقتصادية بقدر ما هي سياسية.

الحاجة

ان اغلب مؤسسات الدولة تعاني من فائض في عدد الموظفين وليس بحاجة لمزيد من التوظيف، فالعمل على توظيف المزيد من الايدي العاملة في مؤسسات الدولة يعني استمرار التوظيف السياسي على حساب التوظيف الاقتصادي لان مؤسسات الدولة تعاني من فائض وليس بحاجة للتوظيف.

الانتاجية

ان توظيف العديد من الايدي العاملة في مؤسسات الدولة دون ان يكون له انعكاس ايجابي واضح على الخدمات المقدمة للمواطنين، يعطي انطباع واضح عن الهدف من التوظيف الحكومي (سياسي لا اقتصادي)

الدولة

ان هيمنة الدولة على النفط وارتفاع نسبة مساهمة الايرادات النفطية أكثر من 85% من الايرادات العامة يعني وجود مصدر تمويل سهل يتيح للمسؤولين السياسيين العمل على زيادة التوظيف الحكومي لأجل ادامة بقائهم في السلطة اطول مدة ممكنة.

الاقتصاد

اضافة الى هيمنة الدولة على النفط، هيمنها على الاقتصاد بحكم اعتماد الاقتصاد العراقي على النفط بشكل كبير جداً، ونظراً لان الصناعة النفطية كثيفة راس المال لا كثيفة العمل، مما يعني ان الاقتصاد ضعيف في خلق الفرص والنتيجة زيادة البطالة ولأجل ضمان الاستقرار السياسي تلجأ الحكومة الى فتح باب التوظيف الحكومي.

تداعيات التوظيف السياسي

عبء الموازنة

حيث يزيد التوظيف الحكومي من النفقات العامة ويضيف عبئاً على الموازنة العامة للدولة، وتكون الحكومة مسؤولة عن صرف وتأمين تعويضات الموظفين ومستلزماتهم الخدمية والسلعية وغيرها.

حيث أسهم التوظيف الحكومي في زيادة النفقات التشغيلية من 120 تريليون دينار عام 2021 الى 127 تريليون دينار عام 2023.

التوازن المالي

 حيث يسهم التوظيف الحكومي بدافع سياسي في اختلال التوازن المالي، اي يؤدي لزيادة عجز الموازنة العامة.

حيث اسهمت القراءة السياسية للموازنة المالية والتوظيف السياسي على حساب التوظيف الاقتصادي في تفاقم العجز المالي ليبلغ 64 تريليون دينار عام 2023 بعد ان كان 28 تريليون دينار عام 2021، بمعنى انه ارتفاع بنسبة 128%. 

حيث تشكل النفقات التشغيلية (127 تريليون) بما فيها تعويضات الموظفين [(59 تريليون دينار) تشكل ( 46%) من النفقات التشغيلية] أكثر من 85% من النفقات الجارية (149 تريليون) والتي تشكل أكثر من 75% من النفقات العامة(198 تريليون) عام 2023.

العبء الضريبي

 قد تحتاج الحكومة الى زيادة الايرادات الضريبية او فرض ضرائب جديدة لتمويل متطلبات التوظيف الحكومي ومستلزماتهم الخدمية والسلعية وغيرها.

ان زيادة او فرض ضرائب جديدة سيزيد من العبء الضريبي على الافراد والشركات وثم التأثير على اداء الاقتصاد بشكل عام.

المديونية

 وفي حال تعذر زيادة او فرض ضرائب جديدة، سيتم اللجوء للاقتراض الذي يعد بمثابة ضرائب مؤجلة تتحملها الاجيال القادمة ويؤثر بشكل سلبي على استدامة المالية العامة.

وعلى الرغم من زيادة اعداد الموظفين في الموازنة الاخيرة بأكثر من 800 ألف درجة وظيفية إلا ان الضرائب المباشرة لم ترتفع بل انخفضت من 9 عام 2021 الى 3 مليار دينار عام 2023، مما يعني انه سيتم اللجوء للاقتراض (41 تريليون كما في موازنة 2023 بعد ان كان 27 تريليون عام 2021 بمعنى انه ارتفع بنسبة 51%) لتغطية العجز المالي المشار اليه آنفاً.

القطاع الخاص

قد يؤثر التوظيف الحكومي بشكل كبير على القطاع الخاص، لانه قد يؤدي الى حرمان القطاع الخاص من الايدي العاملة الماهرة بحكم جذبها وتوظيفها في مؤسسات الدولة، مما يعني زيادة تكاليف الحصول على الايدي العاملة الماهرة وبالتالي انخفاض الكفاءة التنافسية لشركات القطاع الخاص.

البطالة المقنعة

 تعني البطالة المقنعة زيادة عدد الموظفين دون أن يطرأ تحسن في الانتاجية، وبهذا الصدد تشير بعض المصادر (1) ان معدل انتاجية الموظف العراقي هي 17 دقيقة، مما يعني تفاقم البطالة بشكل عام والمقنعة بشكل خاص في العراق نظراً لاستمرار التوظيف السياسي على حساب التوظيف الاقتصادي.

مقترحات تقليص وترشيد التوظيف الحكومي

وكما أشرنا بدايةً، ان الحلول السياسية للمشاكل الاقتصادية لا يمكن ان تعالج هذه المشاكل بشكل حقيقي ما لم تكن الحلول اقتصادية.

ولأجل معالجة مشكلة البطالة والفقر وترشيد التوظيف الحكومي يمكن تحديد بعض المقترحات أدناه:

1- الرؤية الاقتصادية

ايجاد رؤية اقتصادية واضحة يتطلع الجميع لتحقيقها، وتكون قادرة على تعبئة الافراد والموارد باتجاه بناء اقتصاد حقيقي قادر على خلق الفرص المناسبة للأيدي العاملة بعيداً عن التوظيف الحكومي.

2- التوظيف السليم للنفط

 اي العمل على توظيف الايرادات النفطية باتجاه القطاعات التي تسهم في تنشيط وتفعيل الاقتصاد وبالخصوص قطاعات البنية التحتية والحكومة الالكترونية، إذ ان بناء البنية التحتية والحكومة الالكترونية يعني استفادة الجميع منها افراد وشركات وهذا ما ينسجم مع عمومية النفط وتخفيض التوظيف الحكومي اخيراً.

3- التعليم والسوق

ربط التعليم باقتصاد السوق، نظراً لانفصام العلاقة بين التعليم واقتصاد السوق، حيث لم يسهم التعليم في خلق مهارات تلبي حاجة اقتصاد السوق كما لم يخلق اقتصاد السوق فرص العمل التي تلبي حاجة الايدي العاملة، كلا الامرين دفع لزيادة التوظيف الحكومي، فالعمل على ربط التعليم باقتصاد السوق سيسهم في تقليص التوظيف الحكومي.

4- محاربة الفساد

 حيث يسهم الفساد بالتزامن مع وجود الموارد النفطية والمؤسسات الشكلية في زيادة التوظيف الحكومي والتداعيات المترتبة عليه، ونظراً لشيوع الفساد وانتشاره في اغلب مؤسسات الدولة واحتلال العراق المرتبة 157 دولة من 180 اصل كانت وتيرة التوظيف الحكومي في تصاعد مستمر.فمحاربة الفساد يعني توظيف الموارد النفطية بما يخدم الاقتصاد وتحقيق التوظيف المناسب في مؤسسات الدولة والاقتصاد بعيداً عن التوظيف الحكومي بدوافع سياسية.

5- معايير التوظيف الحكومي

وضع الية مناسبة للتوظيف الحكومي تعتمد معايير موضوعية كالمواطنة والشهادة والخبرة لا مزاجية كالمحسوبية والمنسوبية والفساد، فالاهتمام بالمعايير الموضوعية لا المزاجية سيسهم في ترشيد التوظيف الحكومي بشكل كبير.

6- قوانين ضامنة ومحفزة

العمل على ايجاد قوانين ضامنة لحقوق العاملين في القطاع الخاص ومحفزة لهم، لان العاملين في العادة يعملوا مقارنة بين العمل في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من حيث الضمانات والمردودات المالية، فعندما تكون موحدة او متقاربة سينخفض الطلب على التوظيف الحكومي، فالعمل على ايجاد قوانين ضامنة ومحفزة ستسهم في تقليل التوظيف الحكومي.

المصادر:

1-  البنك الدولي، نقلاً عن موقع قناة الجزيرة.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية