الأزمة السورية في عامها الثالث تعيش ظروف إقليمية ودولية معقدة تؤكد بأن الحل العسكري بات بعيدا، حيث أودى الصراع الدائر بين الجيش النظامي والحركات المسلحة بحياة أكثر من 60 ألف سوري، و200 ألف جريح ومعاق، وقرابة 3 ملايين مشرد داخل سوريا وخارجها، ودمار هائل في البنى التحتية العامة والخاصة.
الغربيون والأمريكيون لا يرغبون بسيطرة عناصر متطرفة من الحركات الإسلامية على مقاليد الامور في الدول التي تعتبر مفاصل حركة الشرق الاوسط على اقل تقدير، ناهيك عن وضع سوريا الجغرافي المتميز.
وعليه فالربيع السوري الذي يراه البعض انه بدأ ببريق ساطع اخذ بالخفوت تدريجيا واصبح رحيل بشار (اصعب من المخطط له) حتى لمن طبلوا لذلك الربيع وساهموا بانتشاره، كونهم ايقنوا بان البديل سيكون غير مسيطر عليه وقد يؤدي الى فوضى تنتج (طالبان سوريا) وقواعد للحركات السلفية التي لا ترتبط بصداقة دائمة لأي جهة،من هنا بدا الشركاء في المشهد الدولي بالتحرك خلف الكواليس لترتيب سوريا مستقبلا ولكن بمراحل على ما يبدو تتمثل في سيناريوهات متعددة قد يكون اقربها متمثل في:
1- ترك المسلحين والنظام في دوامة عنف داخلية الى مراحل الإنهاك للطرفين ومحاولة دفع عناصر جديدة في المشهد السياسي السوري، ليتم بعدها التدخل بمبادرة (عربية- اوربية- اقليمية) تضمن انهاء النزاع يوافق عليها المتحاربون حفظا لماء الوجه والخروج من المأزق.
2- رحيل لبشار وطاقمه الحكومي الاول، وتسليم الأمور بيد حكومة مؤقتة لإدارة البلاد لحين إجراء الانتخابات.
3- إجراء انتخابات رئاسية تشترك فيها جميع الاطراف بعد كتابة دستور يضمن حقوق الجميع وبشكل متزن بحيث لا تطغى طائفة على أخرى.
4- دفع الحركات المعارضة الأخرى الى واجهة الحدث وانتاج مزيج معارض من العلمانيين والمدنيين ومحاولة سحب البساط من الحركات المتشددة والمتمثلة في الحركات التكفيرية والسلفية الموجودة حاليا وحصرها في زاوية غير فعالة، بل وتضييق الخناق عليها لإجبارها على مغادرة سوريا كونها مرتكبة لجرائم بحق الانسانية خلال فترة التمرد الحالي.
5- الابقاء على النظام العام لسوريا والتركيبة الحكومية بشكل عام ومنعه من الانهيار وخصوصا الأجهزة الامنية والجيش النظامي لتفادي الاخطاء التي حدثت في العراق عقب الغزو الامريكي له عام 2003.
6- العمل على إعادة سيطرة الجيش النظامي للمناطق المتوترة والتي تشهد احداثا يومية لمنع انتشار الحركات المسلحة والتي قد تقوض حالة السلام في سوريا عموما وفي منطقة الجولان خصوصا والتي تشعر اسرائيل بانها تمر بحالة من المخاض قد تفضي الى تواجد عناصر مسلحة خارج سيطرة الحكومة المركزية كما هو الحال في شمال العراق وتواجد عناصر حزب العمال التركي المعارض ال pkk.
7- العمل على ايجاد رأس واضح وعنوان جديد في سوريا تستطيع الدول الفاعلة من التعامل معه مستقبلا لرسم سياسة سورية غير عدائية للجميع وبنفس الوقت غير تابعة لدول اقليمية معينة.
غير ان السؤال الذي يرد هنا لماذا تتأجل الحلول في سوريا؟
وللإجابة على هذا السؤال لابد من قراءة الوضع الاقليمي والدولي، والتحركات الاخيرة وهذا بدوره منوط بحالة المنطقة عموما، فالأزمات المتعددة في دول المنطقة مازالت تهدد خارطة الشرق الاوسطي الجديد وهي في حقيقة الامر تهدد انتاج الطاقة المتمثلة بصادرات النفط العالمية، والازمات المالية التي تعصف بدول كبرى ومن ضمنها امريكا.
مضافا لذلك المفاوضات الايرانية- الاوربية حول ملفها النووي التي مازالت متعثرة وان كانت المؤشرات الايجابية موجودة،فالتحول في سوريا يعني تحول في سياسة واسعة تنذر برسم خارطة الشرق الاوسط وتحويل ملفات بعض الدول الاسيوية من صديقاتها الاوربية والغربية الى اخرى بطريقة المقايضة.
وقد يعطي مؤتمر روما لما يسمى (أصدقاء الشعب السوري)، الذي عُقد في الثامن والعشرين من فبراير/شباط الماضي 2013، ومن اللقاءات التي رافقته، مؤشرا أن الحشد والدعم الدوليين، يتركزان فقط في المجالين: السياسي والإنساني أو الإغاثي، ولا يطاول الدعم العسكري المباشر، وهذا يؤكد مخاوف الدول الداعمة للتغير في سوريا من انفلات الامور الى ابعد من تغيير بشار وحكومته.
ما يمكن ان يعجل الحل؟
اولا: اصابة النظام بهزة عنيفة، بفعل صدمة من داخلة أو من خارجه، تجعله ينهار سريعًا، وربما تسود في إثرها مرحلة قصيرة على الأرجح من الفوضى أو الفراغ السياسي، تؤدي الى انهاء المعركة لصالح العناصر المسلحة ولو بشكل غير منضبط، وقد يصعب التنبؤ بالنتائج والإرهاصات التي تتمخض عن هذا السيناريو، خاصة في ظل تقارير تشير إلى وجود خطط لدى النظام، في حال فقدانه دمشق، للانكفاء في المنطقة الساحلية، والاحتماء بالمكون الطائفي، وقد يستجلب ذلك تقسيم سوريا إلى دولتين أو أكثر.
ثانيا: ان تضغط الدول الصديقة للنظام السوري لدفعه للجلوس الى طاولة مفاوضات مباشرة او غير مباشرة مع الائتلاف السوري المعارض ويقابلها ضغط من الدول الداعمة للائتلاف على الالتزام بطرق الحل السلمي والوصول الى تفاهمات لانتقال للسلطة، شريطة ان لا يكون للعناصر المتطرفة تأثير واسع على نتائج تلك التفاهمات، ولعل هذا السيناريو هو الأقل كلفة في الدماء وفي الحفاظ على ما تبقى من مقدرات سوريا ولكنه الابعد عن الواقع حاليا على اقل تقدير في ظل التجاذبات الدولية والاقليمية.
وفي كلا الحالين لا يمكن للوضع السوري ان ينتهي او تعود الامور فيه الى الهدوء الا بالاعتراف بحقيقتين:
1- الاولى: ان يقتنع النظام السوري الحالي بضرورة الاصلاح الشامل والفعلي في هيكلة الدولة حتى لو تطلب الامر رحيل بشار وطاقمه الحكومي واجراء انتخابات حرة تؤسس لتداول سلمي للسطلة، وحفظ حقوق جميع الطوائف.
2- الثانية: ان تعي المعارضة السورية والمعترضين على حكومة البعث في سوريا وتصل الى قناعة بوجود حركات مندسة لا يهمها تغيير النظام السوري بقدر حصولها على مواطئ قدم لها كعناصر متطرفة غايتها تأسيس طالبان جديدة في المنطقة لزعزعة الاستقرار وان تلك الحركات لن تتوقف عن حمل السلاح حتى بتغيير النظام الحالي، بل قد تثير حربا حتى ضد الحكومات التي تلي سقوط نظام الاسد، وهذا يمثل التحدي الاكبر والحقيقي في إعادة الاستقرار لسوريا والوصول الى حل حقيقي.
وفي حال وصول الطرفان الى هاتين القناعتين فانهما سيلتقيان في محطة واحدة، وسرعان ما يصل الصراع الى حلول جذرية دون أي تدخل اقليمي او دولي، ولكن هذا يتطلب بدوره تفاهما وحوارا سوريا داخليا خالصا دون أدنى تأثير خارجي، وان يكون الاتفاق الاول هو نبذ العنف والتطرف كأساس لأي إصلاح مستقبلي او تفاهم لبناء الدولة.
اضافةتعليق